ترجمات.. العاشق الصوفى «لويس ماسينيون».. وإعادة اكتشاف شخصية شهيد التصوف «الحلاج»
تاريخ النشر: 25th, July 2023 GMT
لويس ماسينيون.. هو واحد من أعلام المستشرقين الفرنسيين، أنصف تاريخ العرب والمسلمين وتراثهم، لا يكاد يُذكر اسم ماسينيون إلا مقرونًا بالتصوف الإسلامى. إسهاماته متنوعة في الحوار بين الأديان، والتقريب بين الحضارات، ومد الكثير من جسور التواصل بين الأديان والحضارات؛ وبخاصة بين المسيحية والإسلام.
أخبار متعلقة
ترجمات.
ترجمات.. أولج فولكف يصف سحر القاهرة وإنشائها فى كتاب «القاهرة مدينة ألف ليلة وليلة»
ترجمات .. المستشرق الإسبانى خوان جويتيسولو يستشرف الربيع العربى فى «الأربعينية»
تركت أبحاثه في حقل «الدراسات الإسلامية» تأثيراتها في فرنسا أولًا، ثم في العالم العربى والإسلامى، من خلال العديد من الباحثين والمفكرين، الذين تأثروا بمنهجه التواصلى الحوارى مع الإسلام.
وأولع ماسينيون بالتصوف الإسلامى ولعًا فاق التصور، حتى بات مرجعًا عالميًّا في معرفة المتصوفة المسلمين.. كان أهم ما تركه ماسينيون هو دراساته الموسوعية عن الحلاج، شهيد التصوف، أو شهيد الحقيقة بلغة ماسينيون، وثمة إجماع بين المتخصصين والدارسين أنه لولا ماسينيون، وما قام به من دراسة الحلاج، وإخراج مخطوطاته، ونشر تراثه ما كان لنا أن نعيد اكتشاف هذه الشخصية التي ظُلمت ظلمًا بيِّنًا من الفقهاء ورجال الدين، الذين كانوا أبعد ما يكونون عن الفكر والثقافة والانفتاح على التجارب الإنسانية والروحية.
تتحلى مؤلفات ماسينيون بنوع من السحر لأنها تنبع من أساس تجربته الشخصية ومن إعادة عيش التجربة من خلال كتاباته وإسهاماته العلمية، وقد بلغت أكثر من 200 كتاب ومقال، يذكر منها: «عالم الإسلام» و«الكنيسة الكاثوليكية والإسلام»، و«الإسلام والاتحاد السوڤييتى»، ومن مقالاته: «تاريخ العقائد الفلسفية العربية في جامعة القاهرة»، و«الدراسات الإسلامية في إسبانيا»، و«أصول عقيدة الوهابية وفهرس بمصنفات مؤسسها»، و«أساليب تطبيق الفنون لدى شعوب الإسلام».
وُلد لويس ماسينيون «25 يوليو 1883م- 31 أكتوبر 1962م» في ضاحية نوجان على نهر المارن، إحدى ضواحى باريس. في بيئة كاثوليكية ملتزمة، وكان أبوه، فرناند ماسينيون، فنانًا، واشتهر خصوصًا بفن النحت عامة وبنحت الجبس خاصة، وقد اتخذ له في عالم الفن اسمًا مستعارًا، هو بيير روش Pierre Roche، واشتهر في الأوساط الفنية في باريس في الربع الأخير من القرن الماضى وبداية هذا القرن. وكان لهذا أثره في تنشئة ابنه، فقد نشأ نشأة عقلية فنية. وبقى تذوق ماسينيون للفن، والإسلامى منه بخاصة، ولكن لم يسلك طريق والده النحات؛ بل اختار الفلسفة والأدب، وحصل على الإجازة عام 1902، ثم تقدم ببحث عن بلاد المغرب بعد زيارة لها، ونال دبلوم الدراسات العليا عام 1904. وتابع دراسته للحصول على دبلوم اللغة العربية (الفصحى والعامية) من المدرسة الوطنية للغات الشرقية عام 1906. وتعلّم أيضًا التركية والفارسية والألمانية والإنجليزية. عُنى بالآثار الإسلامية، والتحق بالمعهد الفرنسى للآثار الشرقية في القاهرة. وفى عام 1907 كُلف بمهمة تنقيبية عن الآثار جنوبى بغداد، ثم انفصل في بعثة آثارية تبحث عن قصر الأُخَيضِر جنوب كربلاء. وعلى أثر وشاية به، وقع في يد السلطات العثمانية، التي اتهمته بالجاسوسية والتآمر على السلطة، وهمّت بإعدامه لولا تدخل العلامة محمود شكرى الألوسى والقاضى على نعمان الألوسى، اللذين توسطا له، وكفلاه. عاد إلى القاهرة 1909، واستمع إلى دروس الأزهر بالزى الأزهرى، وانتدبته الجامعة المصرية أستاذًا لتاريخ الفلسفة (1912- 1913)، وألقى بالعربية نحو أربعين محاضرة حول «التكوين التاريخى للاصطلاحات الفلسفية»، وكان طه حسين أحد تلامذته. وفى عام 1914 تزوج من ابنة خالته، بعد أن كاد يميل إلى الزهد وحياة التصوف.
كثير من المفكرين والمؤرخين ينظرون عادة إلى كتاب «آلام الحلاج» الذي اشتغل عليه المستشرق الفرنسى لويس ماسينيون طوال ما يزيد على خمسة عشر عامًا مضت بين اكتشافه للحلاج في عام 1907 وكان بالكاد بلغ الرابعة والعشرين من عمره وتقديمه إلى السوربون عام 1922 لنَيْل درجة الدكتوراه في الفكر الإسلامى، باعتباره واحدًا من أهم الكتب التي لم تتناول الحلاج وآلامه فحسب، بل تناولت قضية التصوف في حد ذاتها. أما بالنسبة إلى ماسينيون نفسه، فلقد كان اشتغاله على الحلاج هو ما أعاده، كما سيحلو له أن يقول دائمًا، إلى إيمانه المسيحى، بل حتى إلى نوع من إيمان مطلق قاده إلى تقبل إيمان كل البشر بوصفه جزءًا أساسيًّا من إنسانية هؤلاء البشر. ونعرف أن ذلك الكتاب الذي ظل ماسينيون يشتغل عليه ويضيف إليه طوال حياته وعلى ضوء الاكتشافات العلمية والتاريخية اللاحقة، صدر بعد أن تجاوز طابعه الدراسى بمراحل، في طبعة اعتُبرت نهائية في أربعة أجزاء تقع فيما يقرب من ألفى صفحة في واحدة من سلاسل الكتب العلمية الأكثر أهمية في عالم النشر الفرنسى «مكتبة الأفكار» في عام 1975 بعد سنوات من وفاة ماسينيون وتيقن الناشرين من عدم إمكان القيام بأى إضافات أو تعديلات عليه، خصوصًا أن تلك الطبعة النهائية أتت من تنقيح وضبط ابن المستشرق دانيال بالتعاون مع اثنين من كبار المستشرقين تلامذة ماسينيون الأب: هنرى لاووست ولوى جارديه. وصدرت طبعته العربية في أربعة أجزاء بدلًا من ثلاثة أقسام (كما أراد ماسينيون)، بعد زمن طويل، في 2019 في دمشق عن دار نينوى السورية بترجمة إلى العربية، وذلك في أربعة أجزاء. قام بها باحث ومحقق ومترجم سورى ينحدر من عائلة الحلاج، أو تَنْسب عائلته نفسها إليه.
يتضمن القسم الأول «حياة الحلاج» مراحل حياة الحسين ابن منصور الحلاج وانعكاساتها الاجتماعية على شكل سلسلة لوحات، بدءًا من محاولاته الأولى في الزهد، ثم الروايات الرسمية لقضيته، وصولًا إلى المشهد الجلى لاستشهاده. إنه يكشف عن أصالة هذا المتصوف، الذي رفض «نظام السرية» الفطن الذي خضع له أتباع الصوفية الآخرون، كما يكشف عن أصالة هذا المبشر الجوال، الذي يعظ مذكرًا بساعة الندم وبالحلول الصوفى لسلطان الله في القلوب، لا بالثورة الاجتماعية كما كان يفعل الدعاة الآخرون في عصره. ويتضمن القسم الثانى «خلود الحلاج»، إذ يستطرد الكاتب فيه باستمرار باحثًا في أعماق الفكر الاجتماعى الدينى لتلك المرحلة، فيحيط بدقائق الحياة الإسلامية في ذلك الزمان، حتى أدق التفاصيل.. فيجد القارئ لوائح غزيرة بأسماء قلّما ذُكرت، وتفاصيل معمارية وجغرافية لا يتطرق إليها التاريخ عادة بأى إشارة، في محاولة إحياء مناخ الحياة اليومية التي أحاطت بحياة ومأساة الحلاج.
الجزء الثالث يشرح مذهب الحلاج، حيث العرض المنهجى لمذهبه ضمن إطار علم الكلام في زمانه. وقد أعدنا بناءه من مؤلفاته الشخصية المترجمة (حرفيًّا) في محاولة لتبيان: كيف حددت تأدية الشعائر عند هذا المسلم المؤمن، حتى ممارسته للصلاة والتأمل والتبشير، معالم «أزمة الذات» الهائلة التي أوصلته إلى قضيته ومقتله. ويقدم القسم االرابع مجموعة مستفيضة من المصادر الحلاجية وفقًا للترتيب الزمنى، تضمنت أكثر من 1415 مؤلَّفًا، لـ«953» كاتبًا، مع مقدمة من هذه الكتلة العظيمة من الصخور، بضع شذرات من معدن ثمين، كتفاصيل مميزة وتقديرات نالت ما تستحق من تأمل بحثى في تلك العلاقة بين موت الحلاج وحياته باعتبارهما متكاملين.
ثقافة لويس ماسينيون ترجمات شهيد التصوف كتاب آلام الحلاجالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين ثقافة ترجمات زي النهاردة
إقرأ أيضاً:
“7 أكتوبر”.. سقوط أسطورة الكيان وإعادة رسم موازين القوة
يمانيون | تقرير
بعد مرور عامين على عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، لا تزال آثار الهزيمة الإسرائيلية واضحة على الصعيدين العسكري والسياسي، بإقرار قادة العدو ووسائل إعلامه العبرية بأنها أقسى هزيمة في تاريخ جيش الاحتلال.
الهزيمة لم تكن عابرة، بل قلبت مفاهيم القوة الراسخة وأحدثت زلزالًا استراتيجيًا غير مسبوق في المنطقة، حيث أصبح الجيش الذي كان يُنظر إليه كأقوى قوة في الشرق الأوسط معرضًا للهزيمة والإحراج التاريخي.
الجيش الذي انهار أمام المقاومةخلال العملية، نجحت المقاومة الفلسطينية في استهداف نقاط ضعف جيش العدو الإسرائيلي بدقة ومخطط محكم، ما أدى إلى هزيمة وحدات عسكرية بالكامل، احتلال مستوطنات وقواعد، وخطف المئات من الجنود والمستوطنين.
هذه الإنجازات أكدت قدرة المقاومة على الجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الميداني، وأظهرت أن جيش العدو، رغم صورته الأسطورية، ليس عصيًا على الهزيمة.
الاعتراف الصهيوني الرسمي والإعلامي أكد أن الهزيمة لم تكن مجرد خلل تكتيكي أو استخباراتي، بل نتيجة هشاشة شاملة في منظومة الردع، ما جعل الجيش يتعرض لإحراج عالمي، وأظهر أن حتى أقوى الجيوش التقليدية يمكن أن تنهار أمام إرادة منظمة ومخطط استراتيجي محكم.
هزيمة تهز الثقة الداخلية للعدوانعكست الهزيمة على المجتمع الصهيوني، حيث بدأ الشارع يفقد الثقة في قيادته السياسية والعسكرية، وسائل الإعلام الإسرائيلية وصحفيون صهاينة وصفوا الوضع بـ”الأزمة الوجودية”، مؤكدين أن الجيش لم يعد قادرًا على حماية المواطنين.
الهزيمة كشفت الفجوة بين الصورة الرسمية للجيش القوي والواقع الميداني، وأثارت تساؤلات حول قدرة القيادة على مواجهة التحديات المستقبلية، لتصبح الحدث ذا تداعيات استراتيجية طويلة المدى.
إعادة رسم موازين القوة الإقليميةلم تقتصر تداعيات العملية على غزة فحسب، بل امتدت لتغيير التوازنات الإقليمية بشكل جذري، الهزيمة أبرزت محدودية القوة العسكرية الصهيونية أمام تنظيم المقاومة الفلسطينية، مما دفع القوى الإقليمية والدولية إلى إعادة تقييم مواقعها ونفوذها في المنطقة.
تصريحات مسؤولين إسرائيليين أكدت أن الهزيمة قلبت المعادلات وأجبرت الكيان على الاعتراف بأن الشعب الفلسطيني قادر على تحدي أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر، وهو واقع يعيد صياغة الخطط الاستراتيجية للدول المحيطة ويؤثر على سياسات الأمن والتعاون العسكري في الشرق الأوسط.
الهزيمة كدرس استراتيجيالهزيمة الإسرائيلية لم تكن مجرد نكسة عسكرية، بل درس تاريخي كشف هشاشة منظومة الردع التي اعتمد عليها الكيان لعقود، الاعتراف الإسرائيلي يعكس الحاجة الملحة لإعادة تقييم السياسات العسكرية وفهم تكتيكات المقاومة وقدرتها على التخطيط طويل المدى.
على الصعيد السياسي والاجتماعي، كشفت الهزيمة عن هشاشة القيادة الصهيونية وفقدانها للمصداقية داخليًا، مؤكدة أن الاستقرار والأمن القومي لا يقومان على الشعارات الزائفة أو القوة العسكرية المزعومة، بل بالقدرة الفعلية على مواجهة التحديات والتهديدات الواقعية التي يفرضها الشعب الفلسطيني ومقاومته المنظمة.
سقوط وهم القوة المطلقةبعد عامين، يظهر جليًا أن هزيمة 7 أكتوبر لم تكن حادثًا عابرًا، بل درس تاريخي يتجاوز حدود المواجهة العسكرية، الاعتراف الإسرائيلي بالهزيمة يعكس حجم الصدمة التي أصابت المؤسسة العسكرية والمجتمع، فيما أثبتت المقاومة الفلسطينية أن الإرادة والتخطيط الاستراتيجي قادران على قلب المعادلات وإعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي في المنطقة.
الهزيمة أعادت تعريف مفهوم القوة، وأكدت أن الأساطير العسكرية يمكن أن تنهار أمام إرادة الشعب المنظم والمصمم على تحقيق أهدافه، وأن التاريخ لا يرحم من يعتقد أن قوته المطلقة لا تُقهَر.
7 أكتوبر أثبت أن إرادة الشعب الفلسطيني أقوى من كل أساطير القوة الزائفة، وأن المقاومة المدروسة والمخططة تصنع التاريخ.
المصدر : موقع 21 سبتمبر