في حادثة غير مسبوقة، تراجعت جماعة الحوثي عن إجراءاتها الأحادية والتعسفية بحق القطاع المصرفي والمالي في اليمن بعد نحو 10 أيام من محاولتها إفشال الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في عدن مؤخراً لضبط السوق المصرفي.

وبدأت القصة مع تعميم بنك صنعاء المركزي التابع للجماعة بمنع التعامل مع "الشبكة الموحدة للأموال" التي أنشأها البنك المركزي بعدن وألزم البنوك وشركات ومنشآت الصرافة العاملة بالمناطق المحررة بالتعامل عبرها، موجها بوقف التعامل مع أكبر بنكين يقفان خلف الشبكة وهما بنكا "القطيبي والبيسري".

الإجراءات التعسفية من قبل بنك صنعاء الخاضع للجماعة الحوثية ورد البنك المركزي بعدن عليها بوقف التعامل مع بنوك وشركات صرافة التي استجابت لها، أدت بالمحصلة إلى وقف شبه كلي لعمليات تحويل الأموال بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.

لتنهي الأزمة، أمس الثلاثاء، باتفاق غير معلن قضى بتراجع بنك صنعاء الخاضع للجماعة الحوثية عن كل إجراءاته السابقة والسماح للبنوك وشركات الصرافة العاملة بمناطق سيطرة الجماعة بالتعامل مع الشبكة الموحدة وإعادة التعامل مع بنكي "القطيبي والبيسري"، مقابل تراجع البنك المركزي في عدن عن توجيهات بوقف التعامل مع البنوك وشركات الصرافة التي استجابت لإملاءات بنك صنعاء.

بنود الاتفاق التي كشف عنها مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، كان لافتاً فيها تعهد البنوك التجارية بعدم مخالفة توجيهات البنك المركزي في عدن، وهو ما يجعل من هذا الاتفاق أول هزيمة حقيقية للجماعة الحوثية في الملف الاقتصادي وكسر لإجراءاتها العبثية والتعسفية التي أدت إلى انقسام العملة في اليمن.

>> انتهاء أزمة التحويلات بفرض "مركزي" عدن قراراته على ذراع إيران

وما يثير الانتباه في الاتفاق هو أنه جاء بناءً على تحرك وجهود جمعية البنوك وجمعيتي الصرافين بصنعاء وعدن وفق نصر، وهي خطوة غير مسبوقة على مدى السنوات الماضية وعلى الرغم من سلسلة الإجراءات "الانفصالية" التي أقدمت عليها الجماعة الحوثية وكانت بدايتها بقرارها منع تداول العملة المطبوعة من قبل البنك في عدن أواخر عام 2019م.

هذا التحرك غير المسبوق من قبل البنوك التجارية وتراجع الجماعة الحوثية عن إجراءاتها لأول مرة، يعود لأسباب خاصة متعلقة بكل طرف، فالجماعة تعيش حالياً أزمة سيولة خانقة جراء تلف العملة القديمة باتت تهدد استقرارها بمناطق سيطرتها، وهو ما يضعف قدرتها في تحمل تداعيات مواصلة العبث بالملف الاقتصادي.

في حين أن تحرك البنوك وشركات الصرافة يشير إلى المخاوف المتنامية لديها من مخاطر تمردها على السلطة الشرعية ممثلة بالبنك المركزي في عدن استجابة لأوامر جماعة الحوثي المصنفة حالياً على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية، جراء مهاجمتها للسفن التجارية بالبحر الأحمر وخليج عدن.

حيث تخشى البنوك التجارية وشركات الصرافة في اليمن من أي اتهام بعلاقتها او ارتباطها بتسهيل العمليات المالية للجماعة الحوثية، قد يضعها في قوائم العقوبات التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية من حين لآخر لملاحقة شبكات التمويل الإيرانية، آخرها كان أمس الثلاثاء ضد 6 كيانات بتهمة أنهم "وسطاء ماليون وتجاريون لمليشيا الحوثي الإرهابية وحزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني".

