أدت الهجمات غير المسبوقة التي شنتها حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر إلى إشعال فتيل أسفل الشرق الأوسط كله. ولعل القنبلة الرمزية المخيفة التي يتصل بها هذا الفتيل في نهاية المطاف ـ وهي الصراع المباشر بين الولايات المتحدة وإيران ـ موشكة الآن على الانفجار مهددةً بعواقب مدمرة.

مع استمرار القصف الإسرائيلي اليومي غير المشروع لغزة، ومع كل تقدير جديد بمصرع عشرات الآلاف من الفلسطينيين، يزداد التفجير قربا.

من البحر الأحمر إلى العراق، وسوريا، ولبنان، ثمة دوامة عنف تتصاعد بلا هوادة منذ أربعة أشهر وقوامها الأساسي هو الميلشيات المناصرة للفلسطينيين.

والآن، في أعقاب أحدث هجمة ميليشيا تمت يوم الأحد على قاعدة للولايات المتحدة في الأردن وأدت إلى مصرع ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة كثيرين آخرين، وبعد أن وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن اللوم بشكل محدد إلى إيران، هل وصلنا إلى نقطة اللاعودة؟ هل الأمر على هذا النحو؟ هل القنبلة على وشك الانفجار؟

تصر إيران على أنها لا تتحمل المسؤولية. ولا تكاد تجد في واشنطن من يصدق قولا كهذا، نظرا لتاريخ إيران الطويل في دعم الميلشيات الوكيلة وتدريبها وتسليحها وفق السياسة التي ارتادها الجنرال قاسم سليماني من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى أن اغتالته الولايات المتحدة في يناير عام 2020.

إن هدف إيران الاستراتيجي الثابت منذ أمد بعيد هو إخراج القوات الأمريكية من قواعدها في العراق وسوريا والخليج، وفي نهاية المطاف إنهاء وجود الولايات المتحدة في المنطقة. وقد تسبب الرعب الرهيب الذي نشأ في السابع من أكتوبر والرد الإسرائيلي البغيض عليه بدعم الولايات المتحدة، في إتاحة فرصة لا تعوّض لطهران كي تمضي قدما وراء ذلك الهدف.

لكن من غير الواضح حتى الآن هل الهجمة التي وقعت في الأردن كانت تصعيدا متعمدا من إيران وحليفها المحلي أي المقاومة الإسلامية في العراق. فلعلها كانت محض هجمة عشوائية انتهازية أخرى نفذت بطائرة مسيرة، وللأسف كتب لها «النجاح» خلافا لعمليات كثيرة مماثلة.

بعبارة أخرى، من الممكن أن تكون إيران و/أو حلفاؤها قد أخطأوا في حساباتهم، وقاموا عن غير قصد بخطوة مصيرية طال الخوف منها فمضت بهم الخطوة إلى أبعد مما ينبغي. وهذا أمر حاسم؛ لأنه سوف يحدد الحجم والمدى اللذين سيتم في حدودهما الرد الذي تعهد بايدن بتنفيذه في أي لحظة.

إذا ما خلص الأمريكيون إلى أن الميليشيات ببساطة قد صادفها الحظ، وعاونها ما تردد عن فشل نظام الدفاع الوقائي المضاد للصواريخ في القاعدة، فلعلهم يقتصرون على رد محدود بهجمات على قواعد الميليشيا التي انطلقت منها الهجمة.

لكن إذا ما قرروا (بافتراض أن لديهم القدر الكافي من المعلومات الاستخباراتية الموثوقة، وهذا افتراض بعيد) أن الواقعة تصعيد متعمد، فقد يأتي الرد عقابيا واسع النطاق وقد ينطوي على استهداف أصول وأرض إيرانية.

ومثلما تبين من سلوك الائتلاف الإسرائيلي اليميني المتطرف الحاكم بقيادة بنيامين نتانياهو في حرب غزة، فسوف تلعب الحسابات السياسية في هذا القرار دورا يماثل على أقل تقدير ضخامة الضرورات العسكرية. وبايدن واقع تحت ضغط هائل لرد الضربة مباشرة لطهران.

ووقود هذا الضغط يتمثل في غضب يمكن تفهمه. ولكن يمكن أيضا تفهم مزاعم الجمهوريين القديمة التي تتردد أصداؤها على لسان خصم انتخابات نوفمبر الرئاسية المحتمل دونالد ترامب ومفادها أن بايدن أبدى ضعفا في الرد على هجمات سابقة بل وحاول استرضاء إيران في المحادثات النووية وتبادل السجناء أخيرا.

