لا تزال رحى المعركة دائرة بين المجاهدين الفلسطينيين في غزة وبين الصهاينة الغاصبين، وما زال هؤلاء المجاهدون يسطّرون أروع البطولات في ميادين التضحية والفداء والشجاعة، ويثخنون الجراح في العدو الغاشم، رغم همجية هذا العدو وظلمه وبغيه وطغيانه، وأصبحت الأم الفلسطينية أيقونة عالمية في الصبر والتسليم بقضاء الله، حتى أصبح العالم يبحث في القرآن الكريم عن مصدر تلك القوة ومصدر ذلك التحمل والطمأنينة والتسليم لقضاء الله، على الرغم من الظروف القاهرة والقصف المتواصل، وقد تحدّث فضيلة الشيخ د.

كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان في البرنامج التلفزيوني سؤال أهل الذكر، الذي يعده ويقدمه الدكتور سيف الهادي عن قضية غزة وفلسطين، وتحدّث عن ردود الأفعال عند غير المسلمين الذين أعجبوا بصبر أهل غزة وكيف أنهم أصبحوا يدلون بشهادات الإعجاب بالقرآن الكريم.

وقد ابتدأ مقدم البرنامج بطرح تساؤل حول الفوائد لهذه المحنة التي ابتلي بها المسلمون من خلال تسلُّط هذا العدو الغاشم الذي لا يرعى ذمة ولا يراعي إنسانًا ولا حيوانًا، ولديه رغبة في أن يجعل الأرض محروقة كما يتردد هذا الأمر على لسانه دائما، الآن من فوائد هذه المحنة هو أن الناس بدأوا يتعرفون على الإسلام، ويسجلون مجموعة من المقاطع التي تؤكد فهمًا جديدًا للقرآن الكريم، ما تعليقكم على هذا الذي يحدث؟

فأجاب مساعد المفتي بقوله: إن الذي تشيرون إليه هو من بشارات إظهار دين الله تبارك وتعالى في هذه الظروف التي ابتلي فيها إخواننا في غزة وفلسطين بعدوان غاشم وبحملة هوجاء ظالمة لا تُبقي ولا تذر، لكن الأمور كلها بيد الله تبارك وتعالى، فكان من بشارات هذا الابتلاء أن تعرّف الناس في شرق الأرض وغربها على دين الله تبارك وتعالى، وأقبلوا على كتاب الله عز وجل يقرأونه ويتدبرونه، وكنت قد تابعت جملة من هؤلاء، وشدني كثيرا ما وجدوه في كتاب الله عز وجل مما لم ينتبه له كثير من أبناء المسلمين، أو مما أراد أعداء هذا الدين أن يطعنوا به في الدين عقيدة وشريعة وأن يشوهوا صورة الإسلام وحضارة المسلمين، فإذا بهؤلاء الذين تنادوا لقراءة الكريم يتناولون هذه القضايا بالإعجاب البالغ، وبالثناء العاطر، وبالفهم الثاقب وهم لم يقرأوا سوى كتاب الله تعالى أو ترجمة لمعاني القرآن الكريم وبعض الهوامش التي فيها شروحات وتعليقات يسيرة تعينهم على فهم المعنى.

وأضاف: قبل أن أستعرض طائفة منها، فإن اطّلاعي هذا ذكرني بآيتين من كتاب الله عز وجل، وردتا في سياق الجهاد في سبيل الله تتقاربان لفظًا ومعنى، الأولى في سورة التوبة في قول الله جلّ وعلا،: «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» والثانية في سورة الصف: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (11)، فورود هاتين الآيتين الكريمتين في سياق الحديث عن الجهاد وأحكام القتال في سبيل الله تبارك وتعالى، والدفاع عن هذا الدين وإعلاء كلمة الله ودحض الباطل ونصرة المستضعفين، وإقامة العدل في هذه الأرض، دليل على أن هذه الغاية مصاحبة لإظهار دين الله عز وجل وإطفاء ما يحاوله أعداء هذا الدين من طمس حقيقته وحجب نوره عن العالمين، فإن الله تبارك وتعالى يظهر هذا الدين على الدين كله، ويبيّنه للناس ويكون ذلك مما يحصل مع أولئك المرابطين المجاهدين المقاومين المدافعين عن حقوقهم وأرضهم ومقدساتهم، والذين يتصدون للطغيان والظلم والطاغوت، حينما يتمسكون بكتاب الله عز وجل، ويتحلون بالصبر والثبات، فصاحب هذا الرباط والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى في أرض الإسراء، في غزة وفي عموم فلسطين، -كما أشرتم- هذا الإقبال على كتاب الله عز وجل والتعرف عليه، وإذا بنا نجد أن الله تبارك وتعالى قد أودع في أحكام الجهاد حينما يكون هذا الجهاد جهاد حق وعدل لرفع راية الدين ودفع الظالمين الباغين، ونصرة الحق وبسط العدل، فإن الله تبارك وتعالى قد أودع في هذا الجهاد غاية أخرى هي أعظم وأسمى وهي دحض شبهات المبطلين وردّ ما شوّهوا به هذا الدين الحنيف، والله تعالى يقول في الأنفال: «وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ».

