وأنت تبحث في كُتب لتقرأها عام 2024
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
اكتب قصتك عندما تسأل الموظفين والطلبة ومختلف شرائح المجتمع عن خطتهم الحياتية في العام القادم والكتب التي يتطلعون لاقتنائها وقراءتها فستسمع قائمة من الأمنيات والأهداف المتنوعة، وقائمة من كتب القراءة التي يتحمسون لشرائها في معارض الكتب، وهناك من يفضل الكتب الإلكترونية، وهذا الأمر صار شائعا بعد أن أصبحت حياة البشر موجهة بتقنيات الاتصال وما أتاحتها من وسائل الاطلاع عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما أن ظروف ومتطلبات العمل والحياة لم تترك مساحة كافية لارتياد المكتبات وقراءة الكتب الورقية، كما كان الوضع سابقا، والحقيقة هي أن عام 2023 كان عاما رائعا للكتابة والنشر، بدءا من نشر مجموعة مذهلة من مذكرات المشاهير، وعودة عمالقة الأدب مثل هاروكي موراكامي ومارجريت أتوود وغيرهم، ووفرة المطبوعات من الكتب العلمية التي تتعمق في فضول العقل، إلى الكتب الوثائقية والتاريخية، وقصص الرعب، وكتب الطبخ التراثية، ودليل مراقبة الطيور، والروايات الخيالية، وقطاع النشر والمطبوعات يعد القراء بالكثير من المفاجآت بما يخبئه عام 2024، وقبل أن نفكر في أكثر ما نتطلع إلى قراءته العام المقبل علينا أن نسأل أنفسنا: هل ندرك أهمية التدوين كثقافة حياة، وهل الكتابة حكر على الكتاب المحترفين وأصحاب المواهب، أو أنها مهارة يمكن تطويرها وصقلها لدى الجميع وبذلك يمكن دعم ثقافة التدوين؟ في البدء دعونا نقف عند الجدل الأزلي حول ما إذا كانت الكتابة والإبداع مهارة مكتسبة أم إنها موهبة فطرية لدى البعض منا، فهناك دائما ذلك الاعتقاد السائد العام بأن البعض يولدون بأدمغة نشطة وجامحة الخيال ولديهم قدرة كبيرة على إظهار الإبداع، ويتعلمون أساسيات اللغة والتعبير أسرع من غيرهم، وبذلك هم الأقرب لأن يمتهنوا الكتابة، بينما يرى الكثير من العلماء والمفكرين أن التدوين الجيد والكتابة الإبداعية هي مهارة يمكن تعلمها وإتقانها، والاستنتاج العلمي في هذا الجدل هو أنه مع التقدم التكنولوجي وسهولة الوصول للمعرفة وأدوات التعلم فإنه يمكن للجميع تعلم استخدام اللغة، ولكن مدى البراعة يعتمد على الموهبة الطبيعية والاستعداد الفطري المرتبط بالقدرات اللفظية واللغوية، والتي يمكن ربطها بمعدل الذكاء الفردي، وهذا يعني بأن الفهم المجتمعي عن الكتابة كونها إما مهارة أو موهبة هو قاصر، لأن الكتابة هي مزيج من المهارة والموهبة معا، ولكن ماذا عن ثقافة التدوين والكتابة وحب القراءة والاطلاع هل هي جميعها أيضا مهارات مكتسبة؟ دعونا نعود للسؤال الأول، ماذا تود أن تقرأ في عام 2024م؟ في الواقع إن اختياراتنا في القراءة ما هي إلا انعكاسات عن موضوعات ومشاعر وتطلعات بداخلنا لا نملك أدوات كافية للتعبير عنها فنبحث عمن كتب عن هذه الجوانب، فالطالب الذي يخطط لإكمال دراسات عليا سيبحث دون أدنى شك عن كتب تسرد تجارب الكثيرين ممن يبحثون عن فرص التعليم العالي، ورائد العمل الذي يخطو أولى خطواته في ريادة الأعمال سوف يتجه إلى السرديات الشخصية لقادة الأعمال الناجحين الذين شقوا طريقهم في هذا المجال، وعلى الرغم من أن الكثير منا يعتقد بأن القراءة هواية إلا أنها في الحقيقة مهارة، وهي الأساس في صناعة كاتب ومدون جيد، وهكذا يمكننا صياغة السؤال ليصبح كالآتي: ماذا تود أن تقرأ وتكتب خلال عام 2024م؟ وبذلك نكون قد أمسكنا بقطبي الموضوع، فعندما يقرأ الشخص الكتب التي تسعف لديه شغف الاطلاع على أفكار ورؤى الآخرين في الموضوعات ذات الأهمية لديه، تتولد لديه الرغبة في مشاركة أفكاره أيضا، فهو لا شعوريا يقارن بين أفكاره وما ورد في هذه الكتب، وعليه فمن الضروري جدا أن يبدأ القارئ بتدوين وحفظ مرئياته وتأملاته الشخصية، فأفكارنا تتغير مع الوقت والتجارب، ومواقفنا تتبدل، ولكن القيمة الحقيقية للفكرة الأولى تبقى كما هي، ويمكن أن يستفيد منها شخص آخر، فجميع ما يدور في عقل ومخيلة الإنسان له قيمة، حتى وإن لم تظهر هذه القيمة في وقتها، وهذا هو الأساس في تثمين الكتابة وثقافة التدوين بغض النظر عن وجود موهبة الكتابة الإبداعية من عدمها.
