أعجبني وأنا أهمّ بكتابة هذا المقال تعبير قيّم فيما يحمله من معان "العبادة الصامتة"؛ والذي يستصحب مفهوم العبادة الشاملة استنادا إلى الآية "وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ"؛ وإلى المغزى الذي تشير إليه الآية "إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".

.

العبادة مسيرة حياة مستمرة؛ فالعبادة في اللغة الخضوع وقد تستعمل بمعنى الطاعة، وفي الاصطلاح هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. وإذا كانت العبادة شاملة للفعل والترك والواجب والمستحب والمباح، صح أن يقال: إن العبادة تشمل نظام الحياة كله.

بهذه النظرة الشاملة تقسم العبادة إلى قسمين: أولا: عبادة شاملة لأعمال الإنسان المشروعة جميعها، فكل عمل دنيوي يلتزم فيه المسلم بتقوى الله وبالإخلاص والصدق والأمانة يكون عبادة؛ ثانيا: عبادة مخصوصة تتمثل في الواجبات الدينية كالصلاة والصوم والزكاة والحج وتلاوة القرآن الكريم والأدعية والأذكار وغيرها، وهذا القسم هو المعروف لدى الناس بالعبادات والشعائر، ويظن البعض أن العبادات تنحصر بهذا القسم، ويتجاهلون القسم الأول من العبادة مع أن العبادة بمدلولها الشامل تعني الدين كله.

المقاطعة أوسع أنواع المقاومة المقاطعة من جنس النهي الشرعي، والمقاطعة عبادة معقولة صامتة، قام فيها الشيخ بالتأصيل الدقيق للفعل المقاطع المقاوم، بعلم عميق وعمل صحيح ورؤية كلية ومقاربة تجديدية لحقائق الشرع العالية، في سياقات تكامل أبعاد المقاومة للعزة والكرامة، وتعزيز الجهود والقصود بالممكن المتاح والمنجز المستمر
إن الله تعبّدنا بأنواع العبادات الظاهرة والباطنة والفعلية والقولية والبدنية والمالية والعامة والخاصة؛ فشرع هذا التنويع ليتحقق كمال التأله لله، وتنفتح أبواب الخير والفاعلية أمام المكلف، ويتجدد الاستنفار والرغبة العازمة في العمل؛ في الفعل والتفعيل. إن العبادة وارتباطها بالعقيدة التوحيدية أمر مستقر ومقرر؛ لا تكون إلا لله الواحد الأحد، لا شريك له. ويقول عز وجل: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"، فالإسلام يحرم كل ما يؤدي إلى عبادة غير الله.

إن الباعث الأساسي للعبادة هو استحقاق الله تعالى لذلك، فنحن نعبد الله جل وعلا لأنه مستحق للعبادة تحقيقا للغاية التي من أجلها خلق الإنس والجن كما قال الله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، فهو المستحق الوحيد للعبادة لعموم سلطانه على الكون وعظيم فضله على الخلق أجمعين. وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعا، وهو ثابت من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبي إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون".

إن التساؤل المهم الذي طرحه الشيخ المجتهد الأستاذ نور الدين الخادمي؛ في سياق "شاهدُ الصيام" الذي يشتمل شواهد على "العبادة التركية" والتعبّد الصامت الكامن في أصالة الامتناع الشرعي؛ فهل المقاطعة والحال هذه من جنس العبادات الصامتة؟ والشيخ إذ يطرح هذا السؤال تقدّم ليقدم رؤية اجتهادية وتجديدية رصينة ومكينة..

المقاطعة أوسع أنواع المقاومة المقاطعة من جنس النهي الشرعي، والمقاطعة عبادة معقولة صامتة، قام فيها الشيخ بالتأصيل الدقيق للفعل المقاطع المقاوم، بعلم عميق وعمل صحيح ورؤية كلية ومقاربة تجديدية لحقائق الشرع العالية، في سياقات تكامل أبعاد المقاومة للعزة والكرامة، وتعزيز الجهود والقصود بالممكن المتاح والمنجز المستمر.

المُنطلق في هذا شاهدُ الصيام في دعوات المقاطعة ومتعلقاتها اقتصاديا ورياضيا وثقافيا وفنيا وأكاديميا وسياحيا. لاحَ في ذهني معنى مهم من معاني الصيام، وهو أنّه عبادة تَركية، أي أنّ الصائم يَتْركُ طعامه وشرابه وشهواته كامل النهار، والقصد الأوحد في ذلك هو امتثالُ أمر الله بالصيام لأجله سبحانه.

