سلط أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف، ديفيد سيلفان، الضوء على دفع الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه إسناد إدارة قطاع غزة مستقبلا للسلطة الفلسطينية بعد "إعادة تنشيطها"، مشيرا إلى أن هذا المقترح تتواتر بعض تفاصيله في تقارير وسائل الإعلام الأمريكية.

وذكر سيلفان، في تحليل نشره بموقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاقتراح الأمريكي يمثل جزءاً من مجموعة الأدوات الدبلوماسية القياسية للقوى العظمى "التي تهدف إلى تمكين قوة ثالثة مفترضة كوسيلة للخروج من الكابوس السياسي والعسكري"، لكن "من المؤسف أن التاريخ يُظهِر أن سياسات القوة الثالثة هي في أغلب الأحيان مجرد أوهام وليست حلولاً".

وأوضح أن التاريخ يشهد بأن حلول أزمات كحرب غزة تتلخص في عقد صفقة سياسية مع الطرف المتحارب معه، أو قبول بالحرب إلى أجل غير مسمى، مشيرا إلى أن حل "القوة الثالثة" جرت تجربته قبل ما يزيد قليلاً على قرن من الزمان، عندما بحثت المملكة المتحدة، التي كانت تقاتل تمرداً في أيرلندا، عن تجمع سياسي يكون وسيطاً بين نظام الحكم المباشر، الذي فقد مصداقيته، وحزب "شين فين".

ولعدة سنوات، جرى إنشاء برلمان "أيرلندا الجنوبية"، ولكن تم التخلي عن الفكرة في نهاية المطاف ودعوة "إيمون دي فاليرا" من حزب "شين فين" بنفسه إلى لندن للتفاوض بشأن ما أصبح يعرف باسم الدولة الحرة.

وفي الجزائر، دعا الرئيس الفرنسي، شارل ديغول، متمردي جبهة التحرير الوطني إلى الاستسلام بشرف، وقدم نسخته من القوة الثالثة: جزائر "يحكمها جزائريون ولكن في اتحاد وثيق مع فرنسا"، وبعد مرور عام ونصف، تجاهلت باريس هذا البديل لصالح المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني وحصول الجزائر على الاستقلال.

ويلفت سيلفان إلى قصص مماثلة للقوى العظمى الأخرى التي خاضت عمليات لمكافحة التمرد، مثل الروس في أفغانستان والهولنديين في إندونيسيا، ومع ذلك فإن تاريخ الولايات المتحدة يشير إلى أن تبحث عن قوة ثالثة لحل أزمة تواجهها، كما فعلت في كوبا في عام 1958، تحت شعار "لا باتيستا ولا كاسترو"، وفي إيران عام 1978، في إطار طرحها لفكرة "لا الشاه ولا الخميني".

طريق مسدود

 ولذا فإن اقتراح عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة هو تتبع لمسار كثيراً ما تسلكه الولايات المتحدة، وهو مسار يصفه سيلفان بأنه "طريق مسدود"، لسبب بسيط للغاية: وهو أن القمع أو القتال الطويل، الذي يدفع صناع السياسة إلى البحث عن "قوة ثالثة" يجعل من المستحيل على تلك القوة تمثيل شرعية العدو الذي كانت القوة العظمى تحاربه.

وقد يفضل صناع القرار السياسي، لأسباب عديدة، مواصلة القتال بدلاً من التوصل إلى ترتيب سياسي مع أعدائهم، وفي هذا الصدد فإن "التلويح براية القوة الثالثة قد لا يكون علامة على السذاجة بقدر ما يكون وسيلة لمحاولة صرف انتباه الجمهور عن قرار مواصلة القتال"، بحسب سيلفان.

اقرأ أيضاً

نتنياهو عن سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة: لن أسمح بأن يكون القطاع بعد الحرب "فتحستان"

ويضيف أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية أن التفاوض مع الطرف المحارب يكون بنهاية المطاف هو المسار السلمين، وخير مثال على ذلك هو السياسة الأمريكية والإسرائيلية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بعد طرد الأخيرة من لبنان.

