جنوب أفريقيا تسترجع تاريخها النضالي
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
قامت دولة جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 -وبعد 83 يوما من تقاعس العالم عن القيام بإجراءات تنفيذية تردع الكيان الصهيوني عن ارتكاب مجازر منقولة على الهواء مباشرة- برفع دعوى إلى محكمة العدل الدولية، تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة ضد الإنسانية، عبر قصف الفلسطينيين وتجويعهم ومنع وصول الماء والدواء إليهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا انفردت جنوب أفريقيا برفع الدعوى ضد إسرائيل؟
للإجابة عن هذا السؤال، علينا استرجاع تاريخ جنوب أفريقيا النضالي الذي أفضى لانتزاع حقوق شعبها رغم مناصرة الغرب لذلك النظام العنصري حينها.
تعتبر الدعوى المرفوعة في محكمة العدل الدولية بخصوص ارتكاب جريمة إبادة جماعية (Genocide)، استرجاعًا لقضية الفصل العنصري (الأبارتايد) الذي عانى منه شعب جنوب أفريقيا طويلًا، وناضل من أجل تحقيق أهدافه بإلغاء هذا النظام العنصري، وهو ما تحقق عام 1994، أي بعد 66 عامًا من فرضه عليهم.
الأبارتايد تمّ عبر هجرة أوروبية إلى جنوب أفريقيا، وكذلك نشأت إسرائيل عبر هجرة اليهود من كافة أرجاء العالم إلى فلسطين، بدعاوى دينية مزيفة وتهجير سكانها الأصليين
هناك قواسم مشتركة عديدة بين نضال شعب جنوب أفريقيا والشعب الفلسطيني، لعبت دورًا رئيسًا في اضطلاع جنوب أفريقيا بهذا الدور الذي سيسجله التاريخ لها، ومنها:
أن الأبارتايد بدأ في جنوب أفريقيا عام 1948، أي بالتزامن مع احتلال فلسطين واضطهاد شعبها وتهجيره. أن الأبارتايد فصل عنصري مبني على العرق واللون، كذلك إسرائيل تمارس عنصرية بغيضة من منطلق ديني باعتبارها دولة يهود العالم. أن الأبارتايد تمّ عبر هجرة أوروبية إلى جنوب أفريقيا، وكذلك نشأت إسرائيل عبر هجرة اليهود من كافة أرجاء العالم إلى فلسطين، بدعاوى دينية مزيفة وتهجير سكانها الأصليين. أن حقوق شعب جنوب أفريقيا الأصلي كانت غير معترف بها، وكذلك اليوم الفلسطينيون أصحاب الأرض بلا حقوق، رغم توقيع اتفاقية أوسلو التي كانت مجرد حبر على ورق. أن جنوب أفريقيا أفرزت قياديين تاريخيين عانوا الأمرّين من قمع النظام العنصري، من أهمهم الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا الذي سجن لمدة 27 عام؛ وكذلك أفرز النضال الفلسطيني زعماء تاريخيين أمثال الزعيم ياسر عرفات الذي حوصر في المقاطعة ومات مسموما فيها، وأيضا الشهيد أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي. أن كلتا الحالتين العنصريتين نشأتا عبر بريطانيا ودعم غربي، بعيدًا عن حق تقرير المصير للشعوب وحقوق الإنسان والديمقراطية. أن إلغاء نظام الأبارتايد تم بعد نضال مرير دفع ثمنه شعب جنوب أفريقيا غاليا، ولم يقدم لهم على طبق من ذهب، كذلك الفلسطينيون يناضلون حتى اليوم، وهو حق كفلته كافة الشرائع الدولية لإنشاء دولتهم المستقلة التي سُرقت منهم، ويدفعون ثمن هذا التحرير دمًا وهجرة وتشريدًا. أن إسرائيل كانت داعمة أساسية لنظام الفصل العنصري، مما يجعل الوقت مناسبا لرد الدَّين لهم من قبل السلطة الحالية. أسئلة الرأي العامهناك أسئلة عديدة أخرى مهمة يطرحها الرأي العام أيضا، منها:
ألم يكن أولى برفع الدعوى العربُ والمسلمون الذين يرتبطون بالفلسطينيين بأواصر القربى والعرق والدين والتاريخ المشترك؟ لماذا تغافلت الدول التي تتشدق باعتناقها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب بتقرير المصير، عن أن تكون هي المطالبة بذلك؟ لماذا لم نشاهد روسيا والصين وحتى دول البريكست تقوم بذلك؟ لماذا أُسست الأمم المتحدة أساسا، أليس لحماية البشرية والإنسانية؟ ثم ألا تعتبر جرائم الإبادة والتجويع وقصف المشافي ودور العبادة تهدد السلم والأمن الدوليين، أم لا يعلو صوت فوق صوت الدول صاحبة حق النقض في مجلس الأمن؟!الحقيقة أن هذه الدعوى المرفوعة إلى محكمة العدل الدولية تخيف الأنظمة الاستبدادية القمعية التي ارتكبت -وما تزال- جرائم شبيهة بجرائم غزة، وفي مقدمة تلك الأنظمة نظام الأسد الذي ارتكب جرائم حرب وضد الإنسانية، وغيَّب قسريا مئات الآلاف من السوريين.
