الثقافة مؤشِّر يقيس التمكين للغتنا العربية
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
شهدت دول العالم خلال العقدين الماضيين، تغيرات عديدة في العلاقات والقيم الاجتماعية، وقد ظهرت هذه المتغيرات نتيجة لعمليات إعادة الهيكلة الاجتماعية في الدول بتأثير الإعلام العالمي وظهور المجتمعات متعددة الثقافات.. فالثقافة من شأنها أن تقدم أفكارًا ومقاربات وتصورات خلاقة إلى المواطنين، وتجعل سياستنا أكثر حضورًا في العالم.
هناك إنجازات ثقافيَّة أحدثت فرقًا جوهريًّا في العمل الثقافي في الإمارات،
ولذا فإنه لا بدَّ من الإشارة إلى المشهد الحزين في ثقافتنا العربية، ألا وهو الحاجة إلى حراك جديد، وإلى إعادة قوة اللغة وتأثيرها في توطيد علاقات دول هذه الأمة، ولا بدَّ كذلك من إقامة تكتُّل عربي منبثق من المدخل الثقافي؛ من أجل توجيه الثقافة وترتيبها في قنوات سليمة لخلق بنية فكريَّة صحيحة.
على الرغم من أن الثقافة لا تحظى- في الغالب- بالاستثمارات كبقية المجالات، وعلى الرغم من دور الثقافة في تعزيز مقومات الخصوبة في الأفكار والإنتاج، لمواجهة موجات الأميَّة الثقافيَّة السائدة في عصر السرعة والتطور، ولاستدعاء المعاني والأفكار العظيمة والرؤى الخلاقة، والاعتراف بالثقافة العربية، من خلال صقل تجارب النخب المثقفة، وقدرتها في التواصل مع العالم، الحقيقة أن معظم مشكلات لغتنا تتمثَّل في قلَّة فاعلية السياسات الثقافية، وفي تراجع الفائدة الاقتصادية للثقافة، وقلة الاهتمام بإعداد المثقفين، وخصوصًا الذين يتواصلون مع المجتمع، ويسهمون في الارتقاء بالذائقة الجماهيرية كحائط صد غزوات "الاختراق الثقافي" الذي نخشاه.
الحديث عن اللغة ينقلنا بالضرورة إلى الحديث عن الإعلام الإماراتي، فالهويَّة الإعلاميَّة الثقافية بحاجة إلى المفكر والشاعر والأديب والفنان والإعلامي والمثقَّف، وإعمال كل جوانب العقل؛ ولهذا يتوجب تعزيز دور المؤثرين والفاعلين الإماراتيين، وإضفاء الأفكار الخلَّاقة، بما يعزز تفاعلنا مع شعوب العالم، ويعكس قيمنا الحضاريَّة والإنسانيَّة العريقة.
وذلك لأن المثقفين يأتون في مقدمة منظومة سلاح القوى الناعمة، التي تستشرف المستقبل، وتدافع عن الهوية الوطنية، وتذود عن الوطن ضد الإعلام الخارجي المعادي، كما أنهم الصفوة والنخبة في المجتمع.
ولا يخفى على أحد أن مجتمع القوى الناعمة يؤثِّر في قرارات الدولة، وفي مسيرتها وتشكيل صيرورتها، ويأتي في مقدمة هذه القوى المثقفون بشتى اهتماماتهم وعلى كافة الأصعدة، من النجوم اللامعين من أدباء وفنانين وشعراء وكتَّاب وصحفيين وإعلاميين، وكل من جعل الكلمة سلاحه، ولهذا لابد من أن نعمل جاهدين على تحقيق لهم الاستقرار المادي ليتفرغوا لإبداعهم، إيمانًا منا بأنهم القوة الروحية والمعنوية بما يجسدونه من أفكار ومبادئ وأخلاق رفيعة.
ولا نحتاج إلى دليل قاطع أو برهان ساطع على أن الاهتمام بالثقافة بما هي تراث وفكر وأدب وإبداع، هو من أولويات سياسة الدولة، وأنه لا يمكن الاحتفاء بكل هذا الإنجاز الشامخ بالتراث والثقافة والتاريخ إلا من خلال حملة الأقلام والمبدعين وصناع الأفكار.
