شبح الجوع يحاصر ملايين السودانيين، هل يتكرر سيناريو “سنة 6″؟
تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT
يواجه أكثر من 10 ملايين من السودانيين الفارين من الحرب المستمرة منذ 10 أشهر ونحو 15 مليونا من العالقين في مناطق القتال والفاقدين لمصدر دخلهم خطر الجوع، وسط مخاوف متزايدة من تكرار سيناريو المجاعات الكبرى التي عاشها السودانيون وعلى رأسها مجاعة "سنة 6" الشهيرة.
بوجبة واحدة ذات مكونات غذائية فقيرة تقضي أسرة آمنة الحاج يومها في إحدى المدارس الآيلة للانهيار قرب مدينة سنار في وسط السودان، حيث تقول لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنها ظلت ومنذ فرارها من الخرطوم مع أسرتها المكونة من 7 أشخاص بعد شهر من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع تواجه مصاعب كبيرة في توفير الغذاء لأسرتها المكونة من 7 اشخاص بينهم 4 أطفال دون العشر سنوات.
وأضافت آمنة: "بعد وصولنا إلى مدينة مدني في وسط البلاد كنت أقوم بعرض السلع البسيطة للبيع في السوق، وأستخدم العائد في شراء القليل من الطعام والدواء لابنتي الكبرى المريضة. لكن بعد وصول الفتال إلى مدني وفرارنا مرة أخرى إلى مناطق سنار لم يتبق لي أي مال لأواصل تجارتي البسيطة وأصبحنا نعتمد على الجمعيات الشبابية التي تحاول توفير القليل من الغذاء لآلاف الأسر الفارة من القتال".
وتابعت قائلة: "كنا نسمع عن قصة مجاعة سنة 6 من جداتنا وأجدادنا ولم نكن نتوقع يوما من الأيام أن نعيش تلك القصة على أرض الواقع بعد مرور أكثر من 130 عاما على وقوعها".
ومجاعة "سنة 6" التي تتحدث عنها آمنة هي واحدة من أشهر 4 مجاعات عرفها السودانيون في تاريخهم، ويعود سبب تسميتها نسبة إلى حدوثها في العام الهجري 1306.
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى فإن أكثر من 25 مليون سوداني أي نحو 65 في المئة من السكان البالغ عددهم 42 مليون نسمة باتوا بحاجة إلى مساعدات غذائية عاجلة.
صعوبات كبيرة تواجه المنظمات الدولية
تجد المنظمات الدولية صعوبات بالغة في توصيل المعونات الغذائية في ظل الأوضاع الأمنية الحالية والنقص الكبير في التمويل البالغ نحو 70 في المئة من المبلغ الفعلي المطلوب والمقدر بنحو 4 مليارات دولار بحسب مكتب تنسيق العمليات الانسانية التابع للأمم المتحدة.
وفي حين تحاول بعض المنظمات الطوعية المحلية تقديم المساعدات الغذائية البسيطة للنازحين والعالقين، إلا أن جهودها تصطدم بعقبة ضيق الإمكانيات والظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها معظم أنحاء البلاد.
ومع تطاول أمد الحرب تتراجع قدرة السودانيين على التضامن بسبب تآكل المدخرات وفقدان الملايين من معيلي الأسر مصادر دخلهم حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 8 ملايين من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص والأعمال اليومية البسيطة إما فقدوا عملهم بالفعل أو انقطعت رواتبهم لشهور طويلة.
تراجع الإنتاج الزراعي
من المتوقع تراجع الإنتاج الزراعي في البلاد بشكل كبير إذا لم يتم الوصول إلى حل ينهي الحرب، وذلك لأن معظم المشاريع الكبرى التي تشكل نحو 80 في المئة من الإنتاج الزراعي في البلاد تقع بمناطق إما تشهد قتالا مستمرا أو مرشحة لتصبح ساحة للقتال.
ويحذر الخبراء من خطورة وضع الأمن الغذائي في ظل التوقعات بخروج مساحات كبيرة من مشاريع النيل الأبيض ومشروع الجزيرة -أكبر مشروع زراعي في البلاد- عن دائرة الإنتاج.
وفي هذا السياق قال الخبير الاقتصادي محمد شيخون لموقع "سكاي نيوز عربية": "السودان يملك أكثر من 180 مليون فدان صالحة للزراعة، لكن النسبة الأكبر من تلك المساحات لم تستغل بالشكل المناسب مما أضاع فرصة توفير أمن غذائي مستمر".
ويرى شيخون أن نقص التمويل سيكون أحد الأسباب المهمة التي يتوقع أن تؤدي إلى المزيد من التدهور في القطاع الزراعي، حيث تراجعت بسبب الحرب موجودات البنوك السودانية المقدرة بنحو 45 تريليون جنيه بمقدار النصف بعد أن فقدت العملة الوطنية أكثر من 50 في المئة من قيمتها خلال الفترة الأخيرة حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا بنحو 1100 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب في منتصف أبريل والتي خرج عن الخدمة بسببها أكثر من 70 في المئة من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 بنكا حكوميا وتجاريا.
أبرز المجاعات في السودان
● مجاعة "سنة 6": سميت هذه المجاعة بمجاعة سنة ستة لوقوعها في العام 1306 هجري، الموافق للعام 1888. وتعود أسباب هذه المجاعة التي حصدت أرواح مئات الآلاف من السكان والماشية إلى انشغال معظم المزارعين بالأعمال القتالية إضافة إلى حدوث موجة جفاف كبيرة شملت تأثيراتها كافة مناطق البلاد.
● مجاعة 1985: تزامنا مع أسوا موجة جفاف ضربت بلدان شرق إفريقيا، شهد السودان في العام 1985 واحدة من أكبر الكوارث الغذائية في العالم ونتجت عنها خسائر بشرية ضخمة.
● مجاعة 1988: صاحبت موجة السيول والفيضانات العارمة التي ضربت أجزاء واسعة من السودان أزمة غذائية حادة حيث غمرت مياه السيول مساحات زراعية واسعة وعطلت الإنتاج في معظم أنحاء البلاد.
● مجاعة 1998: تسببت الحرب التي كانت مشتعلة في الجنوب في نقص حاد في الغذاء أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من السكان، وكانت منطقة بحر الغزال التي أصبحت لاحقا جزءا من دولة الجنوب المنفصلة في العام 2011 هي أكثر المناطق تضررا حيث مات فيها وحدها أكثر من 70 ألف شخص.
الخرطوم- سكاي نيوز عربية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی المئة من فی البلاد فی العام أکثر من
إقرأ أيضاً:
مزارعو السودان يواجهون “أزمة مزدوجة”
يواجه المزارعون في معظم أنحاء السودان أزمة مزدوجة تتمثل في تدهور الإنتاج بسبب الأوضاع الأمنية ونقص الكهرباء التي يعتمد عليها معظم المزارعين في الري.
كما يعاني معظم المزارعين صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل بسبب ربط المصارف أي عمليات تمويل جديدة بسداد المتأخرات، التي وصلت عند البعض إلى أكثر من ثلاث سنوات.
وبحسب خبير مصرفي كبير، فقد ارتفعت الديون المتعثرة إلى نحو 50 بالمئة من إجمالي التمويلات، ما جعل المصارف تتشدّد أكثر في الإقراض، وتتجنب القطاعات عالية المخاطر كصغار المزارعين.
كما زاد من الأزمة غياب دور البنك المركزي كمنسق ومراقب، في ظل الانقسام السياسي والانهيار المؤسسي.
وفي ظل اعتماد أكثر من 60 بالمئة من سكان السودان على القطاع الزراعي كمصدر للدخل، ينعكس تراجع الإنتاج الزراعي بشكل خطير على مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي، ويضاعف من أزمة الجوع التي تحاصر أكثر من نصف سكان البلاد البالغ تعدادهم 48 مليون نسمة.
تراجع واضح
تراجع إنتاج قطاع الزراعة بأكثر من 40 بالمئة بحسب منظمة الفاو، مما أثر كثيرًا على اقتصاد البلاد، إذ يسهم القطاع بنحو 35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف أكثر من 40 بالمئة من القوى العاملة.
وبسبب الحرب وتراجع الإنتاج الزراعي، سجل السودان أكبر أزمة جوع في العالم، حيث بات أكثر من 26 مليون في حاجة إلى مساعدات غذائية، واحتل المرتبة الرابعة في انتشار سوء التغذية الحاد العالمي، حيث يُقدّر بنحو 13.6 بالمئة.
وأثر تراجع القطاع الزراعي على مجمل المؤشرات الاقتصادية، ففي الشهر الماضي، قدّر البنك الدولي معدل انكماش اقتصاد السودان بنحو 13.5 بالمئة في عام 2024، بعد انكماش قُدّر بنحو 29.4 بالمئة في عام 2023.
وعزا البنك التدهور الكبير للاقتصاد السوداني للانهيار الملحوظ في مؤشرات القطاعات الإنتاجية الرئيسية، وعلى رأسها القطاع الزراعي، الذي شهد انخفاضا حادا في الإنتاجية بسبب انقطاع طرق التجارة، ونزوح المزارعين، وتدمير البنية التحتية الزراعية، وانعدام فرص الحصول على التمويل.
وانعكس تراجع القطاع الزراعي على معدلات الفقر في البلاد، التي قفزت إلى 71 بالمئة من 33 بالمئة في عام 2022، بسبب فقدان الأسر مصادر دخلها.
عقبات كبيرة
رغم أن منظمة الأغذية العالمية أبدت في شهر يناير الماضي استعدادها لتمويل تطهير قنوات الري في بعض المشاريع، إلا أن مزارعين في عدد من المناطق اتهموا السلطات المحلية بعرقلة تلك الجهود، مما أدى إلى تفاقم مشكلة انسداد القنوات، والتي كانت واحدة من أسباب تدني الإنتاجية.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية الألمانية، فإن السودان الذي كان يُعد يومًا سلة غذاء العالم، تحول إلى بؤرة للجوع بسبب فشل السياسات الزراعية والحرب الحالية، التي أدت إلى نزوح نحو 15 مليون شخص، معظمهم من المزارعين.
وقالت المنظمة: “دمّر الصراع البنية التحتية الزراعية، وشرّد المزارعين، وأدى إلى هلاك الماشية. ولا تزال الأراضي الخصبة غير مزروعة – ليس بسبب تغيّر المناخ، بل بسبب الحرب”.
نقص التمويل
يعاني المزارعون نقصا حادا في التمويل، وفي ظل تراجع الإنتاج وفقدان الكثير من المزارعين القدرة على السداد، ترفض بعض المصارف تقديم قروض جديدة، وربطت أي عمليات لتمويل الموسم الزراعي بسداد القروض القديمة.
وذهبت بعض المصارف إلى أبعد من ذلك، حيث هددت بسجن المزارعين العاجزين عن السداد، رغم أن معظمهم تعرض لخسائر كبيرة، وفشل حتى في إنتاج الحد الأدنى من الحبوب اللازمة لتأمين غذاء أسرهم.
ويقول إدريس محمد، وهو مزارع يدير مزرعة صغيرة تبلغ مساحتها نحو 10 فدادين في شمال دنقلا بالولاية الشمالية، إن نقص التمويل المصرفي بات يشكل هاجسا كبيرا للكثير من المزارعين الذين يعتمدون عليه في شراء البذور والسماد وعمليات الري.
ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “ذهبتُ للمصرف للحصول على تمويل بسيط، لكن طلبي رُفض بحجة أنني لم أُكمل تسديد قروض الموسم السابق، بل أبلغوني بأنهم بصدد اتخاذ إجراءات قانونية قد تقودني إلى السجن”.
ويضيف: “فشل الموسم السابق بسبب نقص المياه الناجم عن انقطاع الكهرباء عن معظم مناطق البلاد، وبالتالي تراجع الإنتاج بأكثر من 70 في المئة، مما أدى إلى تعسر واسع في سداد القروض.. كان على الجهات الحكومية المختصة حماية المزارعين، لكن ذلك لم يحدث، وأصبح عشرات الآلاف عرضة للسجن”.
ورغم إعلان البنك الزراعي عن خطة لتمويل المزارعين للموسم الجديد، إلا أن القروض القديمة بأثر رجعي تقف عقبة أمام الكثير من المزارعين، الذين خرج معظمهم عن الإنتاج لموسمين كاملين بسبب أوضاع الحرب.
ووفقًا للخبير المالي والمصرفي عمر سيد أحمد، فإن التمويل الزراعي في السودان لا يُنظر إليه كأداة تنموية طويلة الأجل، بل يُعامل من قِبل المصارف كتمويل تجاري عالي المخاطر.
ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “هذا الفهم الضيق يجعل السياسات التمويلية ترتكز على استرداد رأس المال بسرعة، بدلًا من دعم العملية الإنتاجية بشكل شامل ومستدام”.
ويشير سيد أحمد إلى انعدام العدالة في الوصول إلى التمويل، حيث يواجه صغار المزارعين غير المنضمين لجمعيات محددة صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل بسبب “متطلبات الضمان غير الواقعية”، إضافةً إلى ضعف البنية التحتية المالية في الريف، وغياب التأمين الزراعي وإدارة المخاطر، حيث يتحمل المزارع وحده مخاطر الجفاف، والآفات، أو تقلب الأسعار.
ويلفت الخبير المالي إلى عوامل هيكلية أخرى أدت إلى نقص السيولة لدى المصارف وحدّت من قدرتها على التمويل، خصوصًا في ظل انهيار الثقة العامة في النظام المصرفي، حيث خرجت 91 بالمئة من الكتلة النقدية عن الدورة المصرفية.
سكاي نيوز
إنضم لقناة النيلين على واتساب