ألقى الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، موضحاً أن مرارة الواقع الذي نعيشه تتكشف يوماً بعد يوم في ظل ما نطالعه من أحداث ووقائع مخزية، يخجل المرء من الكلام عنها، بدءاً من النظر المحرم والتحرش المجرم، ووصولاً إلى هتك عرض الأطفال والزنا حتى بالمحارم، مما ينبئ عن خلل قيمي، وانحراف أخلاقي، وانحلال اجتماعي، مبينا أن هذه الأحداث المؤسفة توقظ القلوب من غفلتها، وتنبه العقول من رقدتها، وتنادي فينا بالأخلاق الواجبة في هذا الزمان، وتحذرنا أن نستجيب لما يثير الغرائز والشهوات من دعوات منحرفة وصفحات مشبوهة وقنوات مأجورة، وأعمال تهون المنكر وتسهل الحرام.

"البحوث الإسلامية" يكرّم المشاركات في برنامج محو الأمية الدينية البحوث الإسلامية: انطلاق قافلة واعظات الأزهر إلى الواحات البحرية

وبين أن الأمة المسلمة أمة عفيفة، عفيفة في كلمتها، وعفيفة في طعمتها، وعفيفة في كسبها، وعفيفة في ستر عوارتها، وعفيفة في علاقتها بغيرها من الأمم، وهو ما يبنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدى والتُّقى، والْعَفافَ والْغِنى».

كما أشار إلى أن الإسلام لم يكتف بوضع العقوبة لجريمة التحرش أو جريمة الزنا أو جريمة اللواط حين تقع، بل سبق وقوع الجريمة بوضع السبل التي تصون المجتمع وتقطع الطريق على هذه الجرائم والقبائح، فأمر بصيانة العورات وحمايتها داخل البيت وخارج البيت، وأحاط علاقة الرجل بالمرأة بسياج من الآداب، ووجه الغرائز إلى ما يجب أن تكون فيه.

وشدد الدكتور الهواري على أن العورات يجب أن تبقى مستورة مصونة ولا ينبغي أن تكشف باسم الحرية ولا تحت راية التمدن والتحضر، وهو ما بينه توجيه النبي صلى الله عليه وسلم.

وأشار إلى أن الأمة قد عارضت هذا التوجيه النبوي من ناحيتين، أولاهما إباحة التلصص على الغير بالكاميرات والتطبيقات، مما يستخدم للابتزاز والتشهير والتنمر، متسائلاً عن أي مبرر عقلي أو شرعي لهذا التلصص والتربص ببيوت الناس وعوراتهم، والناحية الثانية هي تقديم حياتنا وخصوصياتنا للعالم وعرضها مجاناً على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث ينقل الناس حركة حياتهم في كل تفاصيلها بما لا يسر، بما في ذلك التصوير مع الزوجات والأولاد وهم متخففون من ملابسهم، متسائلاً: "أي عقل هذا الذي يسوّغ للإنسان هذا العبث؟ ثم نسأل بعد هذا من أين جاءنا فساد الأخلاق؟

وذكر حديث بهز بن حكيم عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، فقال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، وعندما سُئل عن خلوة الإنسان بنفسه قال: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ»، وتساءل فضيلته عن كيفية استقبال الواقع لهذا الحديث والناس يتخففون من الملابس وينشرون ذلك طلباً للمشاهدات، أو يخلعون ملابسهم باختيارهم، مؤكداً أن الإسلام يوجب على الإنسان التستر والتصون حتى لو كان وحده، فالحياء والستر أولى، والحياء من الله أولى.

وحذر الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية من اعتياد النظر إلى العورات، في الواقع أو على الشاشات، لأن "كثرة المساس تقتل الإحساس"، فإدمان النظر إلى العورات المكشوفة والصور العارية يقتل الإحساس بالحرمة والجرم، فيصبح الحرام في النفوس هيناً.

وأكد الدكتور الهواري أن غض البصر مطلوب من الرجال والنساء على السواء، مستشهداً بخطاب الله للمؤمنين والمؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج، ومؤكداً أنه في الوقت الذي تُذكَّر فيه المرأة بالحجاب والحشمة، يُذكَّر الرجل بغض البصر، فليس كشف المرأة لعورتها مبرراً للنظر أو للتحرش، مستدلاً بقول سعيد بن أبي الحسن للحسن البصري عن نساء العجم اللاتي يكشفن صدورهن ورؤوسهن: «اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ»

وذكر أن الإسلام يحرص على تحقيق "العفَّة العامَّة"، ولذا حرَّم الزِّنا وبَغَّضَه، ولم يَنْهَ عن الوقوع فيه فقط، وإنَّما نهى عن القرب منه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾. وحرَّم الخلوة التي قد تؤدِّي إليه، فقال النَّبيُّ –صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ألا لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشَّيطان»، وحذّر من التساهل فيها حتى مع الأقارب الذين يُطمأن إليهم، فمن هذا التساهل يقع زنا المحارم، وشدد التحذير من «الحمو»، كما حرَّم الكلمة اللَّينة التي تُطمِع مرضى القلوب: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾. وحرَّم النَّظرة التي تكون بريد الزنا، كما حرَّم مجرد النظر أو المس بشهوة، مستشهداً بحديث: «لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ»، وجعل النظرة المريبة من الزنا: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ... وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ».