لقد قال السناتور الجمهوري توم كوتون متحدثا باسم الكثيرين في اليمين «إنه ترك قواتنا أهدافا مكشوفة... والرد الوحيد لا بد أن يكون ثأرا عسكريا مدمرا يستهدف القوات الإيرانية، في إيران وفي عموم الشرق الأوسط على السواء».

في فترة ما قبل معركة الانتخابات التي يرجَّح أنه سوف يخسرها، قد لا يستطيع بايدن أن يقاوم هذا الضغط وإن يكن أكثره غير عادل ولا شك.

يذهب مستشارو بايدن حتى الآن إلى أن إيران، برغم خطابها العدائي، لا تسعى إلى حرب مع الولايات المتحدة، فهي تعلم أن حربا كهذه سوف تكبدها الكثير والغالي. وهذا منطقي. ومن بعض الاعتبارات، يعمل نتانياهو وأتباعه المتطرفون بالنيابة عن طهران، فيقلبون الحكومات العربية والرأي العام الأكثر اعتدالا على الولايات المتحدة مع إحراجهم حلفاء أوروبيين من قبيل بريطانيا.

لقد أخطأت حسابات بايدن في أعقاب السابع من أكتوبر بتقديمه دعم الولايات المتحدة من غير قيد أو شرط. فبدا -في العلن على الأقل- أنه يعطي لنتانياهو تفويضا مطلقا. والآن قد يخطئ في الحسابات مرة أخرى، مع تداعيات أبشع تترتب على ذلك.

فمن شأن رد عسكري أمريكي مباشر على طهران أن يكون كارثة؛ لأن من شأنه أن يطيل أمد صراع غزة. ومن شأنه بصورة شبه يقينية أن يطلق شرارة هجمة شاملة من حزب الله على إسرائيل. وقد يحيل المعارك المحلية إلى جحيم مستعر في العراق وسوريا، ويزعزع استقرار أنظمة حكم صديقة في مصر والأردن والخليج.

ومن شأن مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران مفتوحة النهاية أن تقسم، ربما على نحو دائم، الديمقراطيات الغربية بين من تؤيد واشنطن من قبيل المملكة المتحدة ومن قد ترى أولوية منطقية في التعامل دبلوماسيا مع طهران من قبيل فرنسا وألمانيا وإيطاليا. ومن شأن ذلك أن يكون عونا للصين على تعزيز طموحاتها الجيوسياسية المعادية للديمقراطية ولروسيا في تبرير عدوانها على أوكرانيا.

والأدهى من ذلك أن من شأنه أن يكون هدية لنتانياهو الذي طالما حرض على عمل عسكري عقابي لإيران والذي ينتهج في ما بعد أكتوبر سياسة الحرب المستمرة.

ولو أن هذا كله غير كاف، فها هو سبب إضافي، بل وأساسي لضرورة أن يلجأ بايدن إلى ممارسة ضبط النفس المتاح كله. فمن شأن الهجوم على إيران ألا يحقق الهدفين المقترنين الأساسيين وهما حماية الأمن الغربي وتغيير سلوك الملالي. ببساطة لا يمكن أن ينجح. بل إنه في حقيقة الأمر سوف يسفر عن نتائج عكسية بتسريعه دوامة التصعيد.

إن مسار العمل الأكثر أمنا وحكمة، والذي سيجعل كثيرا من الناخبين الأمريكيين وكثيرين في العالم يحمدونه له هو أن يعالج بايدن الأسباب الجذرية دونما مزيد من التأخير. فينبغي أن يطالب إسرائيل بإيقاف قصف غزة وفرض وقف إطلاق النار الذي يحرر المحتجزين الإسرائيليين، وقيادة حملة دولية ذات مصداقية للتوصل أخيرا، إلى حل الدولتين في فلسطين.

ذلك أن أمرا واحدا مؤكدٌ، وهو أنه ليست لأي أحد مصلحة في أن تنفجر في الشرق الأوسط تلك القنبلة العملاقة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الشرق الأوسط أن یکون

إقرأ أيضاً:

“مقامرة كبرى” خاضها ترامب بضرب إيران.. هل سيقطف ثمارها؟

منذ الأشهر الأولى لرئاسته، أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إقبالا على المخاطرة، إلا أن الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على إيران في الآونة الأخيرة ربما “تمثل أكبر مقامراته حتى الآن”، بحسب بعض المراقبين.
فقد أشار عدد من الخبراء إلى أن المكافأة السياسية العالية لترامب تعتمد إلى حد كبير على قدرته على الحفاظ على السلام الهش الذي سعى إلى تحقيقه بين إيران وإسرائيل، حسب ما نقلت وكالة رويترز.
كما حذروا من أن هناك احتمالا سلبيا يتمثل في خروج الأمور عن سيطرته في ظل ترقب الرأي العام الأميركي المتشكك.
لكن حتى الآن، يبدو أن ترامب كسب الرهان، فقد جعل التدخل الأميركي محدودا وأجبر الطرفين على وقف إطلاق النار.

“راهن وكسب”
وفي السياق، أوضح فراس مقصد، المدير الإداري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا “لقد راهن، ومضت الأمور في صالحه”.
كما أردف قائلا: “يبقى أن نرى ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد”.
فإذا لم يصمد الاتفاق، أو إذا ردت إيران في نهاية المطاف سواء عسكريا أو اقتصادياً، فإن ترامب يكون قد خاطر بتفتيت “تحالف أميركا أولا”، الذي ساعده على العودة إلى منصبه.
وقال كريس ستايروالت، المحلل السياسي في (معهد المشروع الأميركي) المحافظ “إذا استمرت إيران في تشكيل مشكلة بعد ستة أشهر من الآن، فسوف يؤدي ذلك إلى تقويض حركة لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.
كما رأى أن “ترامب أضعف بطريقة أو بأخرى، جوهر الحركة بعدما فعل ما أقسم خلال حملته الانتخابية بأنه لن يفعله، وهو إقحام الولايات المتحدة في صراع آخر في الشرق الأوسط”. واعتبر أن قراره بضرب إيران قد يمثل إشكالا لأي جمهوري يسعى للوصول للرئاسة في الانتخابات المقبلة.
إلى ذلك، أضاف قائلا “عام 2028، ستكون مسألة التدخل الأجنبي خطا فاصلا، وستشكل اختبارا حاسما في ظل سعي الجمهور لتعريف ما هي حركة لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”.

مجازفات كبيرة
لا سيما أن إيران لم تكن المقامرة الوحيدة الكبيرة التي خاضها ترامب دون أن يتحقق عائدها بعد.
فقد أثار استخدامه المتكرر للرسوم الجمركية حالة من عدم اليقين في الأسواق، وفاقم مخاوف التضخم.
كما تراجعت جهوده لتقليص البيروقراطية الحكومية مع خروج إيلون ماسك من دائرة مستشاريه. كذلك أثارت حملته المتشددة بشأن الهجرة احتجاجات في أنحاء البلاد.
لكن إذا نجح ترامب في جهوده لدفع إيران إلى التخلي عن طموحاتها النووية، فسوف يكون ذلك إنجازا يمثل إرثاً مهماً وإزالة لملف أزعج رؤساء الولايات المتحدة لعقود، وجرّت البلاد إلى حروب في العراق وأفغانستان.
يشار إلى أن استطلاعا للرأي لرويترز/إبسوس نشرت نتائجه يوم الاثنين الماضي، قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، أظهر أن 36 بالمئة فقط من المشاركين في الاستطلاع يؤيدون توجيه ضربات ضد البرنامج النووي الإيراني.
علماً أنه بشكل عام، انخفضت شعبية ترامب إلى 41 بالمئة، وهو أدنى مستوى في ولايته الثانية. كما انخفضت نسبة دعم سياسته الخارجية.
وكان الرئيس الأميركي تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء “الحروب الأبدية”، ما شكل أحد الأسباب التي جعلت الرأي العام الأميركي يبدي قلقه من ضرب إيران.

العربية نت

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • برلماني إيطالي سابق لـعربي21: نشهد حربا صليبية جديدة لكن بلا صليب (فيديو)
  • إيران وإسرائيل والشرق الأوسط الجديد
  • الكرملين: ينبغي تذكير الولايات المتحدة بأنها الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية
  • من الدول الجديدة في اتفاقية ابراهام؟
  • ترامب يبلغ نتنياهو: الولايات المتحدة انتهت من استخدام القوة العسكرية ضد إيران
  • أستاذ علوم سياسية: احتفال كل من إيران وإسرائيل بما وصفاه بـالنصر يثير تساؤلات كبيرة
  • ترمب: وسائل إعلام كاذبة في الولايات المتحدة تشكك في نتائج ضرباتنا في إيران
  • “مقامرة كبرى” خاضها ترامب بضرب إيران.. هل سيقطف ثمارها؟
  • بعد إعلان ترامب نهاية الحرب.. كيف يمكن أن تُغير 14 قنبلة الشرق الأوسط؟
  • بعد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل| الولايات المتحدة تُمسك بخيوط التهدئة.. وخبير يعلق