والذي وقفتُ عنده بالتحديد عبارةٌ في كلام العلماء، هي: عبارة "التَّرْكيةِ"، إنّ التعبير بعبارة "التَّرْكية" يُشيـر إلى العبادة الصامتة، التي يكون فيها الإنسان مُمتنعا عن المُفطرات ومقاطعا لأي فعلٍ قد يُفسد الصوم أو يُقلِّل فضله وأجره. ويُشير إلى أنّ هذا الامتناع يؤدى لوجه الله تعالى فقط وليس لحَظٍّ عاجلٍ أو رَغبةِ سُمعةٍ أو جلبِ منفعةٍ.. فهنالك إذن محدّدان للعبادة التَركية: الامتناع عن الفِعْل المُفطِـر، وأن يكون ذلك الامتناع لوجه الله تعالى. وعليه أحسبُ أنّ الصيام ضربٌ من ضُروب الجهاد، وأنّ هذا الجهاد جهادٌ صامتٌ، يترك فيه المُجاهد الصائم أفعالا تفسده وتـقـلّـل فضله وأجره.

المُنطلق في هذا شاهدُ الصيام في دعوات المقاطعة ومتعلقاتها اقتصاديا ورياضيا وثقافيا وفنيا وأكاديميا وسياحيا. لاحَ في ذهني معنى مهم من معاني الصيام، وهو أنّه عبادة تَركية، أي أنّ الصائم يَتْركُ طعامه وشرابه وشهواته كامل النهار، والقصد الأوحد في ذلك هو امتثالُ أمر الله بالصيام لأجله سبحانه
وليس الصيام فقط الذي يُشير إلى العبادة التركية أو الصامتة، بل هنالك عبادات أخرى صامتة يكون الأداء فيها غير ظاهر وغير مُعلَن، ويقتصر على القائم به في علاقة خاصة محضة مع الله تعالى، لا يداخلها رياء ولا مقدماته كإظهار عمله الذي قد يؤدي به إلى استحسان من يراه، فيُشكَـر على ذلك؛ ما يؤدي إلى غُروره وإعجابه بنفسه وإبطال عمله بناء على ذلك.

أصالة الامتناع الشرعي

لعل عُموم العبادات الصامتة كما بدت لي بعد تأملاتٍ في حديث الصيام ونظائره التي لم ينص عليها كما نُصّ على الصيام، يعودُ إلى أصل النّهي الشرعي الذي يأمر فيه الشارع الكـفّ عن الفعل، والكفّ هو الامتناع والترك، وليس فيه ما يدل على الفعل والممارسة كفعل الأمر الذي يُقْدم فيه الإنسان على حركة وقول وتصرّف، كفعل الصلاة التي فيها: الذهاب إلى المسجد والقيام والركوع والسجود ونحوه.

وفي الامتناع عن الداعمين للعدو تجاريا وفنيا وإعلاميا نواهٍ شرعـيّة كثيرة وردت في أفعال معينة، كفعل إعانة العدو بالكلمة: "من أعانَ على قتلِ مؤمِنٍ ولو بشطرِ كلِمَةٍ جاءَ يومَ القيامةِ مَكتوبٌ بينَ عينيهِ: آيِسٌ مِن رحمةِ اللَّهِ" (سُنن ابن ماجه)، "وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة: 2).. وإعانته بالصمت والسلبية واللامبالاة، "كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" (المائدة: 79).. وإعانته بتصديقه وترويج أكاذيبه: "كَفى بالمَرْءِ كَذِبا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ" (صحيح مسلم).. ونحوذ لك.

هل المقاطعة من جنس العبادات الصامتة؟

العدو اسم لمن يصدر منه العدوان، والعدوان محرّم على وجه القطع، ومنه العدوان على الأنفس والأموال والمصالح الحيوية والكرامة والحقوق.. وحكم العدوان هو صدّه ومنعه، لحفظ الحقوق وجلب المصالح ودرء المفاسد، والدليل قوله تعالى: "فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ" (البقرة: 194).

والمقاطعة من وسائل الصدّ والمواجهة (المقاطعة للعدو ومتعلقاته)، والمقاطعة هي إضعاف العدو من جهة ما يُدعم به مما هو موضع مقاطعة، فالعدو يُدعم بالمال والاقتصاد والإعلام والسياسة والفنون.. فيكون مقاطعة ذلك الدعم إضعافا له وتقوية لمن يقاومه ويصد عدوانه. والفعل المقاطع هو وسيلة لمقصد الإضعاف والتهرئة، وحكم الوسيلة حكمٌ لمقصودها، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، و"الوسائل لها أحكام المقاصد"، والوسيلة هنا بشطرين: شطر إضعاف العدو، وشطر تقوية من يقاومه.

كما أن هذه المقاطعة هي مقاومة صامتة، وهي مقاومة ناعمة، ليست مقاومة عسكرية مثلا، وليست مواجهة مباشرة مع العدو، وإنما هي مواجهة غير مباشرة وغير ظاهرة بل هي صامتة. وفاعلية المقاطعة تظهر في آثارها الجسيمة على مستوى الجهات المقاطَعة كالشركات والمؤسسات والمناسبات وغيرها.

المقاطعة أوسع أنواع المقاومة، والمقاومة تسع أوسع الشرائح الاجتماعية وليس فيها مشاكل، فالمُقاطِع يفعل المقاطعة وهو في أمن وأمان، لا يخاف من المناوئين للحقّ المرجفين في المدينة المناصرين للعدو، على غرار من يتصدر مقاومة بلسانه أو باحتجاجه أو بدعمه وإسناده بما يُظهره أمام الناس وأنه منحاز للحقّ ومناصر لأصحابه.

المقاطعة من جنس النهي الشرعي هذا، فضلا عن أنّ المقاطعة هي من جنس الكف عن مساندة الظالمين والسكوت عن ظلمهم وكذبهم وتنكيلهم، فهي بناء على هذا تدخل ضمن جنس النهي الشرعي بنظر في الشرع فسيح وبرؤية كلية جامعة. فالأمر كما عرفه العلماء هو طلب الفعل، كطلب إقامة الصلاة، والنهي هو طلب الكف عن الفعل المحرم، كطلب عدم الركون إلى الظالمين: "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ" (هود: 113).

المقاطعة من جنس النهي الشرعي هذا، فضلا عن أنّ المقاطعة هي من جنس الكف عن مساندة الظالمين والسكوت عن ظلمهم وكذبهم وتنكيلهم، فهي بناء على هذا تدخل ضمن جنس النهي الشرعي بنظر في الشرع فسيح وبرؤية كلية جامعة
كما أن المقاطعة ضربٌ من ضُروب الاجتهاد بمفهومه الواسع وآفاقه الرحبة المجددة بتجدد الزمان والحال، وهي من قبيل الجهاد الذي لا قتال فيه، وفي السُّنّة إشارة إلى نوع الجهاد الذي لا قتال فيه، وهو حج النساء بلفتة مقاصدية بديعة تتعلق بمساواة الرجل بالمرأة في الجهاد وفقا للمناسب والممكن والراجح والأولى، جريا على عامّة الشرع في التنصيص الصريح في مجال العبادات الشعائرية وفي التلميح المليح في مجال العبادات الاجتماعية والسياسية والحضارية، بما يُعرف بدلالة النص ومعقوله.

وهذا الجهاد بالمقاطعة في سياق المقاومة هو جهاد صامت بممارسة تَركية، يَمتنع فيها العابد المجاهد عن مقتنيات العدو وتقنياته ومتعلقاته وشبكاته، ويتجنّب فيها أذنابه وأذياله وأراذله، من المنافقين والمرجفين والمطبّعين.

اللهم عَلّمنا فقه التأويل وحسن التنزيل، في قضايا الصيام والقيام، ونوازل المدافعة والمقاومة، وباعد بيننا وبين من يفرّقون بين الصلاة والزكاة، وبين التعبّد بشعائر العبادة والتدين بمفاخر الحضارة وشهودها ونهوضها.. هكذا تبدو المقاطعة كمقاومة وجهاد يرتبط بالأمة؛ كامل الأمة؛ كفعل حضاري شامل وفعال يقع في قلب العبادة الصامتة التي تقوم على الترك والامتناع؛ فكان فعل المقاطعة والامتناع عن كل ما يدعم العدو والشروع في العمل الذي يدعم المقاومة وفعل الجهاد والمواجهة للعدو المحتل، وكل من عاونه وأعانه على احتلاله وغصبه وعدوانه؛ عبادة تَركية من الأمة وامتناع فيها وهو أقل ما يفرض على الأمة وعموم الناس؛ "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".


twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العبادة المقاطعة المقاومة المقاومة المقاطعة العبادة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاطعة هی الله تعالى هی الشرعی عبادة ت الذی ی

إقرأ أيضاً:

