البوابة نيوز:
2025-05-12@16:32:11 GMT

العرب والنموذج الأمريكي «3 - 3»

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

.. ونواصل مع كتاب المفكر المصري الكبير الدكتور فؤاد زكريا؛ وعنوانه «العرب والنموذج الأمريكي».. إن أمريكا، وفقًا لأيديولوجيتها المعلنة صراحةً، لابد أن تكون أكثر المجتمعات مادية في عالمنا المعاصر. وليس هذا اتهامًا وإنما هو إقرار لحقيقة بسيطة واضحة. فحين تقول إن حافز الربح هو القوة الدافعة إلى العمل والابتكار، وحين تتهم خصومك بأنهم لا يعطون الإنسان فرصة كافية لكي يربح إلى أقصى مدى تسمح له به إمكاناته، يكون معنى ذلك أن فلسفتك مادية حتى النخاع، وأن تشدقك بحماية المعنويات والروحانيات ليس نفاقًا فحسب، بل تناقض صارخ يرفضه أبسط عقل منطقي.

إن الإنسان هناك لا يعمل إلا من أجل المزيد من المال، ومن الأرباح، ومن المستوى المادي المرتفع. وقد تكون هذه حقيقة من حقائق الحياة، وقد يكون هذا هو بالفعل أقوى الحوافز التي ثبت، حتى المرحلة الحالية من تاريخ البشر على الأقل، أنها هى التي تحرك الإنسان إلى الإنتاج وبذل الجهد، هذا كله جائز، ولكن ليست هذه هى القضية التي أناقشها، وإنما الذي أود أن أقوله ببساطة هو: إذا كنت من أنصار هذا الرأي فكيف تدَّعي أنك خصم للمادية، وكيف تنصِّب نفسك حاميًا للمعنويات وحارسًا لإنسانية الإنسان. (ص ٢٥) 

هذا التناقض يمثل، في رأيي خدعة ومن أخط الخدع الفكرية التي تتعرض لها شعوب العالَم الثالث. وعلينا أن ننتبه بكل وعي إلى هذه المغالطة في الوقت الذي يُطرَح فيه النموذج الأمريكي على الساحة العربية بقوة وإلحاح؛ ذلك لأن مجتمعاتنا ما زالت حريصة كل الحرص على وجود حد معين من القيم الإنسانية والمعنوية، وما زالت تؤمن بأن ما يُحرك الإنسان ليس الماديات وحدها (رغم اعترافنا بأهمية الماديات)، وبأن في الإنسان قوٍي تعلو على السعي المباشر إلى الكسب والاقتناء. فإذا إليها الدعاية الأمريكية على أنها هى التي ترعى هذا الجانب المعنوي في الإنسان، وإذا ظهر بيننا من يبدي إعجابه غير المحدود بالنموذج الأمريكي، فلنقل له: في استطاعتك أن تُعجب بنمط الحياة الأمريكية كما تشاء، ولكن عليك أن تعترف بأنك تسعى، في هذه الحالة، إلى إقامة مجتمع مادي بصورة صريحة مباشرة في صميم كيانه، وعليك في نهاية الأمر أن تتحمل العواقب اللإنسانية المترتبة على هذا الجري اللاهث وراء المادة، وهذا التجاهل التام للجانب المعنوي في الإنسان. (ص ص ٢٥ – ٢٦) 

منذ الحرب العالمية الثانية دخلت أمريكا إلى المنطقة بكل ثقلها، وكان تحقيق الاستقلال الوطني من الاستعمار التقليدي من أهم العوامل التي ساعدتها على التغلغل السياسي في البلاد العربية، بل إنها في بعض الحالات ساعدت الدول العربية إيجابيًا على تحقيق استقلالها الوطني لكي تزيح الدول الاستعمارية القديمة وتفسح لنفسها مجال التغلغل في المنطقة بأشكال جديدة ولأهداف جديدة. (ص ٢٧)

ولقد سعت أمريكا إلى التغلغل في المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن لماذا هذا السعي؟ إن السبب الذي يعرفه الجميع، بالطبع، هو البترول، الذي كان قد ظهر بالفعل في البلاد العربية قبل تلك الحرب، ولكن إمكاناته الهائلة في المنطقة العربية، ودوره الحيوي في مستقبل العالَم الصناعي، لم تظهر بوضوح إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وبعبارة أخرى فإن العوامل التي كانت تدفع الدول الاستعمارية التقليدية إلى احتلال أجزاء من الوطن العربي، كالموقع الجغرافي والسيطرة على طرق برية وبحرية حيوية... إلخ، لم تعد تحتل المكان الأول في سياسة الدول الكبرى التي ورثت الاستعمار التقليدي (وإن كانت تلك العوامل قد ظلت تحتفظ بقدر غير قليل من أهميته)، وإنما حلت محلها الرغبة في السيطرة على موارد مادة حيوية بدونها يتوقف نبض الحياة في مصانع العالَم الغرب، ويوجد أهم مخزون عالمي منها في المنطقة العربية. (ص ٢٨) 

على أن أمريكا، في سعيها إلى بلوغ هذا الهدف، كانت تحتاج إلى وسيلة تختلف عن الوسائل التقليدية التي كانت تلجأ إليها الدول الاستعمارية السابقة. وسرعان ما اهتدت إلى تلك الوسيلة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرةً، عندما حللت الموقف في المنطقة العربية وظهرت لها الإمكانات الهائلة التي ينطوي عليها الطموح الصهيوني إلى إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين. وسرعان ما تبنت قضية الصهيونية، وساعدت بكل قوة إلى إقامة الدولة الإسرائيلية وعلى استمرار وجودها وتوسعها، متخذة من هذه الدولة أهم أداة لها من أجل تحقيق هدفها في السيطرة على المنطقة، وعلى مواردها. 

لابد لكل من يبهره النموذج الأمريكي، ويحلم بتحقيقه في بلده العربي، أن يواجه مشكلة أساسية، هى التوفيق بين إعجابه المفرط بأمريكا، وبين ما يعرفه عن الارتباط الوثيق بين أمريكا وإسرائيل. والذي يحدث عادةً هو أن المعجبين بأمريكا يصورون هذا الارتباط بصورة مشوهة، أو مخففة لا تعبر عن حقيقته، وإنما تعبر عن رغبتهم – الواعية أو غير الواعية – في الاحتفاظ بصورة نقية لأمريكا من جهة، مع عدم التفريط في موقفهم تجاه إسرائيل من جهة أخرى. وتدور هذه الصورة المُشوَّهة عادةً حول فكرة رئيسية، هى أن الارتباط بين أمريكا وإسرائيل مُؤقَّت، وأن في استطاعة العرب، لو أجادوا استخدام الأساليب السياسية والدبلوماسية، أن يفكُّوا هذا الارتباط، ويوجِّهوا السياسة الأمريكية نحو الانحياز لهم، وأن يضمنوا على الأقل وقوفها على الحياد، بحيث تتخذ في نهاية الأمر خطًّا متوازيًا بين الطرفين. إن كل من يختار صداقة أمريكا وتأييد اتجاهاتها العامة وترك المجال أمامها لكي تتغلغل استراتيجيًا واقتصاديًا في المنطقة لابد أن ينتهي به الأمر إلى موقف متهاون في قضية إسرائيل. وكل من يأخذ البديل الثاني مأخذ الجد، أعني من يريد الوقوف بحزم وصلابة في وجه الأطماع الصهيونية، لابد أن يصطدم بشكل أو بآخر بالمصالح الأمريكية، وأن يتخلَّى عن وهم الاستعانة بأمريكا من أجل زحزحة إسرائيل عن مواقفها. 

يقول فؤاد زكريا نصًا: «إنني أكاد أُجزم، عن طريق الاستنتاج وحده، بأنه يوجد في مكان ما من أدراج مكاتب صانعي السياسة الأمريكية، تقرير أو تخطيط استراتيجي أساسي وُضِعَ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، يوجه السياسة الأمريكية إلى تأييد قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وإلى تبني القضية الصهيونية، والاعتماد على إسرائيل بوصفها الركيزة الكبرى للسياسة الأمريكية في المنطقة».(ص ٣٤) 

ونحن ندعم ونؤيد استنتاجات المفكر الكبير فؤاد زكريا، ونقول: إنها ليست مجرد استنتاجات، بل حقيقة واقعية أثبتتها المذابح التي يرتكبها الكيان الصهيوني بدعم ومشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية من خلال كافة وسائل الدعم والمشاركة. إلى حد أن بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية صرح علانيةً: «إن لم تكن إسرائيل موجودة لقمنا بصناعتها». 

د.حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: النموذج الأمريكى العرب فؤاد زكريا حسين علي أمريكا

إقرأ أيضاً:

برج ترامب في دمشق وسلامٌ مع إسرائيل.. هكذا يحاول أحمد الشرع استمالة الرئيس الأمريكي

يعرف الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع جيدًا كيف يغازل دونالد ترامب. فالزعيم السابق لجبهة النصرة وضع خطة تؤدي كل الطرق فيها إلى قلب سيد الرئيس الأمريكي، أو هكذا يظن. ووفقًا لما نقلته شبكة "رويترز"، يفكر الشرع في بناء برج يحمل اسم ترامب في دمشق، في محاولة لإقناعه بزيارة سوريا. اعلان

نقلت وكالة "رويترز" عن جوناثان باس، الناشط الأمريكي المؤيد لترامب، الذي التقى مع الشرع لمدة أربع ساعات في 30 أبريل/نيسان الماضي، أن الرئيس السوري الانتقالي يحاول أن يرتب لقاءً شخصيًا مع الرئيس الأمريكي الذي يزور السعودية وقطر ودولة الإمارات ابتداء من 13 مايو أيار الجاري.

ومع أن الزيارة إلى سوريا تبدو مستبعدة حاليا، نظرًا لوجود أولويات لدى ترامب وجدول أعمال مزدحم وخلاف داخل إدارته حول كيفية التعامل مع الإسلاميين الذين أطاحوا بحكم الأسد، إلا أن الأمل لم يغب تمامًا، وتبقى هناك بارقة يُعوّل عليها حكام دمشق الجدد الذين يطمحون إلى رفع العقوبات عن البلاد وفك العزلة المالية الخانقة التي تعيشها سوريا.

في هذا السياق، قالت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" إن الشرع، الذي يعتقد أن "هناك نقاط مشتركة تجمعه مع ترامب، مثل تعرضهما لمحاولة اغتيال ونجاتهما بأعجوبة أيضا"، يريد أن يعقد مع الرئيس الأمريكي "صفقة من أجل بلاده" ويقدم في سبيلها "قرابين" تشمل تحسين العلاقات مع إسرائيل، والسماح لواشنطن بالوصول إلى النفط والغاز السوري، والمساعدة في محاربة إيران، ولم لا بناء برج لترامب في عاصمة الأمويين .

وقال باس لـ"رويترز": ”لقد أخبرني (الشرع) أنه يريد بناء برج ترامب في دمشق. إنه يريد السلام مع جيرانه. ما قاله لي جيد للمنطقة، وجيّد لإسرائيل“.

Relatedبضوء أخضر أمريكي.. قطر تدفع رواتب السوريين في القطاع العام باستثناء الداخلية والدفاعمن العمق السوري.. إسرائيل تعلن عن استعادة رفات جندي إسرائيلي قُتل عام 1982 في لبنانعشية زيارة ترامب.. قطر تبحث في سوريا عن رفات أمريكيين قتلهم داعش قبل عقد

ويُعوّل حاكم دمشق القوي على نجاح خطته بأن ترامب، رجل الأعمال البارع في إنجاز الصفقات، يحب "كسر التابوهات" في السياسة الأمريكية.

وقد حدث ذلك عندما التقى مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في المنطقة المنزوعة السلاح بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية في عام 2019.

مع ذلك، نقل مصدر للوكالة أن اللقاء بين الرئيسين مستبعد حاليًا، لكن من المقرر عقد اجتماع رفيع المستوى بين سوريا والولايات المتحدة في المنطقة خلال أسبوع زيارة ترامب.

من جهته، قال تشارلز ليستر، رئيس مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط: ”الوصول إلى ترامب شخصيًا أفضل وسيلة، نظرًا لصعوبة تحقيق اختراقات مع بعض الشخصيات في إدارته"، خاصة وأن واشنطن لم تحدد بعد صيغة نهائية توضح كيفية تعاملها مع سوريا.

وخلال الاجتماع الأمريكي-السوري الذي عُقد في نيويورك الشهر الماضي، وضع البيت الأبيض ما يزيد عن 10 شروط على النظام الجديد.

وكانت الإدارة الأمريكية قد أخبرت وزير خارجية الشرع ، أسعد الشيباني، أنها تعتقد أنهم لا "يقومون بما هو كافٍ"، وأنها غير راضية عن أدائهم، خاصة فيما يتعلق بتحقيق مطالبه بإبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في الجيش وطرد أكبر عدد ممكن منهم.

وفي سياق متصل، أضافت مصادر لـ"رويترز" أن أحد الأهداف الرئيسية لمبادرات دمشق نحو واشنطن هو إيصال رسالة مفادها أن سوريا لا تشكل أي تهديد لإسرائيل.

وقال باس إن الشرع طلب منه تمرير رسائل بين سوريا وإسرائيل ربما أدت إلى لقاء مباشر بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين.

وتابع: ”أرسل الشرع للإسرائيليين غصن زيتون. وأرسلت تل أبيب الصواريخ في المقابل.. نحن بحاجة إلى ترامب للمساعدة في تسوية هذه العلاقة.“

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ترامب يهوي بشعبية أمريكا و “إسرائيل” في ذيل ترتيب السمعة العالمية
  • إسرائيل تُعلق عملياتها في غزة.. متى تفرج حماس عن المحتجز الأمريكي عيدان ألكسندر؟
  • برج ترامب في دمشق وسلامٌ مع إسرائيل.. هكذا يحاول أحمد الشرع استمالة الرئيس الأمريكي
  • حساب الخارجية الأمريكية بالعربية يغرّد عن زيارة ترامب للشرق الأوسط وأبرز الملفات التي ستناقش
  • أمريكا تتفاوض مع المقاومة منفردة.. هل آن أوان فطام إسرائيل؟
  • اليوم.. بغداد تستقبل أول وفود القمة العربية
  • ماذا بعد سقوط الهيبة الأمريكية؟
  • كتاب مقومات النظرية اللغوية العربية.. قراءة تحليلية دقيقة للتراث النحوي
  • خطاب القائد وفشل العدوان الأمريكي على اليمن
  • صور| مسيرة (لنصرة غزة.. بقوة الله هزمنا أمريكا وسنهزم إسرائيل) عزلة الجبر الشرقي بمديرية المفتاح بمحافظة حجة