عمّان- مع تزايد معدلات الفقر والبطالة بين السكان، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن، وصل معدل البطالة إلى 22.3% في الربع الثالث من عام 2023، حسب دائرة الإحصاءات الأردنية، في حين يعاني 35% من إجمالي السكان في الأردن من الفقر، أي ما يقارب 3.9 ملايين شخص من أصل 11.3 مليون نسمة، يصنفون على أنهم فقراء، حسب تقرير للبنك الدولي.

وفي ضوء هذه الأرقام يلجأ العديد من المواطنين لتدشين مشاريع بيتية صغيرة لمكافحة الفقر والبطالة، والحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم.

ولا تكلّف هذه المشاريع أموالا كبيرة للدخول إلى سوقها، ولكنها تحتاج إلى مثابرة وإصرار للبدء والمواصلة حتى تحقيق النجاح، والأهم من ذلك هو معرفة ما تريد القيام به، والأمثلة عديدة وكثيرة لرجال ونساء لم يستسلموا للظروف الاقتصادية الصعبة، ولا للمعوقات والمحبطات، فبدؤوا مشاريعهم البيتية، وهم الآن يجنون حصاد ما تعبوا من أجله.

ويسلط تقرير "الجزيرة نت" هذا الضوء على عدد من هذه التجارب التي كافحت حتى تحقيق النجاح.

انطلاقة بـ10 دنانير فقط

وجدت السيدة فاطمة الصالح والمعروفة باسم "أم حمزة البصول" نفسها أمام معضلة حقيقية بعد أن وجد زوجها نفسه بلا عمل عقب جائحة كورونا (كوفيد-19)، ومع وجود أبناء لها في المدارس والجامعات، إضافة إلى غلاء الأسعار ومتطلبات حياة وعدم كفاية الراتب التقاعدي الضئيل لزوجها لتلبية هذه المتطلبات.

اشتهرت أم حمزة في حيها ببراعتها في الطبخ وإعداد المأكولات الشعبية والحلويات، فقررت بعد تفكير طويل أن تبدأ مشروعها الخاص لصناعة الحلويات والمأكولات والوجبات الشعبية.

السيدة فاطمة الصالح بدأت مشروعها البيتي في صناعة المأكولات الشعبية ليصبح مصدر دخل عائلتها الرئيسي خلال مدة وجيزة (الجزيرة)

وتقول السيدة أم حمزة "كانت البداية بـ10 دنانير فقط (نحو 14 دولارا) حيث ذهبت للسوق، واشتريت دقيقا وسمسما وزيتا ومتطلبات إعداد الكعك والقراص، وهو خبز أردني خاص يقدم في الأعياد والمناسبات وله شعبية كبيرة".

وتواصل أم حمزة قصتها "أعددت الكعك والقراص، ثم ذهبت لمدرسة قريبة تعمل فيها إحدى قريباتي، وعرضت المنتج على مديرة ومعلمات المدرسة اللاتي أعجبن بما صنعت واشترين كامل الكمية التي كانت معي، وأوصين على كمية أخرى أكبر منها، عدت للمنزل وبجيبي 30 دينارا، وكانت فرحتي عارمة".

كان هذا النجاح الأولي دافعا كبيرا وحاسما للسيدة فاطمة، لتواصل العمل، حيث أنشأت بمساعدة ابنتها صفحة خاصة على فيسبوك وأخرى على إنستغرام، وشرعت بنشر فيديوهات قصيرة عن منتجاتها من الحلويات والمأكولات الشعبية.

السيدة فاطمة تكسب الآن ما لا يقل عن ألف دينار أردني شهريا (1400 دولار) وهو ما يكفي لتأمين حياة كريمة لها ولعائلتها وتدريس ابنها في الجامعة، وتخطط للتوسع وفتح مطعم خاص بها في المستقبل.

حين يتحول الشغف إلى مهنة

شريف كتانة شاب طموح يسعى لتكوين أسرة ومستقبل له بعد تخرجه من الجامعة، ولكن دخله من وظيفته لم يكن يساعده على ذلك، يقول شريف "كنت أعمل بمؤسسة أردنية، ولكن الدخل لم يكن يكفي، ووجدت نفسي في حاجة ماسة إلى إيجاد مصدر دخل إضافي يمكنني الاعتماد عليه، وهو ما دفعني للنظر إلى إمكانية بدء مشروع صغير يمكنني إدارته من المنزل".