العقيدة الراسخة

وقال د.كهلان الخروصي: أضرب بعض الأمثلة لما تناقله هؤلاء المؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي، مما اطلعت عليه باللغة الإنجليزية، وهنالك ملاحظتان الأولى أنهم جميعًا يصرّحون أن الذي دعاهم إلى قراءة القرآن الكريم وأن يتعرفوا على الإسلام، إنما هو صمود أهل غزة، الأمهات الثكالى اللاتي كن يظهرن وقد فقدن فلذات أكبادهن، وإذا بهن يحتسبن الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى ويحمدنه جل وعلا على ما أصابهن، ويفوضن الأمر لله تبارك وتعالى، أو الآباء والأجداد الذين يفقدون أيضا فلذات أكبادهم فيتحلون بالصبر والثبات ويزدادون إيمانا ويقينا، الحاصل أن تلك المشاهد هي التي دفعت هؤلاء للرغبة إلى التعرف على السر الكامن وراء هذا الثبات والخلق والصبر والعقيدة الراسخة، فنحن لا نتحدث عما قبل هذه الأحداث ولا نتحدث عن أسباب غير هذا السبب. والأمر الثاني فيما يتعلق بأغلب هؤلاء، فإنهم ليسوا أيضا من عامة الناس، فأغلبهم من المشاهير المعروفين، وهم يصرحون بأنهم قد درسوا النصرانية أو اليهودية، وأنهم كانوا ينتمون إليها، وخاصة أن الكثير منهم ينتسبون إلى الكاثوليكية والكثير منهم أيضا ينتسبون إلى اليهودية نفسها، وهاتان الملاحظتان لهما أهميتهما؛ لأن هؤلاء -كما تقدم- لم يتأثروا بشيء آخر، ولم يمنعهم بما عليه السواد الأعظم من المسلمين من الاشتغال بالدنيا وما هم فيه، من أن يتعرفوا على هذا الدين مما رأوه من أهل غزة.

الإسلام هو الذي وجدنا

وأضاف: والأمر الثاني أنهم ليسوا من الجهلة، فإن البعض منهم كانوا أشد المعادين للإسلام المنفرين عنه، فإذا به اليوم يعترف بأنه كان قد ضلل والبعض منهم يلوم المسلمين أنهم لم يعرفوه على هذا الدين والبعض منهم يقول إننا لم نبحث عن الإسلام، فالإسلام هو الذي وجدنا، فما الذي رأوه؟ تجد أن امرأة من هؤلاء تقول إن ما وجدته في القرآن الكريم مما يتصل بالمرأة، يكاد يجعل المرأة في درجة الآلهات «بحسب تعبيرها» في منزلة رفيعة، من حيث تكريمها وهي أم وتكريمها وهي زوجة ولزوم الإنفاق عليها، ولزوم توقيرها، وما يتعلق بأحكام الطلاق، وما يتعلق بأحكام العشرة الزوجية والسكنى، حتى بما يتعلق بتعدد النساء، وكيف أنه أحيط بضوابط واشتراطات تجعل منه أمرًا قائمًا على تحرّي العدل، فإن لم يمكن فإن المرأة لا بد من تكريمها، وأن تبقى معززة مكرمة، وهي وإن كانت امرأة ثانية أو زوجة ثالثة أو أخرى، فإن حقوقها في النفقة والسكنى والمبيت وغير ذلك لا تختلف، وشدها هذا الأمر، وكيف تخاطب المرأة وكيف يعلى من منزلة المرأة في القرآن الكريم، إلى حد أنها قالت: «هذا الدين ينظر إلى النساء وكأنهن آلهة» وهذا تعبير مجازي للتعبير عن المنزلة الرفيعة التي اكتشفتها للمرأة في القرآن الكريم.

أشعر بإنسانيتي حينما أقرأ القرآن

وبين أن هنالك «شخصًا آخر وهو ملحد -وإلى ما قبل بضعة أيام لم يدخل الإسلام بعد- ولكن الذي رآه في القرآن الكريم وقف عنده مشدوها، قال هذا القرآن يهتم بي، ويخاطبني وهو راغب في هدايتي، هذا الإله يكرمني لذاتي لا لأي شيء آخر، فهو لا يريد مني مصلحة، ولا يريد من وراء خطابه لي شيئا، فأنا أشعر بإنسانيتي حينما أقرأ القرآن، أشعر أن هذا القرآن يكرمني لذاتي، والطريف أن هذا الرجل كان ينشر مقاطعه وفي الخلفية موسيقى، ردود التعليقات من المسلمين شدته أيضا، والحقيقة أن هذه الأمة رغم ما هي عليه هي خير الأمم على الإطلاق، فلا توجد أمة مثل هذه الأمة، فهذا الرجل يقول إنه في التعليقات هناك من نبهني وقال أرجوك لا تشغل الموسيقى أثناء قراءتك للقرآن، فأنا شدني تكريمهم لهذا القرآن، ولو فعلت ذلك مع أي كتاب آخر لا ينبهني أحد، فهو نظر إلى الأمر بإنصاف، ثم يرد عليه مسلم آخر ليقول، أولا هذا غير مسلم، فإذا كان ذلك يساعده على الفهم فلا إشكال، ثم إنه لا يقرأ القرآن وإنما يقرأ ترجمة لمعاني القرآن، يقول أطرح إشكالات وأتعمد طرح هذه الإشكالات لإثارة حفيظة المسلمين، وأغلب الردود تأتي استمر في القراءة فمن حقك أن تطرح هذه الأسئلة، استمر في البحث، سنحاول مساعدتك، لم تصل بعد إلى الموضع الذي ستجد فيه الجواب عن هذا السؤال، فلا مصادرة لرأيي ولا مغاضبة، فهو يتحدث عن تعليقات المسلمين، يقول إذا حصل ذلك فهو أمر نادر الحصول ويتولى باقي المسلمين الرد عليه».

فيوضات الرحمة

وأوضح أنه: في مناسبة أخرى تقول امرأة إنني حينما أقرأ القرآن أشعر بفيوضات من الرحمة والعطف والحنان في خطاب الله تعالى لي في القرآن الكريم، وهذا ما لا أجده في التوراة والإنجيل، هناك أجد الترهيب، وإذا ورد شيء من خطاب العفو والمسامحة، فإنه يأتي أيضا في سياق التشديد والإغلاظ والتخويف، أما هنا فأنا أول ما أقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» وهكذا تستطرد كيف أنها وجدت في القرآن الكريم فيضًا دافقًا من العطف والرحمة والعناية بها، وإظهار رحمة الله عز وجل بالخلق، ورغبته في الهداية لهم، وتذكر لذلك أمثلة. وهنالك امرأة أخرى أيضا -وهذه انتشرت في وسائل التواصل؛ لأنها ترجم مقطعها- وهي أنها امرأة يهودية تذكر آية سورة النساء التي فيها: «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا» تقول لو سئلت قبل 6 أشهر لما تصورت أن يكون هناك إله يمكن أن يعذب أحدا بهذا العذاب، أما الآن وقد رأيت ما صنعه الصهاينة في أهل غزة، فإنني أرى أن هذه العقوبة العادلة في حقهم؛ لأن الذي فعلوه في الأطفال والشيوخ والنساء والأبرياء، لا يمكن أن تكون له عقوبة عادلة إلا مثل هذه العقوبة».