كما جعل الإسلام للطريق آداباً تحفظ الناس فيه، ومنها: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ»، وحرَّم منكرات الشوارع ومنها التشبه، الذي يوجب اللعنة لصاحبه من المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.

واختتم الدكتور محمود الهواري خطبته ببيان أن الإسلام قدم الحل ووضع سبلاً لتحصيل العفة، تبدأ منذ الصغر بتربية الأولاد على احترام العورات والخصوصيات بالاستئذان، ورعاية العورات، وغض البصر، ورعاية حرمة الطريق والمرافق العامة، والتعفف في الثياب والكلام والنظر والمشية، مذكّراً المتحرشين والمتطلعين إلى عورات النساء بأن الله مطلع عليهم وأن لهم عورات، ولخص الحل لوقائع التحرش في أربعة محاور: تقوية الوازع الإيماني، وتفعيل الرادع القانوني، وتقديم العلاج النفسي، والالتزام الأخلاقي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية البحوث الإسلامية لمجمع البحوث الإسلامية الأحداث المؤسفة محمود الهواري البحوث الإسلامیة أن الإسلام الله علیه

إقرأ أيضاً:

الإسلام دين ودولة

يمانيون| بقلم: بشير الصانع

 

الإسلام دينٌ يجمع بين روحانية الإيمان وصلابة البناء الاجتماعي والسياسي؛ فهو منظومة متكاملة تقوم على هداية الإنسان وإقامة العدل وصناعة الوعي وبناء الدولة.. هذه الشمولية هي ما جعلت الإسلام قادرًا على صناعة حضاراتٍ خالدة؛ لأَنَّها لم تفصل بين ما يعيش في القلب وما يصنع الواقع، بل صاغت منهما كيانًا واحدًا متماسكًا يتجه نحو الله ويعمر الأرض بمنهجه.

وعندما نتأمل في حقيقة نظام الحكم في الإسلام، ندرك أنه يقوم على مبدأ الحاكمية لله، وأن مصدر التشريع هو القرآن الكريم والعترة الطاهرة، بعيدًا عن الأهواء والتجارب البشرية القاصرة.

هذا الارتباط بالوحي يعطي النظام الإسلامي عمقه الأخلاقي، وروحه العادلة التي تحفظ الإنسان من الظلم، وتصنع مجتمعًا متوازنًا تلتقي فيه القيم الروحية مع التنظيم الإداري والسياسي.

فالدولة في الإسلام هي امتداد طبيعي لمنهج التوحيد في حياة الناس.

ومع مرور الزمن، تبيّن أن فصل الدين عن الدولة لم يجلِبْ للعالم سوى التفكُّك والانهيار الأخلاقي وانتشار الفساد وسيطرة المصالح الضيقة.

القوانينُ الوضعية مهما تطورت تبقى محدودةً؛ لأَنَّها تنطلِقُ من رؤية بشرية جزئية، بينما الإنسانُ بطبيعته يحملُ في داخله حاجات روحية وأخلاقية لا تُشبعها التشريعات المادية وحدَها.

ولهذا، كلما ابتعدت المجتمعات عن نور الوحي، ازداد الظلم، وضعفت الروابط الإنسانية، وسادت النزاعات والمفاسد.

وفي ظل هذه الفوضى العالمية، يظهر الإسلامُ؛ باعتبَاره الطريق القادر على إعادة التوازن.

فهو يقدِّمُ رؤيةً واضحةً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويمنح الجميع حقّ العدالة، ويُلزم الدولة بالقيام بوظيفتها في رعاية الناس وحماية حقوقهم.

إن تطبيق الشريعة الإسلامية بوعي وعدل هو السبيل لنهضة المجتمعات؛ لأَنَّه يعيد الإنسان إلى مركز المسؤولية، ويربط حركة الدولة بقيم إسلامية لا تتغيّر بتغير الأهواء.

ومن أخطر ما نعيشه في واقعنا اليوم سعيُ الأعداء إلى إبعاد العلماء والمتدينين عن تولي المناصِب القيادية في الدولة.

هذا الإقصاء هو مخطّطٌ يخدُمُ مصالحَ القوى المستكبرة التي تدرك أن العالِمَ الربانيَّ هو الأكثر وعيًا بخطر المشاريع الاستعمارية، والأقدر على إقامة القسط، والأصلح لقيادة دولة إسلامية قوية ومتماسكة.

