حكم الصيام والصدقة لشكر الله تعالى .. 5 منازل تغفل عنها
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
ما حكم الصيام والصدقة شكرًا لله تعالى؟ سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي، حيث يتساءل الكثيرون عن فضل الصيام والصدقة شكرًا لله تعالى، خاصة فيما تبقى من شعبان والاستعداد لشهر رمضان.
حكم الصيام والصدقة شكرًا لله تعالىيقول السؤال: ما حكم الصيام والصدقة بنية الشكر؟ فقد مَنَّ الله عليَّ بوظيفة مرموقة والآن أريد أن أصوم شهرًا بنية شكر الله تعالى على تلك المنَّة، كما أنِّي أُريد أن أتصدَّق أيضًا بقيمة شهرين من راتبي.
وقالت الإفتاء إن صيام الشكر وصدقة الشُّكر، وكذلك سائر القُرَب العملية: مندوبٌ إليها؛ فالشُّكر لا يقتصر على قول اللسان، بل يَشمل عمل الجوارح والأركان، من صلاةٍ وصدقةٍ وصيامٍ، وغيرها من سائر القُرَب والطاعات، وهو أحد درجات الشُّكر.
وأوضحت أن الشُّكْرُ: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبَّةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعةً. ينظر: "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 234، ط. دار الكتاب العربي). أو هو: مقابلة النعمة قولًا وعملًا واعتقادًا. ينظر: "تحفة الأبرار" للبيضاوي (2/ 65، ط. أوقاف الكويت).
وقد أوجب الله تعالى على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم حيث قال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].
ووعد الله تعالى بنجاة الشاكرين من المؤمنين وجزائهم خير الجزاء؛ حيث قال: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ [النساء: 147]، وقال تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 145]، وقال عز من قائل: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (9/ 343، ط. دار الكتب المصرية): [﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ أي: لئن شكرتم إنعامي لأزيدنَّكم من فضلي] اهـ.
الشُّكر كما يكون باللسان يكون بفعل قُربَةٍ من القُرَب، كأن يُصَلِّي أو يصوم أو يتصدَّق، ولا يقتصر الفعل على سجدة الشُّكْر.
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (1/ 325، ط. المكتب الإسلامي): [قال في "التهذيب": لو تصدَّق صاحب هذه النعمة أو صلَّى شُكرًا، فحَسَنٌ] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 448، ط. دار الكتب العلمية): [يُسنُّ مع سجدة الشُّكْر كما في "المجموع": الصدقة والصلاة للشكر، وقال الخوارزمي: لو أقام التَّصَدُّق أو صلاة ركعتين مقام السجود كان حَسَنًا] اهـ.
وممَّا يُستدَلُّ به على ذلك: قول الله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13].
وعن مِسْعَرٍ، قال: «لمَّا قيل لهم: اعملوا آل داود شكرًا، قال: لم تأتِ على القوم إلَّا وفيهم مُصَلٍّ» أخرجه ابن أبي الدنيا في "الشكر".
قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل" (1/ 73، ط. دار إحياء التراث العربي): [يعني: اعملوا الأعمال لأجل الشكر] اهـ.
وقال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/ 500، ط. دار طيبة): [فيه دلالةٌ على أنَّ الشُّكْرَ يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية] اهـ.
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا صلَّى قام حتى تَفَطَّر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا، وقد غُفِرَ لك ما تَقَدَّم من ذنبك وما تَأَخَّر؟ فقال: «يا عائشة أفلا أكونُ عبدًا شكورًا» أخرجه الشيخان.
قال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 15، ط. دار المعرفة): [وفيه مشروعية الصلاة للشُّكْرِ، وفيه أنَّ الشُّكْرَ يكون بالعمل كما يكون باللسان] اهـ.
وقال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/ 130، ط. مكتبة الرشد): [فكان اجتهاده في الدعاء، والاعتراف بالزلل والتقصير، والإعواز والافتقار إلى الله تعالى شكرًا لربه، كما كان اجتهاده في الصلاة حتى ترم قدماه شكرًا لربه] اهـ.
ويُستَدَلُّ على ذلك أيضًا بما رواه ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَدِم المدينة فوجد اليهود صيامًا، يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شُكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر بصيامه» أخرجه مسلم.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 67، ط. مؤسسة الرسالة): [فصامه وأمر بصيامه تقريرًا لتعظيمه وتأكيدًا، وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه وأمَّته أحقُّ بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شُكرًا لله كُنَّا أحق أن نقتدي به من اليهود، لا سِيَّما إذا قلنا: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالفه شرعنا] اهـ.
كما يُستدَلُّ على جواز صدقة الشكر بما رواه أبو ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: «يصبح على كل سُلَامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» أخرجه مسلم.
قال الإمام البيضاوي في "تحفة الأبرار" (1/ 377): [والمراد بالصدقة: الشكر والقيام بحق المنعم، بدليل قوله: «وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة» إلى آخره، والمعنى: أنَّ كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليمًا عن الآفات، باقيًا على الهيئة التي تتمُّ بها منافعه وأفعاله فعليه صدقة، شُكرًا لمن صوَّرَه ووقاه عمَّا يغيره ويؤذيه] اهـ.