مناصرة أهل الحق

وأكد على أن هذه البشارات هي نصر من عند الله عز وجل وفتح مبين، ولعل من ورائها أن تحرير الأقصى المبارك وأرض فلسطين عامة تحتاج بلوغ مرحلة تتعرف الناس فيها على الحق، ويتعرف العالمون فيها على أهل الطاغوت والظلمة المعتدين المحتلين، وهذا لما قلت إن هذا الذي تنادى له الناس العقلاء من مختلف البلدان ومن مختلف الانتماءات الدينية والثقافية، إشارة مبشرة على أنهم سيتبينون حقيقة هذه الصهيونية الظالمة التي اعتدت على حقوق أهل الأرض وعلى مقدساتهم وعلى أنفسهم وأموالهم وأن العالمين سينبذون هذا السرطان وهذا الكيان الغاصب؛ لأنهم سيكتشفون حقيقته، وسيحقرونه، وسيسعون جهدهم لمناصرة أهل الحق وإحقاق العدل، إذ لو لم يكن ذلك لظل الصراع قائما، وما بلغ أهل الحق في الأرض المباركة التمكن من أرضهم ودولتهم وأن يكون الأمر إليهم وأن تكون السيادة والحكم والقرار إلى أنفسهم، إلا بمعادات هؤلاء جميعا؛ لأنهم كانوا مغررا بهم ومضللين، وكانوا يظنون كما يزعم المغتصبون بأن لهم حقا في هذه الأرض، وأنهم دولة ديمقراطية ذات أخلاق وقيم في وسط محيط فاسد ويسمونه بأسوأ الأوصاف، فانطلت هذه المزاعم على كثير من البشر، فإذا بهذا الزيف وهذا التشويه ينكشف للناس اليوم، وإذا بهم ينبذون هؤلاء المحتلين الغاصبين ويردون عليهم ويكشفون زيف أباطيلهم، ولذلك فهي فرصة للمسلمين خاصة للشباب أن يجاهدوا بألسنتهم وأقلامهم وبنشر الصور وبكشف الحقائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأنا أهيب بكل شباب هذه الأمة بأن يغتنموا هذه الفرصة ليكونوا أقرب إلى الله تبارك وتعالى ويؤدوا واجبهم بمناصرة الحق والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وأن يكونوا فعلا ممن ينتسبون إلى خير أمة أخرجت للناس، فعليهم أن ينشروا الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، وأن يترجموها إلى لغات عالمية مختلفة كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والصينية وكل اللغات العالمية، ولا يترددوا مهما كانت تلك المقاطع فيها من الآلام والجراحات فلا يترددوا في نشرها؛ لأنها تكشف للطرف الآخر وتبين الحقائق لا سيما التي فيها ظهور صبر وثبات من المنكوبين المظلومين من أهل غزة وفلسطين والتي فيها أيضا إقامة الحجة على العدو الغاشم.

الصدارة لهذه القضية

وعلق الهادي على هذا الكلام بقوله: معنى هذا أنكم تدعون المسلمين أيضا إلى أن يكون جل اهتمامهم الآن هو ما يحدث في غزة، وأن ينقلوا تلك المأساة إلى العالم إضافة إلى ما تفضلتم به من ضرورة التواصل معهم فيما يتعلق بحقائق القرآن الكريم، لأنه قد يراد للمسلمين أن ينصرفوا إلى أحداث أخرى قد تكون بين المسلمين أنفسهم كنوع من الاحتراب الداخلي أو الأهلي حتى ينشغلوا عن هذه القضية، فهل ترون أن هناك أيضا نوعًا من الاستهداف لاهتمام المسلمين بهذه القضية؟

فأجاب د.كهلان الخروصي: هذه مسألة بالغة الأهمية؛ لأن هذه البشارات يلحظها العدو ويرقبونها جيدا لأنها آتية من داخل مجتمعاتهم، بل من داخل دوائر صنع القرار فيهم وفي وسائل إعلامهم، في الإعلام التقليدي وفي الإعلام الحديث المعاصر، فلا يظنن ظانّ أيضا أنهم سيقفون مكتوفي الأيدي فيكيدون المكائد التي يحاولون بها صرف اهتمام المسلمين إلى قضايا أخرى، قضيتنا اليوم هو ما يحدث في غزة وفلسطين، ودعوتنا اليوم لمناصرة الحق وبسط العدل ورفع الظلم عن إخواننا في غزة وفلسطين، لا يعني أننا لا نهتم بباقي قضايانا وما يصيب أمتنا ولكن الصدارة لهذه القضية؛ لأنه صراع بين الحق والباطل، ولأن الظلم الواقع على إخواننا على أطفالنا وأولادنا وأخواتنا وآبائنا في أرض غزة وفلسطين ظلم عظيم، وصبروا وأظهروا أعلى درجات الصبر لكن لا بد لنا أن نبرئ ذمتنا أمام الله تبارك وتعالى بمناصرتهم بكل ما نستطيع من مال وغوث وإعانة وبنشر الحق وتعريف الناس بعدالة قضيتهم، وظلم عدوهم وبطشه وبغيه، وبدعوة الناس للتعرف على هذه الحقائق وكشف الزيف والأباطيل التي ينشرها غيهم كما قلت هذه لها الأولوية، ولا ينبغي أن تزاحمها أي قضية أخرى مهما كانت؛ لأن العدو كما لا يخفى على أحد قد بلغ به الحال فيما يصنعه من بطش شديد وتوحش أن الأرض قد ضاقت به بما رحبت، ولذلك سيسعى بكل وسائله وخططه وما يملك من وسائل وأموال واستراتيجيات وسيوظف سياسيين وإعلاميين لتحويل البوصلة إلى قضايا أخرى، فلا ينبغي للمسلمين أن يشتغلوا عن هذه القضية، قد تطرأ بعض القضايا التي تستدعي وقفة صارمة وأن يؤدي المسلمون ما يجب عليهم إزاءها، لكن هذه القضية اليوم هي القضية ذات الصدارة، يمكن أن يتولى القضايا الأخرى -إذا ثبت أن المعلومات التي تصل عنها صحيحة وتستوجب وقفة صارمة- فيمكن أن تقوم بذلك طائفة من المسلمين، فنحن اليوم نتحدث عن مليارين من أمة المسلمين، فيمكن أن نتولى هذه القضايا دون أن تشتت جهودنا أو أن نصرف إلى قضايا زائفة غير صحيحة ولا ننتبه لأنفسنا فننشغل بتلك القضايا على حساب هذه القضية المصيرية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى فی القرآن الکریم غزة وفلسطین هذه القضیة التی فیها هذا الدین ما أقرأ أن یکون أهل غزة على هذا یمکن أن أن هذه فی غزة على أن

إقرأ أيضاً:

كربلاء.. وتخاذل الأمة

 