فإذا عدنا بالتاريخ للوراء سنجد بأن ثقافتنا زاخرة بأمثلة كثيرة عن أهمية التوثيق والتدوين وذلك حسب معطيات العصر، فهناك قصص وتجارب وملاحم انتقلت عبر الأجيال عن طريق الحفظ الشفهي، وهناك عدد لا يستهان به من الإرث الفكري والمعرفي الموثق بالكتابة والتدوين، وهذه المنطلقات هي الأساس في أهمية إحياء هذه الثقافة وتشجيع أصحاب المعرفة والخبرات بأن يخرجوا الثروة الفكرية من عقولهم وصدورهم بالتدوين والكتابة، فنحن عندما تواجهنا تحديات في العمل أو الدراسة نبحث في محركات البحث الإلكترونية عن أشهر الكتاب والمؤلفين في موضوع التحدي، وقد تكون الإجابة لدى شخص قريب منا بحكم اطلاعه وتجاربه وخبراته الحياتية، وهذا السيناريو يتكرر دائما وفي مختلف التخصصات، لأن المعرفة قد تكون قريبة جدا منا ولكنها حبيسة حاملها، والتعلم من الآخرين هو أحد أهم مصادر التعلم مدى الحياة، وأهم محفزات التطوير الذاتي، لأن هذا النوع من المعرفة يكون غالبا مقرونا بنكهة تجربة صاحبها، وهي معرفة ملهمة تدفع المتلقي للارتقاء بفكره إلى مستوى التأمل وتنمية القدرة على استدعاء الدروس المستفادة وتطبيقها في الحياة الواقعية في مواقف شبيهة.
وهذا يقودونا للنقطة الأساسية في موضوع القراءة والكتابة وهي أن القدرة على الكتابة الإبداعية ليست الأساس في التدوين ومشاركة الخبرات والمعرفة، ولا يجب أن تكون العائق الذي يمنع تدفق المعارف الإنسانية في المجتمع وبين الأجيال، فأصحاب الخبرات والحكمة لا يحتاجون لأن يمتلكوا ترسانة لغوية رصينة لمشاركة معارفهم الثمينة، ولكنهم بحاجة ماسة لوجود منظومة داعمة وممكنة لمشاركة الثراء المعرفي المخزون لديهم على نهج تأملي وقابل للتأطير، وأولى ركائز هذه المنظومة تتمحور حول تثمين المعارف المتحصلة من الممارسات والتجارب والخبرات الشخصية، وردم الفجوة بين الأجيال وخصوصا في بيئات العمل المعاصرة، فالتقدم التقني لا يُغني عن أشكال المعارف الإنسانية الأخرى، والتجسير بين مختلف الأجيال في الأوساط العملية والمهنية له دور كبير في تحفيز ثقافة المشاركة والتدوين، لأن خلق الحاجة لهذه المعارف الضمنية يدفع حاملها للتفكير العميق حول تجاربه وكيفية قراءة خبراته السابقة بموضوعية وحيادية، وتقييم قناعاته السابقة واختياراته وأساليبه في حل المشكلات واتخاذ القرارات، وبذلك فإن الحصيلة المعرفية تكون غنية ومفيدة وقابلة للاطلاع والتطبيق.
أما الركيزة الثانية في دعم ثقافة التدوين تنبع من الرغبة الشخصية لدى حاملي المعرفة في تدوين خبراتهم الشخصية من مبدأ أن الكتابة هي أداة رائعة للتأمل في حياتنا وإنجازاتنا السابقة وتطلعاتنا، ولا بد من إدراك أهمية أخذ الخطوة الأولى بكل شجاعة سواءً بتدوين التأملات في الهاتف، أو الكتابة بالقلم في كتيب ملاحظات، أو الطباعة في الحاسوب، هذه الخطوة لها أهمية كبيرة في تأصيل التدوين كممارسة دورية وثقافة حياة، إن محدودية أدوات اللغة ووجود الأخطاء الإملائية والنحوية ليست مبررا للإحجام عن التدوين والكتابة، يكفي أن يبدأ الشخص بتأسيس «سجل الأفكار» ومنها يمكن تطويعها لمختلف أشكال الكتابة الإبداعية، فالقيمة الحقيقية لهذه الأفكار تكمن في أنها تعبر عن قصة حقيقية وتجربة واقعية يمكن أن يتعلم منها الآخرون، كما أن هذا السجل هو يشبه كثيرا أنماط الكتابة التأملية التي تتيح للكاتب فرصة التفكير العميق في أبعاد خبراته والتعرف على مكامن الخطأ ونقاط التفوق في مسيرته، وكأنها تمثيل وتجسيد لواقع من الماضي البعيد يسكن وعاءً آخر خارج صندوق ذكرياته.
إن الكتابة عن خبراتنا تفيد كاتبها بنفس القدر الذي تمنح المعرفة والاستفادة للقراء، فرحلة التعلم لدى الإنسان لا مدى لها، وتدوين تجاربنا هي بمثابة الاستكشاف الإضافي لما يعنيه الإبداع، لأننا حينما نكتب للآخرين نقوم بفصل أنفسنا عن التجربة مما يتيح لنا رؤية الأحداث من على بعد ويمنحنا الفرصة لتعميق فهمها لذاتنا، والتعرف على المسارات العقلية التي كانت توجه تجاربنا، فلكل شخص منا قصة في العمل أو في الحياة الدراسية والاجتماعية، وكل قصة لها بصمتها المميزة، ولو أننا بدأنا ممارسة الكتابة التأملية وتدوين أفكارنا فإن جزءا كبيرا من مسارات التعلم مدى الحياة سوف تتبلور وتصبح متاحة وواضحة وحقيقية، وعندما نبحث عن كتب وإصدارات جديدة للقراءة في معارض الكتب القادمة في عام 2024م علينا أن نتذكر دائما أن لدينا ما نقدمه نحن أيضا، وأن يوما ما سوف تكون قصتنا على أرفف المعرض لتحمل للقراء رحيق خبراتنا وتأملاتنا ورحلتنا في العمل والحياة، وهي حتما ستكون إضافة أصيلة للمعارف الإنسانية.
د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکتابة الإبداعیة الأساس فی
إقرأ أيضاً:
دراسة: الأنظمة الغذائية النباتية قد تكون صحية للأطفال.. ولكن بشروط
قال باحثون إن الأطفال الذين يتّبعون أنظمة غذائية نباتية قد يحتاجون إلى مكملات غذائية أو أطعمة مدعّمة لضمان الحصول على ما يكفي من العناصر الأساسية.
خلصت مراجعة رئيسية جديدة إلى أنّ الأنظمة الغذائية النباتية أو الخالية تماماً من المنتجات الحيوانية يمكن أن تكون صحية للأطفال، لكنهم على الأرجح سيحتاجون إلى أطعمة مُدعّمة أو مكملات للحصول على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها.
ووفقاً للدراسة، قد توفر الأنظمة الغذائية النباتية أيضاً بعض الفوائد الصحية للأطفال، بما في ذلك صحة قلبية وعائية أفضل مقارنةً بالأطفال الذين يتناولون اللحوم. وقد نُشرت الدراسة في Critical Reviews in Food Science and Nutrition.
