على وقع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها منظمة إيكواس، وقطع الإعانات المالية من الشركاء الدوليين، وضعت النيجر موازنة عامة لسنة 2024 تتميز بالتقشف والترشيد في النفقات لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي سببها انقلاب 26 يوليو/تموز 2023.

وجاء قانون الموازنة المالية الجديد -الذي وافق عليه المجلس العسكري الحاكم- معتمدا على الموارد المحلية وبدون معونات خارجية، وهي أول مرة في تاريخ البلاد تكون الميزانية العامة غير مدعومة من الشركاء والمانحين الدوليين، بعد أن كانت تتلقى 40% من ميزانيتها عبر المساعدات.

موارد هائلة

وتمتلك النيجر الكثير من الموارد المتنوعة التي تخول لها الاكتفاء بمواردها، إذ تحتكر 5% من السوق العالمية لليورانيوم، وتمتلك منه سادس أكبر احتياطي في العالم.

وتعتبر المورد الأول لدى الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم، حيث تقوم بتصدير ربع حاجيات بلدان التكتل من إنتاج الطاقة.

وتمد النيجر مستعمِرتها السابقة فرنسا بـ 35% من احتياجاتها من الطاقة النووية، كما تمثل ثروتها من اليورانيوم 75% من الطاقة الكهربائية الفرنسية.

وعام 2021، بلغت صادراتها من الذهب 2.7 مليار دولار، كما تمتلك مناجم من الحديد والقصدير والفوسفات.

ومنذ عام 2011 أصبحت النيجر تنتج 20 ألف برميل يوميا من النفط بعد ما وقعت عقدا مع شركة النفط الصينية لاستغلال حقل "أغاديم" الواقع في منطقة ديفا جنوب شرقي البلاد، قرب الحدود مع نيجيريا.

وفي سبتمبر/أيلول 2019، وقعت الشركة الصينية عقدا مع الحكومة لبناء خطوط أنابيب لربط حقل أغاديم بميناء بنين لزيادة الإنتاج النفطي وتصديره للخارج.

وفي الربع الأول من 2024، ستبدأ النيجر إنتاج 90 ألف برميل نفط يوميا، وستصدّر أغلبه للأسواق العالمية لأن حاجة البلاد منه لا تتجاوز 7 آلاف برميل يوميا.

وبالإضافة للموارد الطبيعية المتنوعة، تمتلك النيجر ثروة حيوانية وزراعية ضخمة، إذ يمثل القطاع الحيواني نحو 13% من الناتج المحلي، كما يعتمد 80% من السكان على الزراعة.

ميزانية طموحة

واعتمادا على الثروات المتعددة، صادقت الحكومة العسكرية العام الحالي على قانون الميزانية العامة الذي وضع بناء على الموارد الذاتية.

وبلغت الميزانية عام 2024 نحو 2653 مليار فرنك أفريقي (4.04 مليارات يورو) وتضمنت مجموعة من التدابير لدعم القطاع الخاص والإعفاءات الضريبية، والإنفاق الاجتماعي، لدعم قدرات المواطنين على الوصول للسلع الاستهلاكية الضرورية.

وتراجعت تقديرات الميزانية الجديدة بنسبة 18% مقارنة مع ميزانية 2023 والتي وصلت 3245 مليار فرنك أفريقي (4.9 مليارات يورو).

وكانت ميزانية 2023 شهدت تعديلا انخفضت بموجبه بنسبة 40%، وذلك بعد فرض العقوبات على نيامي نتيجة للانقلاب العسكري.

وفي ميزانية 2024، ارتفعت الاستثمارات من موارد الدولة إلى 476 مليار فرنك أفريقي (727 مليون يورو) مقارنة بالميزانية الماضية التي لم يتجاوز الاستثمار فيها 257 مليارا.

وفي جانب الإنفاق الاجتماعي، تستقطع مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية 57% من ميزانية 2024، من أجل التخفيف من معاناة السكان الذين يعانون من الفقر الشديد.

صمود صعب

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله ولد أواه، مستشار وزير الاقتصاد الموريتاني سابقا، أن اقتصاد النيجر يعاني من مشكلة الارتباط النقدي بباريس، إذ تقع ضمن الدول التي تعتمد عملة الفرنك الأفريقي الذي يسكّ في فرنسا.

وتلتزم الدول المرتبطة بالعملة الأفريقية الموحّدة بالاحتفاظ بنسبة 85% من احتياطاتها من العملة الصعبة بالبنك المركزي الفرنسي.

وخلال الأعوام الماضية، دأبت النيجر على تلقي دعم بالميزانية من الشركاء الدوليين، حيث وصلت المساعدات الإنمائية نحو 2.1 مليار دولار، وهو ما يشكل نسبة 40% من الميزانية العامة للدولة.

ويضيف ولد أواه -في حديثه للجزيرة نت- أن النيجر رغم الصعوبات النقدية والحصار يمكن أن تصمد بصعوبة إذا تابعت نهج التقشف والتركيز على بند نفقات الاستثمار، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ويرى أن تجربة موريتانيا سنة 1966 يمكن أن تكون نموذجا للنيجر وغيرها من بلدان غرب أفريقيا، حيث اعتمد الرئيس (الموريتاني) المختار ولد داداه حينها على موازنة مالية من الموارد المحلية، وتخلّى عن الدعم الفرنسي لميزانية الدولة، ليخرج لاحقا من الفرنك الأفريقي ويصدر عملة وطنية، ثم قام بتأميم شركة مناجم الحديد التي كانت باريس تتولّى تسويق إنتاجها.

ويمكن للنيجر أن تسير على نفس الخطى وتنوّع من شركائها الاقتصاديين، خاصة أن الصين بعد القطيعة مع فرنسا أصبحت الشريك الاقتصادي الأول، وتنفرد باستخراج النفط من حقل أغاديم الذي سيصل إنتاجه بداية العام الجاري إلى 90 ألف برميل من النفط يوميا.

تحديات

ورغم تنوّع مواردها الوطنية، وتصديرها للكثير من الثروات الثمينة نحو بلدان متعددة، تحتل النيجر المرتبة السابعة عالميا بين أفقر دول العالم، حيث يقبع 10 ملايين من سكانها -الذين بلغ تعدادهم العام 25 مليون نسمة- في فقر مدقع.

وبالإضافة للفقر والهشاشة السكانية، والعقوبات الاقتصادية المفروضة من طرف إيكواس، فإن نيامي تعاني من التحديات الأمنية التي تتجاوز الصعيد الوطني والمحلّي، إلى مستوى المحيط الإقليمي والجغرافي.

وبسبب النزاعات التي تعصف بدول الساحل الأفريقي، تعاني النيجر من تدفقات اللاجئين من مالي وبوركينافاسو وتشاد، حيث استقبلت العام الماضي 255 ألف لاجئ.

ويعوّل المجلس العسكري الحاكم على نتائج الحوار الوطني الشامل الذي بدأت فعالياته مؤخرا بين القوى السياسية، وينتظر من نتائجه أن تنعكس إيجابا على المشهد السياسي، وتساهم في رفع العقوبات المتعلقة بالتبادل التجاري والحركة الاقتصادية مع دول الجوار.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

قيادي بمستقبل وطن: القفزة في تحويلات المصريين بالخارج تؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية

أشاد المهندس تامر عبد الحميد، أمين مساعد أمانة الصناعة المركزية بحزب مستقبل وطن، بالأداء المتميز للاقتصاد المصري والنتائج الإيجابية الملموسة التي تحققت بعد عام من تطبيق حزمة الإجراءات الإصلاحية في مارس 2024.

بعد واقعة طالبة علوم الزقازيق.. برلمانية تطالب بتوفير نقاط إسعاف داخل الحرم الجامعيبرلمانية: تطور المنظومة الصحية في مصر تجاوز الـ200%اللجنة البرلمانية المشتركة تستمع للمستأجرين حول تعديلات قانون الإيجار القديمبـ12 مليون يورو.. البرلمان يوافق على منحة أوروبية لدعم استراتيجية مصر للسكان

واعتبر عبد الحميد أن القفزة التاريخية المسجلة في تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي بلغت 32.6 مليار دولار بزيادة قدرها 72.4% خلال الفترة من مارس 2024 حتى نهاية فبراير 2025، تمثل شهادة نجاح حقيقية لهذه الإصلاحات ودليلاً قاطعاً على استعادة الثقة في المنظومة المصرفية المصرية.

