مسيرة تصحيح مسار الاقتصاد المصرى انطلقت بالفعل مع إقرار مجلس الوزراء مشروع قانون يستهدف دمج 59 هيئة اقتصادية فى الموازنة العامة للدولة، وهى خطوة تستهدف تحسين مؤشرات المالية العامة ورفع الإيرادات من 2.1 تريليون جنيه بموازنة العام المالى الحالى إلى نحو 5 تريليونات جنيه.

الحكومة تعمل من خلال وزارة المالية على شمولية الموازنة العامة، عبر دمج موازنات الهيئات الاقتصادية فى موازنة جديدة تسمى موازنة الحكومة العامة، وبدء العمل بالموازنة الجديدة العام المالى المقبل، وتضم فى مرحلتها الأولى موازنات 40 هيئة اقتصادية يليها دمج 19 موازنة لهيئات أخرى خلال 5 سنوات.

هذا التعديل التشريعى يسهم فى احتساب إيرادات الهيئات الاقتصادية نحو 2.8 تريليون جنيه إلى إيرادات الموازنة العامة ليصبح إجمالى الإيرادات نحو 5 تريليونات جنيه، وهو ما يخفض حصة الضرائب من إجمالى الإيرادات إلى 35% بدلاً من 80% حالياً.

مطرقة الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها مصر تأثراً بما يضرب العالم من توترات قد تكسر أقفال الصناديق الخاصة التى ظلت لفترة طويلة خارج ولاية الموازنة العامة، لأن احتدام الأزمات العالمية وضبابية الرؤية حول موعد انتهائها يتطلب البحث عن طرق جديدة لتخفيف الأعباء المالية، ويبدو أن أقصر الطرق لتحقيق ذلك سيكون وحدة الموازنة، ما يعنى إدخال موازنات الهيئات الاقتصادية والصناديق الخاصة فى الموازنة، بعد عقود من بقائها تغرد خارج السرب، لأن النتيجة المباشرة لذلك تتمثل فى انخفاض مستوى الدين العام حال التطبيق.

التوترات السياسية العالمية والإقليمية عمقت جراح الاقتصاد المصرى فى ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة وهجمات الحوثيين فى اليمن على السفن التجارية فى البحر الأحمر وتأثيرها فى حركة الشحن.

الأرقام لا تكذب ولا تتجمل وهى أصدق تعبير عن الواقع، فإجمالى موازنات الهيئات الاقتصادية الخاصة 2.25 تريليون جنيه، أى أكثر من الموازنة العامة للدولة التى تتراوح بين 2 و2.1 تريليون جنيه، وهناك 59 هيئة اقتصادية تتوزع على 12 قطاعاً، هى الزراعة والرى والصناعة والبترول والتعدين والكهرباء والطاقة والنقل والاتصالات والمعلومات والتجارة والتموين والمال والاقتصاد والإسكان والتشييد والخدمات الصحية والدينية والقوى العاملة والثقافة والإعلام والسياحة والدفاع والأمن وقطاع التأمينات.

وعلى مدار عقود ظلت الحسابات الخاصة لغزاً غامضاً، لذا قامت وزارة المالية بإحصاء دقيق على مدار 3 سنوات كشف عن وجود 7776 حساباً خاصاً و505 حسابات لصناديق خاصة.

مبدأ وحدة الموازنة ليس حلاً سحرياً لعلاج مشاكل الاقتصاد لكنه خطوة جادة لإعادة هيكلته وتصحيح مساره، وقد يكون السبب الرئيسى الذى يعرقل ضم الصناديق الخاصة إلى وزارة المالية هو العمالة المعينة عليها، وعددها بين 250 إلى 300 ألف موظف، وبالتالى ضم هذه الصناديق للموازنة يتطلب ضم العمالة التابعة لها.

تطبيق وحدة الموازنة يهدف إلى زيادة الشفافية والإيرادات العامة للدولة، التى تبلغ 2.1 تريليون جنيه للعام الحالى، بينما الهيئات الاقتصادية نحو 2.9 تريليون جنيه، ويضيف 2.7 تريليون جنيه لبند الإيرادات ويحل مشكلة مزمنة، وهى أن 20% من حجم الإيرادات فى مصر خارج الموازنة، وهو أمر يجب ألا يستمر.

وتعد وحدة الموازنة أحد معايير الحكم على الشفافية لتعزيز القدرة على محاسبة الحکومة والثقة فى السياسات وتعزيز الرقابة البرلمانية وتفعيل المشارکة المجتمعية فى صنع الموازنة العامة والسيطرة على الإنفاق العام والحد من الأزمات المالية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتحكم فى المصروفات بشكل أدق ووضع كل إيرادات الدولة تحت تصرفها وتحت أعين مجلس النواب وقت المناقشة لتحسين الشكل المحاسبى بعدما ارتفعت نسبة إيرادات الضرائب لدى مقارنتها بالدين العام لمرحلة حرجة.

وتستهدف الحكومة أن ترتفع حصيلة الضرائب خلال العام المالى الحالى 2023-2024 إلى تريليون و530 مليار جنيه ورغم زيادة الحصيلة المستهدفة إلا أن نسبة الضرائب تراجعت لتمثل 71% من إجمالى إيرادات الدولة للعام الحالى مقابل 75% للعام الماضى.

موازنات الهيئات الاقتصادية للسنة المالية الحالية تبلغ 3 تريليونات و657 ملياراً و69 مليون جنيه وتحقق فائضاً يؤول للخزانة العامة بقيمة 66.1 مليار جنيه غالبيتها العظمى من ثلاث جهات فقط هى هيئة قناة السويس بقيمة 50.7 مليار جنيه وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بقيمة 3.04 مليار جنيه والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات 12 ملياراً.

وحدة الموازنة كانت أحد المطالب خلال مناقشات الحوار الوطنى فهيئة المجتمعات العمرانية على سبيل المثال تبيع أراضى وعقارات ويأتى لها دخل لا بد أن يكون تحت يد وزارة المالية التى تحدد المشروعات التى يفترض إنفاقها عليها وفقاً لأولويات الدولة.

موازنة هيئة المجتمعات العمرانية ارتفعت من 60 ملياراً و890 مليوناً فى العام المالى 2019/2020 إلى 64 ملياراً و111 مليون جنيه فى 2020/2021 ثم 120 ملياراً و273 مليون جنيه فى 2021/2022 ثم 144 ملياراً و127 مليون جنيه فى 2022/2023، وأخيراً 145 ملياراً و455 مليون جنيه فى العام الحالى.

بالتأكيد مصر ستكون أفضل كثيراً عندما تطبق بها وحدة الموازنة فمصلحة المجتمع فى وضع الأموال فى حزمة واحدة وإعادة توزيعها على الصالح العام ومن الطبيعى ضم جميع الهيئات الاقتصادية للموازنةالعامة للدولة فى ظل توجه الدولة نحو الحياد التنافسى مع القطاع الخاص وإلغاء الامتيازات للشركات الحكومية، وبالفعل قدمت الحكومة مشروع قانون لمجلس النواب يتضمن إلغاء كل المواد القانونية التى تمنح معاملة تفضيلية للشركات المملوكة للدولة فى جميع المجالات الضريبية والجمركية والرسوم، بجانب وثيقة ملكية الدولة التى تضمنت التخارج من العديد من الأنشطة.

نجاح مصر فى تطبيق مبدأ وحدة الموازنة سيكون له مردود طيب على الاقتصاد العام وسيكون عبارة عن عملية تجميل دقيقة وناجحة لشكل الموازنة الحالى.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الاقتصاد المصرى الموازنة الهيئات الاقتصادية الموازنة العامة وزارة المالیة العامة للدولة وحدة الموازنة ملیون جنیه فى العام المالى تریلیون جنیه ملیار جنیه

إقرأ أيضاً:

تجاوز 37 تريليون دولار.. ماسك يحذر: الدين الأمريكي سبق قدرات الميزانية

حذر الملياردير ورجل الأعمال إيلون ماسك من أن الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية غير مسبوقة، مشددًا على أن الديون الأمريكية المتضخمة والفوائد الضخمة المرتبطة بها تتجاوز الميزانية العسكرية بأكملها، وأن الحل يكمن في تعزيز الإنتاجية باستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات.

وفي مقابلة مع رائد الأعمال الهندي نيخيل كاماث، أوضح ماسك أن التفاوت الحالي بين إنتاج السلع والخدمات والمعروض النقدي قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي حاد، محذرًا من أن الاقتصاد الأمريكي يواجه خطرًا حقيقيًا ما لم يتم رفع الإنتاجية بشكل جذري.

وقال: “مع استمرار تقدم الحضارة، سيكون الذكاء الاصطناعي والروبوتات على نطاق واسع، وهذا هو الحل الوحيد تقريبًا لأزمة الديون الأمريكية”.

وتوقع ماسك أن إنتاج السلع والخدمات سيتجاوز معدل التضخم خلال 3 سنوات أو أقل، معربًا عن اعتقاده أن التطورات في الذكاء الاصطناعي والروبوتات ستقود البشر إلى مرحلة يصبح فيها العمل اختيارياً خلال العقدين المقبلين، وهو ما يمثل تحولًا جذريًا في طبيعة العمل والحياة الاقتصادية والاجتماعية.

ويقود ماسك شركة xAI المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي تقف وراء روبوت الدردشة “غروك”، الذي تم إطلاقه في نوفمبر 2023، لتكون من أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على دعم الإنتاجية بشكل غير مسبوق.

وتأتي تصريحات ماسك في ظل تفاقم الدين القومي الأمريكي، الذي تجاوز 37 تريليون دولار في أغسطس 2025، مع استمرار البلاد في مواجهة عجز ميزاني يمتد لأكثر من 20 عامًا، واستمرار رفع سقف الدين أكثر من 100 مرة منذ الحرب العالمية الثانية، في محاولة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الأمريكي وسط إعادة هيكلة عالمية في التجارة والسياسات المالية.

وأشار ماسك إلى أن الحل يكمن في التكنولوجيا والابتكار، وأن على الولايات المتحدة الاستثمار بقوة في الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأنظمة غير المأهولة، لزيادة الإنتاجية وتحقيق الاستقرار المالي، مؤكدًا أن “التقدم التكنولوجي لن يحل أزمة الديون فحسب، بل سيغير طبيعة العمل والاقتصاد بالكامل”.

وتأتي تصريحات ماسك في وقت حساس، إذ يواجه الاقتصاد الأمريكي ديونًا قياسية وضغوطًا مالية متزايدة، بينما يسعى إلى تحفيز النمو الاقتصادي دون زيادة مفرطة في الإنفاق العام. ويُنظر إلى الذكاء الاصطناعي والروبوتات على أنها أدوات استراتيجية لتعويض نقص الإنتاجية البشرية، وقد تشكل نقلة نوعية في أسواق العمل ومستوى المعيشة.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، ارتفع الدين الأمريكي تدريجيًا ليصبح اليوم أعلى من أي وقت مضى في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، ما دفع الحكومات المتعاقبة إلى البحث عن حلول مبتكرة لإدارة الاقتصاد. في العقدين الأخيرين، أصبح الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة محورًا رئيسيًا للنقاش حول مستقبل العمل والإنتاجية.

مقالات مشابهة

  • فهد العجلان: تريليون و300 مليار ريال إنفاق نوعي يضمن الاستدامة الاقتصادية للمملكة في 2026
  • وزير المالية السعودي: المملكة مستمرة في الإنفاق التوسعي خلال ميزانية 2026
  • وزير المالية: النتائج المتحققة تؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى تعزيز النمو الشامل
  • مجلس الوزراء السعودي يوافق على الموازنة الجديده بإجمالي تريليون و312 مليار ريال
  • وزير المالية: إي فاينانس.. قصة نجاح مصرية ملهمة فى تحسين الخدمات الاقتصادية
  • مجلس إدارة الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية يعتمد لائحة تنظيم مدينة الوادي الكبير الصناعية
  • تجاوز 37 تريليون دولار.. ماسك يحذر: الدين الأمريكي سبق قدرات الميزانية
  • هل تستطيع الحكومة اليابانية الجديدة التغلب على التحديات الاقتصادية؟
  • منتدى الاستراتيجيات يصدر تحليلاً موضوعيًا لمشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026
  • خبير اقتصادي:(30) تريليون ديناراً العجز العام بسبب الفشل والفساد