الأسرة /متابعات
الجذور العميقة للمأساة: كيف وصلنا إلى كربلاء؟
إن واقعة كربلاء لم تكن وليدة يومها، بل هي نتاج لانحراف سياسي وديني بدأ عقب وفاة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مباشرة، حين أُقصي أهل البيت عن موقع القيادة، وبدأ تسلل المفاهيم القَبَلية والمصلحية إلى كيان الأمة.
عشق السلطة: كما أشار الشهيد القائد، فإن عشق المناصب والمال هو من أخطر الأمراض التي تنخر في جسد الأمة، والتي كانت من الأسباب المركزية في الانحراف الكبير الذي أدى إلى مأساة كربلاء “عشق المناصب هو ما يمكن أن يضحي بالدين، ويضحي بالأمة، ويضحي بكل شيء”.
الترهيب والترغيب: تم استخدام سلاح المال والوعيد للسيطرة على الناس، وتحويلهم إلى أدوات في يد السلطة، بينما ظل القليل من الأحرار رافضين للبيع.
تخاذل الأمة: أحد أخطر أسباب فاجعة كربلاء هو سكوت العامة، وتخاذلهم عن نصرة الحق. فالمجرمون لم يكونوا وحدهم من تسببوا بالمأساة، بل أيضاً من فرّطوا في مسؤوليتهم كما قال الشهيد القائد: “الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط، المجرمون من جهة، المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللامبالون هم أيضاً يجنون من طرف آخر.” يضاف إلى ذلك نقص الوعي وضعف الإيمان.
الحل والمخرج.. التحرك الواعي بالثقة بالله
للخروج من هذه الأوضاع المتردية، يتطلب الأمر تحركًا جادًا وفعالًا، قائمًا على الوعي والبصيرة، مع استشعار كامل للمسؤولية. والأهم من ذلك، الثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه. فبالثبات والصبر، والوعي والعمل، والاستجابة لله تعالى، يتحقق النصر الذي وعدنا به الله في كتابه الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
وإن الثقة بالله ليست حالة شعورية عابرة، بل هي منهج متكامل يرتكز على الإيمان بوعد الله، والعمل في سبيله، واليقين بأنه سبحانه لن يخذل عباده إذا نهضوا بحقهم، وأخذوا بأسباب القوة والعزة. إن التحرك الواعي يبدأ من الداخل، من إصلاح النفوس وتزكية القلوب، ثم يمتد إلى الخارج عبر التفاعل مع قضايا الأمة، ونصرة المظلوم، ومواجهة قوى الاستكبار بكل الوسائل المتاحة.
فالتحرك الواعي يعني أن ندرك طبيعة المعركة، وأن نميّز بين العدو والصديق، وأن لا ننخدع ببريق الشعارات الزائفة، ولا نغتر بالدعايات التي تخدر الشعوب وتثبط العزائم. كما يعني أن ننطلق من الثوابت الدينية والأخلاقية، وأن لا نُساوم على الحق، ولا نُفرّط في المبادئ مهما بلغت التحديات.
إن النصر لا يأتي بالركون ولا بالتمنيات، وإنما بالعمل، كما قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وإن الثقة بالله تدفعنا إلى أن نثق بأننا – رغم قلّة الإمكانات، وشدة الحصار، وقوة العدو – قادرون بعون الله على تحقيق النصر، متى ما التزمنا بطريق الهداية، وتحركنا بوعي، وأخلصنا في الموقف، وتوكلنا على الله حق التوكل.
وهكذا يكون الحل والمخرج في زمن الفتن والانحراف، هو: تحركٌ مؤمنٌ بالله، ثابتٌ في المبدأ، واعٍ بالواقع، واثقٌ بوعد الله، لا ينهزم أمام التهويل، ولا يستسلم للضغوط، ولا يساوم على الدين.
أبعاد كربلاء.. الصراع الأبدي بين الحق والباطل
لم تكن كربلاء مجرد واقعة تاريخية تجمدت في زمانها، بل كانت وما تزال لحظة مفصلية تختزل جوهر الصراع الأزلي بين قوى الخير والشر، بين نهج الرسالة ونهج الانحراف، بين الإسلام المحمدي الأصيل ومشاريع الطغيان والتحريف.
كربلاء حقد جاهلي بثوب أموي: لم تكن المعركة ضد الإمام الحسين عليه السلام إلا امتدادًا للحقد المتراكم في نفوس الجاهليين الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم عادوا هذه المرة برداء السلطة والخلافة، فكان استهداف الحسين استهدافًا لرسول الله نفسه، ولمشروعه الإلهي النقي.
كربلاء إعادة إنتاج لجذور الصراع: أعادت الواقعة فتح الجرح القديم بين التوحيد والشرك، بين قيم السماء التي جاء بها محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وبين جاهلية أموية متجددة تسعى للهيمنة تحت شعارات دينية زائفة. هي تذكير دائم بأن الانحراف يبدأ حين يُلبَس الباطل لبوس الحق.
كربلاء بوصلة الأمة نحو النور: لم تكن كربلاء مجرد مواجهة بالسيف، بل كانت صرخة هداية مدوّية في وجه التزييف والانحراف. الإمام الحسين عليه السلام مثّل الامتداد النقي للنبوة، وكانت علاقته بالأمة علاقة قيادة روحية وأخلاقية، كما قال عنه جده المصطفى: “حسين مني، وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينًا”.
