بريطانيا: الحوثيون نفذوا أكثر من 60 هجوماً ضد 56 سفينة تعود لـ40 دولة
تاريخ النشر: 29th, February 2024 GMT
قالت السفارة البريطانية لدى اليمن، إن الميليشيات الحوثية، ذراع إيران في اليمن، نفذت منذ شهر نوفمبر الماضي أكثر من 60 هجوماً ضد سفن تجارية تعود لأكثر من 40 دولة.
وأشارت السفارة، في تصريح نشر على صفحتها في موقع "إكس"، الخميس، إلى أن الميليشيات الحوثية تدعي أنها تقوم باستهداف السفن التي لها صلة بإسرائيل، وتزعم أن الشحن الدولي آمن في البحر الأحمر، إلا أنها تستهدف بشكل عشوائي السفن المارة قبالة السواحل اليمنية.
وأكدت السفارة أن تلك الهجمات المتكررة والمستمرة تضع حياة البحارة الأبرياء في خطر، وتضر بسبل عيش الشعب اليمني، داعية الميليشيات الحوثية إلى وقف هجماتها غير القانونية وغير المبررة.
وجاء في البيان البريطاني الذي قدم صورة مصغرة عن التأثير العالمي لهجمات الحوثيين على السفن التجارية: "منذ بدء الهجمات الحوثية غير الشرعية على السفن الدولية في البحر الأحمر، أعلن الحوثيون مراراً وتكراراً أنهم يستهدفون فقط السفن المرتبطة بإسرائيل. وهاجم الحوثيون حتى الآن 56 سفينة تعود إلى 40 دولة، والعديد من السفن المستهدفة تحمل النفط".
وأضاف البيان: إن تسرب النفط في البحر يزيد من احتمال تسبب أضرار بيئية كارثية تؤثر على سبل عيش اليمنيين.
المصدر: نيوزيمن
إقرأ أيضاً:
الحوثية والاستبداد المستحدث
عندما نُمعن النظر في الاستبداد المستحدث الذي تمارسه جماعة الحوثي، فإننا لا نواجه مجرد سلطة انقلابية كلاسيكية استولت على مؤسسات دولة وانقلبت على دستور، وإنمـا نقف أمام ظاهرة أكثر تعقيدًا: بنية شمولية هجينة، تمزج بين العصبية السياسية والتمكين العقائدي، وبين الخطاب الثوري والواقع القمعي. هذا الشكل من السلطوية الجديدة لا يتوسّل الشرعية السياسية بقدر ما يفرضها بسلطة الوحي، ولا يفاوض المجتمع إلا بالهيمنة الرمزية والعنف المؤسسي، في محاولة لصياغة مشهد يُشبه الدولة في مظهره، ويُخالفها في جوهره. هذا، الاستبداد الذي تمارسه جماعة الحوثي لا يُشبه الاستبداد في صوره الكلاسيكية؛ لأنه لا يرتكز على أدوات القمع المتعارفة من سجنٍ وتنكيلٍ وتحكمٍ بالمؤسسات، وإنما يتجاوزه إلى إنتاج وعيٍ سلطوي جديد، يحاول أن يعيد تعريف المجتمع والهوية والسلطة والتاريخ من نقطة صفر أيديولوجية قائمة على الحق الإلهي المزعوم والطاعة غير المشروطة.
هذا الاستبداد الحوثي لا يمثل انقلابًا سياسيًا على منظومة الدولة فقط، إنما هو بالأساس: مشروعٌ شمولي لإعادة صياغة الإنسان اليمني ليكون ملائمًا لشكل سلطة لا ترى في المواطن إلا تابعًا، وفي الفكر إلا تهديدًا، وفي التنوع إلا خطيئة يجب تصحيحها.