وهذه الدعوى غير مرحب بها كذلك من الدول العظمى التي ارتكبت جرائم مشابهة، حيث يخشى الجميع من استفادة الشعوب المظلومة والمقهورة من تسليط الضوء على هذه الجرائم، ومن أن تجرؤ الدول لاحقا على رفع مثل تلك الدعاوى، فتتحول دعوى جنوب أفريقيا إلى قضية معيارية قابلة للمقارنة بها، ومحاكمة من يرتكب جرائم مشابهة، فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن على ارتكابها.
ما بعد هذه الدعوى ليس كما قبلها، فالكيان الصهيوني قام على سردية مظلومية الهولوكوست المرتكبة بحق اليهود، مما جعل الآباء المؤسسين لإسرائيل يعتبرون التوقيع على ميثاق المحكمة يصبّ في مصلحتهم، لكن هل انقلب السحر على الساحر، وتحوّلت جرائم الإبادة التي ارتكبتها النازية بحقهم قبل عقود، إلى جعلهم كيانًا ظالمًا، يعادي الفلسطينيين الساميين أيضا، ويرتكب أسوأ الجرائم في نظر الرأي العالمي، وخاصة في نظر جيل الشباب واليافعين من مواليد ما بعد 2000، جيل "زي" (Z)؟!
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عبر هجرة
إقرأ أيضاً:
إدارة بايدن تجمد التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل بسبب جرائم حرب في غزة
أفاد ستة أشخاص مطلعين على الأمر لوكالة رويترز بأن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية علّقوا مؤقتًا تبادل بعض المعلومات الرئيسية مع إسرائيل خلال إدارة بايدن، وذلك بسبب مخاوف بشأن إدارة إسرائيل للحرب في غزة.
التعاون الاستخباراتي الأمريكي الإسرائيليفي النصف الثاني من عام 2024، قطعت الولايات المتحدة بث فيديو مباشر من طائرة أمريكية مسيّرة فوق غزة، كان يستخدمه النظام الإسرائيلي في ملاحقة الرهائن ومقاتلي حماس وأفاد خمسة من المصادر بأن التعليق استمر لبضعة أيام على الأقل.
كما قيّدت الولايات المتحدة كيفية استخدام إسرائيل لبعض المعلومات الاستخباراتية في ملاحقة أهداف عسكرية بالغة الأهمية في غزة، وفقًا لمصدرين رفضا تحديد تاريخ اتخاذ هذا القرار.
وذكر مصدران أن الولايات المتحدة قيّدت أيضًا كيفية استخدام إسرائيل لبعض المعلومات الاستخباراتية في ملاحقة أهداف عسكرية بالغة الأهمية في غزة.
تحدثت جميع المصادر شريطة عدم الكشف عن هويتها لمناقشة معلومات استخباراتية أمريكية.
جاء القرار في ظل تزايد المخاوف داخل مجتمع الاستخبارات الأمريكي بشأن عدد المدنيين الذين قُتلوا في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وأفادت المصادر أن المسؤولين كانوا قلقين أيضاً من إساءة معاملة جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) للأسرى الفلسطينيين.
ووفقاً لثلاثة من المصادر، أعرب المسؤولون عن قلقهم من عدم تقديم إسرائيل ضمانات كافية بالتزامها بقانون الحرب عند استخدام المعلومات الأمريكية.
وبموجب القانون الأمريكي، يتعين على وكالات الاستخبارات الحصول على هذه الضمانات قبل مشاركة المعلومات مع أي دولة أجنبية.
وفي حين حافظت إدارة بايدن على سياسة الدعم المستمر لإسرائيل في مجالي الاستخبارات وتبادل الأسلحة، إلا أن قرار حجب المعلومات داخل وكالات الاستخبارات كان محدوداً وتكتيكياً، بحسب مصدرين.
وأوضح المصدران أن المسؤولين سعوا إلى ضمان استخدام إسرائيل للمعلومات الاستخباراتية الأمريكية وفقاً لقانون الحرب.
وقال أحد المطلعين على الأمر إن مسؤولي الاستخبارات يتمتعون بصلاحيات اتخاذ بعض قرارات تبادل المعلومات الاستخباراتية في الوقت الفعلي دون الحاجة إلى أمر من البيت الأبيض.