كربلاء ذروة الإجرام الأموي: بلغت قوى الباطل الأموية قمتها في عهد يزيد بن معاوية، الذي لم يكتفِ بطمس معالم الدين، بل سعى لإحياء قيم الجاهلية بقوة الحديد والنار. وقد تصدّى له الإمام الحسين عليه السلام بنهضة واعية أرست قواعد الرفض والثبات.
كربلاء مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل: كانت ملحمة كربلاء أعظم نموذج للتجسيد العملي لقيم الإسلام، حيث قدّم الحسين ورفاقه أنموذجًا راقيًا في الإيثار والصبر والتضحية، والثبات على المبادئ رغم قسوة الظروف ووحشية العدو.
كربلاء مرآة للحق والباطل: كما وصفها الشهيد القائد، فإن كربلاء كانت تجسيدًا حياً لصراع متكامل الأبعاد: “هي حديث عن الحق والباطل، عن النور والظلام، عن الخير والشر، عن السمو في أرفع صورِهِ والانحطاط في أبشع تجلياته.”
إنها ليست مجرد واقعة في الماضي، بل هي مرآة تنعكس فيها معارك اليوم، وتمنحنا البصيرة لفهم الحاضر، واستشراف المستقبل بثباتٍ وهدى.
موقف الحق وموقف الباطل.. رؤية واضحة لمستقبل الأمة
موقف الحق:
هو الحصن الحصين لمنعة الأمة وحمايتها من الباطل بكل أشكاله من ظلم ومنكر وفساد. الحق هو الركيزة التي يمكن للأمة، بل وللبشرية جمعاء، أن تستند إليها. إنه الذي له فاعليته المؤكدة في إزهاق الباطل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. الحق نجده في مصدره الحقيقي ومنهجه الأصيل: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. وهو يمتد مع حملته الصادقين: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
الحق يدعو إلى وحدة المسلمين وأخوتهم وتعاونهم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. وهو يتجلى في المبادئ والقيم، في المنهج والمسيرة، وفي المواقف والولاءات، وعلى مستوى القول والفعل، والخيار والقرار. يتجسد الحق اليوم في نصرة الشعب الفلسطيني، ودعم مقاومته، وطرد الاحتلال الصهيوني، واستعادة المقدسات، والتصدي للخطر الإسرائيلي. كما يتجلى في الوقوف مع شعوب أمتنا المظلومة في لبنان، وسوريا، والعراق، والبحرين، وفي كافة أنحاء المعمورة. وهو مع شعبنا اليمني العزيز في التصدي للعدوان الأمريكي الصهيوني الغاشم: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}. الحق يدعونا لتعزيز كل عوامل القوة والثبات: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}. إن التمسك بالحق والثبات عليه يؤدي إلى تحقق الوعد الإلهي: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
موقف الباطل:
يتمثل في جر الأمة إلى الولاء لأمريكا و”إسرائيل”، والخضوع لسيطرتهما والتبعية العمياء لهما. الباطل كل الباطل في القبول بالعدو الصهيوني وسيطرته على فلسطين والمقدسات، والتطبيع معه وتبرير جرائمه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. يتجلى الباطل أيضًا في التآمر على الشعوب بكل أشكال المؤامرات، ونشر البغضاء والعداوة والكراهية بين المسلمين والسعي لتفرقتهم: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
الباطل هو في الوقوف مع العدوان، أو تبريره، أو السكوت عن إدانة جرائمه بحق شعبنا. وهو يكمن في الإخلال بالمسؤولية، وخلخلة الصف الداخلي، والتثبيط، والتفتيت من عضد الأحرار والأوفياء. إن موقف المتخاذلين والمترددين واليائسين والجبناء المحبطين لم يكن منشؤه الالتباس في تحديد الحق من الباطل، بل ضعف الإيمان والبصيرة والوعي، والخضوع للمخاوف والأطماع، والتقديرات الخاطئة.

مقالات مشابهة

  • الأوقاف تعلن فتح باب التقديم لمراكز إعداد محفظي القرآن الكريم.. رابط التسجيل
  • الأوقاف: فتح باب التقديم لمراكز إعداد محفظي القرآن الكريم
  • كربلاء.. وتخاذل الأمة
  • خطيب المسجد الحرام: اللهم عليك باليهود الغاصبين.. وانصر إخواننا في فلسطين
  • لماذا حرم الله الربا؟.. أمين الفتوى يجيب
  • سرايا القدس تبارك العملية الفدائية التي نفذت في متجر صهيوني بالخليل
  • 170 متسابقة في تلاوة وحفظ القرآن الكريم بيوم الهمة في حلب
  • لجان المقاومة في فلسطين تبارك عملية إطلاق النار البطولية في الخليل
  • وكيل الأزهر يتفقد رواق القرآن الكريم بالجامع الأزهر
  • شاهد | استهداف وإغراق السفينة (ETERNITY C) التي كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش في فلسطين المحتلة