مارس و"الأحجار السبع" وكوارث أخرى!
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
منذ مطلع القرن العشرين شهد شهر مارس عدة حوادث تلوث نفطي كبرى، أحدها تمثل في غرق ناقة النفط "إكسون فالديز" قبالة سواحل ألاسكا في 24 مارس عام 1989.
إقرأ المزيدتلك الكارثة النفطية البيئية نجمت عن جنوح ناقلة النفط "إكسون فالديز" التابعة لشركة إكسون الأمريكية في خليج الأمير ويليامز قبالة سواحل ألاسكا وكانت محملة بـ 54.
تسرب حوالي 260 ألف برميل من النفط أي ما يزيد عن 48 ألف طن من في مياه المحيط من خلال ثقب في هيكل الناقة، ونتيجة لذلك، تضررت أكثر من 2500 كيلومتر مربع من المياه البحرية، وتعرض 28 نوعا من الحيوانات للخطر.
لم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إلى منطقة الكارثة النفطية ما زاد من المضاعفات حيث تشكلت بقعة نفطية امتدت على مساحة 28 ألف كيو متر مربع، وتلوث حوالي ألفي كيلو متر من الساحل بالنفط.
سواحل ألاسكا تلك كانت تعج بأسماك السلمون وبثعالب البحر والفقمة والحوت القاتل، وبالعديد من الطيور البحرية. بعد أن تلوثت مساحة كبيرة من خليج الأمير وليام بالنفط، نفق عدد هائل من الأسماك والحيتان والحيوانات لبحرية والطيور والعوالق والكائنات الأخرى.
خبراء في كوارث التلوث البحري أكدوا أن الأضرار التي لحقت بالطبيعة في المنطقة سيكون لها عواقب على القرن 21 بأكمله. شركة "إكسون" في محاولة لـ"إصلاح" سمعتها التي تضررت بشدة نتيجة لتلك الكارثة، قررت التخلي نهائيا عن ناقلاتها النفطية العملاقة.
كارثة التلوث النفطي الثانية حدثت صبيحة 16 مارس عام 1978 قبالة سواحل بريتاني في فرنسا. هناك جنحت على صخور ضحلة ناقة النفط " أموكو كاديس" وهي محملة بحوالي مليوني برميل من النفط الخام الخفيف. سوء الظروف الجوية في تلك المنطقة، أعاق عمليات الإنقاذ ولم تستطع قوارب القطر تثبيت الناقلة. تقطعت الحبال في محاولة أولى لسحب السفينة، وفيما كانت الثانية جارية، دفعت الرياح الشديدة والأمواج العالية بقوة الناقلة نحو سواحل بريتاني، فتحطمت على الصخور. تضرر هيكل الناقلة وتسرب النفط من الثقوب إلى البحر.تلوث حوالي 321 كيلومترا من الساحل الفرنسي ببقعة نفطية تسببت في نفوق ملايين اللافقاريات مثل المحار والقشريات، وما يقدر بنحو 20000 طائر، علاوة على تلوث أحواض تربية المحار في المنطقة.
شركة أموكون مالكة الناقلة المنكوبة وافقت في عام 1990 على دفع 120 مليون دولار للمتضررين الفرنسيين، إضافة إلى 35 مليون دولار أخرى مُنحت لشركة رويال داتش شل، صاحبة النفط الضائع. اما التوازن البيئي في تلك المنطقة، فبض الخبراء يقول إنه لا يزال مختلا حتى الآن.
الكارثة البيئية الثالثة كانت جرت قبالة الساحل الغربي لمقاطعة كورنوال، جنوب غرب بريطانيا في ستينيات القرن الماضي وتحديدا في 18 مارس عام 1968. في ذلك الوقت بدأت في الظهور ناقلات النفط الضخمة التي تزيد همولتها عن 100 ألف طن من المواد الخام.ناقلة النفط "توري كانيون" كانت تعد وقتها من أوائل ناقلات النفط العملاقة. نتيجة لخطأ ارتكبه القبطان اصطدمت الناقلة البريطانية بمنطقة شعاب مرجانية خطرة علقت بها في السابق الكثير من السفن تعرف بـ"الأحجار السبع". ما تسبب في انشطار الناقلة إلى قسمين وبدء تسرب النفط إلى مياه المحيط.
حاول رجال الإنقاذ بمساعدة وحدات للجيش البريطاني لعدة أيام إنقاذ الناقلة المنكوبة، إلا أن ثلاث قاطرات لم تستطع تحريكها بتاتا، بعد ذلك، لم يستطع هيكل العملاق تحمل الأثقال، وانشطر إلى قسمين، وبدأا ببطء في الغرق، فيما تواصل تسرب النفط.
السلطات قررت حرق النفط المنسكب باستعمال البنزين والقنابل، وقامت طائرات لعدة أيام، بإسقاط الوقود وقنابل ضخمة في موقع الحادث إلى أن تلاشى النفط الموجود على السطح وفي قسمي الناقلة.
اللافت أن الكارثة البيئية لم تحدث بسبب تسرب النفط فقط، بل نتيجة للمحاولة الفاشلة للقضاء على البقعة النفطية من خلال سكب مواد كيمائية في المياه ما جعل الزيت المتسرب ساما للغاية. في المحصلة تلوث حوالي 300 كيلومتر من الساحل بالنفط ونفق 15000 طائر إضافة إلى عدد كبير من الحيوانات البحرية.
الكارثة الرابعة وهي الاقدم، جرت في 14 مارس عام 1910، وكان مسرحها ولاية كاليفورنيا التي شهدت أكبر تسرب نفطي مسجل في تاريخ التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة. حدث ذلك في بئر النفط "ليكفيو غوشر".كانت التقنيات الوقائية أثناء عمليات الحفر مطلع القرن العشرين غير فعالة بشكل كاف، ولم تصمد معدات الحفر أمام ارتفاع ضغط تدفق النفط ما أدى إلى تلوث المنطقة بمليون ومئتين وعشرين ألف طن من النفط. التسرب لم يتم وقتها وقفه إلا بعد مرور 18 شهرا.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف النفط والغاز ناقلات النفط تسرب النفط مارس عام
إقرأ أيضاً:
وفاة «جنان» تكشف الكارثة.. وتحذير دولي: الوضع خطير
- أهالي غزة يدخلون المرحلة الخامسة.. و«الأسبوع» توثق قتل البراءة في القطاع
- جدّ «جنان»: «أسرتنا ليست الوحيدة.. وأطفالنا يدفعون ثمن الحصار»
- مدير عام صحة غزة: «نعيش أخطر مراحل المجاعة وفق التصنيف الدولي»
- مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: «الواقع الإنساني شديد الكارثية»
- مسئولة برنامج الأغذية العالمي: «وزّعنا آخر ما تبقّى من مخزون المساعدات»
- الحكومة الإسرائيلية تواصل التعنّت.. وبرنامج الأغذية العالمي يعلن نفاد مخزونه
- إسرائيل تتعمّد استهداف 29 تكية طعام و37 مركزًا لتوزيع المساعدات الغذائية
- «علبة لبن» تقتل طفلة عمرها4 شهور.. و«الحصار» يرفع معدلات الموت
- الأطفال هم الضحية.. واليونيسف: وفاة أكثر من 15 ألف طفل بسبب العدوان
وسط نومهم المتقطع نتيجة تجدُّد العدوان الإسرائيلي على القطاع، منذ الثامن عشر من مارس الماضي، استيقظ أهالي منطقة غرب مدينة غزة، قبل ساعات، على فاجعة إنسانية جديدة، توفيت الطفلة جنان صالح السكافي (4 أشهر) في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، لأن المتبقين من أسرتها فشلوا في توفير «علبة لبن» لإنقاذها من سوء التغذية الذي أنهك جسدها الصغير.
الدموع تكاد تقفز من عيون جدّها، خليل محمد السكافي، وهو يروي لـ«الأسبوع» تفاصيل المأساة. قال: «أسرتنا ليست الوحيدة، كثيرون أصبحوا عاجزين عن تأمين الأساسيات اللازمة للمعيشة، أطفالنا هم نقطة الضعف، والأكثر تأثرًا بسلاح التجويع الذي تستخدمه إسرائيل وقواتها المنتشرة في القطاع».
بدت نبرات صوت «السكافي» تزداد تحشرجًا وهو يوضح أن «الطفلة الشهيدة جنان عنوان لأزمة معيشية حادة، مئات الأطفال في مثل عمرها بحاجة إلى علبة لبن وكوب ماء نظيف، الرضيع لا يستطيع العيش بدون غذائه الأساسي يوميًا، نفقد المزيد من أطفالنا نتيجة سوء التغذية وانهيار النظام الصحي في غزة».
أكّد «السكافي» أن «جنان وُلدت بصحة جيدة، ووزنها كان طبيعيًا، حوالي ثلاثة كيلوجرامات بعد الولادة، كان وزنها يزداد بشكل طبيعي حتى بلغ أربعة كيلوجرامات في الشهر الأول، لكن خلال الشهر الثاني، ومع شدة الحصار الإسرائيلي وإغلاق جميع المعابر الحدودية، بدأت حالة الطفلة تتدهور بشكل سريع، أصيبت بإسهال مزمن، نُقلت على إثره إلى المستشفى، وظلّت هناك عشرة أيام».
أضاف الجدّ (بحرقة): «الأطباء أرجعوا سبب تدهور حالتها إلى سوء التغذية، نوع الحليب لم يكن متوافقًا مع حالتها الصحية، ووزنها بدأ ينخفض تدريجيًا، فشلنا في توفير حليبٍ علاجي مناسب لإيقاف الإسهال وتحسين التغذية، لأن القطاع محاصر، طرقنا أبواب وزارة الصحة، لكن لم نجده، كانت حالتها تسوء أكثر، وبسبب نقص الأكسجين وانخفاض السكر، حدث هبوط حاد في الحرارة، ولم يتمكن الأطباء من فعل شيء، ثم فارقت الحياة».
اعتراف بمأساة التجويعالطفلة «جنان» لن تكون الأخيرة، فمع تعمُّد إسرائيل مواصلة إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول المساعدات الغذائية والدوائية إلى القطاع طوال 65 يومًا، يعيش سكان غزة واحدةً من أسوأ الكوارث الإنسانية، إذ تنفد المواد الأساسية، وتغدو الأسواق شبه خالية، بينما يقرص الجوع بطون الأطفال، ويُنهك النساء، ويُذيب أجساد المرضى وكبار السن.
تتعمّد إسرائيل «منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس الماضي، مع صعوبة الحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب والمأوى والرعاية الطبية»، وتؤدي هذه الممارسات، التي تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، إلى «ارتفاع معدّلات سوء التغذية والأمراض، وزيادة وفيات الأطفال في عموم مناطق القطاع»، وفق ما أفادت به وكالة «اليونيسف».
تعترف وكالة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال بأن «الحرب في قطاع غزة تسببت في خسائر هائلة للأطفال، إذ قُتل أكثر من 15 ألف طفل، وأصيب أكثر من 34 ألفًا آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023، فيما تشتّتت أسر العديد منهم نتيجة النزوح وتدمير معظم المنازل»، حيث تشير المعلومات الرسمية للوكالة إلى أنه «منذ انهيار وقف إطلاق النار في 18 مارس، قُتل أكثر من 322 طفلًا وأصيب 609 آخرون».
وتوضح الوكالة أنه بعد تجدُّد العدوان، يُقتل أو يُصاب يوميًّا نحو «100 طفل، معظمهم من النازحين الذين يعيشون في خيام مؤقتة أو بيوت مهدّمة»، مشيرة إلى أن «القصف الشرس والعشوائي، والحظر الكامل على دخول الإمدادات إلى القطاع، يضعان الاستجابة الإنسانية تحت ضغط شديد، ويعرّضان مدنيي غزة، خاصة الأطفال -ويُقدّر عددهم بنحو مليون تحت سن 18 عامًا- للخطر».
أخطر مراحل المجاعةأكد مدير عام الصحة في غزة، الدكتور ماهر شامية، لـ«الأسبوع» أن «القطاع يعيش، اليوم، أخطر مراحل المجاعة، المرحلة الخامسة وفق التصنيف الدولي لمستويات انعدام الأمن الغذائي، والتي تشير إلى انتشار سوء التغذية الحاد، وحدوث وفيات يومية بسبب الجوع، وانهيار تام في النظم الغذائية».
وأوضح «شامية» أن «شمال غزة يُعد الأكثر تضررًا، إذ يواجه السكان انهيارًا شبه كامل في النظامين الغذائي والصحي».
ويُعدّ التصنيف الدولي للأمن الغذائي مكوَّنًا من خمس مراحل، تبدأ من مرحلة «الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي»، وتنتهي بمرحلة «المجاعة / الكارثة» التي يعيشها أهالي القطاع حاليًّا، وهي مرحلة بالغة الخطورة، تشير إلى وفاة أشخاص يوميًّا جراء الجوع وسوء التغذية، إلى جانب انهيار كامل في آليات الوصول إلى الغذاء أو تقديم الرعاية الصحية.
وفيما شدد شامية على أهمية «التدخل الإنساني العاجل لإنقاذ أرواح الملايين، لاسيما مع انقطاع المساعدات وتوقف سبل الإمداد الغذائي»، أشار إلى أن «الأطفال في غزة هم الفئة الأكثر تضررًا من الجوع، إذ يعاني أكثر من 65 ألف طفل من سوء التغذية الحاد، إلى جانب تسجيل وفاة العشرات حتى الآن نتيجة ما يحدث، في مشاهد تختزل حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع».
وأشار شامية إلى أن «التأثير لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل يمتد إلى الفئات العمرية الأخرى من الأهالي، حيث يعاني نحو 220 ألف مريض مزمن من تداعيات الجوع، مما يفاقم حالتهم الصحية ويعرض حياتهم للخطر، كما سُجل ارتفاع لافت في نسب الإصابة بفقر الدم، ليس فقط بين المرضى، بل حتى بين المتبرعين بوحدات الدم».
وبيّن أن «الفحوصات تُظهر أن معظم المتبرعين يعانون من ضعف دم شديد، ما يشير إلى تأثر عام في الصحة المجتمعية نتيجة تدهور الوضع الغذائي»، وسلّط شامية الضوء على أوضاع النساء، مؤكدًا أن «نحو 50 ألف أم مرضعة تعاني من هزال وسوء تغذية حاد، ما ينعكس سلبًا على صحتهن، وعلى صحة أطفالهن الرضّع الذين يعتمدون بشكل أساسي على تغذية الأمهات».
المخزون الغذائي ينفدحاولت «الأسبوع» الوقوف على واقع المأساة التي يعانيها قاطنو قطاع غزة، وطرقت باب برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، أكبر منظمة إنسانية في العالم تُعنى بإنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ.
وقالت الناطقة باسم البرنامج، د.عبير عطيفة: «وزعنا، يوم الجمعة الماضي، آخر ما تبقى من المخزون الغذائي على مطابخ الوجبات السريعة والساخنة في قطاع غزة».
وأضافت عطيفة: «يشكّل هذا المخزون المصدر المنتظم الوحيد لتوفير وجبات الطعام، وقد لبّى نحو 25% من الاحتياجات الغذائية اليومية للسكان»، لكنها حذّرت من أن «المواد الغذائية المتوفرة قد تنفد خلال يوم أو يومين على الأكثر، في ظل توقف البرنامج عن دعم المخابز».
وأوضحت أن «25 مخبزًا مدعومًا من البرنامج أغلقت أبوابها في 31 مارس، بسبب نفاد الدقيق ووقود الطهي».
ووفقًا لعطيفة، فإن الحصص الغذائية التي كان البرنامج يوزعها على الأسر كانت تكفي لمدة أسبوعين، وسط قلق بالغ من نقص حاد في مياه الشرب الآمنة ووقود الطهي، إلى جانب شح المواد الغذائية، وفي ما يخص أزمة إدخال المساعدات، أشارت إلى أن «المعابر الحدودية مغلقة منذ 2 مارس».
وتُوزع المساعدات عبر شركاء البرنامج بالتعاون مع موظفيه المنتشرين في جميع المناطق التي ينشط فيها داخل القطاع. لكن المواد التي سُمح بإدخالها كانت تقتصر فقط على الأغذية.
وأكدت عطيفة أن «معظم المخزون قد نفد بالفعل، بعدما جرى إدخاله خلال فترة التهدئة التي استمرت 42 يومًا، وانهارت في 18 مارس الماضي».
وأشارت إلى أن البرنامج أطلق مناشدات متكررة، وتواصل مع جميع الجهات المعنية، خصوصًا إسرائيل، للضغط من أجل فتح المعابر والسماح بإدخال المساعدات، إلا أن البرنامج «لم يتلقَّ ردودًا مشجعة حتى الآن».
وحول التحديات الميدانية، أوضحت عطيفة أن «الوضع الأمني في غزة يعيق العمل الإغاثي، في ظل استهداف العاملين في المجال الإنساني».
ورغم أن فرق البرنامج مدرّبة على العمل في مناطق النزاع وتحت القصف، إلا أن الظروف الحالية ــ بحسب تعبيرها ــ «تتجاوز حدود القدرة على الاستمرار».
وحذّرت من تفاقم أزمة الأمن الغذائي، خصوصًا أن الأسواق في القطاع تشهد تدهورًا حادًّا وارتفاعًا جنونيًّا في أسعار المواد الغذائية، بلغ نحو 1400% مقارنة بفترة وقف إطلاق النار، حتى في حال توفر هذه المواد.
وأكدت عطيفة أن هذا الوضع «ينذر بخطر كبير على الفئات الأضعف، خاصة الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات، وكبار السن»، وكشفت عن أن البرنامج يحتفظ بأكثر من 116 ألف طن متري من المساعدات الغذائية الجاهزة للتوزيع، مخزنة على الممرات الإنسانية والمعابر الحدودية، وهي كافية لإطعام مليون شخص لمدة أربعة أشهر، لكنها لا تزال في انتظار «موافقة إسرائيل».
حرمان وعنف مميتوعن أوضاع الأطفال في أعقاب استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة، حذّرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، كاثرين راسل، من أن الأطفال «أصبحوا وسط دائرة الحرمان والعنف المميت»، مشيرة إلى أن «المساعدات الإنسانية، التي كانت شريان الحياة الوحيد لهم، توشك على النفاد»، وأكدت راسل أن «كل يوم يمرّ دون إدخال المساعدات، يزيد من خطر المجاعة والمرض والموت الذي يتهدد الأطفال».
وأوضحت أن «مخزون اللقاحات شارف على النفاد، في وقت تتسارع فيه وتيرة تفشي الأمراض، خاصة الإسهال المائي الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة»، مضيفة أن «معدلات سوء التغذية تسجّل ارتفاعًا ملحوظًا، إذ بات مئات الأطفال ضحايا لسوء التغذية الحاد خلال الشهور الأخيرة من العام الجاري»، كما نبّهت إلى أن «انعدام الأمن وحالات النزوح تحول دون وصول المتضررين إلى مراكز العلاج».
من جانبه، اتّهم مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الدكتور إسماعيل الثوابتة، الاحتلال الإسرائيلي بـ«استخدام الغذاء كسلاح حرب»، من خلال فرض حصار خانق وإغلاق شامل للمعابر، دخل يومه الخامس والستين على التوالي، ما أدى إلى وفيات في صفوف الأطفال وكبار السن، وسط تحذيرات من ارتفاع العدد خلال الأيام المقبلة.
وبيّن الثوابتة لـ«الأسبوع» أن نحو 3500 طفل دون سن الخامسة يواجهون خطر الموت جوعًا، نتيجة الجوع الحاد وسوء التغذية، في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المنشآت الإنسانية التي تقدم الدعم الغذائي، وكشف أن قوات الاحتلال استهدفت 29 تكية طعام و37 مركزًا لتوزيع المساعدات، في سياسة وصفها بأنها تهدف إلى «تعميق معاناة السكان، وتشكل جريمة إنسانية ترتقي إلى مستوى العنف الممنهج ضد المدنيين».
وأكد الثوابتة أن «هذا الواقع الإنساني الكارثي يجسد جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مرأى ومسمع العالم، وسط صمت دولي مخزٍ، ومشاركة ضمنية في معاناة شعب أعزل يُحرم من أبسط حقوقه الإنسانية في الغذاء والعلاج والبقاء»، ودعا في ختام تصريحه إلى ضرورة الضغط الدولي العاجل على الاحتلال من أجل فتح المعابر المغلقة.
المساعدات تواجه صعوباتجدّد الدكتور إسماعيل الثوابتة دعوته إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، لإدخال المساعدات الغذائية والدوائية العاجلة إلى قطاع غزة، محذرًا من أنّ «الوقت بدأ ينفد».
وشدّد على ضرورة توفير حليب الأطفال، والمكملات الغذائية، وعشرات الأصناف من الأدوية الأساسية، مشيرًا إلى وجود جهات دولية وإقليمية ومحلية جاهزة لتقديم الدعم، لكنها تواجه صعوبات في الوصول.
وتبرز في هذا السياق أدوار فاعلة لمؤسسات دولية تعمل رغم التحديات، يأتي في مقدمتها برنامج الأغذية العالمي (WFP)، الذي يقدّم مساعدات غذائية للأسر المتضررة، ويتولى تشغيل المخابز خلال فترات الطوارئ، كما تؤدي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) دورًا حيويًا في تقديم المساعدات الطبية والإنسانية، خاصة أثناء التصعيد العسكري.
وفي مجال المياه وسبل العيش، تعمل منظمة أوكسفام (Oxfam) على توفير مياه نظيفة وتحسين الظروف المعيشية، بينما تسهم منظمة أنيرا (Anera) في دعم قطاعي الصحة والتعليم، إلى جانب تنفيذ استجابات طارئة للحدّ من تداعيات الكوارث المتواصلة، كذلك، تبرز منظمة «رحمة» (Mercy-USA) من بين الجهات التي تقدم مساعدات طبية وغذائية وتعليمية في القطاع المحاصر.
وتُعد شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (PNGO) واحدة من أكبر مظلات العمل الأهلي، وتضم أكثر من 130 منظمة غير حكومية تنشط في مجالات متعددة داخل غزة. وفي موازاة ذلك، تواصل جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، إضافة إلى جمعيات الهلال الأحمر الإماراتي، والقطري، والمصري، والفلسطيني، تقديم خدمات إنسانية وطبية حيوية، رغم التعقيدات الميدانية الشديدة.
وأوضح الثوابتة أن «جميع المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة تمر عبر المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، ويتم تنسيق إدخالها من خلال المؤسسات الإغاثية الدولية، دون أي تدخل من الجهات الحكومية المحلية».
وأشار إلى أن «هذه المؤسسات، بالتعاون مع منظمات أهلية محلية، تشرف على توزيع أكثر من 85% من المساعدات».
أما وزارة التنمية الاجتماعية، وهي جهة مهنية مستقلة لا تتبع أي فصيل سياسي، فتشرف على توزيع ما يزيد عن 15% من المساعدات، من خلال برنامج محوسب موحد، يغطي مختلف مناطق القطاع، ويُتاح الاطلاع عليه بشفافية تامة لكافة الجهات المعنية.
وحذّر الثوابتة من أن استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات سيُفاقم الأزمة ويقود إلى انهيار إنساني شامل، وفي ختام تصريحه، دعا إلى توحيد الجهود المحلية والدولية لإنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة، ومحاسبة الاحتلال على استخدام الغذاء والدواء كسلاح ممنهج ضد سكان غزة.
لقد تجاوزت مأساة غزة حدود التقارير والأرقام، وتحولت إلى وجوه وقصص يومية لأناس يموتون بصمت، ففي الوقت الذي تُسلب فيه أرواح المدنيين بقذائف الاحتلال، يُصارع الباقون موتًا بطيئًا بفعل الجوع والعطش وانهيار الرعاية الصحية.
اقرأ أيضاًوزير الخارجية يؤكد خلال لقائه مع جوتيريش ضرورة استئناف وقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة
وزير الخارجية يبحث مع وزير الدولة الإماراتي المستجدات في غزة واليمن وليبيا وسوريا
مؤتمر دولي في القاهرة لإعادة إعمار غزة.. «وزير الخارجية» يُعلن الموعد