- ترجمة: نهى مصطفى

قد يخلّد التاريخ قرار إسرائيل بمهاجمة البرنامج النووي الإيراني في 12 يونيو باعتباره بداية حرب إقليمية كبرى، ونقطة تحوّل محتملة في سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية. لكن ربما تُذكر هذه الضربات أيضا باعتبارها اللحظة التي بدأ فيها العالم، ولأول مرة منذ عقود، يتراجع عن حافة خطر القنبلة الإيرانية.

لطالما درس المحللون النتائج المحتملة لمثل هذا الهجوم، وتوصلوا إلى توقّعات متباينة بشدة. واليوم، بمقدور الجميع أن يروا أيّ تلك التوقّعات كان الأقرب إلى الواقع.

لا يزال من المبكر جدا التنبؤ بالنتائج. فقد يستغرق الأمر أسابيع قبل أن يتمكن الخبراء من تقييم حجم الأضرار التي تسببت بها الضربات الإسرائيلية، فضلا عن فهم قدرة طهران على التعافي وكيفية ذلك- علما بأن الهجمات، في نهاية المطاف، لم تنتهِ بعد. ورغم أنه لا يمكن بعد الحكم على الآثار طويلة المدى لهذه الضربات، إلا أن المحللين يدركون ما ينبغي رصده عند تقييم النتائج. بعبارة أخرى، يستطيع الخبراء تحديد العوامل التي ستُبين ما إذا كانت الهجمات قد نجحت في حرمان إيران من القدرة على امتلاك أسلحة نووية.

بعض هذه العوامل قابل للقياس الكمي. فعلى سبيل المثال، لكي تتمكن الضربات الإسرائيلية من وقف أو إبطاء قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي بشكل ملموس، لا بد من حرمانها من المواد الأساسية اللازمة لصنع تلك الأسلحة. ومن الضروري استهداف وتدمير المعدات الحيوية لعملية التصنيع. إلى جانب ذلك، ينبغي تقليص المعرفة التقنية التي تتيح لإيران تحويل هذه المواد إلى قنابل، ولو جزئيا. غير أن هذا العامل الأخير يبقى الأصعب قياسا. فلكي يُعد الهجوم ناجحا بالكامل، لا بد أن يدفع طهران إلى إعادة النظر في جدوى مواصلة مشروعها النووي.

نجحت الضربات الإسرائيلية حتى الآن في تدمير عدد من محطات الطاقة والمباني والبنى التحتية الحيوية التي يعتمد عليها البرنامج النووي الإيراني. وأثبتت قدرتها، في معظم الأحيان، على ضرب أهداف داخل إيران متى أرادت. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذا النجاح مضمونا بأي حال؛ نظرا لاستثمارات طهران الكبيرة في التحصينات الدفاعية، وتمسّكها بالبرنامج، ووجود أنظمة بديلة، فضلا عن الصعوبة الجوهرية التي تنطوي عليها هذه المهمة.

حتى الآن، تبدو الأضرار الناجمة عن الضربات على المنشآت النووية متباينة. فبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعرّض موقع فوردو، أحد أخطر منشآت تخصيب اليورانيوم، للهجوم، لكن لم يتأكد بعد ما إذا كانت دفاعاته اختُرقت أو ما إذا تم تدمير الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الموجودة فيه. كذلك، لا توجد مؤشرات على أن الضربات جعلت مخزون اليورانيوم المخصب غير صالح للاستخدام. إذا ظل هذا المخزون متاحا، وظل جزء كبير من أجهزة الطرد المركزي في الخدمة، فقد تتمكن طهران من إعادة بناء برنامجها النووي خلال بضعة أسابيع فقط. فعلى سبيل المثال، يمكنها نقل اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى فوردو أو إلى موقع سري آخر، لاستكمال التخصيب، مما يمنحها بسرعة الكمية اللازمة لإنتاج قنبلة.

لكن امتلاك يورانيوم مخصب قابل للاستخدام في الأسلحة لا يكفي لبناء قنبلة نووية. فإيران تحتاج أيضا إلى معدات تمكّنها من تحويل اليورانيوم إلى معدن، وتشكيله إلى مكونات ثم تجميعها في سلاح كامل. تنفيذ كل ذلك في ظل حرب قائمة سيكون أمرا بالغ الصعوبة، خصوصا في ظل الجهود الدولية التي سعت طيلة عقود إلى حرمانها من هذه المعدات. ولا تزال قدرة طهران على إنتاج رأس حربي يُحمّل على صاروخ أمرا غير محسوم، وإن كانت بعض التقديرات الاستخباراتية تشير إلى أن ذلك سيستغرق شهورا.

ومع ذلك، لا تزال هناك جوانب غامضة في برنامج الأسلحة، إذ أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قبل الضربات، تقريرا مفصّلا حول أسئلة عالقة، خاصة ما يتعلق بالأنشطة السابقة المرتبطة بالتسليح. تركّز بعض هذه التساؤلات على مواقع يُحتمل أن تحتوي على معدات تستخدم حاليا في تطوير الأسلحة. وقد تكون لدى الاستخبارات الإسرائيلية معلومات عن مواقع تلك المعدات، وربما استهدفتها بالفعل - أو تستعد لذلك. ومع أن سجلها في هذا المجال لا يُستهان به، فإن إيران تبقى دولة واسعة، تتيح العديد من الأماكن لإخفاء تلك الموارد واستخدامها.

تمتلك طهران أيضا نخبة كبيرة من العلماء والفنيين في المجال النووي، ولا يزال عدد القتلى في صفوفهم غير مؤكد. استهدفت الضربات الإسرائيلية شخصيات بارزة، من بينها فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية، ومحمد مهدي طهرانجي، الفيزيائي ورئيس جامعة آزاد الإسلامية في طهران، إلى جانب عدد من القادة العسكريين. ومع ذلك، فإن هذه الخسائر، بحد ذاتها، لا يُتوقع أن تعرقل المشروع النووي بشكل حاسم. فما دامت البلاد تحتفظ بكوادر فنية ماهرة، متحمسة ومدرّبة، ستظل قادرة على التقدم بسرعة نحو امتلاك السلاح النووي.

لا يزال هناك قدر كبير من الغموض بشأن حجم الضرر الفعلي الذي لحق بالبرنامج النووي.

لكن السؤال الأهم: هل دمّر الهجوم الإرادة السياسية للمضي قدما؟

يبدو من غير المنطقي، في البداية، توقع أي رد غير عدواني، لكن إذا تبيّن أن الأضرار التي لحقت بالبرنامج والقدرات العسكرية أشدّ مما هو ظاهر، ستبحث طهران عن بدائل. ربما تعود إلى خيار الدبلوماسية، خصوصا مع استمرار التصعيد. فالضربات لم تتوقف بعد، وقد تصبح أكثر تدميرا في الأيام المقبلة، لا سيما بعدما دمّرت الدفاعات الجوية بشكل شبه كامل، مما يفتح المجال أمام استهداف منشآت حكومية مركزية أو مسؤولين بارزين. كما يُحتمل أن تُضرب منشآت نفط وغاز حيوية، مما يعرّض الاقتصاد لهزة عنيفة. في ظل هذا الضغط، ستجد الحكومة الإيرانية نفسها مدفوعة نحو مسار تفاوضي، ربما يُفضي إلى اتفاق يقيّد المشروع النووي.

مع ذلك، من الطبيعي التشكيك في استعداد إيران لقبول صفقة تُفرض عليها تحت التهديد. بل حتى إن تم التوصل إلى اتفاق، فقد لا تلتزم به بدقة. والأرجح أن تواصل الرد على الهجمات، محاولة إقناع المجتمع الدولي بأن إسرائيل تصرفت كطرف منفلت، خصوصا أنها استخدمت القوة قبل أيام فقط من استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن. ويُضاف إلى ذلك إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحمّله بعض الفضل في الضربات، رغم محاولة إدارته سابقا النأي بنفسها عنها، سيجعل فرص التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة.

تبدو الهجمات الإسرائيلية على إيران بارعة من الناحية التكتيكية ومدروسة بعناية. لكن براعة التنفيذ لم تكن موضع شك في الأصل؛ فالمحللون يدركون تماما أن الجيش الإسرائيلي يمتلك قدرات فائقة ويحتفظ بوسائل متطورة لا يُعلن عنها. السؤال الحقيقي: هل يستطيع هجوم إسرائيلي منفرد - أو حتى عملية مشتركة مع الولايات المتحدة - أن يوقف فعليا اندفاع طهران نحو امتلاك سلاح نووي؟ الإجابة ستتضح قريبا.

ريتشارد نيفيو باحث أول في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، وزميل مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

نشر المقال في Foreign Affairs

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الضربات الإسرائیلیة

إقرأ أيضاً:

الصحة الإيرانية: 224 قتيلاً و1,277 جريحًا منذ بدء الضربات الإسرائيلية

أعلنت وزارة الصحة الإيرانية يوم الأحد، إن 224 شخصًا قُتلوا وأُصيب 1,277 آخرون منذ انطلاق الهجمات الجوية الإسرائيلية على العمق الإيراني مطلع الأسبوع، وفقًا لإحصائية رسمية نقلتها وكالة إرنا. 

وأكدت الوزارة أن الضحايا شملوا مدنيين وعسكريين، إضافة إلى أضرار كبيرة في البنية التحتية العمرانية والخدمية.

بدأت الضربات بحسب مصدر وزارة الصحة، مع عملية "الأسد الصاعد" — سلسلة هجمات إسرائيلية تركزت على مواقع نووية وعسكرية في نطنز، أصفهان، ومطار مهرآباد في طهران. 

وردّت إيران على هذه الهجمات بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة صوب إسرائيل، ما أدى أيضًا إلى خسائر بشرية وأضرار مادية هناك .

وبيّنت بيانات وزارة الصحة أن قائمة الضحايا تشمل قياديين عسكريين وعلماء نوويين، دون تحديد دقيق للأسماء. 

وقدّرت منظمة حقوقية دولية عدد الضحايا الإجمالي بأكثر من 400 قتيل، بينما أبلغت إيران عن 224 فقط. هذا التفاوت في التقدير يعكس الفجوة بين المصادر الرسمية والتقديرات المستقلة.

أما الإصابات، فتمثّل نسبة الإصابات إلى القتلى بنحو 5:1، ما يدلّ على مدى اعتماد الضربات الجوية الإسرائيلية على الأسلحة الدقيقة والمركّزة.

ولم تقتصر الضربات على المنشآت العسكرية، بل امتدت إلى مناطق سكنية ومدنية، ما أدى إلى وفاة وجرح نساء وأطفال، إلى جانب تدمير بنايات سكنية وبنى تحتية حيوية. 

ونتيجة لذلك، نقلت السلطات مرضى إصابات خطيرة إلى مستشفيات مدن طهران وأصفهان، وأعلنت حالة الطوارئ لتلبية الاحتياجات الطبية المتزايدة .

ولا تزال أزمة الغرف في المستشفيات متفاقمة، وسط نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب توقف بعض خطوط التوريد، وتعليق الملاحة في بعض المناطق .

وتواجه إيران ضغوطًا متزايدة على الصعيد الداخلي، وسط دعوات شعبية وضعت السلطات أمام خيارين مقايضات في سياستها الخارجية. 

عقد البرلمان الإيراني جلسة طارئة للدعوة إلى تحقيق شامل حول تأثير الضربات على المدنيين، مع تعزيز الإجراءات الدفاعية وترجمة سياسة "ردع شامل" إلى عمليات ملموسة .

على الصعيد الدولي، تصاعدت دعوات الأمم المتحدة والدول الغربية لإيقاف التصعيد، وسط تحذيرات من نزاع لا يُحمد عقباه يهدد البنية الأمنية والاستقرار الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط كلها .
الخسائر البشرية المعلنة رسمياً (224 قتيلاً و1,277 جريحًا) ليست سوى جزء من الصراع الذي يحتدم. وفتح هذا التصعيد جرحًا عميقًا في نسيج المجتمع الإيراني، وسط تحديات صحية وبنية تحتية تهدّد بتفاقم أزمة إنسانية كبيرة. 

طباعة شارك وزارة الصحة الإيرانية الهجمات الجوية الإسرائيلية العمق الإيراني الأسد الصاعد هجمات إسرائيلية مواقع نووية نطنز مهرآباد أصفهان طهران

مقالات مشابهة

  • قادة إيران يواجهون حسابًا عسيراً داخلياً مع تصاعد الضربات الإسرائيلية
  • 8 رسوم بيانية توضح سياق الضربات الجوية الإسرائيلية ضد إيران وتفاصيل رد طهران
  •  تفكيك الضربة.. ما حجم أضرار الهجمات الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني؟
  • معهد ستوكهولم يحذّر: العالم يدخل مرحلة جديدة من سباق التسلح النووي
  • بالخريطة التفاعلية.. الأهداف الإسرائيلية التي استهدفها القصف الإيراني
  • الرئيس الإيراني يدعو إلى الوحدة في مواجهة الضربات الإسرائيلية
  • الصحة الإيرانية: 224 قتيلاً و1,277 جريحًا منذ بدء الضربات الإسرائيلية
  • حصيلة النزاع الإيراني الإسرائيلي ترتفع.. 406 قتلى و654 جريحًا في إيران
  • وزير الخارجية الإيراني يؤكد امتلاك "دليل قاطع" على أن القوات الأميركية دعمت الضربات الإسرائيلية