فعُلِم ممَّا تقرَّر أنَّ الشُّكر لا يقتصر على قول اللسان، بل يَشمل عمل الجوارح والأركان، من صلاةٍ وصدقةٍ وصيامٍ، وغيرها من سائر القُرَب والطاعات، وهو إحدى درجات الشُّكر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصيام حكم الصيام والصدقة حكم الصيام والصدقة شكرا لله تعالى دار الإفتاء الصيام والصدقة الاستعداد لشهر رمضان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم حکم الصیام والصدقة الله تعالى قال الإمام لله تعالى الق ر ب
إقرأ أيضاً:
حكم الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد
قالت دار الإفتاء المصرية إنَّ الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد يعدُّ من الأمور المشروعة المستحبَّةِ، ففيه إحياء لذكرى يومٍ مِن أيام الله تعالى أجرى بتأييده فيها النَّصر للحق على الباطل، وأعاد لمصر وأهلها الظفر والأمان والاستقرار، وهو نوعُ إظهارٍ لشكر الله تعالى على نعمائه، وفرحٌ بفضل الله تعالى على عباده.
حكم الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر والانتصارات الوطنية:وأوضحت الإفتاء أن الله سبحانه وتعالى جعل في اختلاف الأيام، وكرِّ الدهور والأعوام، وما تحمله في طياتها من الأحداث والأقدار العظام، ذكرى وعظةً واعتبارًا للأنام، فأمر عباده أن يتذاكروا تلك الأيام، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه﴾ [إبراهيم: 5].
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (16/ 519، ط. مؤسسة الرسالة): [وقوله: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه﴾ يقول عز وجلَّ: وعِظْهُم بما سَلَف مِن نُعمَى عليهم في الأيام التي خَلَت، فاجتُزِئ بذكر "الأيام" مِن ذكر النعم التي عناها؛ لأنها أيامٌ كانت معلومةً عندهم، أَنعَمَ الله عليهم فيها نِعَمًا جليلةً] اهـ.
وأيَّام النَّصر والظَّفر على الأعداء مِن أَولى وأظهر آيات الله تعالى التي يتجلى فيها نصر الحق والتمكين لأهله بين الخلق، مما يستدعي منهم الاهتمام والتذكرة، والشكر لله ذي الفضل والمنَّة الغامرة، سيما أنها ذكرى فضلٍ ورحمةٍ وعناية من الله جل وعلا تستوجب من أهلها معاني الفرح بفضل الله ونعمته عليهم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
نصر أكتوبر:
كما حثنا الشرع الشريف على إظهار ما للنِّعم مِن آثارٍ علينا، ومن أوَّليات إظهار أثر النعم على العبد: إظهار الفرح وبذل المِنَح؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11].
وأضافت أن تعلق الشعوب بالأوطان أشبه ما يكون بتعلق النفوس بالأبدان، فكما أنَّ حياة الإنسان لا تستقيم من غير سلامة الجسد، فالشعوب لا تهنأ إلا بسلامة الوطن، وقد ساوى الله تعالى بين فراق الوطن وبين القتل في أنَّ كليهما مِن أقصى العقوبات التي قررها الله تعالى لأبشع الجرائم وهي الإفساد في الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: 33]، فيلزم عن ذلك أن يكون صلاح الوطن وسلامته وانتصار أهله من أجزل النعم والعطايا من الله تعالى، ومن أعلى وأصدق حالات السعادة التي تعتري شعور الإنسان.
الأدلة على مشروعية الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر:
لقد تواردت النصوص الشرعية على جواز الاحتفال بنعمة النصر والنجاة كاحتفال شعب مصر العظيم بانتصارهم في حرب السادس من أكتوبر عام 1973م على ما كانوا يلاقوا مِن مهالك الاحتلال.
فمن ذلك: ما سطرته آيات القرآن الكريم على لسان نبي الله موسى مِن أمره لقومه بأن يتذكروا كيف نجاهم الله من عدوهم، وأن يقدروا تلك النعمة حق قدرها، فقال جل وعلا: ﴿وإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [إبراهيم: 6].
فما كان منهم إلا أن داوموا على تذكر ذلك اليوم؛ حتى صاموا ذلك اليوم في كل عامٍ شكرًا لله تعالى واحتفالًا بهذا النَّصرِ وتلك النجاة، فلما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك صام ذلك اليوم وأمر المسلمين بصومه شكرًا لله سبحانه وتعالى على نجاة سيدنا موسى عليه السلام.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَومًا؛ يَعنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَومٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغرَقَ آلَ فِرعَونَ، فَصَامَ مُوسَى شُكرًا لِلهِ، فَقَالَ: «أَنَا أَولَى بِمُوسَى مِنهُم» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. أخرجه الإمام البخاري.
ذكرى نصر أكتوبر:
- ومنها: امتنان الله تعالى على عباده المؤمنين بالنصر وتذكيرهم بأيام حصوله، في آيات الذكر الحكيم الذي يتعبد الله بتلاوته إلى يوم القيامة؛ ليكون تذكرة دائمةً يتناقلها المسلمون سلفًا وخلفًا؛ احتفاء بأحداثها، وتمييزًا لها عن غيرها مِن الأيام؛ كانتصار يوم بدر، ويوم حنين، وصلح الحديبية، وفتح مكة؛ وغيرها.
فقال تعالى في يوم بدر: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: 123]، وقال تعالى في يوم حنين: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ [التوبة: 25]، وقال تعالى في ذكر صلح الحديبية: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: 1]، وقال تعالى في حدث فتح مكة: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: 1].