وتشير النتائج إلى أنّ "الأنظمة النباتية والنباتية الصِرفة المُخطط لها جيداً والمُدعّمة على نحو مناسب يمكن أن تلبي الاحتياجات الغذائية وتدعم النمو الصحي لدى الأطفال"، بحسب ما قالت مونيكا دينو، المؤلفة الرئيسية للدراسة وباحثة في جامعة فلورنسا في إيطاليا، في بيان.
وقال الباحثون إن هذه الدراسة هي الأكثر شمولاً حتى الآن بشأن الأنظمة الغذائية النباتية لدى الأطفال.
حلّلوا بيانات نحو 49 ألف طفل ومراهق في 18 دولة، متابعين عاداتهم الغذائية ونتائجهم الصحية ونموّهم وحالتهم التغذوية. وشملت الأنماط الغذائية النباتيين (يتناولون منتجات الألبان والبيض ولا يأكلون اللحوم أو السمك أو الدواجن) إضافةً إلى النباتيين الصرف وآكلي كلّ شيء.
يميل الأطفال النباتيون إلى تناول كميات أكبر من الألياف والحديد والفولات وفيتامين سي والمغنيسيوم مقارنة بآكلي كلّ شيء، لكنهم يحصلون على طاقة وبروتين ودهون وفيتامين بي 12 وفيتامين دي وعنصر الزنك بكميات أقل.
وكانت الأدلة أقلّ بشأن الأنظمة النباتية الصِرفة، لكن الأنماط كانت متشابهة. ووجدت الدراسة أن الأطفال النباتيين الصرف لديهم تناول منخفض بشكل خاص للكالسيوم.
وقال الباحثون إن الأطفال الذين يتبعون أنظمة غذائية نباتية قد يحتاجون إلى تناول مكملات أو أطعمة مُدعّمة لتجنّب نقص بعض العناصر الغذائية الأساسية.
وقالت جينيت بيزلي، وهي إحدى مؤلفات الدراسة وأستاذة مشاركة في جامعة نيويورك في الولايات المتحدة: "من اللافت أن مستويات فيتامين بي 12 لا تصل إلى الحد الكافي من دون مكملات أو أطعمة مُدعّمة، وكان تناول الكالسيوم واليود والزنك غالباً عند الحد الأدنى من النطاقات الموصى بها".
تمتع الأطفال النباتيون الصرف والنباتيون بصحة قلبية وعائية أفضل من الأطفال الذين يتناولون اللحوم. ويميل النباتيون إلى أن يكونوا أقصر قليلاً وأنحف، مع مؤشر كتلة جسم (BMI) وكتلة دهنية ومحتوى معدني عظمي أقل.
Related لماذا يحذر الخبراء من إعطاء الأطفال مكملات غذائية كالفتيامينات؟وكانت لديهم أيضاً مستويات كوليسترول أقل، بما في ذلك كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (LDL)، وهو الشكل "السيئ" أو "غير الصحي" من الكوليسترول الذي يمكن أن يؤدي إلى تراكم اللويحات في الشرايين.
لكن للدراسة بعض القيود؛ فمثلاً من الصعب إثبات ما إذا كانت الأنظمة الغذائية للأطفال سببت مباشرة الفروق في نتائجهم الصحية. وقد تختلف الأسر التي تختار الأنظمة النباتية عن آكلي اللحوم من حيث الوضع الاجتماعي الاقتصادي أو عوامل نمط الحياة.
يوصي الباحثون بأن يضع الآباء أنظمة أبنائهم الغذائية بعناية، على سبيل المثال، بدعم من أطباء الأطفال وأخصائيي التغذية.
وقالوا إنه ينبغي أن تكون هناك إرشادات رسمية أكثر لمساعدة الأسر التي تعتمد الأنظمة النباتية على ضمان تلبية الاحتياجات الغذائية لأطفالها خلال نموّهم.
وقالت دينو: "نأمل أن تقدّم هذه النتائج إرشادات أوضح بشأن فوائد الأنظمة النباتية ومخاطرها المحتملة، بما يساعد العدد المتزايد من الآباء الذين يختارون هذه الأنظمة لأسباب صحية أو أخلاقية أو بيئية".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة