حمى «الفقع» تصيب عشاقه في المناطق البرية
تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT
جابر الكبيسي: البحث عن الفقع بالمركبات يضر بالبيئة
ردم أماكن الفقع بعد حفرها وعدم اقتلاع النباتات
المناطق الشمالية الأكثر شهرة بتواجده
يكثر الإقبال على الأنشطة البرية في هذا الوقت من السنة مثل الرحلات «الكشتات» ورحلات البحث عن الكمأ «الفقع»، لا سيما وأن الموسم شهد هطول أمطار كثيفة في الوسمي، مما يرفع احتمالية إنبات الكمأ ويجعل من الأماكن التي تشتهر به مقصداً للعائلات في عطلة نهاية الأسبوع، ويزيد الإقبال على المناطق البرية هذه الأيام مع الإجازة المدرسية.
في جولة ميدانية على المناطق الشمالية التي تشتهر بكثرة الكمأ، رصدت «العرب» الإقبال من قبل المواطنين الذين يجدون في التجول بحثاً عن الكمأ بالمناطق البرية التي اكتست باللون الأخضر ويتزّين بالأزهار متعة كبيرة، وكانت جولتنا في المناطق الشمالية حيث وصلنا إلى أقرب نقطة من رأس لفان، وكانت العائلات تنتشر وسط المناطق الخضراء وتبحث عن الكمأ.
ورصدت عدسة «العرب» توافد العائلات من أهالي البلاد إلى المناطق القريبة من رأس لفان لقضاء يوم هادئ في رحاب الطبيعة والطقس البارد بنسائمه العليلة، وفي هذه المنطقة يكثر الفقع بأنواعه المختلفة وخاصة نوع الزبيدي وبأحجام مختلفة، ويعد موسم الفقع بعد هطول الأمطار فرصة لكافة أهل قطر للتمتع برحلة البحث عنه كما كان ذلك في زمن أهلنا في السابق.
ورصدت «العرب» بعض الممارسات الخاطئة خلال الجولة الميدانية مثل اقتلاع النباتات البرية ودخول المسطحات الخضراء بالمركبات.
ويسلط الناشط والخبير البيئي جابر محمد الكبيسي الضوء على هذه الممارسات، قائلاً «من الضروري أولا عدم البحث عن الفقع بالمركبات، نظراً لما تسببه إطارات المركبات من أضرار للغطاء النباتي وللفقع أيضاً في حال دهسه في إطارات المركبة». وأضاف «من الواجب على محبي رحلات البحث عن الفقع ترك مركباتهم خارج المسطحات الخضراء والتنقل راجلين»، موضحاً أن البحث سيراً على الأقدام أفضل وأكثر متعة، وكذلك أكثر دقة كون الراجل يسير ببطء ويستطيع رصد أماكن الفقع أكثر من البحث بواسطة المركبة.
وتابع «رأيت أيضا من الممارسات الخاطئة البحث عن الفقع بواسطة المركبة والأطفال في حوضها، وهذا التصرف لا يسبب ضررا على البيئة فقط ولكن قد يتسبب بالأذى للأطفال الموجودين في الحوض الخلفي للمركبة».
ونصح الكبيسي بضرورة الاستمتاع بالجولة البرية وذلك بترك المركبة خارج المسطحات الخضراء والسير في هذه الطبيعة الجميلة مع الغطاء الأخضر والأزهار، والحرص على عدم الإضرار بالنباتات من خلال اقتلاعها أو ما شابه ذلك. كما نصح الكبيسي بعدم أخذ الفقع الذي لا يزال صغيراً، وردم التراب عليه للعودة إليه في وقت لاحق عندما يكبر، أو يكون من نصيب شخص آخر ولكن بعد نموه بالشكل الذي يستفيد منه الشخص الذي حصل عليه.
في سياق متصل قال الكبيسي إن الكمأ يكثر بعد هطول الأمطار في الوسمي، وتشتهر المناطق الشمالية بكثرة الفقع حيث تتوافد العائلات من جميع مناطق البلاد في رحلات عائلية للاستمتاع بالأجواء المعتدلة والمساحات الخضراء والبحث عن الفقع.
أنواع الفقع
الفقع أنواع منه «الهوبري» صفة تطلق على صغير الحجم من الفقع ويظهر قبل ظهور الأنواع الأخرى، وهناك الزبيدي يكون دائما ناصع البياض وذا رائحة زكية وطيبة، ويتسابق أهل قطر بحثا عنه مع ظهوره في هذه الأيام للتمتع به وبطعمه اللذيذ. وهناك أيضا الخلاصي وهو أصغر من الزبيدي في الغالب، وكذلك هناك فقع اليباه أو الجباه وهو آخر أنواع الفقع في الموسم، فإذا ظهر هذا النوع من الفقع اعلم أن الموسم شارف على نهايته، وأوضح الكبيسي أن الفقع له مكانة كبيرة داخل أوساط المجتمع القطري منذ عهد الآباء والأجداد.
أكلات من الفقع
وحول الأكلات التي تصنع من الكمأ قال الكبيسي: يستخدم في أغلب أنواع الأكلات في البلاد، فيمكن إضافته إلى المكبوس أو البرياني ويمكن إدخاله في أنواع مأكولات أخرى على حسب الرغبة، ولفت إلى أن الكمأ يحتاج إلى عناية خاصة في النظافة، وهناك طريقتان في تنظيفه إما بتقشيره باستخدام السكين أو بنقعه في الماء ثم استخدام فرشاة في تنظيفه.
فوائده
وبيَّن أن للفقع فوائد غذائية كبيرة ويستفاد من ماء الفقع لعلاج بعض الأمراض كما هو معروف، ومنها الأمراض التي تصيب العيون، وقد ورد هذا الشيء في الأثر لدى أهل قطر قديما حين يستخدمونه لهذا الغرض.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر الفقع الإجازة المدرسية المناطق الشمالیة
إقرأ أيضاً:
الإدارة التي تقيس كل شيء.. ولا تُدرك شيئًا
خالد بن حمد الرواحي
حين يصبح القياس هدفًا لا وسيلة أمام لوحةٍ إلكترونية مزدحمة بالأرقام والألوان، يقف مديرٌ يراقب مؤشرات خضراء ونسب إنجاز مرتفعة وتقارير أسبوعية محكمة. كل شيء يبدو متقنًا على الشاشة، فتعلو ابتسامة اطمئنان على وجهه. لكن حين يغادر مكتبه إلى الميدان، يكتشف صورةً أخرى: معاملات متأخرة، موظفين مرهقين، ومراجعين ينتظرون أكثر مما ينبغي. هناك فجوة صامتة بين ما تعرضه المؤشرات وما يعيشه الواقع؛ فجوة تختبئ خلف الأرقام وتُخفي الحقيقة بدلًا من أن تكشفها.
لم تكن المشكلة في الأرقام، بل في الطريقة التي صارت تُستخدم بها. فالمؤشرات التي صُمِّمت لتكون بوصلةً للتطوير تحوّلت تدريجيًا إلى غايةٍ في ذاتها. صار همُّ بعض المؤسسات أن ترفع النسب وتُحسّن الرسوم البيانية، لا أن تُصلح المسار أو تُشخِّص الخلل. وهكذا، تزداد الأشرطة الخضراء بينما تتراكم الشكاوى، وتُكتب تقارير النجاح في الوقت الذي يشعر فيه الناس أن شيئًا لم يتغيّر.
وفي أحد الاجتماعات، عُرض تقريرٌ يوضح أن المؤسسة عقدت خلال شهرٍ واحد 42 اجتماعًا مقارنةً بـ18 في الشهر الذي سبقه، فصفّق الحاضرون. لكن السؤال الذي لم يُطرح كان: ماذا تغيّر بعد كل تلك الاجتماعات؟ فزيادة اللقاءات لا تعني زيادة الفهم، وكثرة المؤشرات لا تعني تحسّن الأداء. ما يُقاس غالبًا ليس النتائج، بل النشاط؛ لا الأثر، بل الجهد المبذول.
السبب في هذا الانفصال بين الصورة الرقمية والواقع العملي أننا نقيس ما هو سهل لا ما هو مهم. فعدد الاجتماعات أسهل من قياس جودة القرار، وعدد المعاملات أسهل من فهم تجربة المستفيد. ولأن الأسهل يتغلب على الأهم، تمتلئ التقارير بالأرقام التي يمكن جمعها بسرعة، لكنها لا تشرح شيئًا عمّا يجري حقًا. إنها أرقام بلا روح؛ تصف النشاط بحماس، لكنها تصمت حين يُسأل عن المعنى والغاية.
ومع مرور الوقت، تنشأ حالة من الرضا الزائف، فيظن المسؤول أن الإنجاز متحقق لأن المؤشرات خضراء، بينما يشعر الموظف والمستفيد أن الواقع لا يتحرك. وهنا تكمن أخطر مشكلة: فالفجوة بين الشعور بالنجاح وتحقيقه فعليًا قد تبتلع أعوامًا من الجهد دون نتيجة، لأننا اكتفينا بقراءة الأرقام دون قراءة الحياة داخلها.
الحل لا يحتاج إلى ثورة في الأنظمة، بل إلى مراجعة في الفهم. فالمؤشرات ليست خصمًا، بل أداة حين تُستخدم بحكمة. المطلوب العودة إلى السؤال الجوهري: ماذا نريد أن نفهم؟ هل نبحث عن زيادة الأرقام أم عن تحسين الواقع؟ حين يكون الهدف واضحًا، يصبح القياس تابعًا له لا متقدمًا عليه.
ولعل الخطوة الأولى تبدأ بتقليل الأرقام لا زيادتها. فبدل عشرات المؤشرات التي تشتت الانتباه، يكفي اختيار خمسة مؤشرات تمسّ جوهر الأداء، مثل رضا المستفيد، ووقت إنجاز الخدمة، وجودة القرار، ومستوى التعاون بين فرق العمل. ومع الوقت، يتحوّل القياس من سباقٍ لملء الجداول إلى ممارسةٍ للتعلّم والتحسين، تُحرّر المؤسسة من عبء الشكل وتعيدها إلى روح العمل.
وفي سياق التحول الرقمي الذي تتبناه «رؤية عُمان 2040»، لا تكفي الشاشات الذكية ما لم تُترجم بياناتها إلى قرارات تُحسّن تجربة المواطن وترفع كفاءة الجهاز الإداري. فالرؤية لا تدعو إلى مزيدٍ من المؤشرات بقدر ما تدعو إلى حوكمةٍ أفضل للبيانات وربطها بما يعيشه الناس، حتى يصبح كل رقم خطوةً ملموسة على طريق التغيير، لا مجرد قيمة تُضاف إلى ملف العرض.
في نهاية المطاف، لا تُقاس المؤسسات بعدد الشرائح في العروض، ولا بكثرة المؤشرات التي تتلوّن بالأخضر، بل بما يتغيّر في حياة الناس. فالأرقام قد تمنح شعورًا بالنجاح، لكنها لا تصنع النجاح ذاته إلا إذا رافقها فهمٌ لما وراءها. وحين نضع الواقع قبل الرسم البياني، ونبحث عن الأثر قبل النسبة، يصبح القياس أداةً للتطوير لا غايةً للتزيين. وعندها فقط، تصبح المؤشرات شاهدةً على التقدم لا ستارًا يخفي هشاشة الإنجاز.