«طريق مريم».. سيرة السيدة العذراء
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
الشارقة (الاتحاد)
توثق الكاتبة كاميل هيلمنسكي في كتابها الصادر حديثاً عن دار روايات «طريق مريم.. ماري حبيبة الله»، بترجمة تهاني فجر إلى «العربية»، سيرة سيدة نساء العالمين، ابنة عمران وحنّة، وأم عيسى المسيح، مريم العذراء الناصرية، عليها السلام، حيث تضع في مسار واحد مصادر متنوعة وروافد متعددة تشمل معلومات تاريخية علمية، وآيات قرآنية، ونصوصاً من الأسفار والمزامير وأناجيل الحواريين، والحكمة الإلهية والطرائق الصوفية، تتخللها أشعار مثنوية ومولوية، وقصائد رومية وتبريزية عن المحبة والعرفان، وصور ورسومات ورسائل، وترانيم وأناشيد بعضها مصحوب بالنوتات الموسيقية، وتجارب روحية وأخرى تأملية.
وتؤكد كاميل هيلمنسكي في مقدمة كتابها، أنه رحلة تصحب قارئها في تجربة كشفية نورانية إلى حياة السيدة مريم، بدلاً من مجرد القراءة عنها، فتبدأ من اسمها بالقول: «تعدد أسمائها يشير إلى قصة عالمية: اسم ماري من أصل لاتيني ويوناني، وماريا يحمل معنى سيدة البحر واشتهر أيضاً بأنه يحمل معنى نجمة البحر أو ستيلا ماريس نور الهدى الساطع».
وتشكل رؤيا القديس يوحنا لامرأة حامل مضيئة، على رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً، تمهيداً لهذه الرحلة، فتشير هليمنسكي إلى اعتقاد الكثيرين بأنها تمثيل للأم مريم، إذ تقول: «يمكن للمرء أن يشهد مقاطع من حياتها على أنها اثنا عشر نجماً من البركة»، وتتعمق في دلالات العدد 12 التي ظهرت من بئر مريم لتغذي قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة، وعدد أبناء إسماعيل، وعدد أقمار الأشهر القمرية والشمسية، وعدد الأبراج السماوية.
وتوضح المؤلفة: «قمنا بتقسيم رحلة حياتها إلى اثني عشر فصلاً أو محطة أو مقاماً، تتناسب مع الاثني عشر نجماً النعمة والبركة التي تحيطها على شكل هالة من نور، سنفتتح بدءاً من لحظة فرح أمها حنة بولادتها، كل مقام مع ما يناظره من آيات قرآنية».
وتستهل هيلمنسكي فصول كتابها بنجم البركة الأولى «هدية الحَبَل بمريم لآنا العاقر»، وتروي فيه قصة آنا أو «حنة» التي قالت «ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم»، كما جاء في الآية الـ35 من سورة «آل عمران»، إلى نجم البركة الثانية «داخل الهيكل»، حيث أوفت حنة بوعدها ونذرت ابنتها مريم لخدمة قدس الأقداس.
وينتقل السرد إلى «بشارة الكلمة»، حيث تنزّل الروح الأمين جبرائيل بصحبة جمع من الملائكة على الشابة مريم «إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الّله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم»، كما جاء في الآية 45 من سورة آل عمران، وفي الآيات 17 - 21 من سورة مريم (فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سوياً * قالت إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيّاً * قال إنّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكيّاً * قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيّاً * قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للنّاس ورحمة منّا وكان أمراً مقضياً).
وتصحبنا هيلمنسكي إلى نجم البركة الرابعة لتروي لنا قصة أليصبات، قريبة مريم، التي هتفت بأعلى صوتها مخاطبة مريم: «مباركة أنت في النّساء ومبارك ابنك ثمرة بطنك»، وفقاً للإصحاح الأول من إنجيل لوقا، وصارت كلماتها تسبيحة معروفة، «ويقال إن (نشيد مريم) هو أول ترنيمة غنتها المجتمعات المسيحية، وما تزال جزءاً من ليتورجيا الساعات (الخدمة الإلهية) التي يتلوها القساوسة المسيحيون غالباً للعذراء.
وفي نجم البركة السادسة «ولادة يسوع المسيح»، يتعرف القارئ على تفاصيل الروايات القرآنية والإنجيلية عن ولادة سيدنا عيسى، ويشهد «تقديم الرضيع في الهيكل: أربعون يوماً من الحب»، في نجم البركة السادسة، و«رحلة إلى مصر»، و«ضياع يسوع والعثور عليه.. دعوة الحبيبة»، و«معجزة الغذاء الروحي والحياة الجديدة»، و«العودة إلى الله: الموت والقيامة»، و«رحلات التبشير».
