من صنعاء: الأيّام القادمة حُبلى بالمفاجآت
تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT
تشهد اليمنُ مرحلةً بالغة الخطورة، والذي يحصل هو مشروعٌ دولي واسع النطاق يستهدفُ كَيانَ وهُوية الدولة اليمنية بأسرها.. القراءةُ المنهجية للأحداث تكشفُ عن خيوط متشابكة لمؤامرة استعمارية كبرى، يتطلب إدراكُها وتفكيكها تحَرُّكًا وطنيًّا جامعًا، ليكون الرد عليها بحجم الخطر المحدِق.
إن ما يجري في المحافظات الجنوبية من حالة تجزئة وفوضى وتنازع على النفوذ هو خير شاهد ودليل دامغ على الأهداف الحقيقية لتلك المؤامرات الإقليمية والدولية.
أولًا: الجنوب كنموذج للمخطّط الاستعماري
يُعد الجنوب اليمني اليوم مختبرًا للتوجُّـهات الاستعمارية الجديدة التي تسعى إلى إعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة.
فبدلًا عن الذهاب نحو تسوية سياسية شاملة، يشهد هذا الجزء من الوطن عمليات ممنهجة لتكريس حالة الانقسام وغرس بؤر التوتر، الأمر الذي يضع المسؤولية الوطنية المطلقة على عاتق كافة القوى الوطنية للتحَرّك العاجل.
إن مواجهة هذه التحديات والمخاطر، وإفشال مشاريع الاحتلال، وطرد المستعمرين لم يعد خيارًا سياسيًّا، بل هو واجب ديني ووطني وحتمي يقتضي تشكيل صف وطني جامع لا يقبل التجزئة.
ثانيًا: تقييم الفرص الضائعة وسيناريو التصعيد
في تحليل للمسار، نرى أن القيادتين في الرياض وأبوظبي قد أضاعتا العديد من «الفرص الذهبية» التي قُدمت لهما من قِبل قيادة صنعاء للخروج من ورطتهما الكبرى والمستنقع اليمني.
لقد اختار النظامان السعوديّ والإماراتي، مؤخّرًا، العودة إلى مربع التصعيد والذهاب نحو مزيد من المؤامرات وافتعال الحروب، متجاهلين التداعيات الاستراتيجية لهذا القرار.
إن هذا التوجّـه يعكس استمرارًا للتعنُّت والرفض لتنفيذ استحقاقات السلام الشاملة، والتي لا تزال تراوح مكانها؛ بفعل المراوغة والتنصُّل من الالتزامات.
ومما يزيد من خطورة الموقف هو التورط المعلَن والمستتر مع كيان الاحتلال الصهيوني وأمريكا في التآمر على استقرار المنطقة؛ ما يضع المنطقة بأسرها أمام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.
ثالثًا: التداعيات الاقتصادية والجغرافية
في ضوء هذا التعنُّت، وإصرار دول تحالف العدوان على إبقاء الحصار قائمًا، فَــإنَّ المعادلة القائمة تشير بوضوح إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تحولًا جذريًّا في طبيعة الصراع ومداه الجغرافي.
لقد أوضحت القيادة اليمنية «صنعاء» موقفها وأقامت الحُجّـة، وعليه فَــإنَّ المعركة ستنتقل حتمًا إلى العمق السعوديّ والإماراتي.
وهذا التصعيد لن يكونَ مُجَـرّد ردود فعل تكتيكية، بل سيشكل مرحلة جديدة من الخسائر المباشرة وغير المباشرة؛ مما يفرض على الرياض وأبوظبي تحمل عواقب وتداعيات اختياراتهما:
الخسائر الاقتصادية: سيدفع النظامان أثمانًا باهظةً تتمثل في تكبُّد المزيد من الخسائر الاقتصادية الممتدة، والتي ستطال البنية التحتية ومصادر الطاقة الحيوية.
عدم الاستقرار الإقليمي: ستزداد حالة عدم الاستقرار الداخلي والإقليمي، مما يهدّد البيئة الاستثمارية والسيادية لهاتين الدولتين.
الخلاصة: الأيّام حُبلى بالمفاجآت
إن ما حصل في السنوات التسع الماضية من صمود وثبات لن يكون بأي حال من الأحوال مثل ما سيحصل اليوم.
لقد وصلت المواجهة إلى نقطة تحول استراتيجية لا رجعة فيها.
فما دام الرفضُ لتسليم استحقاقات الشعب اليمني مُستمرًّا، والتعنُّت هو السمة السائدة في التعامل مع ملفات السلام، فَــإنَّ الأيّام القادمة حُبلى بالمفاجآت الميدانية والاستراتيجية التي ستغير القواعد وتفرض وقائع جديدة على الأرض وعلى الطاولة.
إن اليمن، بعد كُـلّ هذه السنوات، بات يمتلك الموقف الواضح والأدوات القادرة على فرض معادلات الردع، والكرة اليوم في ملعب مَن أصر على التعنُّت والمضي في درب العدوان.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
هذه احتمالات التصعيد بعد سيطرة الانتقالي على حضرموت.. الانهيار قادم
ناقش تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" احتمالات التصعيد على الساحة اليمنية عقب العملية العسكرية التي شنها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة في محافظة حضرموت الغنية بالنفط.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21 ، إن اليمن يشهد حربًا أهلية متعددة الأطراف منذ سنوات، حيث تسيطر جماعة الحوثي المدعومة من إيران على شمال البلاد ذي الأغلبية السكانية، بينما تسيطر عدة جماعات مسلحة، بالإضافة إلى الحكومة المعترف بها دوليًا، على مناطق مختلفة في الجنوب.
وقد سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي هذا الأسبوع على معظم محافظة حضرموت، وهي محافظة شاسعة غنية بالموارد في شرق اليمن، تحدها المملكة العربية السعودية شمالًا، وتمتد إلى بحر العرب جنوبًا.
ووصف مسؤولون من المجلس الانتقالي الجنوبي هذا التقدم بأنه خطوة ضرورية "لاستعادة الأمن"، لكن العملية العسكرية تعد -وفقا للصحيفة- تصعيدًا كبيرًا يندرج ضمن مساعي المجلس لإقامة دولة مستقلة، وقد يُعيد إشعال حرب أهلية وصلت إلى طريق مسدود.
الأطراف المتنازعة
وأوضحت الصحيفة أن الصراع في اليمن أدى إلى تقسيم البلاد بين عدة أطراف متنازعة:
الحوثيون: جماعة مدعومة من إيران تسيطر على شمال اليمن حيث اقتحموا في 2014، العاصمة صنعاء وأجبروا الحكومة المعترف بها دوليًا على الفرار إلى جنوب اليمن.
الحكومة المعترف بها دوليًا ومقرها عدن: تُعتبر اسميًا السلطة الرسمية في جنوب اليمن، لكن صلاحياتها محدودة. يُسيطر عليها مجلس قيادة رئاسي مؤلف من ثمانية أعضاء، تختلف ولاءاتهم وأهدافهم.
المجلس الانتقالي الجنوبي: الفصيل الأقوى في جنوب اليمن. تأسس عام 2017 بدعم من الإمارات، وهدفه المعلن هو إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن.
وكانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قائمة هناك من عام 1967 إلى عام 1990، عندما اندمجت مع الجمهورية العربية اليمنية.
تحالف قبائل حضرموت: وهو تجمع قبائل محلية، يطالب بمزيد من الحكم الذاتي وحصة أكبر من عائدات النفط لأهالي حضرموت. يقود التحالف عمرو بن حبريش، لكن المجلس الانتقالي الجنوبي أعلن هزيمة قواته يوم الخميس.
ماذا وراء التصعيد المفاجئ؟
وأكدت الصحيفة أن حضرموت خضعت في السنوات الأخيرة لسيطرة مجموعة من الجماعات المسلحة، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الموالية للحكومة، المعروفة باسم قوات المنطقة العسكرية الأولى.
وفي كانون الثاني/ يناير، سيطر مقاتلون من القبائل مرتبطون بالسعودية على حقول النفط في المناطق الداخلية من المحافظة وقطعوا الإمدادات عن الحكومة، مطالبين بحصة أكبر من ثروة اليمن النفطية، وتحسين الخدمات المقدمة للسكان.
وأدى ذلك إلى انقطاعات واسعة النطاق للكهرباء هذا الأسبوع، ورأى المجلس الانتقالي الجنوبي في هذه اللحظة فرصة لتوسيع نفوذه.
وصرح عمرو البيض، أحد كبار مسؤولي المجلس الانتقالي، بأن التحرك جاء لتأمين إمدادات الطاقة في المنطقة وإغلاق طرق التهريب. وبحلول يوم الخميس، كان المجلس قد تحرك شرقًا إلى محافظة المهرة.
احتمالات التصعيد
واعتبرت الصحيفة أن هذا التصعيد قد يؤدي إلى انهيار الوضع السياسي المستقر نسبيًا في اليمن، لكن اتجاهات التصعيد مازالت غير واضحة المعالم.
وفي مؤتمر صحفي عبر الإنترنت يوم الخميس، قال عمرو البيض إن المجلس الانتقالي يتشاور مع شركاء يمنيين ودوليين بشأن احتمال شن عملية برية منسقة ضد الحوثيين، وهو ما قد يؤدي إلى إشعال الحرب الأهلية مجددا في اليمن، وفقا للصحيفة.
وفي هذا السياق، يقول فارع المسلمي، الباحث المتخصص في الشؤون اليمنية بمعهد تشاتام هاوس في لندن: "ربما يشعر الحوثيون بالقلق الآن لأنه أصبحت هناك أخيرا قوة في الجنوب تحت قيادة واحدة".
تباين الأهداف بين الإمارات والسعودية
وأشارت الصحيفة إلى أن استيلاء المجلس الجنوبي الانتقالي على معظم محافظة حضرموت يكشف بوضوح تباين الأهداف بين السعودية والإمارات اللتين تحالفتا سابقًا ضد الحوثيين، معتبرة أن الأحداث الأخيرة تنذر بتآكل كبير في نفوذ السعودية في المحافظة لصالح الإمارات.
وأكدت الصحيفة أن حضرموت ترتبط بعلاقات عميقة بالسعودية، بسبب حدودهما المشتركة، مضيفة أن المملكة تدعم الحكومة المعترف بها دوليًا ومفهوم الدولة اليمنية الموحدة، لكن مصلحتها الرئيسية تتمثل في تعزيز أمنها وحماية حدودها غير المستقرة مع اليمن.
وترى الصحيفة أن الأهداف الإماراتية في اليمن تبقى غامضة، فرغم أن المسؤولين الإماراتيين يقولون إنهم يدعمون تطلعات الشعب اليمني، سواءً كان ذلك يعني دولة واحدة أو دولتين، إلا أن بعض المحللين يعتقدون أن أبوظبي تسعى إلى بناء منطقة نفوذ على طول الساحل الجنوبي لليمن بهدف السيطرة على طرق التجارة البحرية من خلال تأمين الموانئ والجزر الاستراتيجية.