كان شريف من عشاق الحاسوب والإنترنت، وقرر تطوير شغفه هذا بتعلم المزيد حول المجال والتخصص في التسويق الإلكتروني، وتصميم مواقع الويب، كما استفاد من المصادر المفتوحة التي توفرها شبكة الإنترنت، وشيئا فشيئا أتقن مهنة التصميم والتسويق والرقمي.

يقول شريف "بعد التفكير العميق، قررت الاستفادة مما تعلمته، ومن خبرتي المكتسبة لبدء مشروع صغير يقدم خدمات التسويق الرقمي للشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد، وإدارة الحملات الإعلانية عبر الإنترنت، وتصميم وتطوير المواقع الإلكترونية".

شريف كتانة استفاد من المصادر المفتوحة التي توفرها شبكة الإنترنت، وشيئا فشيئا أتقن مهنة التصميم والتسويق الرقمي (شترستوك)

واجه شريف العديد من العقبات في بدايته، منها القيود المالية، والمنافسة الشديدة في سوق التسويق الرقمي، والصعوبات التقنية في بعض الأحيان. و"لكن بالتحدي والعمل الجاد، بالإضافة إلى مهاراتي في الاتصال والإقناع، تمكنت من تجاوز هذه العقبات وتحويلها إلى فرص للتعلم والنمو"، يقول شريف.

ويؤكد أن "أحد العوامل الرئيسية لنجاح المشروع كانت الاستمرارية في التعلم وتطوير المهارات. كنت دائما أسعى لتحسين نفسي والتعلم من التجارب الفاشلة وتحويلها إلى دروس بناءة. بالإضافة إلى ذلك، كان الالتزام والمثابرة جزءا أساسيا من نجاح المشروع".

وبالنسبة للدخل المادي من المشروع يؤكد شريف أنه كان "متقلبا في بداية المشروع، ولكن مع مرور الوقت وتوسيع قاعدة العملاء، تحسنت الأوضاع وزادت الإيرادات. ولا يزال الدخل غير ثابت في بعض الأحيان، لكنه بالتأكيد كافٍ لتلبية احتياجاتي الأساسية أنا وعائلتي".

ويوجه شريف كتانة نصائح للشباب العاطلين عن العمل، الذين يبحثون عن فرص في مجال ريادة الأعمال، ويقول "أنصحهم بتحديد مهاراتهم واهتماماتهم والاستثمار في تطويرها، بالإضافة إلى الاستفادة من المصادر المفتوحة أو المدعومة التي تقدمها الحكومة أو المؤسسات الخاصة، واستكشاف الآفاق التي تفتحها لهم وسائل التواصل الاجتماعي".

هالو تيراريوم

وجدت المهندسة تقى محمود السالم نفسها عاطلة عن العمل بعد أن تخرجت من كلية الهندسة الزراعية، وكانت تطمح دائما لمواصلة دراستها، ولكن الظروف المادية لم تكن تساعدها على تحقيق هذا الحلم.

كانت تقى تحب القراءة منذ صغرها، وقرأت في هذه الأثناء عن مشروع نادر لتربية نباتات استوائية طبيعية داخل أوانٍ زجاجية مغلقة لا تفتح بعد زراعتها، وهو ما يطلق عليه اسم "التيراريوم المغلق".

تقول تقى "التيراريوم عبارة عن غابة استوائية مصغرة تمثل البيئة الطبيعية للغابات، وتعطي لك فرصة اقتناء حديقة مصغرة داخل المنزل، والاستمتاع بنموها داخل الحوض الزجاجي. ولا يحتاج إلى عناية مستمرة، فهي تكتفي بدورة الماء والغازات داخل الحوض المغلق، وهو نظام مغلق تماما لا يفتح بعد زراعته".

المهندسة تقى محمود السالم دشنت مشروعها لزراعة نباتات استوائية طبيعية داخل أوان زجاجية مغلقة لا تفتح بعد زراعتها (الجزيرة)

استدانت تقى مبلغ 200 دينار أردني (282 دولارا) واشترت المواد الأولية المطلوبة، وبدأت في تجربة زراعة "التيراريوم" في منزلها.

فشلت جميع التجارب الأولى، ولكنها أعادت التجربة مرة تلو الأخرى، حتى نجحت في زراعة أول نباتاتها، وكانت فرحتها عارمة بالنجاح الذي جاء بعد تجارب كثيرة فاشلة.

تصف تقى هذه اللحظات "نجاحي كان في بداية الأمر توفيق من الله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك بسبب عنادي وإصراري الكبير واستمراري في العمل رغم المحاولات الكثيرة الفاشلة، كما وجدت تشجيعا كبيرا من عائلتي".

أول دخل حققته تقى كان عن طريق بيع حديقة تيراريوم زجاجية لطبيب يعمل في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمان، "وقف الطبيب مشدوها أمام جمال المنظر، ودفع لي مبلغ 100 دينار (140 دولارا) وكان هذا أول دخل لي من المشروع، وقد أعطاني هذا دفعة كبرى للمواصلة والاستمرار".

وحاليا، تكمل تقى دراسة الماجستير في الجامعة من ريع مشروعها، وتقول ناصحة الشباب والشابات الذين يجدون أنفسهم بلا عمل بعد التخرج "نصيحتي هي أن كل شيء في هذه الحياة يبدأ من فكرة صغيرة، ليس عليك أن تستهين بأي فكرة قد تخطر على بالك، لأنها قد تكون الفكرة الذهبية التي سترفعك وتدفعك للأمام، وعليك الإصرار والمثابرة وعدم الاستسلام أمام لحظات الفشل، فكلما سعيت أكثر حققت نتائج أفضل فلا يأس مع الحياة".

وتطمح تقى حاليا أن تفتتح متجرها الخاص الذي يضمن التوسع لها تحت اسم "هالو تيراريوم" والدخول إلى عالم الديكورات الكبيرة والتصاميم التي تدخل في هندسة الديكور كتفصيل أساسي للجدران الطبيعية المغلقة، وخلق تصاميم مبتكرة ومميزة وفريدة، كما تتطلع أن يصبح التيراريوم ثقافة زراعية وتطورا جديدا في عالم التصميم خاصة والديكورات عامة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أم حمزة

إقرأ أيضاً:

من واقع تجارب.. كيف تؤسس مشروعا ناجحا؟

ريادة الأعمال ليست مجرد فكرة لامعة أو رغبة عابرة في الاستقلال، بل هي رحلة مليئة بالتحديات والقرارات اليومية التي تتطلب وعيا عميقًا واستعدادا دائما للتعلم والتكيّف.

يبدأ كثيرون هذه الرحلة بحماس كبير، لكنهم يتعثرون في خطواتهم الأولى بسبب عدم إدراك طبيعة الطريق بشكل كامل.

في هذا المقال، نأخذك بهدوء من عالم الفكرة إلى أولى خطوات التنفيذ، عبر مجموعة من النصائح العملية والدروس المستخلصة من تجارب واقعية شهدناها عن قرب، وهذه الخطوات العملية لتأسيس مشروعك:

1- اختيار الفكرة

بداية أي مشروع ناجح تنطلق من فكرة واضحة وقابلة للتطبيق، لا من مجرد اندفاع أو حماس مؤقت، فكثيرون تراودهم عشرات الأفكار، لكن الفكرة الجيدة ليست بالضرورة الأجمل مظهرًا، بل تلك التي تحلّ مشكلة حقيقية ويمكن تنفيذها بموارد متاحة.

لا تختَر فكرة لمجرد أنها منتشرة أو أثبتت نجاحها لدى غيرك، وبدلاً من ذلك، تأمّل الأسئلة التالية:

هل تعالج هذه الفكرة حاجة فعلية في السوق؟ هل يوجد طلب حقيقي على هذا المنتج أو الخدمة؟ هل أملك المهارات أو الإمكانات لبدئها؟ هل يمكن تنفيذها بتكاليف معقولة في الوقت الحالي؟

إن وجدت إجابات واضحة ومقنعة، لا تتعجل، وخذ وقتك في التمحيص والمقارنة قبل الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي دراسة الجدوى الشاملة للفكرة من جوانب مختلفة.

اختيار الفكرة على أساس انتشارها قد لا يجدي (شترستوك) 2- دراسة جدوى

بعد اختيار الفكرة، تأتي دراسة الجدوى كخطوة أساسية لفهم ما إذا كانت قابلة للتنفيذ في السوق الحقيقي، ومدى قدرتها على الاستمرار والنمو وهنا لا يُنصح بالاعتماد على الحدس أو الآراء الشخصية، بل من الأفضل الاستعانة بمتخصصين ذوي كفاءة لديهم خبرة في تحليل الأسواق والمشاريع.

تشمل دراسة الجدوى تحليل مجموعة من الجوانب المحورية، أبرزها:

1- تحليل السوق: من هم العملاء؟ ما حجم الطلب؟ من المنافسين؟ هل هناك فرصة فعلية للفكرة في السوق؟

إعلان

2- الدراسة المالية: ما تكاليف التأسيس؟ ما هي المصاريف الشهرية؟ كم تحتاج من تمويل؟ ومتى يمكن استرجاع رأس المال؟

3- الخطة التسويقية: كيف ستصل إلى جمهورك؟ ما القنوات المناسبة؟ وما الذي يميزك عن غيرك؟

4- التشغيل والإدارة: من سيدير المشروع؟ ما المهام اليومية؟ وهل ستبدأ وحدك أم تحتاج إلى فريق؟

5- تحليل المخاطر: ما أسوأ ما يمكن أن يحدث؟ هل لديك بدائل؟ وما خطتك إذا واجهت ظروفًا طارئة أو تغيّرات في السوق؟

 

3- البيئة القانونية والتنظيمية

قبل الانطلاق، تحتاج إلى فهم البيئة القانونية والتنظيمية التي يعمل ضمنها مشروعك، هذه الخطوة جزء أساسي من البحث والتحضير، وتتطلب وعيًا بالإجراءات والاشتراطات المحلية.

1-هل إجراءات التراخيص واضحة وسهلة؟

2-كم من الوقت يستغرق الحصول على التصاريح؟

3-هل توجد رسوم أو متطلبات معقدة؟

4-هل هناك جهات داعمة للمشاريع الناشئة (حاضنات، تمويل، إعفاءات ضريبية)؟

البيئة القانونية قد تُسهّل عليك البدء، أو تضع أمامك عوائق غير متوقعة. لذلك، لا تهمل هذا الجانب، ويفضّل دائمًا الاستشارة القانونية المبكرة إن لزم الأمر

4- اختيار الموقع

اختيار الموقع ليس مجرد تحديد نقطة على الخريطة، بل قرار استراتيجي يؤثر على وصول العملاء، وتكاليف التشغيل، وفعالية المشروع على المدى الطويل عند اختيار موقع فعلي لمشروعك (محل، مكتب، مقر)، فكّر في الأسئلة التالية:

هل الموقع قريب من جمهورك المحتمل؟ هل يسهل الوصول إليه؟ وهل يتوفر فيه مواقف للسيارات أو وسائل نقل عامة؟ هل يوجد حركة كافية في المنطقة (مشاة، سيارات، قرب مراكز حيوية)؟ هل تتوفر فيه خدمات أساسية مثل الكهرباء، الماء، التهوية، الإنترنت؟ هل الإيجار مناسب؟ وهل النشاط مسموح به في هذه المنطقة؟

ويساعد الاختيار الجيد للموقع على الانطلاق بسلاسة، بينما الاختيار الخاطئ قد يعرقل المشروع من بدايته، وقد يكون المشروع مميزًا من حيث الفكرة والتنفيذ، لكنه يفشل بسبب بيئة محيطة غير داعمة، سواء من حيث الموقع أو من حيث القوانين والأنظمة.

في المقابل، قد تتوفر بيئة ممتازة، لكن فكرة غير ناضجة أو اختيار خاطئ للموقع قد يُعطل المشروع منذ بدايته، لهذا، فإن تقييم العوامل المحيطة بالمشروع ميدانيًا وتنظيميًا خطوة لا غنى عنها لضمان انطلاقة متوازنة ومستقرة.