فوجود العلماء في مواقع القرار يعني أن القيم هي التي ستقود، وأن الحَقَّ سيُعلَن ولو واجه مصالحَ الكبار، وهذا ما يخشاه الأعداءُ بشدة؛ لأَنَّهم يدركون أن العِلم الشرعي يصنع رجالًا لا يخافون إلا الله.

ولدينا في تاريخنا الإسلامي نموذجٌ أعظمُ للقيادة الربانية التي تجمع بين العلم والشجاعة والعدل، وهو الإمام علي عليه السلام.

فقد كان الإمامُ عالمًا ربانيًّا تربَّى على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأُوتي من الحكمة والبصيرة ما جعله من أعلم الناس بكتاب الله.

وحين تولى الخلافة، قدّم للعالم نموذجًا فريدًا للدولة العادلة التي لا تحيد عن الحق؛ فحارب الفساد، وواجه الانحراف، وأعاد الحقوق إلى أهلها، وساوى بين الناس دون تمييز.

كانت دولته تعبيرًا حيًّا عن حكم العلماء الربانيين، الذين يجعلون من السلطة وسيلة لإقامة العدل لا لتحقيق المصالح الشخصية عكس غيره.

وكما كان الإمام علي نموذج القيادة الربانية في الماضي، لدينا في واقعنا المعاصر نموذجٌ آخر يجسد هذا النهج، وهو السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله.

فقد قدّم للأُمَّـة رؤية واعية تستند إلى القرآن، وتستمدُّ قوتَها من الإيمان، وترتكز على استقلال القرار السياسي ورفض الوصاية الخارجية.

جمع بين الوعي العميق والبصيرة، وبين القيادة المسؤولة التي تحفظ كرامة الشعب وتقف بثبات أمام قوى الاستكبار.

خطابُه مدرسةٌ فكرية وإيمانيةٌ تُنعِشُ الروح، وتصنع الوعي، وترسّخ القيم في النفوس، وتبني مجتمعًا يتقدّم بثبات نحو التحرّر والاستقلال.

وقيادتُه للجبهة الداخلية والخارجية، وصبرُه، ووضوح رؤيته في مواجهة الأعداء، نموذجٌ عمليٌّ على أن العلماءَ الربانيين عندما يكونون في مواقع القيادة تصيرُ الأُمَّــة أقوى، وأكثر قدرة على الصمود، وأقدر على صناعة دولة حقيقية تتكِئُ على الوعي والإيمان.

ولدينا كذلك نموذجٌ حيٌّ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حَيثُ يمثّل حضور العلماء في إدارة الدولة ركيزةً أَسَاسيةً في بناء مؤسّسات ثابتة تقف في وجه القوى الطاغية.

هذا النموذج المعاصر يوضح أن الدولة التي تستند إلى الدين تكون أشد مناعة وأكثر قدرة على تحقيق العدالة والنهضة، تمامًا كما كان نموذج الإمام علي في الماضي والسيد القائد في واقعنا اليوم.

إن واقع الأُمَّــة اليوم يحتاج إلى مثل هذا الوعي؛ فالمعركة معركة وعي وهُـوية ومسار.

وما يريده الأعداء هو دولةٌ بلا روح، ومسؤولون بلا مرجعية، ومجتمع بلا قيم، حتى يسهل اختراقه والتحكم بمصيره.

أما عودةُ العلماء والدعاة الربانيين إلى مواقع التأثير فهي خطوة جوهرية في طريق إقامة دولة حقيقية تحمي الإنسان وتنهض بالأمة.

فالإسلام هو مشروعٌ حضاريٌّ متكامل.. وكلُّ محاولةٍ لفصل الدين عن الدولة هي في حقيقتها محاولةٌ لفصل الإنسان عن قيمه، وفصل المجتمع عن مصدر قوّته.

طريقُ النجاة يبدأُ بالعودة إلى الله ورسوله وأعلام الهدى، والثقة في منهجه، وتمكين العلماء وأهل الوعي من قيادة العمل السياسي والاجتماعي.

ومن هذا الطريق تُبنَى الدول، وتُستعاد القوّة، ويُصنع المستقبل الذي يليق بأمةٍ تحمل رسالة الله إلى الأرض.

 

مقالات مشابهة

  • الفرق بين الحق والحقيقة.. الدكتور علي جمعة يوضح
  • خالد الجندي: التساهل في ستر العورات يربي الأبناء على معصية الله
  • البحوث الإسلامية يطلق المسابقة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
  • لجنة الإعجاز بالبحوث الإسلامية تطلق المسابقة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسُّنّة لعام 2026/2025
  • علي جمعة: العفاف بكل جوانبه مأمور به على لسان الأنبياء
  • البحوث الإسلامية يعلن فتح باب التظلمات لمرحلة الاختبار التحريري للمسابقة العامة للابتعاث
  • الإسلام دين ودولة
  • "البحوث الإسلامية" يكرّم المشاركات في برنامج محو الأمية الدينية
  • البحوث الإسلامية: انطلاق قافلة واعظات الأزهر إلى الواحات البحرية