ها هو عبق الإسراء يهبُّ على القلوب من جديدٍ، فيحرّك لواعج الشوق فيها، وها هي نسائم ذكرى ‏المعراج تخالط بشاشتها الأرواح فتعرج في فضاءات الإيمان، ويشدّها الحنين إلى صاحب الذكرى عليه أفضل ‏الصلاة والسلام.‏

تأتي ذكرى الإسراء والمعراج حاملةً بين طيّاتها ألما وأملا؛ نتفيّأ ظلالها لنقطف عِبرةً تنير لنا الدرب، ونذرف ‏عَبْرةً على ما آلت إليه أحوالنا، وقد نبذنا منهج التمكين خلف ظهورنا، فأصبحنا في ذيل القافلة، وقاع ‏الوادي.



الرسالة الاولى: دفقةُ أملٍ في زمن اليأس ‏

فإنّ في قلب كلِّ محنةٍ منحة، وبعد كل شدّةٍ فرج، ومع كل عسرٍ يسر، وما بعد الليل الحالك إلا فجر ‏صادق يمحو كل ظلمة.‏

فها هي قريش قد سدّت الطريق في وجه الدّعوة في مكة، وأحكمت الحصار ضدّ الدعوة ورجالاتها من كل ‏جانب، وأصبح النّبي صلى الله عليه وسلم في خطر بعد وفاة عمه أبي طالب، وزوجته أم المؤمنين خديجة رضي ‏الله عنها؛ فيتوجه إلى الطّائف فلا يجدُ من أهلها إلا الصّدود والأذى والرّمي بالحجارة، وإغراء السفهاء ‏والصبيان به لإيذائه صلى الله عليه وسلم،تأتي ذكرى الإسراء والمعراج حاملةً بين طيّاتها ألما وأملا؛ نتفيّأ ظلالها لنقطف عِبرةً تنير لنا الدرب، ونذرف ‏عَبْرةً على ما آلت إليه أحوالنا، وقد نبذنا منهج التمكين خلف ظهورنا، فأصبحنا في ذيل القافلة، وقاع ‏الوادي وأمام كل هذا الجو الباعث على اليأس والإحباط، وقد سدَّت ‏الأبواب وضاقت الأرض بما رحبت؛ يعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقة بربه لا تتزعزع، ‏ويقينا لا يلين، فعندما قال زيدٌ رضيَ الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه قد عزم على العودة إلى ‏مكة بعدما أصابه في الطائف: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ ‏ فيأتي الجواب من الصّادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: "يا زيد إن الله جاعلٌ لما ترى فرجا ومخرجا؛ وإن الله ‏ناصرٌ دينه ومظهرٌ نبيه".

فماذا كانت نتيجة هذا اليقين؟ وماذا كان بعد المحنة؟ وما الذي حدث بعد أن ضاقت الأرض بما رحبت ‏على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضيَ الله عنهم أجمعين؟

جاءت رحلةُ الإسراء والمعراج على قَدَرٍ من رب العالمين، رحلة تكريم واصطفاء، فإن جفاك أهل الأرض؛ فها ‏هي السماء بك تحتفي، وإن قلاك الخلق؛ فها هو رب الخلائق إياك يصطفي؛ فهو السميع لدعائك ‏ومناجاتك والبصيرُ بحالك وآلامك "سُبْحَانَ‎ ‎الَّذِي‎ ‎أَسْرَى‎ ‎بِعَبْدِهِ‎ ‎لَيْلاً‎ ‎مِّنَ‎ ‎الْمَسْجِدِ‎ ‎الْحَرَامِ إِلَى‎ ‎الْمَسْجِدِ‎ ‎الأَقْصَى‎ ‎الَّذِي‎ ‎بَارَكْنَا‎ ‎حَوْلَهُ‎ ‎لِنُرِيَهُ‎ ‎مِنْ‎ ‎آيَاتِنَا‎ ‎إِنَّهُ هُوَ‎ ‎السَّمِيعُ‎ ‎البَصِيرُ"‏.

فهي إذن الرّسالة إلى كل مسلم ومؤمن؛ إذا تكالبت عليك المحن، وادلهمّت الخطوب، وقلَّ الصديق، وكثر العدو، ‏وجفاكَ القريب، وتخلّى عنك الخلق؛ فاهتف في الأسحار: يا الله؛ وأسرِ بروحك واعرج بقلبك وكن على يقين بالفرج والنصر والتمكين.‏

الرسالة الثّانية: المسجد الأقصى والمسجد الحرام أخَوَان؛ من فرّط بأحدهما فرّط بالآخر

ففي قوله تعالى: "سُبْحَانَ‎ ‎الَّذِي‎ ‎أَسْرَى‎ ‎بِعَبْدِهِ‎ ‎لَيْلاً‎ ‎مِّنَ‎ ‎الْمَسْجِدِ‎ ‎الْحَرَامِ إِلَى‎ ‎الْمَسْجِدِ الأَقْصَى" ‏ربطٌ بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهنا لا بدّ من وقفات:‏

الوقفة الأولى: إنّ الربط يُشعِر أنّ التهديد للمسجد الأقصى تهديدٌ للمسجد الحرام وأهله، وإنّ النيلَ من ‏المسجد الأقصى توطئة ٌ للنيل من المسجد الحرام، وإنّ زوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين ووقوعه في ‏أيدي الصّهاينة يعني أنّ المسجد الحرام والحجاز قد تهدد الأمن فيهما، ولم يُخفِ الصّهاينة يوما أطماعهم في المسجد ‏الحرام وأرض جزيرة العرب.

يُشعِر أنّ التهديد للمسجد الأقصى تهديدٌ للمسجد الحرام وأهله، وإنّ النيلَ من ‏المسجد الأقصى توطئة ٌ للنيل من المسجد الحرام، وإنّ زوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين ووقوعه في ‏أيدي الصّهاينة يعني أنّ المسجد الحرام والحجاز قد تهدد الأمن فيهما، ولم يُخفِ الصّهاينة يوما أطماعهم
الوقفة الثانية: إنّ الربط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام يُشعر المسلمين بمسؤوليتهم تجاه المسجد ‏الأقصى وأهميته بالنسبة لهم، فهو مسرى نبيّهم وقبلتهم الأولى، فمسؤوليتهم نحوه هي مسؤولية تحريره من أيدي ‏الغاصبين، ودعم ذلك بالوسائل الممكنة كافة وإحياء قضيته.‏

فها هي ميمونة رضيَ الله عنها تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس. ‏قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلّوا فيه، فإنّ صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه". قالت: يا رسول ‏اللّه، أرأيت إن لم نطق محملا إليه؟ قال: "فليهد له زيتا يسرج فيه، من أهدى إليه شيئا كان كمن صلى ‏فيه".‏

ولا بدّ في غمرة اهتمام المسلمين بالجراح النّزفة في مختلف أنحاء جسد الأمة المكلومة أن لا ينشغلوا عن المسجد الأقصى، وما ترتكبه قوات الاحتلال الصهيوني من جرائم بحقه وحقّ أهله ‏المرابطين في ساحاته وفوق ثراه.‏

الرسالة الثّالثة: العبودية لله تعالى هي أوّل الطريق لتحرير المسجد الأقصى المبارك

فإنّ الله وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية في آية الإسراء التي تتحدّث عن دخوله المسجد الأقصى ‏للمرة الأولى، وفي مطلع سورة الإسراء في الحديث عن معركة دخول بيت المقدس يقول تعالى: "فَإِذَا‎ ‎جَاء ‏وَعْدُ أُولاهُمَا‎ ‎بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ‎ ‎عِبَادا‎ ‎لَّنَا‎ ‎أُوْلِي‎ ‎بَأْسٍ‎ ‎شَدِيدٍ‎ ‎فَجَاسُواْ‎ ‎خِلاَلَ‎ ‎الدِّيَارِ وَكَانَ‎ ‎وَعْدا‎ ‎مَّفْعُولاً"،‏ فقد وصف الذين دخلوا المسجد في المرة الأولى بأنّهم عباد له سبحانه وتعالى.‏

وعندما تحدث النّبي صلى الله عليه وسلم عن تحرير المسجد الأقصى بيّن أن شعاره هو العبودية لله تعالى. فطريق تحرير المسجد الأقصى يبدأ بتحقيق العبودية لله تعالى على حقيقتها من الخضوع له ‏وحده دون سواه، والامتثال لأوامره، والمبادرة والمسارعة لتطبيق تعاليمه واجتناب نواهيه، ورفض الخضوع لأحدٍ ‏غيره.

هذه بضع رسائل يسيرة جدّا من وحي ذكرى الإسراء والمعراج فيها زادٌ لمن أرادَ أن يكونَ له سهمٌ في الانتصار لمسرى النبيّ صلى الله عليه وسلّم ودين الله تعالى: "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ".

twitter.com/muhammadkhm

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسراء والمعراج الأقصى فلسطين الأقصى الاسلام النبي محمد الإسراء والمعراج مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وسلم الإسراء والمعراج المسجد الأقصى المسجد الحرام ال م س ج د

إقرأ أيضاً:

بوزن يبلغ (1415) كجم.. الكعبة المشرفة تتزين بكسوتها الجديدة لعام 1447 هـ

تبدأ الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أعمال مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة جريًا على العادة السنوية، إذ تتزين بمطلع العام 1447 الهجري بحلتها الجديدة.

 

وتأتي عملية تغيير كسوة الكعبة المشرفة بعد اكتمال مراحل تصنيعها داخل مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة بأم الجود، واستغرق إنتاج الكسوة (11) شهرًا تقريبًا، وتمر بسبع مراحل دقيقة تشمل تحلية المياه، والغسيل، والنسيج، والطباعة، والتطريز، والتجميع، ثم الفحص النهائي، من خلال إعداد مياه خاصة بمعايير دقيقة للغسيل، وغسل وصباغة الحرير الخام باللون الأسود المميز، ونسج الأقمشة المنقوشة والسادة لثوب الكعبة وبطانته وطباعة الآيات القرآنية بدقة هندسية على القماش، وجمع الأجزاء وخياطتها مع تثبيت المذهبات وتطريز الآيات بخيوط من الفضة والذهب والجودة، من خلال فحص دقيق؛ لضمان أعلى المعايير قبل التثبيت، وتجسد هذه المراحل الجهود الكبيرة والمهارات الرفيعة في إنتاج هذه الكسوة الفريدة.
وتجري عملية نقل كسوة الكعبة المشرفة من مجمع الملك عبدالعزيز لصناعة كسوة الكعبة المشرفة في مقطورة مخصصة، وصولًا إلى المسجد الحرام، فيما تتم عملية فك المذهبات من الكسوة القديمة بعد صلاة العصر يوم الأربعاء 29 / 12 / 1446 هـ، وموعد بدء مراسم التغيير الرسمية داخل المسجد الحرام مطلع بداية يوم الخميس الأول من شهر محرم للعام 1447هـ.
وتتكون الكسوة الجديدة من 47 قطعة من الحرير الأسود المنقوش، مطرزة بـ 68 آية قرآنية بخيوط الفضة المطلية بالذهب عيار 24، ويبلغ وزن كسوة الكعبة الإجمالي نحو 1415 كيلوجرامًا.

 

وتجسد كسوة الكعبة المشرفة في كل عام عناية المملكة الفائقة بالحرمين الشريفين، وحرصها على تجديد كسوة الكعبة المشرفة بما يليق بمكانتها وقدسيتها في قلوب المسلمين حول العالم.

مقالات مشابهة

  • بخيوط من ذهب وحرير أسود.. الكعبة ترتدي كسوتها الجديدة مع بداية السنة الهجرية
  • تثبيت كسوة الكعبة الجديدة على الجهات الأربع مع مطلع العام الهجري
  • مستوطنون إسرائيليون يقتحمون باحات المسجد الأقصى وسط حماية شرطة الاحتلال
  • عام هجري جديد.. مشاهد توثق تثبيت كسوة الكعبة على الجهات ‏الأربع ‏(صور)
  • عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا
  • السعودية تستبدل كسوة الكعبة المشرفة مع حلول العام الهجري الجديد / صور
  • بدء نقل كسوة الكعبة المشرفة الجديدة إلى المسجد الحرام
  • مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
  • بوزن يبلغ (1415) كجم.. الكعبة المشرفة تتزين بكسوتها الجديدة لعام 1447 هـ
  • بوزن 1415 كيلوجرامًا.. الكعبة تتزين بكسوتها الجديدة