الولاء الإلهي أم التبعية للطاغوت؟ تقرير في ميزان القرآن

تعيش الأمة الإسلامية اليوم حالة غير مسبوقة من التحديات السياسية والثقافية والعقائدية، حيث تسعى قوى الاستكبار العالمي إلى تفكيك الوعي الإسلامي، وإفراغ الدين من مضمونه العملي، وفرض مشاريع الهيمنة تحت شعارات مضللة كالسلام والتعايش والانفتاح،  في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى إحياء المفاهيم القرآنية الأصيلة، التي تشكّل العمود الفقري لبناء الأمة القوية، الواعية، والمستقلة ، ومن أهم هذه المفاهيم: الموالاة لأولياء الله، والتي تعد من المفاهيم القرآنية الجوهرية التي تم تحريفها أو تمييعها عبر التاريخ، إما عبر الخطاب الديني الرسمي التابع للسلطة، أو من خلال محاولات إفراغ الولاء من مضمونه السياسي والجهادي، وتحويله إلى مجرد مشاعر داخلية أو عبارات سطحية

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

في هذا السياق، يسلّط هذا التقرير باختصار الضوء على رؤية المسيرة القرآنية ،  لمفهوم الموالاة، انطلاقًا من القرآن الكريم كمصدر للفهم والتشريع، وكمرجعية في تحديد المواقف والمفاهيم، ويُبرز التقرير كيف تتعامل هذه الرؤية مع الموالاة كـموقف إيماني عملي في وجه قوى الظلم، وليس كمجرد تصور نظري.

وتكمن أهمية هذا التقرير في أنه لا يكتفي بتناول الموضوع من زاوية دينية تقليدية، بل يربطه بالواقع المعاصر وبالصراع القائم عالميًا بين قوى الاستكبار وقوى الحق، كما يقدّم رؤية متكاملة تنطلق من القرآن كمنهج، ومن أولياء الله كقيادة، ومن الولاء كفعل تحرري يعيد للأمة بوصلتها في زمن الفتن والانحراف.

 

 المنهج القرآني في مفهوم الموالاة

يركّز المنهج القرآني على أن الموالاة لله ولرسوله وللمؤمنين ليست خيارًا شخصيًا، بل مبدأ إيماني أصيل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (المائدة: 55) ،، وتمثّل هذه الآية قاعدة أساسية في تحديد الانتماء الإيماني، إذ ترسم حدود الولاء والبراء، وتُظهر أن المؤمن لا يمكن أن يوالي أعداء الله، بل يلتف حول أوليائه في كل زمان ومكان.

 

 أولياء الله في فكر المسيرة القرآنية 

يرى فكر المسيرة القرآنية أن أولياء الله هم ، المؤمنون الصادقون ، القائمون بالقسط ، المناهضون للظلم ، المجاهدون في سبيل الله من آل بيت النبوة عليهم السلام ، ويُستلهم ذلك من قوله تعالى:  {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}
(يونس: 62–63) ، هؤلاء الأولياء هم قادة مشروع الهداية، وقدوات للأمة في طريق العودة إلى الله، بعيدًا عن الزيف الديني والتبعية السياسية.

 

الموالاة لأولياء الله في مواجهة مشروع الموالاة لليهود والنصارى

تحذر المسيرة القرآنية من مشروع الموالاة لليهود والنصارى، الذي يُعد أداة لاستعباد الأمة وتمزيقها، انطلاقًا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ} (المائدة: 51) ، وتقدم الموالاة لأولياء الله كـجبهة مقاومة شاملة لهذا المشروع، تدعو إلى ، التصدي للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية ، ومناصرة المقاومة والمستضعفين، ورفض التطبيع والخضوع السياسي والاقتصادي، وحماية الهوية القرآنية للأمة

 

الخلفية التاريخية لانحراف الأمة عن منهج الموالاة

ترى المسيرة القرآنية أن الانحراف عن منهج الموالاة بدأ بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حين تم تغييب أهل البيت كمصدر للهداية، وتحولت الخلافة إلى ملك وراثي ، وتحالف بعض العلماء مع السلطة ثم سادت فتاوى تبرّر الظلم وتُسقط فريضة البراءة من الطغاة ، ونتج عن ذلك تمزيق وحدة الأمة ، وسيطرة الطغيان ، وتغريب الدين عن الواقع ، وتؤكد المسيرة القرآنية أن تصحيح المسار يبدأ بإحياء الولاء لأولياء الله وفق المنهج القرآني.

 

الموالاة لأولياء الله ومفهوم القيادة القرآنية الجامعة

ترى المسيرة القرآنية أن الموالاة لأولياء الله ليست فقط ارتباطًا عاطفيًا أو فرديًا بالمؤمنين، بل هي في جوهرها انتماء إلى قيادة ربانية قرآنية، تتمثل في من اختارهم الله ليقودوا الأمة على نهج كتابه، وليكونوا صلة الوصل بين الأرض والسماء، ومنارة الهداية في زمن الفتن والتبعية ، حيث أن القيادة في القرآن، اختيار إلهي لا صراع سلطوي ، والقرآن الكريم يؤسس لمفهوم القيادة على أسس إيمانية وروحية وعلمية، وليس على أساس العصبية أو الانتماء السياسي، كما في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (البقرة: 124) ،، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} (السجدة: 24)

فالقيادة الحقة في التصور القرآني هي امتداد للهداية، ومشروع مرتبط بالله وحده، لا يخضع لإرادة الطغاة أو لتوافقات القوى الدولية.

 

القيادة المتحررة من التبعية

في ظل تحالف الأنظمة الحاكمة مع قوى الاستكبار العالمي، أصبح العالم الإسلامي في معظمه فاقدًا للقيادة القرآنية المستقلة، وتحولت “الشرعيات” السياسية إلى أدوات لخدمة أعداء الأمة ، ومن هنا، فإن الموالاة لأولياء الله هي الولاء للقيادة المتحررة من التبعية لأعداء الله، التي تستمد قوتها من الإيمان، وتنهض بمسؤولية الهداية لا الجباية.

والقيادة التي يطرحها هذا المفهوم القرآني هي قيادة ترتبط بالله لا بالغرب ولا بالصهاينة ، وتأخذ توجيهاتها من القرآن لا من البيت الأبيض ، وتجمع الأمة على القيم لا على الحدود والولاءات القُطرية ، وترفع راية المستضعفين لا رايات الاستسلام والتطبيع

 

القائد وليّ من أولياء الله لا موظف سياسي

القائد  في فكر المسيرة القرآنية  ليس رمزًا شكليًا أو موظفًا للسلطة، بل ولي من أولياء الله، يتحرك وفق البصيرة، ويتحمل أعباء المسؤولية، ويتقدم الصفوف في معركة التحرر والوعي ، ويقود الأمة نحو العزة والكرامة والنصر ، ولهذا فإن الولاء له لا يكون ولاءً شخصيًا، بل ولاء لمنهج الله الذي يحمله،  ومن يخالف هذا المنهج، لا يُتبع ولو لبس عباءة الدين، ولذا فإن الموالاة لأولياء الله تعني الانخراط الواعي في مشروع قيادة قرآنية جامعة، تستعيد موقع الأمة بين الأمم، وتحررها من الهيمنة، وتعيد توجيهها نحو غايتها الإلهية الكبرى .

 

 

الموالاة لأولياء الله مشروع عالمي لإنقاذ البشرية

بعيدًا عن التبعية والطائفية، ترى المسيرة القرآنية أن الموالاة لأولياء الله هي مشروع إنقاذ عالمي ، تُقدَّم كبديل عن الحضارة المادية الظالمة، تستند إلى مبادئ العدل، والرحمة، والحرية، كما تخاطب البشرية كافة للخروج من عبودية الطاغوت، وتنقذ الإنسان من التيه الروحي والاستعباد السياسي ،وفي مواجهة نظام عالمي فاسد، تصبح الموالاة لأولياء الله خيارًا إنسانيًا شاملًا، يبني وعيًا عالميًا مقاومًا، ويقدم نموذجًا عادلًا للحكم والقيادة.

 

الخاتمة

الموالاة لأولياء الله، في فكر المسيرة القرآنية، ليست مسألة هامشية أو نظرية، بل جوهر العقيدة ومفتاح الهداية والتحرر، هي انحياز واعٍ إلى خط الله في الأرض، وإعلان موقف واضح من قوى الطغيان في كل عصر ، وفي زمن تكالب فيه الأعداء، وضاعت فيه البوصلة، تمثل هذه الموالاة طريق النجاة للأمة، ومشروع خلاص للبشرية.

مقالات مشابهة

  • الولاء الإلهي أم التبعية للطاغوت؟ تقرير في ميزان القرآن
  • خبير عسكري: عمليات مقاومة غزة تؤكد مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ
  • صلاة الضحى .. اعرف فوائدها وكيفية أدائها والعبادة التى تعادل أجرها
  • كربلاء.. وتخاذل الأمة
  • كربلاء والوعي الذي يُرعب الطغاة
  • الدكتور يسري جبر: الكف عبادة يترتب عليه ثواب كفعل الخير تمامًا
  • فضل الصيام في شهر المحرم .. الصائم يفوز بـ 9 مكافآت إلهية
  • مفتي سلطنة عُمان: المقاومة الفلسطينية تبشّر بنهاية الاحتلال وواجب الأمة دعمها
  • أوقاف طرابلس: الأمة الإسلامية تعتصر ألماً بفقدان الشيخ ربيع المدخلي
  • غزتي غزتي يا أمتي