وقد لمسنا التفاف قيادتنا الرشيدة حول صناع الكلمة والثقافة والفكر؛ تأكيدًا للدور المحوري الذي تقوم به الإمارات في صياغة المشهد الثقافي العربي وتحريكه، ولا شكّ في أن السياسة الحكيمة التي تحرص قيادتنا الرشيدة على انتهاجها عبر تبني ممارسات ومبادرات عملية من خلال بذل الجهود المضنية في إنتاج ثقافة السّماحة عبر حزمة من الفعاليات على مدار السنة، يترأسها المثقفون، والمفكرون، والعلماء المستنيرون الذين يجمعون بين الأصول الثابتة والواقع المتغير، الذين يؤصلون في مجتمعاتهم قيمة الاختلاف، وتَعدُّد الاجتهادات، بما يعمل على إثراء روح المواطنة الحقّة وتنميتها؛ لتحقيق مكانة عالمية بين الأمم الأخرى.
هناك إنجازات ثقافيَّة أحدثت فرقًا جوهريًّا في العمل الثقافي في الإمارات، ومنها المهرجانات والأنشطة الثقافيَّة، والمؤتمرات الفكريَّة، وإشاعة ثقافة السِّلْم، وإحياء كلِّ المناسبات التراثيَّة والوطنيَّة، والسعي إلى إنعاش الأدب من خلال الاستفادة من شبابنا الواعد الذي يسخر طاقاته الخلاقة لترسيخ الإبداع والتميُّز، ثم المسابقات الشهريَّة من شاعر المليون إلى جائزة الشيخ زايد للكتاب، ولعل من أبرز مظاهر احتفالنا بلغة الفن والابتكار ما يكون عبر لغة الإبداع الإنساني، مثل «مهرجان البردة»، و«مهرجان الشارقة للشعر العربي»، و«مهرجان قصر الحصن» ومهرجان طيران الإمارات للآداب والتواصل مع الثقافات الإنسانيَّة دون تمييز.
كما تتجلى مظاهر أخرى تتمثل في ترجمة أُّمَّهات الكتب الغربيَّة التي غيَّرت تاريخهم، إضافة إلى بناء المتاحف، مثل: متحف الشيخ زايد، ومتحف اللوفر، وتحريك النهر الراكد في شتَّى ميادين الأدب كالرواية والشعر .. إلخ، وهو أبرز مصادر الإلهام والتميز التي أهلتها لتكون في مصافِّ الدول المتقدِّمة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الإمارات
إقرأ أيضاً:
الإمارات وأميركا.. مواقف متقاربة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين
شعبان بلال (القاهرة)
أخبار ذات صلةشدد خبراء ومحللون، تحدثوا لـ«الاتحاد»، على أهمية الجهود المشتركة التي تبذلها الإمارات والولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والتطرف، سواء على المستوى الأمني أو العسكري أو الفكري، ما يعزز الأمن والاستقرار في مختلف مناطق العالم.
واعتبر الخبراء والمحللون أن التعاون الإماراتي الأميركي يعد من الركائز الرئيسية للأمن والسلم الدوليين، ما يشكل نموذجاً يحتذى به في بناء شراكات فاعلة قائمة على تبادل الخبرات والمصالح.
نموذج ناجح
أوضح أستاذ العلوم السياسية، الدكتور هيثم عمران، أن التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف يعد أحد أبرز النماذج الناجحة للشراكات الدولية في التصدي للتحديات الأمنية، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، مؤكداً أن الشراكة الإماراتية الأميركية الممتدة على مدى عقود طويلة، رسخت موقعها عنصراً فاعلاً في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ليس فقط من خلال العمليات العسكرية والأمنية، ولكن أيضاً عبر مبادرات فكرية وثقافية تهدف إلى معالجة الجذور الفكرية للتطرف.
وأشار عمران، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أنه على الصعيد الأمني، عملت الإمارات والولايات المتحدة على تنفيذ عمليات مشتركة لملاحقة الجماعات الإرهابية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتقديم الدعم اللوجستي والتقني لتعزيز قدرات الدول النامية والفقيرة على التصدي للتهديدات الأمنية، مؤكداً أن الإمارات أسهمت بدور محوري في الجهود الإقليمية والدولية ضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وذلك من خلال مشاركتها الفاعلة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
ولفت إلى أنه على المستوى السياسي، عملت الإمارات والولايات المتحدة على دعم مسارات الحلول السلمية للنزاعات في مختلف مناطق العالم، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط، من خلال تأكيد أهمية الحوار الوطني، واحترام سيادة الدول، ورفض التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراعات، مؤكداً أن البلدين يحرصان على التنسيق المشترك لدفع جهود السلام في ملفات اليمن وليبيا والسودان.
وأفاد عمران بأن التعاون الإماراتي الأميركي تميز ببعد إنساني واضح، حيث دعمت الإمارات الجهود الإغاثية والإنمائية في العديد من مناطق النزاع، إيماناً منها بأن مكافحة الإرهاب تتطلب تحسين الظروف المعيشية للشعوب التي تعاني الفقر والحرمان، مشيراً إلى أنه في ظل التحديات الإقليمية الراهنة، يتعزز التعاون بين البلدين بوصفه ركيزة رئيسية للأمن الإقليمي، إضافة إلى أنه يعد نموذجاً يحتذى به في بناء شراكات فاعلة قائمة على تبادل الخبرات والمصالح، وبالتالي فإن استمرار هذا التعاون سيكون له دور جوهري في إعادة رسم ملامح الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
مواقف مشرفة
أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، الدكتور نبيل ميخائيل، أن الإمارات تعمل مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة وحكومات دول العالم لدعم المجهودات الرامية لحماية الأمن والسلم الدوليين، ما يوفر فرصاً كبيرة للقضاء على الجماعات الإرهابية، وبالأخص الجماعات التي تستخدم الدين وسيلة لتحقيق أهدافها ومصالحها.
وذكر في تصريح لـ«الاتحاد» أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب تثمن مواقف الإمارات المشرفة في مجالات مكافحة الإرهاب، وتعزيز الحلول السلمية لإنهاء الخلافات والصراعات، موضحاً أن التعاون بين البلدين شهد طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية بهدف تعزيز استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وتشارك الإمارات بصورة واسعة في اقتراح السياسات والتشريعات، وعقد المؤتمرات الدولية، وإعداد البحوث، والدخول في شراكات مع المؤسسات الثقافية المعنية في العالم لنشر مبادئ الوئام وقيم التسامح بين الأجيال، وإطلاق المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التعايش المشترك بين أفراد ومكونات المجتمع كافة، وتهيئة بيئة تحفز على الانسجام الثقافي والتناغم المجتمعي، وتحد من السلوكيات الإقصائية.
القوة الأولى
أوضح المحلل السياسي والأمني، عهد الهندي، أن الإمارات حرصت، خلال العقد الأخير، على بناء قدراتها الأمنية بشكل متميز، ما يجعلها شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة، وبالأخص في مجال مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن أميركا تُعد القوة الأولى في العالم؛ نظراً لقدراتها العسكرية والأمنية الفائقة، وذلك يعكس أهمية الشراكة بين البلدين التي تعزز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وشدد الهندي، في تصريح لـ«الاتحاد»، على أهمية الجهود الإماراتية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، سواء على المستوى الأمني أو العسكري، أو الفكري، وهو ما يبرز من خلال أنشطة وأعمال مركز «صواب».
وكانت الإمارات قد أسست بالشراكة مع الولايات المتحدة مركز «صواب» الذي يشكل مبادرة تفاعلية تهدف إلى تصويب الأفكار الخاطئة، وإتاحة المجال لسماع الأصوات المعتدلة.
كما تعمل الدولة على بث روح التسامح في مجتمعات العالم، وهو ما يعزز مكانتها إقليمياً ودولياً كنموذج عالمي في نشر التسامح، وترسيخ ثقافة الانفتاح والحوار الحضاري، ونبذ التعصب والتطرف والانغلاق الفكري، والقضاء على جميع مظاهر التمييز بين الناس بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة.