????إعلان أديس .. فولكر يطل من النافذة !!
تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT
سأحاول هنا أن أقدم قراءة مختصرة للإعلان الذي تم توقيعه في أديس أبابا بين تحالف (تقدم) وقوات الدعم السريع المتمردة، يوم الثاني من يناير الجاري، في سياقه الكلي وعلى خلفية الأحداث التي أنتجته، وهو ما أعتقد أنه سيوصلنا إلى فهم ما حدث بشكل صحيح.
السياق الكلي الذي ينبغي أن نقرأ على ضوئه الأحداث في السودان هو أن “الفاعل الخارجي” ظل هو صاحب الكلمة الفصل في صنع السياسات منذ سقوط نظام الإنقاذ، بل إن الفاعل الخارجي نفسه كان له القدح المُعلى في إسقاط النظام، وبقي من بعد ذلك متحكماً بأدوات متنوعة في مسار الأحداث يحاول إعادة هندسة الأوضاع في البلاد على النحو الذي يناسب ما يسعى إليه.
عقب أزمة فض اعتصام القيادة العامة تدخل الخارج عن طريق رئيس الوزراء الأثيوبي فأنتج الوثيقة الدستورية، ولكي تستمر هيمنته مرر عبر أدواته المصنوعة مرشحه لرئاسة مجلس الوزراء فكان الدكتور عبد الله #حمدوك، وحتى ينجح حمدوك في مهمته رتب معه استدعاء بعثة اليونيتامس وأعطاها تفويضاً على كامل التراب السوداني وشكل لها حرساً من أربعة أشداء حتى يضمنوا حُسن تنفيذها لما عُهد إليها من أجندة ظاهرة أو باطنة فكانت الرباعية الدولية !!
آخر ما أنتجته بعثة الأمم المتحدة لدعم الإنتقال “يونيتامس” وكفلاؤها هو الإتفاق الإطاري، وهو في مختصره الذي يعرفه الكثيرون تسليم السلطة على طبق من ذهب لتحالف الدعم السريع ومجموعة المجلس المركزي وبعض القوى الديكورية الأخرى، حتى يسهل الإجهاز على ما تبقى من السودان وتفكيك ما يسمونه بدولة ٥٦ والقضاء على كل عنصر يقاوم أو يفكر في مقاومة هذا المسار، وكانوا يطمحون أن ينضم الجيش – المستهدف بالتفكيك – وحركات دارفور الموقعة على إتفاق جوبا، للاتفاق الإطاري.
لم يكن السيد فولكر بيرتس إلا مديراً تنفيذياً لمشروع إعادة هندسة الأوضاع في السودان، ولا شك عندي أنه – والقوى الإقليمية والدولية التي ترعى المشروع – كانوا على علم تام بمخطط الاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلاب في ١٥ أبريل من العام الماضي، وكانوا ينتظرون نجاح المخطط صباح ذلك اليوم حتى يكملوا بقية جوانب الإخراج على النحو الذي يردد البعض شعاراته الآن كالببغاوات “حماية الديمقراطية والدولة المدنية”، وحين فشل المخطط في الاستيلاء على السلطة تكفّل أحد الكفلاء بإشعالها حرباً شاملة على #السودان وأهله ولم يترك بندقية قابلة للإيجار، من السودانيين أو من عرب الشتات وغيرهم، إلاّ استأجرها.
ذهب فولكر، لكن “الإطاري” بقي لأن رعاته باقون، ولهذا حاولوا إعادة رص صفوف أُجَرَائهم على مستوى السودان والإقليم لمقابلة إستحقاقات المرحلة التالية، ولأنهم أدركوا أن مجموعة المجلس المركزي بوجهها القديم يصعب تسويقها وسط السودانيين، مهما بذلوا لها من مساحيق، تفتق ذهنهم لصناعة واجهة “مدنية” جديدة فكانت “تقدم”، وهي تحالف يضم مجموعة المجلس المركزي و”عويشاً” ممن أسموا أنفسهم قوى مدنية وبعض المنشقين من قوى الكفاح المسلح وجعلوا من حمدوك على رأس هذا التحالف الجديد.
حين اكتملت هيكلة “تقدم” ودانت قيادتها لحمدوك، أخرج الكفلاء “البو” من مخبئه ودفعوا به للتجوال بين دول الإيغاد حتى تكتمل تهيئة المسرح للخطوة التالية وهي أن تحتضن أديس أبابا – التي سبق وأن رعت إتفاق الوثيقة الدستورية – لقاءً هو الأغرب من نوعه، لقاء قوى سياسية تسمي نفسها مدنية وتطالب بإبعاد الجيش عن السلطة كلياً بقوى ميليشياوية مسلحة تقتل وتنهب وتمارس كل أنواع الإنتهاكات ومع هذا تدعي أنها مع المدنية، فأنتج هذا اللقاء وثيقة أديس أبابا !!
مَن ظهروا على مسرح الأحداث في أديس أبابا يوم الثلاثاء الماضي لم يكن بينهم فاعل أصيل، كانوا جميعاً، بمن فيهم صاحب الضيافة، دمى تحركها أيدٍ خارجية تُصر أن تواصل العبث بمستقبل السودان وأهله، وهم في نهاية الأمر ينفذون مشروعاً إستعمارياً، كما كتبنا عنه من قبل وكتب غيرنا؛ والحال كذلك ينبغي أن يكون فعل السودانيين الأحرار وقيادتهم أصيلاً وبما يتناسب ومواجهة هذه الهجمة الاستعمارية الجديدة، وإلاّ فسيفقدون بوصلة القياس إن هم ظلوا يتعاملون بردود الأفعال ويعتقدون أن الدمى هي من يصنع الحدث.
العبيد أحمد مروح
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: أدیس أبابا
إقرأ أيضاً:
الحرية السورية المنقوصة نقصا خطيرا
ترجمة: أحمد شافعي -
احتفل السوريون في شتى أنحاء بلدهم بسقوط نظام الأسد في ديسمبر، ورأوا في ذلك لحظة بهجة وحرية. ثم اتخذ الرئيس ترامب بعد ذلك قرارا محمودا بتعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدنا، في خطوة سوف تساعد على تخفيف معاناة سنين. لكن بالنسبة لأعراق سوريا المتنوعة ـ ومنها أكراد الشمال الشرقي الذين أنتمي إليهم ـ يظل الوقت الراهن وقت مخاطرة وقلق.
ففي الوقت الذي تتشكل فيه سوريا جديدة لا بد أن نتساءل: أي نوع من الدول نريد؟ دولة ديمقراطية أم استبدادية؟ دولة تحترم الحقوق أم دولة قمعية؟ وأعتقد أن الإجابات تكمن في منطقتي، حيث أنشأنا ما نعده نموذجا لديمقراطية مباشرة متعددة الأعراق.
لا يعكس دستور سوريا الجديد المؤقت هذا التنوع. فهو لا يوفر حماية كاملة لحقوق أقليات سوريا أو نسائها، وينص على أن القانون الإسلامي هو مصدر القانون الوطني كله في دولة شديدة المركزية. وهذا تطور خطير. فتاريخ سوريا مع الاستبداد والقمع وانفراد طائفة واحدة بالحكم دون بقية الطوائف تاريخ من الفشل. ونحن بحاجة إلى عملية دستورية لإنتاج وثيقة تضمن اقتسام السلطة وتأمين الحرية السياسية والقضاء على مركزية الحكم والسماح بمشاركة ديمقراطية كاملة، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجندر.
ولقد ولد هذا النموذج الديمقراطي في أولى أيام الثورة السورية، حينما حققت منطقتي ـ التي كنا نطلق عليها رسميا اسم (الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا) ـ الاستقلال الذاتي سنة 2012. لا تشكل المنطقة المعروفة أيضا باسمها الكردي «روج آفا» ـ إلا ثلث سوريا ويقيم فيها قرابة مليوني كردي، لكنها شأن بقية سوريا موطن لعرب وعلويين وأرمن ودروز وشيشان ومجموعات عرقية أخرى. وهي تحتوي أديانا كثيرة، من المسلمين الشيعة والسنة، واليزيديين، وطائفة متنوعة من الآشوريين والسريانيين والكلدانيين وغير ذلك من التراثات المسيحية القديمة، فضلا عن العلمانيين.
في ظل إدارتنا، كانت للجماعات العرقية حماية قانونية، وحصلت النساء على دور قيادي في السياسة والمجتمع. وفي جزء من العالم ذي تاريخ استبدادي قمعي، نؤمن أن نظامنا قادر على أن يكون نموذجا لا لسوريا فقط ولكن للشرق الأوسط كله.
فللطوائف المختلفة قول في حكمنا من خلال ترتيب اقتسام السلطة الذي يجعل كل منصب إداري ـ من رؤساء البلديات المحلية إلى المجلس التنفيذي للمنطقة بأكملها ـ شراكة بين رجل وامرأة مختلفي العرق. ويلتقي المواطنون في مجالس لحكم أحيائهم وقراهم ومدنهم ويرسلون وفودا إلى المجالس الإقليمية. وتساعد اللجان المحلية في صياغة سياسات الصحة والتعليم والدفاع والرياضة وحقوق المرأة وغيرها.
يضمن دستورنا الإقليمي ـ الذي نطلق عليه العقد الاجتماعي ـ حقوقا متساوية للجميع. وليس النظام بمثالي. فبرغم جهودنا في توزيع الأرض التي كانت مملوكة من قبل لنظام الأسد الحاكم، لا يزال هناك الكثير للغاية من التفاوت الاقتصادي. ولا نزال نعاني من البنية الأساسية العتيقة، ومن مشاكل بيئية، ومن ندرة في الاستثمار الاقتصادي، وقد تفاقم كل ذلك بعد أكثر من اثني عشر عاما من الحرب. ولا بد أن نزداد جدا في العمل لإشراك مزيد من الناس في المستوى المحلي وتنفيذ التزامنا بالوعي البيئي. لكن الديمقراطية أمر يستوجب ممارسة.
ولقد استمددنا من التزامنا بالديمقراطية وحقوق المرأة قوة في محاربة تنظيم داعش فهزمناه بدعم عسكري أمريكي وبفضل أربعة عشر ألفا من شبابنا وشاباتنا وهبوا أرواحهم للمعركة.
فما الذي يمكن أن تتعلمه بلاد أخرى من نظامنا؟ كانت اللغة العربية ذات يوم اللغة الرسمية الوحيدة في سوريا، ولكننا نعلِّم التلاميذ بثلاث لغات رسمية هي العربية والكردية والسريانية. ولدينا إعلام قوي وحر ومستقل يحميه عقدنا الاجتماعي. ولدينا نظام عدالة إصلاحي يشمل الـ(ملا جين) (أي دور النساء) حيث يمكن أن تحل الأسر مشاكلها الأسرية باستشارة ومساعدة من نساء كبيرات في السن. ونشجع التعبير الكامل عن الثقافة العرقية والدين والزي. ولا نطالب النساء بارتداء الثياب بطريقة معينة. وتحتل النساء نصف المقاعد التشريعية والوظائف الحكومية ولهن مواقع قيادية في جميع المؤسسات، العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ففي تجربتنا دروس مهمة لمستقبل سوريا السياسي. فالسيطرة المركزية الموروثة عن السلطات الفرنسية التي كانت تسيطر ذات يوم على سوريا كانت وبالا علينا، مثلما كانت وبالا على الكثير من بلاد الشرق الأوسط ذات الشعوب المتنوعة. وقد فشل إرث ما بعد الاستعمار في الشرق الأوسط مرارا وتكرارا. والمنطق يستوجب السماح للمناطق بحكم نفسها وفقا لاحتياجاتها وتقاليدها ضمن أمة متحدة.
لقد وقعنا مع دمشق اتفاقية في مارس تؤكد اعتزامنا دمج مؤسساتنا وقواتنا المسلحة في الإدارة الجديدة، ووافق الرئيس المؤقت أحمد الشرع في المقابل على الحق في تمثيل جميع السوريين في الحكومة الجديدة، وعلى وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية، ووعد بأن يتمكن جميع السوريين النازحين من العودة إلى مدنهم وقراهم. وهذه التزامات نقابلها بالترحاب ونثق أنها سوف تسهم في استقرار البلد.
لكن الدستور المؤقت، الذي وقعه الرئيس الشرع في مارس، على أن تقام انتخابات في غضون خمس سنوات، يهدد بتقويض هذه النوايا الطيبة. فبصياغة هذا الدستور إلى حد كبير على أيدي جماعة تحرير الشام الثورية السابقة التابعة للرئيس أحمد الشرع، فإنه يتيح تقييد الحقوق المدنية، ومنها الحقوق الدينية، إذا ما اعتبرت منتهكة للنظام العام. وثمة اختلال في نظام مراقبة السلطة التنفيذية الحاصلة على سلطة عليا في تعيين القضاة وثلث أعضاء السلطة التشريعية.
وإن قلقا عظيما ينتابني من هذه السياسات. ذلك أن في البلد صدوعا بدأت في الظهور بالفعل منذ سقوط الأسد. والعنف الرهيب في ساحل سوريا في مارس، والذي أسفر عن قتل أكثر من ألف وستمائة من المدنيين أغلبهم علويون، والعدوان بعد ذلك على الدروز في جنوب دمشق يؤكدان الحاجة إلى عملية دستورية ديمقراطية جديدة.
لا بد لسوريا الجديدة، منذ البداية، أن تحتوي الجميع. ولإدارة ترامب والكونجرس الأمريكي فرصة تاريخية لمساعدتنا في إقامة مثل هذا الحكم في سوريا. ولن يساعد هذا السوريين وحدهم لكنه سيوفر مخططا للشرق الأوسط كله.
إلهام أحمد رئيسة قسم العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا. وهي الرئيسة المشاركة السابقة للجنة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية.
خدمة نيويورك تايمز