وأوضح عبد الحميد، أن هذه الزيادة غير المسبوقة، والتي تضمنت ارتفاع التحويلات خلال شهر فبراير 2025 وحده لتصل إلى نحو 3 مليارات دولار، لم تكن لتتحقق لولا القرارات الاقتصادية الجريئة، وعلى رأسها تحرير سعر الصرف، الذي قضى بشكل كبير على السوق الموازية للعملة وشجع المصريين بالخارج على تحويل مدخراتهم عبر القنوات الرسمية.

التدفق الدولاري 

وأضاف أن هذا التدفق الدولاري يعزز من صلابة الجنيه المصري ويدعم احتياطيات النقد الأجنبي التي تجاوزت 48.1 مليار دولار، مما يمنح البنك المركزي مرونة أكبر في إدارة السياسة النقدية.

وأشار أمين مساعد أمانة الصناعة المركزية بحزب مستقبل وطن إلى أن البيانات التي تظهر ارتفاع إجمالي تحويلات المصريين خلال عام 2024 بنسبة 51.3% لتصل إلى 29.6 مليار دولار، وكذلك الارتفاع بنسبة 81% خلال الشهور السبعة الأولى من السنة المالية 2024-2025، تؤكد استدامة هذا التحسن.

واعتبر أن هذه الأرقام القياسية، مثل تسجيل 3.2 مليار دولار في ديسمبر 2024 و2.9 مليار دولار في يناير 2025، تعكس وعي المصريين بأهمية دعم اقتصاد بلادهم في هذه المرحلة الفارقة.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن هذه النجاحات تأتي بالتوازي مع جهود الحكومة المستمرة في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية والتعاون المثمر مع صندوق النقد الدولي، وهي خطوات حاسمة لتعزيز المالية العامة للدولة وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

 تحويلات المصريين بالخارج

وأكد عبد الحميد أن تحويلات المصريين بالخارج، إلى جانب عائدات قناة السويس والسياحة والصادرات، تشكل ركائز أساسية للاقتصاد الوطني ومصدرا مهما للعملة الصعبة.

واختتم تامر عبد الحميد تصريحاته بالتأكيد على أن هذه المؤشرات الإيجابية تبعث على التفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصري، وتعكس قدرته على تجاوز التحديات والانطلاق نحو آفاق أرحب من النمو والازدهار. 

وشدد على أهمية مواصلة مسيرة الإصلاح الاقتصادي بنفس العزيمة للحفاظ على هذه المكتسبات وتعظيمها، بما يعود بالنفع على كافة المواطنين ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

طباعة شارك تامر عبد الحميد مستقبل وطن الإجراءات الإصلاحية تحويلات المصريين العاملين بالخارج تحويلات المصريين بالخارج

مقالات مشابهة

  • تزامنا مع زيارة ترامب.. ما طبيعة العلاقات الاقتصادية بين السعودية وأميركا؟
  • قصر طائر بـ”نصف مليار $”.. هذه هي الطائرة التي أهدتها قطر لترامب (صور)
  • عجز الميزانية المغربية يتفاقم إلى 11,7 مليار درهم
  • قيادي بمستقبل وطن: القفزة في تحويلات المصريين بالخارج تؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية
  • ارتفاع ميزانية تكافل وكرامة إلى 53 مليار جنيه في الموازنة الجديدة|فيديو
  • بلغت 18 مليار جنيه.. القومي لتنظيم الاتصالات: الجهاز ثاني الهيئات الاقتصادية تحقيقا للأرباح
  • بولندا: روسيا تقف وراء الحريق الضخم الذي دمر مركزا تجاريا في وارسو عام 2024
  • 33.7 مليار دولار أرباح مبيعات آب ستور في 2024
  • ارتفاع في عجز الميزانية الأمريكية بمقدار 196 مليار دولار منذ بداية العام
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم