سودانايل:
2025-06-22@16:02:28 GMT

الإمام عبد القاهر الجرجاني وأسرار البلاغة

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

بسم الله الرحمن الرحيم

سرف المداد

لعل ما لا يند عن ذهن أو يغيب عن خاطر، أنّ البلاغة بلغت أوج عظمتها في عهد من أربى على الأكفاء، وتميز عن النظراء، العالم الثبت أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة 471 ه والذي «نظر ميمنة ويسرة فلم يجد من مسائل هذه الفنون إلا نتفاً مبعثرة لا تسمن ولا تغني من جوع، فشمر عن ساعد الجد، وجمع متفرقاتها، وأقام بناءها على أسس متينة، وركز دعائمها على أرض جدد لا تنهار، وأملى من القواعد ما شاء الله أن يملي في كتابيه «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز»، وأحكم بنيانها بضرب الأمثلة والشواهد، حتى أناف بها على اليفاع، وقرن فيهما بين العلم والعمل، إذ رأى أن مسائل الفنون لا يستقر لها قرار إلا بكثرة الأمثلة والنماذج، فالصور الإجمالية التي تؤخذ من القواعد، إن لم تؤيدها الصور التفصيلية التي تستفاد من النماذج، لا تتمثل في الأذهان حق التمثل، ولا تنجلي حقيقتها تمام الانجلاء».



ولعل هذه الأمثلة التي تخلق نوعاً من التجانس والألفة بين الفنون والشواهد تبين مدى فحولة هذا القطب في التفكير، فالطريقة التي ابتدعها لم يتم ترويضها أو استئناسها من قبل، وما خلفه من تراث علمي ونتاج أدبي يدل على سعة ثقافته وخصوبة فكره، كما يدل على أنه بصير بمذاهب الكلام، عارف بمطارح الإساءة والإحسان. ولقد ذاعت شهرته في التأليف وسارت مؤلفاته في كل صقع ووادٍ، وأجبرّ كتاب الطبقات والتراجم أن يكثروا من ذكر اسمه في مصنفاتهم، ويطنبوا في وصفه بالذكاء والنبوغ ورهافة الحس ولطافة التخيل. ولقد استمد الجرجاني أجرأ الكُتّاب قريحة أيديولوجيته من التراث الإسلامي، واستعان في دراسته البلاغية بما كتب في النقد والبلاغة والإعجاز قبله، يمده بالجديد فيها ذوق مثقف، وحس لغوي دقيق، وقد قرأ الكثير من دواوين الشعر، وعكف على التراث الثقافي قبله، وهضمه وتمثله، وانعكس ذلك واضحاً على ما كتبه. كما تأثر عبد القاهر في بعض نواحي تفكيره البلاغي والنقدي بالثقافة الإغريقية ولا سيما بحوث أرسطو». فلقد ترجم كتابي «الخطابة» و «الشعر» لأرسطو إلى العربية، الأول في القرن الثالث الهجري، والآخر في القرن الرابع. ويعتبر كتاب عبد القاهر الجرجاني «أسرار البلاغة» أول محاولة جادة ترمي للتمييز بين أقسام البلاغة وفروعها، حيث نجد أن مؤلفه المتفنن في ضروب الخطاب قد قام بدراسة موضوعاتها دراسة وافية متأنية مكنته من اقتناص هذا الجنس من العلم، فقد انسجم سمتها وكشف لنا عن بهرجها وزينتها بيراعه المفطور على الإبداع الذي جمع ما شتّ من بعيدها وطرح الواغش عن صورتها، «فالإمام عبد القاهر لم يؤلف كتاب «أسرار البلاغة» لغرض ديني أو مسألة تتعلق بإعجاز القرآن، وإنما ألفه لغاية بلاغية، ووضع الأصول والقوانين، وبيان الأقسام، وذكر الفروق بين العبارات والفنون البيانية. وقد وفق الإمام عبد القاهر في إبراز الجودة الأدبية التي تأثر بصورها البيانية في نفس متذوقها، ولذلك نجده قد أوغل في الصور البيانية من تشبيه واستعارة ومجاز أيّما تفصيل، ولم يغفل الحديث عن الجناس والسجع والطباق، وقد ذكرها لبيان مزيتها وحسنها عندما يطلبها المعنى».