فقد كان التصور بعد رحيل رئيس المنظمة، ياسر عرفات، ورفاقه إلى تونس، أن القوة الثالثة آنذاك، وهي الأردن في عهد الملك حسين، ستصبح في قلب المحاولات الرامية إلى إيجاد سياسة فلسطينية، لكن تلك المحاولات انتهت، كما كان متوقعا، إلى طريق مسدود، ولجأ الإسرائيليون إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي المجموعة التي كانت تشريعات إسرائيل الاتصال بها.

وبصرف النظر عن فشل اتفاقيات أوسلو لاحقا، إلا أن الواقع يثبت أن الولايات المتحدة وإسرائيل أحرزتا تقدمًا عندما تخلصتا من وهم "القوة الثالثة" وأزالتا "لعنة التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية"، بحسب تعبير سيلفان، مؤكدا أن فكرة مقاطعة المنظمة الفلسطينية كانت دائمًا "مليئة بالثغرات"، إذ جرى دائما حفظ ماء الوجه بفضل المحادثات التي جرت عبر أطراف ثالثة.

ومع ذلك، وكبادرة سياسية، كانت الخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، بالتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، ذات أهمية رمزية، إذ لم تهز إسرائيل فحسب، بل كلفته حياته، وهي النتيجة التي كان من الممكن أن تحدث بسهولة لديغول في فرنسا أيضاً.

ويخلص سيلفان إلى أن السلام ببساطة "يتم بين الأعداء، وليس بين الأصدقاء"، مؤكدا أن المفاوضات يمكن أن تتم دون أي إشارة ضمنية إلى أن أحد الطرفين يثق بالآخر، أو يعتبره شرعياً من الناحية الأخلاقية، والمفاوضات بهذا المعنى "ليست مكافأة على السلوك الجيد" بالضرورة، حسب تعبيره.

ويشير سيلفان إلى أن البديل الوحيد للتفاوض مع حماس هو في مواصلة القتال، بهدف جعل غزة خالية من الحركة لتديرها السلطة الفلسطينية بعد تنشيطها، وهو حلم آخذ في التراجع، إذ يمكن للإسرائيليين القتال لأسابيع أو أشهر، أو حتى لسنوات، مع استمرار الولايات المتحدة في توفير الغطاء لهم، ويمكنهم قتل أو أسر أو نفي كل عضو في حماس، لكن ذلك لن يجعل السلطة الفلسطينية أقوى أو أكثر قدرة على إدارة غزة.

ويختتم سيلفان مقاله بخلاصة مفادها: "لقد حان الوقت لأولئك الذين يفتخرون بإحساسهم بالواقعية أن يواجهوا الحقائق ويسقطوا القوة الثالثة".

اقرأ أيضاً

نتنياهو يرد على اشتية: السلطة الفلسطينية ليست الحل لغزة

المصدر | ديفيد سيلفان/ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين غزة السلطة الفلسطينية حماس إسرائيل الولايات المتحدة منظمة التحریر الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة الولایات المتحدة القوة الثالثة إلى أن

إقرأ أيضاً:

اعتراف أمريكي ثقيل بالهزيمة في اليمن

يمانيون../
مثل هذا الاعتراف من العيار الثقيل من المسؤول الثاني بالولايات المتحدة العظمى، على لسان نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، لم يأتِ من فراغ، بل من تجارب واقعية وسلسلة ضربات عسكرية موجعة تلقتها البحرية الأمريكية من قوات صنعاء في معركة البحر الأحمر المساندة لغزة.