منذ اللحظة الأولى للسيطرة على صنعاء، لم تكتفِ الجماعة بالاستيلاء العسكري، بل شرعت بسرعة ملحوظة في هندسة البنى الإدارية والدينية والتعليمية والإعلامية وفق تصورها العقائدي. فتمت عسكرة الدولة من الداخل عبر إحلال مليشياتها أو ما يسمى: بـ “المشرفين” محل الأجهزة الإدارية، ليصبح القرار السياسي والإداري ممزوجًا بولاء ديني طائفي، لا ينتمي إلى فكرة المواطنة بقدر ما يستمد مشروعيته من علاقتك العمودية بالقيادة. وهكذا، انقلبت هرمية الدولة، ولم يعد رئيس القسم يقرر، بل من يُسمى بـ”المشرف الثقافي” أو “المشرف الأمني”، وهؤلاء لا يخضعون للمساءلة، لأنهم لا يمثلون دولة بل جماعة. وأمام هذه السلطة الجديدة، لم يعد اليمنيون متساوين أمام القانون، إلا بدرجة إمتثالهم للولاء للفكرة الحوثية، ولم يعد الحكم يُبنى على التعاقد الاجتماعي، وإنما على “الاصطفاء الإلهي”، وبدلا من أن يُطالب المواطن بالحق، تُفرض عليه الطاعة الجبرية.
وهنا يمكننا القول، بأن: الاستبداد الحوثي ليس مستندًا إلى سطوة السلاح فحسب، بل إلى منظومة موازية تُنتج المعنى، تعيد قولبة القيم، وتُسند المفهوم السياسي بالمفهوم اللاهوتي، فتُصبح “الجماعة” معادلًا للقداسة، و”الزعيم” ظلًّا للوصاية الإلهية، و”المشروع السياسي” مُمثلًا للإرادة العُلوية. وهذا أخطر ما في الأمر: أن التسلّط الحوثي يُمارس من داخل وعي يُعاد تشكيله ليُسلِّم بالتفوق العقائدي كأساس للسلطة، فتغدو المعارضة خروجًا على المقدس لا فقط على السياسي. ولأن هذا الاستبداد يشتغل على البُنى الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع اليمني، فهو يسعى لتقويض كل ما يمكن أن يمثل “إرادة مستقلة”. المؤسسات صودرت، التعليم أُعيدت صياغته، الإعلام احتُكر، الخطاب الديني خضع للرقابة والتوجيه، حتى العادات المحلية أُعيدت كتابتها. وكذلك الأعياد الرسمية تحوّلت إلى طقوس طائفية، المناسبات الاجتماعية فُرض عليها سلوك رمزي موحَّد، النشء أُجبر على ترديد الشعارات في الطابور الصباحي، والمجتمع أُعيد هندسته ليستوعب بنية “المجاهد المؤمن” و”العدو الداخلي”.
أخطر ملامح هذا الاستبداد أنه لا يكتفي بالسيطرة، وإنما يُفرغ الفضاء العام من التعدد. التعددية لا تُحارَب بالقوة، بل تُبخّس وتُسفَّه وتُقدَّم كترفٍ لا يليق بـ”الأمة الثائرة”. والفرد لا يُعامَل كمواطن ذي حق أساسي وصاحب كرامة إنسانية، وإنما باعتباره مخلوق ملحق بمشروع فوقي، لا يُقاس بدوره الإنتاجي أو مشاركته الاجتماعية، بل بقدرته على الانضباط ضمن سرب موحَّد من الطاعة والشعارات والولاء. لقد تحوّل الوعي الجماعي في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحزثية إلى فضاءٍ مرتبك، تتشابك فيه مشاعر الخوف والاضطرار والمقاومة المكتومة. فالسكان، الذين يعيشون في ظل الحصار والمعاناة والقصف والأزمات الإنسانية، لا يجدون متنفسًا للاعتراض، ولا أدوات للتعبير، ولا شبكات آمنة للتنظيم، مما يجعل المقاومة – حتى لو كانت فكرية – محفوفة بثمن باهظ. وهنا، يُحقن الاستبداد بشيء من “القوة السلبية” التي يضطر إليها الناس حين لا يجدون خيارًا.