وصولاً إلى نجم البركة الثانية عشرة، «سكينة الروح»، وفيه تصل القصة إلى نهايتها، حيث تقول هيلمنسكي: «إن الحبيبة مريم مثال لكل البشر، مثال على تقبّل الروح كلياً لله، ومثال على الحب الذي تشعر فيه كل نفس حين تعرف الله، عسى أن نسير كلنا على خطاها ونقتدي بمثالها الجميل وكيانها القوي، ونخلص في العبادة كما أخلصت هي لله قبل أن تغمرها نعمه، بأناشيد المدح مع الورود والطيور والجبال وكل المخلوقات: (اسجد واقترب)». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مريم العذراء عيسى عليه السلام الكتاب
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد النبوي: سيرة النبي محمد دستور يصلح حال البشرية كلها
تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباريء بن عواض الثبيتي، عن سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بوصفها منهجًا ودستورًا يصلُحُ بها حالُ البشرية جمعاء في كل زمان ومكان، وتمثّل رسالة تنبضُ بالحياة، تُحيي القلوب والضمائر، وترسّخ مباديء العدل والرحمة والمساواة، وتُلغي كل تفاضُلٍ زائف بين البشر قائمٌ على العِرق أو المال أو اللون أو الجِنس، وتمنحُ البصيرة في زمن الفتن.
وأوضح الشيخ عبدالباريء الثبيتي في خطبة الجمعة من المسجد النبوي اليوم، أن سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - تُمثّل رحلة مفعمة بالدروس من المهد إلى اللّحد، من خلوته في غار حِراء حيث بدأ الوحي، إلى مِنبر المدينة حيث أُعلنت الرسالة، من يُتمٍ وابتلاءٍ إلى ريادةٍ وتمكين، من أول نداءٍ بالعلم: "اقرأ" إلى آخر وصية خالدة،"الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانُكُم".
ويسرد إمام المسجد النبوي السيرة العظيمة لنبي الرحمة والهدى - صلى الله عليه وسلم - مبينًا أنه وُلِد يتيمًا، لكن اليُتم ليس ضعفًا، وإن بدا في ظاهره حرمانًا، فهو حافزٌ للنبوغ، ودافعٌ للتوكُّل على الله أولًا، ثم الاعتماد على النفس بثقة وثبات، فحطن يلتقي اليُتم بالإرادة، يتحوّل إلى شعلة تضيء الطريق، وهذا ما تجلّى في سيرة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وسِيَر العُظماء قبله وبعده، فكم من يتيم خطّ اسمه في سجلّ الخالدين، وارتقى بالإيمان، وتسلّح بالعلم، وسما بالعمل، حتى أصبح من روّاد النهضة، وصُنّاع الحضارة،
وبين أن النبي - عليه الصلاة والسلام - تزوّج خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها-، فكان زواجًا أُسّس على حبٍّ صادقٍ، ووفاءٍ ثابت، ومودة ورحمة، وشراكة صادقة، وأي بيت تُبنى دعائمه على هذه القيم النبيلة، لا تهزّه العواصف، ولاتفته الخلافات، ولا ينهار أمام أتفه الأسباب.
وأضاف: وفي سن الأربعين، وبينما كان النبي يختلي بنفسه في غار حراء، متأملًا في ملكوت الله، نزل عليه جبريل عليه السلام، يحملُ أعظم نداءٍ سَمعتهُ البشرية: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" نداءٌ لم يكن مجرد أمرٍ بالقراءة، بل إعلانٌ لميلادِ أمة، شعارها القراءة باسم الله، ومنهجُها العلم، وحِصنُها الإيمان، فبدأت الرسالة الخالدة بـ "اقرأ" لِتؤسّس إنسانًا يعي، وعقلًا يُفكّر، وقلبًا يؤمن، وأمة تنهضُ على نورٍ من الوحي.
وتابع بقوله، عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته، وقد ارتجف جسدُه من هول أول لقاء بالوحي، فلم يجِد مأوىً أحنُّ ولا أصدقَ من حضن خديجة - رضي الله عنها-، فاحتوته بسكينة المرأة الحكيمة، وثبات القلبِ المُحبّ، وقالت كلمتها الخالدة التي سكنت قلبه، وبدّدت خوفه: "كلا، أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصِلُ الرّحِم، وتصدُقُ في الحديث، وتحمل الكلَّ، وتُقريء الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ"، وبناء على ذلك لن يُخزي الله أبدًا، من سار على هدي نبيّه، فجعل الإحسان طريقه، والرحمة خُلُقه، والنبوّة قدوته.
وأضاف الشيخ عبدالباريء الثبيتي أن المنهج النبوي في الدعوة كان مؤسسًا على التوجيه الإلهي: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" فانطلقت دعوته بكلمة طيبة تلامسُ القلوب، وصبرٌ جميلٌ يغلبُ الصُّدود، يردُّ على الجهل بالحِلم، ويقابل القسوة بالرفق، كانت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم- رحمة تسري، لا سطوة تُفرض؛ قال تعالى: "وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ"، رحمة بالحائر، ورفقٌ بالجافي، وحِلمٌ على من أساء، حتى في أشدّ المواقف، لم يُقابل الجهل بجهلٍ، ولا الغِلظة بغِلظة، بل قاد القلوب إلى الله باللين، وفتح المغاليق بالمحبة.
وذكر أن زمننا هذا كثُرت فيه الأصوات، وارتفع فيه الجدل، وقلّ فيه الأسلوبُ الحكيم، ونحن في أمسّ الحاجة للعودة إلى ذلك المنهج النبوي الراشد، منهجٌ يُخاطب العقول بالحكمة، والقلوب بالرحمة، ويدعو إلى الله برفقٍ يُحيي، لا بغلظةٍ تُنفّر.
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أنه إذا تحدثنا عن خُلُق النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلن توفيه الكلمات قدره؛ فهو خُلُق تجسّد، ورحمة تمشي، فكان الصفحُ عنده سجيّة، والكرم عادة، والتواضع طريقًا، وكان يعفو عمن ظلمه، ويصلُ من قطعه، ويُُكرم من أساء إليه، يُواسي الحزين، ويمسح على رأس اليتيم، ويَرحمُ الصغير، ويوقِّر الكبير، لا يُفرّق بين غنيٍ وفقير، يجلس بين أصحابه، يُصغي إليهم ويؤانسهم، كأنه واحدٌ منهم، ومع ذلك كانت له هيبة تملأ النفوس، ومحبةٌ تأسر القلوب.
وتابع قائلًا، كان عليه الصلاة والسلام قائدًا يُربّي الرجال على الإيمان والصِدق، وحاكمًا يُدير دُفة أمة، ويُقيم أركان حضارة، وزوجًا حنونًا يرعى شؤون بيتِه بمحبة ومسؤولية، وعبدًا شكورًا يقوم بين يدي ربه في جوفِ الليل حتى تتفطّر قدماه، ومُصلحًا حكيمًا يُداوي عِلل المجتمع بالرحمة والعقل والبصيرة، وفي كل جانب من هذه الجوانب، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نموذجًا فريدًا، ومُعلمًا للقدوة والاقتداء.
وذكر أنه في حجته الأخيرة، وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على صعيد عرفات، تُحيطُ به أمواج من القلوب المؤمنة، أكثر من مئة ألف نفسٍ، تُنصت بخشوعٍ، لِتشهد أعظم بيانٍ عرفه التاريخ.
وأورد الشيخ الدكتور عبدالباريء الثبيتي ما تضمنته خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، مبينًا أنه رسم فيها للأمة خارطة الطريق، وحدّد فيها معالم البقاء وعوامل العزّ، وأعلن فيها المساوا ة بين البشر، وأبطل كل تفاضُلٍ زائفٍ قائمٌ على النَسَب أو المال أو اللون أو الجنس، وغَرَس في القلوب ميزانًا ربانيًا واحدًا هو التقوى، ثم أوصى بالنساء خيرًا، وحذّر من الظُلم، وذكّر بحرمة الدماء والأعراض، وأرسى مبادئ العدل والرحمة، وختم عليه الصلاة والسلام خطبته العظيمة، بوصيةٍ خالدة، هي حبل النجاة، ودستورُ الفلاح في الدنيا والآخرة، فقال: " تركتُ فيكم أمرين؛ لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما: كتابُ الله، وسُنّتي".
وأضاف أنه بعد أن بلّغ النبي -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وأدى الأمانة، وربّى أمة، وأقام حضارةً، اشتد عليه المرض في أيامه الأخيرة، لكنه لم يغفل عن أمته، بل كانت آخر وصاياه: "الصَّلاة الصَّلاة وما ملكت أيمانكم"، لعِظمِ شأنها، وجلالة قدرها.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي خطبة الجمعة مُذكرًا بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ خرج إلى الناس في لحظاته الأخيرة، يتأمّلهم بعين المحبة، وكأن قلبهُ يطوفُ بهم مودّعًا، ثم عاد إلى بيته، وأسلم روحه الطاهرة في حِجر عائشة - رضي الله عنها، وارتجّت المدينة، لكن نوره لم ينطفئ، وسُنتهُ لم تَغِبْ، بل بقيت حية في قلوب المؤمنين راسخة في حياة الأمة، فمات الجسدُ، لكن بقي الأثر، وبقيت الأمانة في أعناق هذه الأمة، ليسيروا على هديه، ويحيوا سُنّته، ويُبلّغوا رسالته للعالمين، فمن أحبّ النبي حقًا، فليقتفِ أثره، وليُحيي سُنته في نفسه وأهله ومجتمعه، فالمحبة الصادقة ليست ادعاء باللسان، بل اتباع بالأفعال.