ويبدو أن الإمام عبد القاهر قد أقدم على تأليف «أسرار البلاغة» بعد تأليفه لكتاب «دلائل الإعجاز» الذي سما إلى العلياء، وناطح الجوزاء شكلاً ومضموناً والذي نشأ وترعرع تحت كنف القرآن الذي دوّن فيه نظريته عن النظم، ساطعاً فيه بأن إعجاز القرآن الكريم يكمن في نظمه وليس في فصاحته، وكان المنهج الذي اتخذه في تأليف «الدلائل» هو «أن يكرر ويعيد الحديث عن النظم، ويكثر من الأمثلة والشرح ليقرب الفكرة ويقنع بها الناس مع ذكر الدليل تلو الدليل في وضوح لإثبات أنّ القرآن معجز في نفسه، وأنه معجز في كل زمان ومكان، ويناقش مذهب القائلين بالصرفة ويبطل حججهم بالأدلة العقلية والنقلية من القرآن الكريم والشعر الرصين». أما كتابه «أسرار البلاغة» فهو بحث خالص في موضوعات علم البيان، بالإضافة إلى بعض ألوان من البديع هي: الجناس والسجع والطباق.
د. الطيب النقر

nagar_88@yahoo.com
////////////////////  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

البيان الختامي في غدير خم

 

لم يكن يوم الغدير لحظة عابرة في التاريخ، بل لحظة فاصلة، على صعيدٍ رملي بين مكة والمدينة، اختار المصطفى محمد صلوات الله عليه وعلى آله مكانًا لم يُعرف من قبل بغير كونه مفترق طرق، فجعل منه مفترقًا للمواقف والولاءات، حين رفع يد الإمام علي -عليه السلام- أمام آلاف الحجاج، وأعلن، بأمر من السماء، نهاية مرحلة النبوة وبداية امتدادها.
في غدير خم، لم يُلقِ المصطفى خطبة وداعية فقط، بل بلّغ أمرًا إلهيًا بحجم الرسالة نفسها، الكلمات التي نطقها كانت فاصلة، لم تكن مجرد وصية، بل تفويض إلهي يُتمم الرسالة، ويوصل الأمانة إلى من يستحقها، ويؤسس لمفهوم القيادة المستمرة بعد النبوة، قيادة للحق والعدل، لا للملك والوراثة.
كانت السماء شاهدة، والجموع شاهدة، والأرض التي عانقت أقدام الحجاج كانت تحفظ صدى ذلك الإعلان الإلهي. لم يكن ذلك يومًا من أيام الفخر، بل يومًا من أيام المحنة للقلوب التي لم تطق سماع اسم الإمام علي مرفوعًا فوق رؤوسهم، فبدأت منذ لحظتها محاولات الطمس، ومحاولات التجهيل، وتدوير النصوص لخدمة الحكم لا للدين.
ومع ذلك، ظل صوت الغدير يتردد في قلوب المؤمنين. في اليمن، هذا الصوت لا يزال حيًّا، يُردَّد في المدارس، في المساجد، في البيوت، وفي جبهات القتال، يرفرف رايةً وولاءً، ويرفع الإمام علي إمامًا كما رفعه المصطفى بيده الشريفة. فكل عام، يجدد اليمنيون عهدهم معه، لا لذكرى فقط، بل كهوية، كقضية، كعقيدة لا تموت.
في المقابل، يقف الأعراب في خندقٍ معاكس، تائهين بين موائد التطبيع، ومبادرات الذل، يسلّمون لفكرة “الوليّ” الجديد الذي يسكن تل أبيب، ويجعلون من أمريكا ربًّا أعلى في قراراتهم، سقطت عنهم آخر أوراق الادّعاء، بينما يرفع اليمنيون راية الغدير سيفًا بوجه العدوان، وموقفًا مع فلسطين، وتجسيدًا لمعنى الولاية التي لا تنفصل عن قضايا الأمة.
غدير خم ليس ماضياً يُروى، بل ضميرٌ حي، ونداءٌ يتجدد، من يزعم محبة المصطفى محمد صلوات الله عليه وعلى آله ثم يعرض عن وصاياه، فقد خان العهد، ومن يتمسك بآل بيته، فقد تمسك بحبل الله المتين.
إنه البيان الختامي، لكنه في وجدان الأوفياء بداية لا تنتهي.

مقالات مشابهة

  • آداب الرجوع من الحج.. الإفتاء توضح
  • ثورة غذائية في عالم الخصوبة! 5 أسرار طبيعية تعزز قدرة الرجال الإنجابية وتفتح أبواب الأمل للأزواج
  • إعلان الرئيسيةالصحة الجنسية الجماع بعد الأربعين.. أسرار لن يخبرك بها
  • امتحانات الثانوية العامة 2025.. أقوى مراجعات البلاغة
  • أسرار من قمرة القيادة.. لماذا الإقلاع هو أخطر جزء في رحلة الطيران؟
  • البيان الختامي في غدير خم
  • تعز تُحيي يوم الولاية بفعالية خطابية
  • مصطفى بكري: الشارع العربي سعيد بالضربات الإيرانية على إسرائيل
  • مصطفى بكري: تعتيم إعلامي حول الخسائر الإسرائيلية من الضربات الأيرانية
  • مصطفى بكري: الرئيس السيسي يدير الأمور بحكمة وإتزان وتصدى للمؤامرات ضد الوطن