وهكذا قال نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فانس، في كلمة ألقاها بحفل تخرّج دفعة عسكرية من الأكاديمية البحرية الأمريكية بولاية ماريلاند: “لقد تدخلنا في اليمن بهدف دبلوماسي، لا نُورّط فيه قواتنا في صراع طويل الأمد مع قوة فاعلة غير حكومية (قوات صنعاء) تُلحق أضراراً بأصولنا وقواتنا بالصواريخ والمسيّرات”.

وأضاف: “عصر هيمنة الولايات المتحدة على البحر والجو والفضاء بلا منازع انتهى الآن وأصبح ضرباً من الماضي، وعلى أمريكا وجيشها التكيّف مع التغيرات الجيوسياسية والتكنولوجية المتسارعة في العالم”.

وزير حرب أمريكا: فشلنا في اليمن

وفي مقابلة خاصة أجرتها قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، أقرّ وزير الحرب الأمريكي، بيت هيغسيث، بفشل عدوان بلاده على اليمن دون أن تحقق أهدافها المعلنة؛ وقف هجمات قوات صنعاء، والقضاء عليها، وتدمير ترسانة أسلحتها.

وقال: “لم ندمّر القدرات العسكرية للقوات اليمنية، فلدينا أولويات أخرى نركز عليها، مثل الصين وإيران، والولايات المتحدة لن تكرر ما فعلته في العراق وأفغانستان”.

وأضاف: “الرئيس دونالد ترامب قرر في نهاية المطاف وقف عمليات العدوان العسكري على اليمن، وفي البحر الأحمر ضد اليمنيين”.

وكان الرئيس ترامب أعلن، يوم الثلاثاء 6 مايو 2025، وقف العدوان على اليمن، مقابل وقف اليمن الهجمات على السفن الأمريكية في البحر الأحمر، مع وقف الاستهداف بين الطرفين مستقبلاً، في اتفاق بوساطة عُمانية وفقاً لمعادلة صنعاء كمخرج لواشنطن من مستنقع اليمن.

وشنَّت الولايات المتحدة عدواناً عسكرياً انتهى بالفشل على المناطق الحُرة في حكومة صنعاء، في 15 مارس الماضي، باسم عملية “الفارس الخشن”، بما يقارب من 1,500 غارة جوية لمدة 53 يوماً، أدت إلى استشهاد أكثر من 280 مدنياً، وإصابة أكثر من 650 آخرين.

.. واتفاق الهزيمة النكراء

بدورها، اعتبرت مجلة “ناشيونال إنترست” اتفاق وقف إطلاق النار بين الرئيس ترامب واليمنيين هزيمة عسكرية نكراء لأمريكا في المهمة القتالية الأعنف لقوات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر منذ الحرب العالمية الثانية.

وكشفت عن الهزائم التكتيكية المحرجة لأمريكا في عدوانها على اليمن، بتعرّض طائرات “F-35” من الجيل الخامس لخطر الموت في الأجواء اليمنية رغم تقنيات التخفي، وإعلان واشنطن تغيير قائد حاملة الطائرات “ترومان” عند وصولها إلى موطنها في مدينة نورفولك بولاية فيرجينيا الأمريكية خلال الأسابيع المقبلة.

وأكد موقع “ريل كلير ديفينس” الأمريكي العسكري إن لجوء إدارة ترامب إلى إبرام اتفاق وقف إطلاق النار مع صنعاء، لضرورة تجنب التورّط في صراعات خارجية مكلفة.

وأوصى صانعي السياسات الأمريكيين بالاعتبار من فشل عدوان عملية “الفارس الخشن” على اليمن كدرس عسكري في المستقبل لضبط النفس وعدم تحمّل الأعباء.

.. وفشل بـ”قيمة 7 مليارات دولار”

وأقرّت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الأسبوع الفائت، بإنفاق الولايات المتحدة أكثر من سبعة مليارات دولار في العدوان العسكري على قوات صنعاء، خلال إداراتي بايدن وترامب، دون أن يحقق أي نتائج ملموسة، ما اعتبرته فضيحة وفشلاً عسكرياً.

وأكدت مؤسسة “أولويات الدفاع”، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن، إهدار الولايات المتحدة أكثر من 7 مليارات دولار على العدوان في اليمن خلال أقل من عامين.

وقال الخبير في الشؤون الدفاعية والعسكرية، ماكنزي إيغلتون، لموقع “بارس توداي”:”إن التهديدات العسكرية في منطقة البحر الأحمر تشكّل تحدياً أمام الولايات المتحدة وتضعها في موقف لا يمكنها من خوض معركة طويلة الأمد وعالية الضغط بنجاح”.

وأقرّ القائم بأعمال رئيس العمليات البحرية الأمريكية، الأدميرال جيمس كيلبي، أمام لجنة المخصصات في مجلس النواب الأمريكي، بأن حملة العدوان على اليمن فرضت ضغوطاً كبيرة على شركات صناعة الذخائر الأمريكية.

.. وصنعاء تطوّي صفحة “أم كيو 9”

تحت عنوان “سماء اليمن لم تعد آمنة لطائرات ‘ريبر'”، أقرت صحيفة “إنسايدر” الأمريكية بنجاح منظومات الدفاع اليمنية في إسقاط أحدث وأضخم المسيّرات طراز “أم كيو 9 ريبر” في سلاح الجو الأمريكي.

وقالت: “إن تكرار حوادث إسقاط طائرات ‘MQ-9’ الأمريكية في اليمن يُظهر التطور الملحوظ للقدرات الدفاعية لقوات صنعاء ودقة قدرتها على استهداف الطائرات الأمريكية المتقدمة”.

وأضافت: “إن التهديدات التي تواجة مسيّرات ‘أم كيو 9 ريبر’ الأمريكية من دفاعات صنعاء كفيلة بطيّ صفحتها، حيث تتكبّد هذه الطائرات المسيّرة خسائر متزايدة في الحرب مع اليمن”.

يُشار إلى أن قوات صنعاء أسقطت ثلاث طائرات نوع “F-18″، و26 طائرة أمريكية نوع “MQ-9” فوق أجواء اليمن؛ 22 طائرة في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدّس” نصرة لغزة، وأربع أثناء العدوان الأمريكي السعودي، الذي استمر ثماني سنوات، وبدأ في 26 مارس 2015.

واستهدفت، منذ نوفمبر 2023، أكثر من 240 قِطعة بحرية تجارية وحربية للعدو الأمريكي والبريطاني و”الإسرائيلي”، وأطلقت أكثر من 1,200 صاروخ ومسيّرة إلى عمق الكيان، إسناداً لغزة.

السياسية : صادق سريع

مقالات مشابهة

  • سيفقد أولاد دقلو كل المدن التي سيطروا عليها وسيتحولون إلى مجرد مجرمين هاربين
  • خبير سياسات دولية: الدبلوماسية المصرية تقود جهودا متوازنة لحل الأزمة الفلسطينية
  • بعد قضمها عشرات الأمتار.. انسحاب القوة الإسرائيلية التي توغلت إلى أطراف ميس الجبل
  • حماس توافق على مقترح أمريكي لوقف النار لمدة 60 يوما والإفراج عن 10 أسرى للعدو وإدخال المساعدات
  • 10 أسرى مقابل هدنة لمدة 70 يوما.. "حماس" توافق على مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة
  • حماس توافق على اقتراح أمريكي لوقف إطلاق النار في غزة
  • جوزيف ناي.. مطلق الرصاصة الناعمة التي تقتل أيضا
  • زيارة لمهمة واحدة.. هل يملك محمود عباس فرصة فعلية لنزع سلاح حماس في لبنان؟
  • اعتراف أمريكي ثقيل بالهزيمة في اليمن
  • حماس: تعطيل العدو الصهيوني لإدخال المساعدات لغزة سياسة لاستمرار مخطط التجويع