بقلم: مصطفى وغزيف 

تمتلك العملية الأمنية التي أدت إلى الإطاحة بقائد مافيا مرسيليا الدولية للمخدرات، في المغرب أهمية كبيرة على المستوى الدولي، وهي العملية النوعية التي أشاد بشأنها جيرالد دارمانان Gérald Darmanin وزير الداخلية الفرنسي، على حسابه في منصة إكس، بمجهودات الشرطة المغربية في مكافحة تجارة المخدرات، وبالتعاون الأمني بين فرنسا والمغرب.

 هذه العملية، تعكس اليوم القدرة الأمنية المغربية على تحقيق النجاحات الكبيرة في العمليات الأمنية النوعية. وتؤكد على الدور الريادي للمملكة المغربية في مكافحة الجريمة العابرة للحدود، والتعامل مع التحديات الأمنية الدولية. ويبعث تعاون المغرب مع السلطات الفرنسية في هذه العملية رسالة مهمة للشراكة الأمنية بين البلدين. وتأتي هذه العملية بالتزامن أيضاً مع سياق موسوم بإعادة الدفئ للعلاقات الثنائية، خاصة بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب. يجب أن نلاحظ أن المغرب دائمًا ما كان يسعى للعمل على قضايا الأمن العالمي ومكافحة الجريمة المنظمة على المستوى الدولي، وهو ما يدل عليه الحضور المستمر للمملكة في المنتديات الدولية ذات الصلة بالأمن الدولي والجرائم العابرة للحدود.

عملية تؤكد على  استمرارية الأداء الأمني المغربي وفرادة مكانته في المنظومة الأمنية الدولية. وتعكس أيضًا نتائج الجهود المبذولة من قبل القائد الأمني عبد اللطيف الحموشي في تحديث وعصرنة وتحسين القدرات الأمنية وتجهيزها بأحدث التقنيات والآليات والأدوات. ومن خلال ذلك، يمكن للأمن المغربي أن يعزز تواجده ومكانته على المستوى الدولي وأن يكون شريكًا استراتيجيًا أساسيًا ورياديا في منظومة الأمن بإفريقيا والشرق الأوسط، إذ أن مكافحة تجارة المخدرات ليست مسألة تحقيقها من قبل دولة واحدة فحسب، بل تتطلب تعاونًا دوليًا واسعًا، في ظل تعزيز الجهود المشتركة بين الدول في مجال البنية التحتية للمعلومات وتبادلها، وتقوية التعاون الأمني لمكافحة تجارة المخدرات وتفكيك الشبكات الإجرامية.

إلى ذلك، تؤكد هذه العملية على الأهمية الحاسمة للتركيز على القادة والعناصر الرئيسية في شبكات الجريمة المنظمة. فحتى إذا تم اقتناص الأهداف الثقيلة، فإن ذلك يعطل العمليات الإجرامية ويفرض ضغطًا على هياكلها التنظيمية، بعد فقدان البوصلة من لدن العناصر التي توجد في النشرة الحمراء الدولية،وهو ما يعكس الدور الفعال والمساهمة الهامة للمغرب في مجال الأمن العالمي، إذ يعمل الأمن برزانة وثبات بتعاون وثيق مع الجهات المعنية مثل شرطة (الإنتربول) الدولية، لتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة بحق الأفراد المطلوبين.

وتعتبر القدرة القوية للأمن المغربي في اقتناص الأهداف الثقيلة الموجودة في النشرة الحمراء الدولية، نموذجًا يحتذى به على المستوى العالمي. إنه يبرهن على التزام المغرب الراسخ بمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، ويشكل رسالة قوية بأن المغرب يعمل بجدية للمساهمة في الأمن العالمي والحفاظ على الاستقرار والسلام، من خلال أرقام المعادلة الخماسية : الرؤية الاستباقية، الاستخبارات القوية، قدرات الأمن الشاملة، الريادة في الأمن الإقليمي، التعاون الدولي.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: على المستوى هذه العملیة

إقرأ أيضاً:

المغرب العربي الكبير.. حلمٌ لا يمكن إقباره

في أبريل / نيسان 1958، انعقد في طنجة لقاءٌ تاريخي بين قادة الحركة الوطنية في المغرب وتونس والجزائر تم بموجبه وضع اللبنات الأولى للعمل المغاربي المشترك من أجل تحقيق الوحدة والاندماج. بعدها كانت محاولات متعددة في الستينات من أجل لَمِّ شمل دول المنطقة، إلا أن الحدث المفصلي وقع في الثمانينيات حين تمَّ التئام جمع قادة دول المنطقة الخمس في قمة زرالدة بالجزائر في العاشر من يونيو / حزيران 1988 للتحضير للتأسيس للوحدة المغاربية والتي التأمت في لقاء تاريخي في مراكش في 17 فبراير / شباط للتوقيع على معاهدة بناء المغرب العربي الممتد من ليبيا شرقا إلى المغرب وموريتانيا غربا. 

الحلمُ الذي بدأ كفكرة في طنجة قبل ثلاثة عقود، أصبحت بوادر تحقيقه ممكنة في مراكش من خلال معاهدة تتوخى تمتين أواصر الأخوة التاريخية بين الشعوب، وخلق الاندماج الاقتصادي والتسهيل من حرية تنقل الأشخاص والبضائع، والحفاظ على الهوية المشتركة وغيرها…في الحقيقة، ما قام به القادة المغاربيون هو تجاوز خلافات الماضي أو وَضْعِها جانبا من أجل تغليب مصلحة الشعوب في الوحدة والتكتل والتآزر. 

ومن بين القضايا الشائكة التي وضعها القادة المغاربيون آنذاك جانبا هي قضية الصحراء المغربية. بعد قرار المحكمة الدولية الاستشاري بلاهاي في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975 بوجود روابط بيعة بين ملوك المغرب وقبائل الصحراء وهو ما يؤكد سيادة المغرب التاريخية على هذه المنطقة، دعا الراحل الحسن الثاني إلى تنظيم "مسيرة شعبية خضراء" (أي سلمية يحمل فيها 350 ألف رجل وامرأة القرآن الكريم في يدٍ والعلم الوطني المغربي في يدٍ أخرى) لاسترجاع الصحراء إلى حضيرة الوطن الأم، المغرب. وكان ذلك للملك الحسن والشعب المغربي حين تم التوقيع على اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 
/ تشرين الثاني 1975 تم بموجبها استرجاع الصحراء لتصبح جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي. 

ملحمة استرجاع الأراضي المغربية لحضيرة الوطن لم ترُقْ آنذاك الرئيس الجزائري الهواري بومدين والعقيد الليبي معمر القدافي فقاما بتسليح "البوليساريو" لمناهضة المغرب في صحرائه. والبوليساريو هي فكرة تكونت في الرباط في أوساط طلابية صحراوية كان هدفها الأولي هو استرجاع الصحراء إلى حضيرة الدولة المغربية، ولكن القذافي شجعها آنذاك على مناوءة النظام المغربي وقام بتسليحها قبل أن يتبناها بومدين ويقوم بدعمها عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا مما أثَّر على العلاقات بين المغرب والجزائر وعطَّل فكرة الاتحاد المغاربي في فترة السبعينات وبداية الثمانيات. 

في أواسط الثمانينيات، كان المغرب قد أكمل جداره العازل حول الصحراء المغربية ووضع حدّا للهجومات الآتية من التراب الجزائري، كما أنه اتخذ زمام المبادرة الدبلوماسية باقتراح الملك الحسن الثاني في 25 يونيو / حزيران 1981 خلال انعقاد قمة نيروبي للدول الإفريقية تنظيم استفتاء في الصحراء. بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبه أمين عام منظمة الوحدة الإفريقية في 1984 بفبركة دخول ما يسمى بالجمهورية الصحراوية (والتي لا وجود فعلي لها إلا على الورق) إلى المنظمة الإفريقية، انسحب المغرب من العمل الإفريقي المشترك واتخذ قرارا بوضع الملف أمام أنظار الأمم المتحدة. بعدها أدرك العقيد القذافي والرئيس الشاذلي بنجديد ومعهم الزعماء المغاربيون أن المغرب لن يتخلى أبدا عن الصحراء وأنه مصصم على الذهاب إلى أبعد حدٍّ لإيجاد حلٍّ يخدم مصلحته الأولى ألا وهي الحفاظ على وحدته الترابية مهما كلف الأمر. 

هذه هي خلفيات قمة مراكش والآمال التي انعقدت عليها. وهي آمال سرعان ما بدأت تتبخر بعد دخول الجزائر ما يصطلح عليه بـ "العشرية السوداء" في التسعينيات من القرن الماضي، عِلْماً أن سنة 1991 شهدت التوقيع على وقف إطلاق النار بين المغرب والعناصر الانفصالية المسانَدة من طرف الجزائر وبداية مسلسل تحديد هوية من سيشارك في الاستفتاء. بعد تعثر مسلسل تحديد الهوية، أعلنت الأمم المتحدة في أواخر التسعينيات أن الاستفتاء هو حل غير قابل للتحقيق، وأنه على الأطراف أن تقترح أفكارا جديدة لحل النزاع المفتعَل. وهو ما قام به المغرب باقتراح حكم ذاتي للصحراويين تحت السيادة المغربية سنة 2007. 

كل هذا أثار حفيظة القادة الجزائريين خصوصا  الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وكان لذلك أثرا سلبيا على العمل المغاربي المشترَك. هكذا تم إلغاء القمة المغاربية التي كان مزمعا عقدها في مايو/أيار 2005 في طرابلس في ليبيا بسبب رسالة الرئيس بوتفليقة إلى رئيس الحركة الانفصالية (البوليساريو) والتي يؤكد فيها دعمه لهذه الحركة، وهو ما فسره المغرب وقادة الدول المغاربية الأخرى على أنه ضرب لأهداف الاتحاد المغربي خصوصا الوحدة والتكتل، وذلك عبر زرع بذور التفرقة والانفصال.

كلما تقدم المغرب على درب تأكيد مغربية الصحراء، خصوصا مبادرة الحكم الذاتي (2007)، وقرارات مجلس الأمن التي تؤكد مصداقية المبادرة المغربية، وقبول الكونغريس الأمريكي ابتداء من 2014 إدماج الصحراء المغربية في برامج التنمية الدولية الممولة من طرف الحكومة الأمريكية، واعتراف الكثير من الدول بمغربية الصحراء وفتحها قنصليات في العيون والداخلة، والتي تُوِّجَتْ بالاعتراف التاريخي للولايات المتحدة في العاشر من ديسمبر / كانون الأول 2020 بسيادة المغرب على الصحراء، ودخول دول أوروبية (مثل إسبانيا وألمانيا وهولندا وهنغاريا وغيرها) على الخط مؤكدة مصداقية الحل المغربي (أي الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية)، كلما تقدم المغرب على هذا المستوى كلما حاول البعض افتعال الأزمات لإبعاد الحلم المغاربي عن إيجاد سبيل له على أرض الواقع.  

لكن وحدة المغرب العربي الكبير هو حلم شعوب المنطقة برمتها. والشعوب تدرك أن هذا الفضاء الرحب الممتد من الكفرة والجوف في الشرق الليبي إلى طنجة وأكادير والداخلة على المحيط الأطلسي، ومن بنزرت شمال تونس إلى انكزام في عمق الجنوب الجزائري، هو غنى جغرافي وإيكولوجي كفيل بخلق فرص التنمية والشغل والازدهار والتكامل والتعاضد، لما فيه مصلحة 105 مليون من الساكنة تتقاسم نفس التاريخ واللغة و العقيدة والمذهب والثقافة وغيرها. 

الناتج الداخلي لدول المنطقة يقارب 600 مليار الدولار ولكنه قد يصل إلى واحد تريليون دولار ومائتي مليار دولار في غضون عشر سنوات إن تم إدماج اقتصاديات دول المنطقة. الاندماج الاقتصادي سيعطي مابين 150 و200 مليار دولار  إضافية للمنطقة؛ إذا أضفنا إلى هذا 4 % كمعدل نمو سنوي لاقتصاديات دول المنطقة (أي حوالي 240 إلى 300 مليار دولار) متفرقة فإن التريليون دولار يصبح في متناول دول المنطقة. وهذا يعني مضاعفة الدخل الفردي على الأقل مرتين ونمو الطبقة المتوسطة وخلق العديد من فرص الشغل، ناهيك عن فرص الاستثمار والعمل المشترك على المستوى السياسي والدبلوماسي.

لا يجب ترك مشكل قد تم حسمه بشكل شبه نهائي لصالح الوحدة والسيادة المغربية يؤثر على مستقبل شعوب المنطقة. من جانب آخر، لا يمكن تبني الانفصال ومحاولة خلق دويلات غير قابلة للحياة، وفي نفس الوقت الدعوة إلى العمل المغاربي المشترك، وفي بعض الأحيان بطريقة تزرع مزيدا من التشردم كما حصل مؤخرا حين تم تنظيم لقاءات على مستوى بعض دول المنطقة دون الأخرى. على قادة دول المنطقة التحلي ببعد النظر وطي خلافات الماضي وسن سياسة اليد الممدودة التي نادى بها العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجل تحقيق حلم أبناء المنطقة في الوحدة والتكتل والتكامل لمواجهة تحديات العصر وللعمل المشترك من أجل غد مشرق وأفضل. لا يجب علينا أن نضحي بآمال الأجيال الصاعدة عبر محاولات يائسة لتغيير مسار ماضٍ ولَّى إلى غير رجعة.

التاريخ سوف لن يرحم من لم يكن على موعد مع طموحات الشعوب في الحرية والانعتاق والكرامة والتآخي والحق في الأمل وفي مستقبل أكثر عدلا وإشراقاً. الحق في الحلم أجمل هدية يقدمها قادة المنطقة لشعوبهم.

مقالات مشابهة

  • احتفالية في أكاديمية الشرطة بتخريج 23 متدربة إفريقية على مهام حفظ السلام
  • بالفيديو| الفرحة تملأ وجوه الآلاف بعيد الأضحى.. و«السلفي والبلالين» يتصدر المشهد
  • هندوراس تبني سجنا ضخما وتتخذ إجراءات صارمة لمكافحة الجريمة
  • أول تحرك حازم للشرعية في وجه التصعيد الحوثي الأخير ضد موظفي المنظمات الدولية والمحلية
  • دول مجلس التعاون الخليجي تجدد دعمها لوحدة الأراضي المغربية في الأمم المتحدة
  • إيقاف مشتبه في قتله قاصرا في تطوان
  • كريستال بالاس يضم مدافع المغرب شادي رياض
  • المغرب يتصدر المنتخبات العربية من حيث النتائج في تصفيات مونديال 2026
  • المغرب العربي الكبير.. حلمٌ لا يمكن إقباره
  • «لجنة الإنقاذ الدولية » ترحب بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2736 بشأن السودان