هذا التحوّل أنتج نظامًا قائمًا على ولاء قَبَلي مذهبي، يعمل على مكافأة المطيع ومعاقبة المستقل، فأُقصيَ الكثير من الأكاديميين والمثقفين والخبراء من مناصبهم لمجرد أنهم لا ينتمون للجماعة، وأُحِلّ محلهم أفراد بسطاء فكريًا، تم تأهيلهم عبر دورات دينية مكثفة في ما يُعرف بـ”المسيرة القرآنية”، ليكونوا أدوات طيّعة لنشر خطاب الجماعة والتجسّس على ما تبقى من أنفاس حرة.
لم يكتفِ الاستبداد الحوثي بالقمع المباشر، وإنما انخرط في عملية غسيل ممنهجة للوعي العام، من خلال تغيير المناهج الدراسية، وتوجيه الخُطب في المساجد، وتحويل المدارس إلى ساحات ترديد شعار “الصرخة”، وزراعة مفهوم العدو الأميركي الصهيوني في عقول الأطفال على حساب قضايا الحرية والعدالة والعيش الكريم. لقد تم إنتاج أجيال جديدة لا تُدرّس الجمهورية كمبدأ، بل “الولاية” كقدر، ولا تعرف ثورة 26 سبتمبر إلا بوصفها حدثًا من الماضي لا يتوافق مع الرؤية الجديدة للسلطة. وفي الإعلام، فرضت الجماعة رقابة صارمة، وأغلقت الصحف والمواقع المستقلة، ولم يعد ثمة مجال لنقدٍ أو تحليل خارج إطار خطابها الرسمي، الذي يُقدّم الحرب بوصفها “جهادًا مقدسًا”، والمعارض بوصفه “مرتزقًا”. حتى المفردات نفسها أعيد تشكيلها: “العدوان” بدل الحرب الأهلية، و”الصمود” بدل المجاعة، و”الرهان على الولاء” بدل الخطة الاقتصادية.
حتى الإنسان البسيط الذي يبيع في السوق، أو يدرّس في المدرسة، أو يعمل في حقل أو دكان، لم يعد في مأمن من بطش المنظومة الحوثية. يُفرض عليه دفع “الخُمس”، ويُجبر على حضور الدورات التثقيفية، وعلى إغلاق محله في ذكرى “الصرخة”، وعلى تزيين حائطه بصور القادة. البيروقراطية الحوثية صارت أداة للنهب والفرز العقائدي؛ إذ لا تمر معاملة إلا بعد إظهار الولاء، ولا يُمنح تصريح إلا بعد التعهد “بعدم المساس بالمسيرة”، ولا تُنقل جثة إلا بتصريح من “اللجنة الأمنية”. وفي الحياة اليومية، أُخضعت النساء لما يشبه وصاية اجتماعية مقنّعة، فانتُزع حضورهن من المجال العام، وحُدّت حركتهن في الفضاءات المدنية.
أما الفن والإبداع، فقد أُخضِع كلاهما لتقييم أخلاقي من منظور الجماعة، فأُغلِقت المعارض، وخُصصت قوائم سوداء للمغنين، وجرى اعتقال ممثلين وأكاديميين فقط لأنهم طرحوا فكرةً لا تتوافق مع “الإجماع العقائدي”. وتم أيضاً التضييق على المشتغلين بالحرف والفنون، وأُعيد تعريف مفاهيم “الهوية الثقافية” وفق تصوّر ضيق، يرى في التنوع تهديدًا وفي الاختلاف طعنًا في قداسة المشروع. النساء، على وجه الخصوص، كنّ أكثر من دفع ثمن هذا النظام الجديد؛ فبعد أن بدأت المرأة اليمنية تحرز بعض التقدم في التعليم والحضور المدني، تراجعت بشكل صادم في فضاء الحوثيين. لم تعد ترى نفسها في المدرسة أو الجامعة أو منظمات المجتمع، بل في ظلال الحجاب المفروض، والخطاب المحافظ الذي لا يعترف بدورها خارج البيت، وفي نظرة الرقيب الذي يراها مشروع “فتنة” يجب إخفاؤه لا طاقة يجب إطلاقها.
ويزداد هذا النموذج الاستبدادي خطورة كونه يمارس سلطة معنوية رمزية، لا فقط بالقانون، بل بخطاب تعبوي ديني يُحوّل الطاعة إلى طقس، والزعيم إلى ظلّ الله، والمعارضة إلى خروج على المقدّس. ومن هنا، يصبح الاستبداد أكثر رسوخًا، لأنه لا يكتفي بإخضاع الجسد، بل يعمل على كسر الروح، على جعل الناس يؤمنون بأن الخضوع هو الطريق الوحيد للنجاة.
لكن مقابل هذا التصاعد الممنهج، يبقى السؤال المُلح: لماذا لم تخرج مقاومة فكرية بحجم هذا التوحّش؟ الجواب ليس في ضعف الناس، بل في حجم القمع، وفي تفكك الطبقة الثقافية التي إما صُمتت، أو انسحبت، أو تم ترهيبها، أو وقعت في حبائل الاستقطاب المناطقي والسياسي. وحدهم قلائل ما يزالون يكتبون، ويُحرضون، لكنهم معزولون، أو في المنافي، أو تحت تهديد دائم.
هذا هو وجه الاستبداد المستحدث: ليس فقط طاغية يرفع عصاه، وإنما منظومة كاملة تُعيد تعريف الحق والحقيقة والهوية الوطنية، وتُنتج مواطنًا جديدًا مطواعًا، مجردًا من ذاكرته، لا يسأل، ولا يحتج، بل يكرر: الموت لأمريكا… الموت لإسرائيل… اللعن لأعداء القائد… النصر لله. إنه صوت يجلجل في الفراغ، لكن خلفه قلوبٌ تنزف صمتًا، وتُوقن أن اليمن ذات يوم، رغم كل شيء، ستعود. لا بوعد مُسلّح، بل بخُطى الوعي العائد من المنفى، من رحم الأرض، من شعلة لم تنطفئ.
إن فداحة أن هذا الاستبداد يُقدَّم للداخل وللعالم بوصفه “صمودًا” في وجه “العدوان”، وتُحشد له القصص، وتُنسج له التبريرات، ويُستغل في معادلات إقليمية كأداة مساومة. وقد تحوّل هذا الاستبداد إلى ما يشبه المقاومة، وصار الابتلاع يُسوَّق على أنه إنقاذ، وصارت القبضة تُعرض كأنها احتضان. وبين هذا وذاك، غُيب صوت الناس، وماتت في ضمائر البعض ذاكرة الدولة، وذُبحت الجمهورية في صمت، بلا موكب جنائزي، أو نشيد وداع. وهنا يكون لزامًا القول إن المشكلة ليست فقط في الجماعة، بل أيضًا في الفراغ الذي أتاح لها ما لم يكن ممكنًا. تفكك الدولة، ضعف النخبة، تواطؤ كثير من القوى، صمت المثقف، خذلان الإعلام، وتوزيع الولاءات بلا مشروع وطني، كل ذلك كان البيئة المثلى لهذا الاستبداد الجديد أن يُزهِر كأبشع ما يكون الإزهار. فالحاكم لا يحكم بمفرده، بل بما تمنحه له الهشاشة من فرص.
ومع ذلك، فإن هذا الاستبداد مهما بدا محكمًا، يظل هشًّا في جوهره، لأنه لا يمتلك الشرعية، بل يُدير الخوف. لا يُقنع، بل يُرهب. لا يربط الناس بفكرة، بل يُقيّدهم بسوط. والتاريخ أثبت أن مثل هذه البنى، مهما طالت، تنهار، لأن الناس في النهاية لا يقبلون أن يتحوّل الوطن إلى سرداب، أو العقيدة إلى قيد، أو الحكم إلى نصّ واحد يُقرأ كل صباح على إيقاع القهر.
الاستبداد المستحدث في اليمن ليس نهاية الحكاية، بل ذروتها المأساوية. لكن ما بعدها يمكن أن يكون النهوض… إذا وُجد المشروع، وُجد الصوت، وُجد الأمل، وُجدت الإرادة التي تكتب التاريخ لا تُعيد نسخه. ومتى وُجدت الإرادة، ينهار القيد، وتُفتح الأبواب… لا بالسيف، بل بالحقيقة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةللأسف لا توجد لدينا رعاية واهتمام بالفنانين واصبحنا في عالم...
انا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...
أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...