تدفُّق السيارات الصينية يخيف الغرب
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
هل الصين على وشك إطلاق موجة أخرى من موجات تفكيك الصناعة في بلدان العالم الغني؟
لقد فقد حوالي مليون عامل أمريكي في قطاع الصناعة وظائفهم بسبب منافسة الصين في الفترة من 1997 إلى 2011 مع اندماجها في النظام التجاري العالمي وشروعها في تصدير سلع رخيصة إلى الخارج.
ومنذ ذلك التاريخ صار كل شيء يُعزى إلى "صدمة الصين" هذه من تزايدٍ في الوفيات وسط الأمريكيين من الطبقة العاملة وإلى انتخاب دونالد ترامب.
هذه المرة سيكون من الأسهل للساسة ردُّ أي خسائر في الوظائف بالبلدان الغربية إلى عدم تقيد الصين "باللعب النظيف". وستغذي الأجواء الجيوسياسية المتوترة الشعور بأن الإنتاج المدعوم من الدولة في الصين يقسو على العمال الغربيين ويفقدهم وظائفهم. من المؤكد هنالك دعم مالي حكومي. فمنذ إطلاق أجندة "صنع في الصين" في عام 2014 تجاهلت بكين في جرأة قواعد التجارة الدولية وقدمت هِبات سخية لشركات صناعة السيارات. من الصعب الحديث بدقة عن قيمة القروض التي تُقدَّم بفائدة أقل من سعر الفائدة المعتادة في السوق والأموالِ المعززة لرؤوس المال ودعومات المشتريات والعقود الحكومية التي تتمتع بها الشركات. لكن حسب بعض التقديرات يشكل إجمالي الإنفاق العام على صناعة السيارات حوالي ثلث مبيعات السيارات الكهربائية بنهاية العشرية الثانية. هذه الدعومات تضاف إلى السطو على التقنية من مشروعات الاستثمار المشترك مع شركات صناعة السيارات الغربية وشركات صناعة البطاريات الغربية والكورية الجنوبية. لذلك سيكون من المغري لواضعي السياسات في العالم الغني حماية شركات السيارات في بلدانهم من ضراوة المنافسة المدعومة من الدولة.
في أكتوبر الماضي فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقا حول السيارات الصينية. ويقال إن الرئيس بايدن يدرس زيادة الرسوم الجمركية المفروضة عليها على الرغم من أن شركات السيارات الأمريكية المحمية برسم يبلغ معدله 27.5% وهبات مالية من قانون خفض التضخم لا تكاد تواجه حاليا منافسة تذكر من السيارات الصينية. مع ذلك قفلُ الباب أمام السيارات الكهربائية سيكون خطأ. فالمكاسب المحتملة التي يجنيها الغرب من استيراد سيارات رخيصة وخضراء (كهربائية) ضخمة. وتتضاءل إزاءها تكلفة إحلالِ صناعة السيارات القائمة والأخطار التي تترتب عن هذا الإحلال. أحد أسباب ذلك أن سوق السيارات على أية حال ستنقلب رأسا على عقب بصرف النظر عن التجارة مع الصين. ففي عام 2022 كانت حوالي 16% إلى 18% من السيارات التي بيعت حول العالم تدار بمحرك كهربائي. وفي عام 2035 سيحظر الاتحاد الأوروبي مبيعات السيارات الجديدة المزودة بمحرك الاحتراق الداخلي.
وعلى الرغم من أن الشركات تحتفظ بعمالها مع تحولها إلى صناعة السيارات الكهربائية إلا أن هذه الصناعة الأخيرة تحتاج إلى عمالة أقل. ومثلما كانت صدمة الصين الأولى مسؤولة عن أقل من 20% من إجمالي خسائر الوظائف في القطاع الصناعي في تلك الفترة (إذ يعود فقدان العديد منها لإنجازات تكنولوجية محمودة) كذلك أيضا هنالك خطر في الخلط بين الإحلال الذي ينشأ عن التحول إلى السيارات الكهربائية والإحلال الذي يتسبب فيه إنتاجها بواسطة الصين. ثانيا، يجب أن توضع في البال المكاسب المتحققة من عدم اعتراض تدفق التجارة. فالسيارات من بين المشتريات الكبيرة للناس وتشكل 7% من الاستهلاك الأمريكي. والسيارات الأرخص تعني توافر المزيد من المال في أيدي المستهلكين لإنفاقه على أشياء أخرى مع تقليص التضخم لقيمة الأجور الحقيقية. إلى ذلك، السيارات الصينية ليست رخيصة فقط ولكنها أجود خصوصا في جانب الخصائص الذكية في السيارات الكهربائية والتي أصبحت ممكنة بفضل ربطها بالإنترنت. كما أن وجود صناعة سيارات في بلد ما لا يقرّر نموَّ اقتصاد ذلك البلد. فالدنمارك من بين الدول التي لديها أعلى مستويات معيشية في العالم دون أن توجد بها صناعة سيارات يمكن الحديث عنها. وعلى الرغم من تصنيع السيارات في الصين إلا أن الاقتصاد يتعرض إلى اختناقات لأسباب من بينها التشويه الذي ألحقته به الدعومات وسيطرة الدولة.
وأخيرا ينبغي التفكير في الفوائد التي تتحقق للبيئة. فالساسة حول العالم يدركون مدى صعوبة مطالبة المستهلكين بتبني التوجهات الخضراء مع اشتداد رفض التكلفة التي تترتب عن سياسات خفض الانبعاثات. والسيارات الكهربائية حاليا أيضا أكثر تكلفة من السيارات التي تستهلك البنزين بكميات كبيرة (رغم أن تكاليف تشغيلها أقل.) لذلك الإقبال على السيارات الصينية الأقل سعرا يمكن أن يقلل من تكلفة الانتقال إلى الحياد الكربوني (انبعاثات صفر كربون.) فأرخص سيارة تبيعها شركة "بي واي دي" في الصين تكلف 12 ألف دولار مقارنة بحوالي 39 ألف دوار لأرخص سيارة "تيسلا" في الولايات المتحدة.
ماذا بشأن المخاطر؟ عادة ما يتم تضخيم التهديد الذي تواجهه صناعة السيارات من الواردات الرخيصة. الدرس المستفاد من صعود شركات صناعة السيارات اليابانية والكورية الجنوبية في ثمانينات القرن الماضي هي أن المنافسة تحفز الشركات المحلية على ترقية أدائها فيما ستنقل الشركات القادمة في نهاية المطاف الإنتاج قريبا من المستهلكين. فشركة "بي واي دي" تفتتح مصنعا في المجر. وتبحث شركات صينية عديدة عن مواقع لهذا الغرض في أمريكا الشمالية. في الأثناء تتسارع خطى شركات من شاكلة فورد وفولكسواجن للّحاق بالشركات الصينية. ففي العام الماضي ذكرت تويوتا أن الاختراق الذي حققته في تقنية البطاريات الصلبة سيمكنها من تقليل وزن وتكلفة بطارياتها.
هنالك مصدر آخر للقلق وهو الأمن الوطني. فهنالك مخاطر في الاعتماد التام على الصين في البطاريات والتي تتجاوز أهميتها كثيرا السياراتِ في الاقتصادات المعتمدة على الكهرباء. كما من الممكن أيضا استخدام السيارات الكهربائية المزودة بالرقائق الإلكترونية والمجسَّات والكاميرات لأغراض المراقبة. (فالصين حظرت على سيارات تيسلا المصنَّعة محليا دخول بعض الأبنية الحكومية). لكن طالما يمكن للرؤساء وموظفي أجهزة الاستخبارات الانتقال بسيارات مصنَّعة في الغرب أو بواسطة البلدان الحليفة لا يوجد سبب يذكر للخشية من استخدام المستهلكين للسيارات الصينية. ففي مقدورهم تقييم مسائل الخصوصية بأنفسهم. وسيكون من اليسير فحص السيارات المصنَّعة محليا. لذلك على واضعي السياسات الحدُّ من نزعاتهم الحمائية والقلق فقط إذا انهارت تماما شركات صناعة السيارات الغربية. وهذا احتمال مستبعد. لكن يجب عدم الخشية من حصول شركات السيارات الصينية على حصة سوقية كبيرة من شأنها أن تنعش المنافسة وتوسِّع نطاقها. وإذا كانت الصين تريد إنفاق أموال دافعي الضرائب في دعم المستهلكين حول العالم وتسريع التحول إلى الموارد المتجددة فإن أفضلَ ردٍّ هو الترحيب بذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شرکات صناعة السیارات السیارات الکهربائیة السیارات الصینیة فی الصین فی عام
إقرأ أيضاً:
العلاقات التركية الصينية في النظام العالمي المتغيير
أنقرة (زمان التركية) – تعد تركيا من بين الدول المتأخرة نسبيًا في إدراك الوجود الاقتصادي والتجاري والسياسي والاقتصادي المتنامي للصين في المنطقة وخارجها.
وبعد زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى تركيا في يوليو 2023، أجرى وزير الخارجية هاكان فيدان اتصالات مختلفة في الصين في إطار زيارة استمرت ثلاثة أيام الأسبوع الماضي.
وأصبح فيدان أول سياسي رفيع المستوى يذهب إلى شينجيانغ منذ عام 2012.
رسائل هاكان فيدان من الصينو بعد أن كانت قضية الأويغور، على جدول أعمال الحوار مع بكين، تظهر الرسائل التي وجهها فيدان خلال اتصالاته في بكين ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي خلال زيارته إلى أورومتشي وكاشغار، أن تركيا تقيم الآن علاقاتها مع الصين في سياق أوسع في مواجهة الظروف المتغيرة في العالم.
ووصف الوزير فيدان تركيا والصين بأنهما حضارتان عريقتان في آسيا، وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية وانغ يي، ومن ثم ناقش الخطوات التي يمكن أن يتخذها البلدان في الفترة المقبلة، خاصة في تطوير العلاقات السياسية بكافة أبعادها، الاقتصاد والتجارة والطاقة والسياحة والعلاقات الإنسانية المدرجة.
وكان من الجدير بالذكر أن فيدان أكد مرتين في خطابه على أن تركيا تدعم بشكل كامل وحدة أراضي الصين وسيادتها السياسية، وأن تركيا لا تدعم الأحداث التي تحاول إثارة الاضطرابات الداخلية في الصين.
ومع تغير العالم، سوف تحتاج تركيا إلى إعادة تشكيل استراتيجيتها في التعامل مع الصين، ليس فقط على أساس العلاقات الثنائية، بل وأيضاً على أساس التعاون المحتمل على المستوى الإقليمي والعالمي.
ولن يكون من الخطأ اعتبار زيارة الوزير فيدان للصين خطوة في هذا الاتجاه.
إن مواصلة تطوير العلاقات مع الصين سيؤدي إلى مناقشات “تحول المحور” ، كما هو الحال في العلاقات مع روسيا، ولن يكون من الصواب أن تركز تركيا على منطقة واحدة فقط في نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتعدد الأطراف، وسياسة التوازن التي اتبعتها. حيث أن تأسيس الجمهورية سوف يتجدد ومن الواضح أنه سيكون في مصلحتها بلا شك إذا استمر في القرن الحادي والعشرين.
ومن المؤكد أن تأثير التركيز على التطورات في منطقة أنقرة يرجع إلى أن معظم الصراعات التي وقعت منذ التسعينيات تحدث حول تركيا.
ومع ذلك، تتبع بكين سياسة طويلة الأجل تعود إلى ما يقرب من نصف قرن لتحدي النظام العالمي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية. فبدءًا من الثمانينيات، مكن التحول الاقتصادي المثير للإعجاب في الصين من أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة احتوائها على عناصر نادرة جعلت الصين سوقًا مهمًا، خاصة بالنسبة للدول الأوروبية، مما جعل تحويل الطاقة هدفها الأساسي.
بجانب هذه القضايا، أظهرت الصين نفوذها في جغرافية واسعة من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية وأخيراً إلى الشرق الأوسط من خلال العديد من المشاريع الضخمة، بما في ذلك مبادرتها، التي وضعت الأسس في عام 2012 وتسمى حالياً “مبادرة الحزام والطريق”.
من ناحية أخرى، نرى أن الصين، التي حققت اختراقات كبيرة في مجال الصناعة الدفاعية، هي أيضًا أكثر نشاطًا على الجبهة السياسية والدبلوماسية.
دور الصين في التوسط في اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية، ومحاولاتها المختلفة لوقف النزاعات وإرساء السلام بين روسيا وأوكرانيا، واهتمامها المتزايد بأفغانستان وسوريا، وأخيراً جهودها لتحقيق المصالحة بين الفلسطينيين في سياق حرب غزة، توضح أن الصين تريد الوجود كقوة عالمية في كل جانب. وفي مواجهة هذا الصعود الحتمي للصين، تحاول العديد من الدول، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تطوير استراتيجيات جديدة للصين.
على الرغم من أن إدارة بايدن أعلنت أنها تريد “التنافس بمسؤولية” مع الصين، فإن واشنطن تشعر بانزعاج عميق من أن بكين ستحقق مكانة قوة عظمى على الساحة العالمية تتحداها.
وتدافع الولايات المتحدة، التي تعتبر الصين تهديدًا وتريد أن يشارك حلفاؤها في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، عن فرضية أن العالم يتطور إلى صراع بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية في القرن الحادي والعشرين.
يحاول الغرب وحلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وضع أنفسهم في موضع الأقل تضرراً من خلال محاولة عدم التورط في التنافس بين القوتين العظميين.
الصين وتركياتركيا في خضم منافسة القوى العظمى والتغيرات في العالم، كما تحافظ تركيا، التي دعمت سياسة “صين واحدة” منذ عام1971، على علاقات تجارية واقتصادية مع تايوان.
وبدأت العلاقات بين بكين وأنقرة في التطور، خاصة بعد عام2010، حيث اتبعت أنقرة سياسة خارجية متعددة الأبعاد. وكانت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة في عام 2010 نقطة تحول في هذا المعنى، حيث يدعم كلا البلدين التعددية والتعددية القطبية.
وفي هذا السياق، حسنت تركيا مؤخرًا علاقاتها مع منظمة شنغهاي للتعاون ودعمت صعود الجنوب العالمي والخطوات المتخذة لإصلاح النظام الدولي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، إذ هناك العديد من المناطق الجغرافية التي يمكن للطرفين التعاون فيها، خاصة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا.
بالنسبة للصين، تعد تركيا سوقًا قيّمة بمفردها، ولكنها أيضًا بوابة إلى أوروبا. وتعد تركيا أيضًا طريقًا مهمًا للصين في إطار مبادرة الحزام والطريق.
على الرغم من أن ظهور الممر الأوسط مع الحروب في شمالنا وجنوبنا يمكن اعتباره عنصرًا من عناصر التنافس بين الطرفين، يُرى أن تنسيق هذين الخطين يتم التأكيد عليه في الاتصالات بين البلدين، فالاتفاقية الموقعة بين البلدين في عام 2015، التي تنص على مشاركة تركيا في “مبادرة الحزام والطريق”، تقوم على تكامل الممرين.
من وجهة نظر تركيا، تعد الصين شريكًا تجاريًا ومستثمرًا مهمًا في مشاريع البنية التحتية الضخمة. وفي الوقت الحالي، تعد الصين أول شريك تجاري لتركيا في آسيا وثالث أكبر شريك تجاري في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت اتفاقيات الصرافة الثنائية (SAWP) حيوية لاقتصاد تركيا الهش. ومع ذلك، فإن تأثير الصين المتزايد على القطاعين المصرفي والمالي يجلب معها مخاطرها.
وعلى الرغم من الزيادة في الزيارات الرسمية والتجارة والسياحة ووفرة المنتجات التجارية الصينية في السوق التركية، فإن الرأي العام التركي لا يزال مترددًا تجاه الصين.
وفقًا لنتائج الدراسات الاستقصائية المختلفة التي أجريت بين عامي 2005-2020، فإن 60 في المئة من متوسط الأتراك لديهم نظرة سلبية عن الصين. وبما أن البلدين كانا في معسكرين مختلفين خلال الحرب الباردة، فقد يكون لهذا التصور أسباب تاريخية.
وعلى الصعيد الآخر، يتسبب وضع الأويغور الناطقين بالتركية الذين يعيشون في منطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي في توتر العلاقات بين البلدين من وقت لآخر، حيث وصف الرئيس رجب طيب أردوغان سياسة بكين تجاه الإيغور بأنها إبادة جماعية خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء في عام 2009، ولكن على مر السنين خففت تركيا من دعمها التقليدي للإيغور وانتهاكات حقوق الإنسان في الصين.
وكلما أثارت تركيا القضية، ترد الصين ببطاقة حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب، منتقدة سياسات تركيا تجاه مواطنيها الأكراد ووجودها في سوريا.
Tags: العلاقات التركية الصينيةهاكان فيدان