وقال مصدر مطلع آخر إن أي طلبات من إسرائيل لتغيير كيفية استخدامها للمعلومات الاستخباراتية الأمريكية تتطلب ضمانات جديدة بشأن كيفية استخدامها لهذه المعلومات.
استؤنف تبادل المعلومات الاستخباراتية بعد أن قدمت إسرائيل ضمانات بالتزامها بالقواعد الأمريكية.
انتشرت تقارير واسعة النطاق حول مخاوف إدارة بايدن بشأن تحركات إسرائيل في غزة، لكن لا يُعرف الكثير عن كيفية تعامل مجتمع الاستخبارات الأمريكي مع العلاقات مع نظرائه الإسرائيليين.
ويؤكد تقرير رويترز عمق قلق مسؤولي الاستخبارات بشأن كيفية استخدام إسرائيل للمعلومات الاستخباراتية الأمريكية.
وأفاد المكتب الإعلامي العسكري الإسرائيلي بأن إسرائيل والولايات المتحدة حافظتا على التعاون الأمني طوال فترة الحرب في غزة، دون التطرق مباشرة إلى حالات حجب المعلومات الاستخباراتية.
وكتب المكتب في رسالة بريد إلكتروني: "استمر التعاون الاستخباراتي الاستراتيجي طوال فترة الحرب".
لم يرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، المشرف على جهاز الأمن العام (الشاباك)، على طلب للتعليق.
لم ترد وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية، المشرف على الاستخبارات الأمريكية، على هذه التصريحات.
أفاد مصدران بأن بايدن وقّع، عقب هجوم 7 أكتوبر ، مذكرةً يوجّه فيها أجهزة الأمن القومي التابعة له إلى توسيع نطاق تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل.
تجسس أمريكي على غزةوفي الأيام اللاحقة، شكّلت الولايات المتحدة فريقًا من مسؤولي ومحللي الاستخبارات بقيادة البنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية، حيث حلّقت طائرات مسيّرة من طراز MQ-9 Reaper فوق غزة، وقدّمت بثًا مباشرًا لإسرائيل للمساعدة في تحديد مواقع مقاتلي حماس واعتقالهم، بحسب ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر كما ساهم بث الطائرات المسيّرة في جهود تحرير الرهائن.
لم تتمكن رويترز من تحديد المعلومات المحددة التي وفّرها بث الطائرات المسيّرة الأمريكية والتي لم تتمكن إسرائيل من الحصول عليها بمفردها.
إساءة معاملة الأسرى الفلسطينيينمع ذلك، وبحلول نهاية عام 2024، تلقّى مسؤولو الاستخبارات الأمريكية معلومات أثارت تساؤلات حول معاملة إسرائيل للأسرى الفلسطينيين، وفقًا لأربعة مصادر ولم تكشف المصادر عن تفاصيل سوء المعاملة المزعومة التي أثارت المخاوف.
أفاد مصدران بأن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) لم يقدم ضمانات كافية بعدم إساءة معاملة أسراه، ما دفع مسؤولي الاستخبارات الأمريكية إلى قطع وصوله إلى بث الطائرات المسيّرة.
وجاء قرار وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية بعد أن قررت إدارة بايدن أن إرسال الولايات المتحدة للأسلحة والمعلومات الاستخباراتية إلى إسرائيل لا يزال قانونيًا، على الرغم من تزايد المخاوف لدى بعض المسؤولين من انتهاك الجيش الإسرائيلي للقانون الدولي خلال عملياته في غزة.
في الأسابيع الأخيرة من ولاية الإدارة - بعد أشهر من قطع المعلومات الاستخباراتية ثم استئنافها - اجتمع كبار مسؤولي الأمن القومي في البيت الأبيض لعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس بايدن، وفقًا لشخصين مطلعين على الأمر.
التعاون بين أمريكا وإسرائيل بعد 7 أكتوبرخلال الاجتماع، اقترح مسؤولو الاستخبارات أن تقطع الولايات المتحدة بشكل رسمي بعض المعلومات الاستخباراتية التي كانت تُقدم لإسرائيل عقب هجوم 7 أكتوبر.
وكان من المقرر أن تنتهي شراكة تبادل المعلومات الاستخباراتية، وقال مسؤولو الاستخبارات إن مخاوفهم تعمقت بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة، بحسب المصدرين.
قبل أسابيع فقط، جمعت الولايات المتحدة معلومات استخباراتية حذر المحامون العسكريون الإسرائيليون من وجود أدلة تدعم توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد إسرائيل بسبب حملتها العسكرية في غزة.
مع ذلك، اختار بايدن عدم قطع المعلومات الاستخباراتية، قائلاً إن إدارة ترامب ستجدد على الأرجح الشراكة، وأن محامي الإدارة قد خلصوا إلى أن إسرائيل لم تنتهك القانون الدولي، وفقًا للمصدرين.