لابد من تحديد أهداف مكتوبة لإنجاح المشروعات الناشئة (شترستوك) 5- تصميم هوية المشروع

الهوية هي الانطباع الأول الذي يكوّنه الناس عن مشروعك، وتشمل الاسم، والشعار، والألوان، ونبرة التواصل، وكل ما يعكس شخصيته أمام الجمهور، وتميّزه في السوق وتبني الثقة مع عملائه.

احرص على أن تكون الهوية متناسقة في كل المواد التي تمثّل مشروعك من الإعلان إلى الفاتورة وأن تعبّر بوضوح عن فكرتك ورسالتك.

6- اختيار الإدارة المناسبة: فصل الملكية عن الإدارة

نجاح المشروع لا يعتمد فقط على الفكرة أو التمويل، بل على إدارة واعية تحوّل الرؤية إلى واقع وتحافظ على توازن المشروع وسط التحديات، ولا تقتصر أهمية الإدارة على المشاريع التجارية فقط، بل تشمل المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الربحية والمبادرات المجتمعية، إذ تصنع الإدارة الفعالة فرقًا في تحقيق أثر حقيقي واستدامة طويلة.

إعلان

وتظل الإدارة عنصرًا حاسمًا في جميع المشاريع، خاصة في القطاعات ذات التعقيدات الفنية مثل التعليم والرعاية الصحية والتكنولوجيا والخدمات المالية والطاقة، وأيضًا في القطاعات التشغيلية اليومية مثل المطاعم وسلاسل التجزئة، التي تتطلب دقة وتنسيقًا مستمرًا.

وهنا تبرز أهمية فصل الملكية عن الإدارة؛ فمالك المشروع ليس دائمًا المدير المناسب، فكثير من المشاريع تتعثر بسبب تدخل المالكين في التفاصيل، مما يقيد الإدارة بدلًا من تمكينها.

والإدارة الفعالة توزع المهام بوضوح، وتحدد معايير الكفاءة، وتعتمد على البيانات لاتخاذ القرار لا على الحدس فقط.

تذكر: الفكرة شرارة، والتمويل وقود، ومن دون إدارة جيدة، قد يهدر كل ما بُني خلال وقت قصير.

وبعد اختيار الإدارة المناسبة، يأتي دور تكوين فريق العمل الذي يجسد الرؤية ويحولها إلى واقع ملموس.

 7- اختيار فريق العمل: الكفاءة أولا

تنفيذ خطة الإدارة يحتاج فريقًا كفؤًا يحمل الرؤية ويحولها إلى واقع، والموظفون شركاء في النجاح، وأي خلل في اختيارهم يؤثر على المشروع بأكمله، لذا اختر من يملك الخبرة والمهارة، وأعطِ الأولوية للانضباط والسلوك المهني، فالإنتاجية لا تقوم على المهارة فقط.

حدد المهام بوضوح وضع معايير للأداء والانضباط لتجنب الارتباك وتضارب الأدوار، وتجنب التوظيف بالمجاملات أو العلاقات الشخصية، فالبيئة المهنية تحتاج لمن يضيف قيمة حقيقية ويسهم في استقرار المشروع ونموه.

8- وضع نظام إداري ومحاسبي

نجاح المشروع لا يعتمد فقط على التنفيذ، بل يحتاج إلى نظام إداري ومحاسبي منظم يُطبّق يوميًا، وهذا النظام هو هيكل عملي ينظم إدارة الإيرادات والمصروفات، ويوزع المسؤوليات والصلاحيات بوضوح، ويحدد الإجراءات في المهام المتكررة مثل استقبال الطلبات وخدمة العملاء.

أما المتابعة الدورية عبر تقارير مالية وإدارية فتكشف الاختلالات مبكرًا وتساعد في تصحيح المسار، والالتزام بهذا النظام يوفر وقتًا وجهدًا ويجعل قراراتك دقيقة ومبنية على بيانات حقيقية.

باختصار، لا يمكن لمشروع أن ينمو من دون نظام واضح يُنفّذ بجدية من اليوم الأول.

استعجال الأرباح والمكاسب قد يضر رواد الأعمال  (شترستوك) 9- المرونة في مواجهة الأزمات

تُعد القدرة على التكيف السريع مع الظروف الطارئة واتخاذ القرارات الحاسمة من أهم عوامل استمرارية المشروع، وفي عالم الأعمال، لا تسير الأمور دائمًا كما هو مخطط لها، وقد تواجه تحديات مفاجئة مثل الأزمات الاقتصادية أو حتى الحروب والنزاعات.

وتعني المرونة تعديل خطط العمل بسرعة، وإعادة ترتيب الأولويات، وضبط الإنفاق المالي بما يتناسب مع الظروف الجديدة، مع الحفاظ دائمًا على الهدف الأكبر وهو بقاء المشروع واستمراريته.

10- المراجعة والتطوير المستمر

المتابعة الدورية للمشروع ومعالجة أي مشكلات تظهر أمر ضروري للحفاظ على نجاحه، لذا احرص على مراقبة الأداء بانتظام، واستمع لآراء العملاء، وراجع جميع جوانب العمل باستمرار.

يساعدك التطوير المستمر على تحسين المشروع وتجاوز العقبات، ويضمن بقاءك دائمًا في المنافسة.

أخطاء يقع فيها رواد الأعمال

ريادة الأعمال مسار مليء بالتحديات، وخلال هذه الرحلة يرتكب العديد من رواد الأعمال أخطاءً قد تُكلِّف مشاريعهم الكثير من الوقت والجهد والموارد، ولا يهدف هذا العرض إلى سرد النظريات المجردة، بل إلى تسليط الضوء على الأخطاء الحقيقية التي رصدناها من تجارب فعلية.

وفهم هذه الأخطاء يُعد الخطوة الأولى نحو تجنُّبها، والنجاح في تفادي الفخاخ التي قد تعترض طريق مشروعك منذ بداياته:

أبرز هذه الأخطاء:

1- التسرّع في إطلاق المشروع أو تغيير مساره بلا دراسة: الاندفاع نحو تنفيذ الفكرة قبل دراستها جيدًا، أو التعديل العشوائي مع كل عقبة، يؤدي إلى فوضى وتشتيت وضياع الموارد

2- استعجال النتائج: كثير من رواد الأعمال يتوقعون أن النجاح والربح سيأتيان بسرعة، لكن الواقع مختلف تمامًا، والمشاريع تحتاج إلى وقت وجهد مستمر لتتطور وتثبت وجودها في السوق، وغالبًا ما تستغرق العملية 3 سنوات أو أكثر حتى تبدأ النتائج الفعلية في الظهور.

إعلان

تسمى هذه الفترة بـ "عنق الزجاجة"، وهي مرحلة صعبة يواجه فيها رائد الأعمال تحديات مالية ونفسية كبيرة، وقد يحتاج خلالها إلى تعديل خططه عدة مرات، وقد يمر بفترات ضعف وإحباط.

لا يأتي النجاح بالسرعة، بل بالالتزام والصبر والعمل الجاد المستمر، والمشاريع الناجحة تحتاج سنوات من التركيز والتعلم لتنمو وتثبت نفسها.

لذا، لا تتعجل النتائج، وتجنب اتخاذ قرارات متهورة قد تضر مشروعك قبل نضوجه.

3- اتخاذ قرارات يومية بلا خطة: قرارات بلا هدف أو مؤشر تُصبح أشبه بالمقامرة، ومن دون خطة واضحة، يصبح كل يوم عشوائيًا، وتكثر الأخطاء والخسائر.

4- مقارنة مشروعك بشركات كبرى: مقارنة مشروعك بشركة ذات خبرة كبيرة ومكانة قوية، بينما مشروعك لا يزال في بدايته، قد تُضعف ثقتك بنفسك وتشوش رؤيتك، ويجب أن تدرك أن لكل مشروع ظروفه ووقته الخاص، وأن النجاح يتطلب الصبر والتدرج.

5- التقلب المزاجي في الإدارة: يبدأ المستثمر بخطة واضحة للنمو والاستمرارية، لكنه قد يتنقل فجأة بين البيع والتوسع وتغيير نشاط المشروع أو حتى توقيفه، ليعود بعدها إلى التوسع مجددًا.

تخلق هذه التقلبات ارتباكًا وعدم استقرار يؤثران سلبًا على الفريق وسير العمل، ويزيدان من مخاطر الخسائر ويضعفان فرص النجاح على المدى الطويل.

6- غياب خطة مكتوبة وأهداف واضحة: الاعتماد على أسلوب التجربة العشوائية وعدم التخطيط المسبق لا يكفي لضمان نجاح المشروع، فبدون وجود خطة مكتوبة تحتوي على خطوات منظمة وأهداف محددة، تضيع الرؤية وتصبح متابعة التقدم وتحديد أسباب الفشل أمرًا صعبًا.

7- الاستماع العشوائي للآراء: من الخطأ أخذ آراء من لا يمتلكون خبرة بمجالك، فهذا يسبب تشويشًا ويعرّض مشروعك لخسائر، ويؤثر سلبًا على قراراتك، وكثيرًا ما يؤدي اتباع نصائح غير مبنية على خبرة حقيقية إلى ضياع الوقت والجهد ويعيق النجاح.

8- الانشغال بالنظريات من دون فعل: القراءة والتخطيط مهمان، لكنهما لا يغنيان عن بدء التنفيذ، وكثير من الأشخاص يبقون عالقين في مرحلة الإعداد والتفكير، ولا يتحركون فعليًا، والنجاح يأتي من العمل المستمر وليس من التردد أو التأجيل.

9- الطمع في ربح سريع مع الخوف من الجرأة المحسوبة: السعي نحو التطور والنمو وتحقيق الربح السريع يتطلب اتخاذ خطوات جريئة ومدروسة، إلا أن كثيرًا من رواد الأعمال يترددون في القيام بذلك، مما قد يعيق تقدم مشروعهم.

10- تقليد مشاريع الآخرين بلا دراسة: ما نجح مع غيرك ليس بالضرورة سينجح معك، وتقليد المشاريع دون فهم للسوق أو الذات يقود غالبًا إلى فشل متوقع.

وبصورة عامة، نجد أن ريادة الأعمال رحلة مليئة بالتحديات والفرص، ولا يكفي فيها التخطيط الجيد أو الإدارة الفعالة لتحقيق النجاح المستدام.

وبعد استعراض كل هذه المعايير المهمة، أردت أن أختم بذكر معيار أساسي لا غنى عنه، وهو من أهم عوامل الاستمرارية والنمو والتطور"القيم الأخلاقية".

القيم التي تبني عليها مشروعك من "نزاهة وشفافية وصدق وأمانة" هي الأساس الذي يمنحك احترام العملاء والشركاء، ويجعل مشروعك قويًا ومستدامًا في وجه التحديات بالتزامك بهذه القيم، لن تكون فقط رائد أعمال ناجحًا، بل قدوة تلهم من حولك ابدأ رحلتك بثقة وقيم راسخة، واجعل من مشروعك قصة نجاح تتحدث عنها الأجيال.

مقالات مشابهة

  • اجتماعات أردنية سورية تمهد لتوسيع التعاون في الطاقة والمياه
  • ليسوتو.. مملكة صغيرة تواجه سحقا اقتصاديا بسبب قرارات ترامب الجمركية
  • بعد قليل.. استكمال محاكمة المتهم بالتعدي على طفل وإصابته بالقاهرة
  • بيان مهم للقوات المسلحة اليمنية بعد قليل
  • من واقع تجارب.. كيف تؤسس مشروعا ناجحا؟
  • فتح باب طلبات التمويل لمشروعات الصندوق الدولي للتنوع الثقافي 2025
  • شركة أردنية تطلق عروضاً خاصة “للسوكرجية” على المشروبات بعد حادثة التسمم الكحولي
  • المسيلة: سقوط طائرة صغيرة يدوية الصنع وإصابة خمسيني بجروح
  • مصرع 6 أشخاص في تحطم طائرة صغيرة في أوهايو الأمريكية
  • السفر الفردي يُهيمن على 78% من حجوزات السعوديين