ويسهل التصنيف الأمريكي للجماعة الحوثية ضمن قوائم الإرهاب، الطريق أمام الحكومة الشرعية في تضييق الخناق سياسياً وعسكريا واقتصادياً وقطع او تجفيف الموارد عنها من خلال تحجيم التعامل التجاري والمالي القائم حالياً بينها وبين العالم باعتبارها "سلطة أمر واقع" في اليمن.

وهو ما سيمثل ضربة قاضية للمليشيات الحوثي بإنهاء تحكمها في عدد من الملفات الهامة وعلى رأسها ملف الاتصالات الذي لا تزال تتحكم به بسبب استمرار تعامل الشركات الدولية التي تدير الكابلات البحرية المزودة لخدمة الانترنت للجمهورية اليمن، مع الجماعة الحوثية، وعدم اعترافها بمؤسسة الاتصالات الشرعية في عدن.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك فشل وزارة الاتصالات والحكومة باستعادة السيطرة على الكابل البحري (AAE-1) الذي جرى تشفيره عبر مهندسين تابعين لجماعة الحوثي عام 2018م ومثل ذلك ضربة قاصمة للمشروع الحكومي الضخم المتمثل بشركة "عدن نت" والذي تجاوزت تكلفته 100 مليون دولار، لتقديم خدمة الجيل الرابع 4G بالمناطق المحررة بعيداً عن سيطرة الجماعة الحوثية.

فشل الشرعية في استعادة خدمات الكابل البحري جاء بسبب رفض الشركة التي تدير الكابل التعامل معها استجابة لمخاطبات من قبل مؤسسة الاتصالات التابعة للجماعة الحوثية في صنعاء والتي لا تزال تتعامل معها الشركات المديرة للكابلات البحرية باعتراف وزارة الاتصالات في عدن في بيان لها صادر الشهر الماضي.

إصرار هذه الشركات الدولية بالتعامل مع الجماعة الحوثية يمكن للحكومة الشرعية الآن أن تضع له حداً باستغلالها للتصنيف للأمريكي للجماعة وللغضب الغربي ضدها بسبب هجماتها ضد الملاحة الدولية، في اجبار هذه الشركات على وقف تعاملها مع الجماعة باتت مصنفة على قوائم الإرهاب، وهو ما سيشكل نصراً مهماً في قطع أكبر إيراد مالي تستفيد منه الجماعة في تمويل حروبها الداخلية ضد اليمنيين وضد العالم.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: البنک المرکزی فی عدن للجماعة الحوثیة الجماعة الحوثیة وشرکات الصرافة التعامل مع بنک صنعاء فی الیمن من قبل وهو ما

إقرأ أيضاً:

حول قضية الأسلحة الكيميائية والعقوبات الأمريكية

خالد عمر يوسف أصدرت الخارجية الأمريكية عقوبات على السودان إثر اتهامات باستخدام القوات المسلحة لأسلحة كيميائية في العام ٢٠٢٤ خلال الحرب الدائرة بينها وقوات الدعم السريع، وتشمل العقوبات قيوداً على الصادرات الأمريكية للسودان إضافة لعقوبات اقتصادية أخرى. اتخذ الفريق الداعم للقوات المسلحة وجهة نفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً دون تثبت، واستعار بعضهم تعبيرات المخلوع البائسة مثل “امريكا تحت جزمتي”، وقال وزير إعلام بورتسودان أن أمريكا قد نحت هذا المنحى لتخفي آثار استخدام الدعم السريع لأسلحة أمريكية خلال الحرب الحالية. هذه الوجهة ليست مفيدة وضررها أكبر من نفعها، حيث أن الأمر أكثر خطورة ويحتاج لتناول موضوعي من كافة جوانبه، يضع حياة البشر وكرامتهم وأمانهم أولاً وفوق كل شيء، وهنا أريد أن أتحدث عن جانبين من هذه القضية، هما الاتهام نفسه والعقوبات المترتبة عليه. الحقيقة هي أن هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تقارير تتهم القوات المسلحة باستخدام أسلحة كيميائية، فقد صدرت من قبل تقارير عديدة منها تقرير منظمة العفو الدولية في سبتمبر 2016، تحت عنوان “الأرض المحروقة، الهواء المسموم”، والذي أورد أدلة على استخدام القوات المسلحة لأسلحة كيميائية في منطقة جبل مرة خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2016، أدناه رابط التقرير: ‏ https://www.amnesty.org/…/sudan-credible-evidence…/ إضافة لتقارير أممية وحقوقية عديدة في الفترة منذ العام ٢٠٠٥، وأخيراً جاء تقرير نيويورك تايمز في ١٦ يناير الماضي، والذي أشار لاستخدام القوات المسلحة لأسلحة كيميائية في بعض المناطق الطرفية ضد قوات الدعم السريع، ووجود مخاوف من استخدامه في مناطق مكتظة بالسكان في الخرطوم، كما هو موضح في رابط الخبر ادناه: ‏https://www.nytimes.com/…/sudan-chemical-weapons… الغريب حقاً أن بعض من يقفون إلى جانب القوات المسلحة الآن وحاولوا التشكيك في الحادثة، هم ذات من تولى كِبر التسويق لتقرير منظمة العفو آنذاك، وهو سلوك مثير للغثيان إذ أنه يفتقر للحد الأدنى من الأخلاق للتعاطي مع قضية بهذه الخطورة، فلا يمكن أن تدعم اتهام استخدام هذه الأسلحة حين يوافقك سياسياً وتنبري للتشكيك فيه حين تغير موقعك السياسي! السودان دولة عضو في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية منذ العام ١٩٩٩ وهذه القضية خطيرة ولها عواقب مستقبلية وخيمة، ووفقاً للمؤشرات العديدة التي استندت عليها هذه الاتهامات سابقاً والآن فإن المطلب الصحيح هو ضرورة ابتدار تحقيق دولي مستقل وشفاف ومهني للتحقق من هذه الاتهامات وتمليك الرأي العام نتائجه دون أي تدخلات سياسية. الجانب الثاني من هذه القضية هو العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على السودان، وهي تمثل انتكاسة كبيرة للبلاد التي قطعت مشواراً طويلاً للتخلص من تركة نظام الإنقاذ الذي كبل السودان بالحصار الدولي جراء سياساته الإرهابية الإجرامية. حققت الحكومة المدنية الانتقالية نجاحات مهمة في فك الحصار عن السودان وتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، توجت ذلك برفع السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، ونجحت في تأهيل السودان لبرنامج إعفاء قسط وافر من ديونه وتسوية متأخراته، والحصول على دعم تنموي دولي وانفتاح البلاد على السوق العالمي، مما يسهم مباشرة في تحسين معاش الناس وحياتهم. قطع الانقلاب هذه المسيرة وعكس مجرى الإصلاحات التي جاءت بعد ثورة ديسمبر المجيدة، وتوالت العقوبات على قادة الدعم السريع والقوات المسلحة ومؤسساتهم، ولكن الفرق النوعي في العقوبات الأمريكية الأخيرة هي انها فرضت على البلد نفسها وليس على الأفراد، وهو ما يعيد السودان تدريجياً لظلام سنوات حكم الإنقاذ. إن هذا الأمر يتطلب انتباهة حقيقية وجهد وطني مخلص لمخاطبة الأسرة الدولية لاتخاذ مقاربات أكثر إحكاماً، بحيث لا تضر العقوبات بسائر أهل السودان الذين يعانون الأمرين جراء الحرب وتبعاتها. أخيراً فإننا لن نمل من تكرار ما هو معلوم بالبداهة. هذه الحرب ستقود بلادنا كل يوم من سيء لأسوأ. الخير في ايقافها اليوم قبل الغد، وهو أمر متاح متى ما توافرت الإرادة الوطنية لذلك. أرجو أن نبلغ ذلك قبل فوات الأوان، فكل يوم يمضي يزيد من تعقيد المشهد بصورة أكبر بكثير. الوسومخالد عمر يوسف

مقالات مشابهة

  • حول قضية الأسلحة الكيميائية والعقوبات الأمريكية
  • جنايات المنيا تُصدر حُكمًا بسجن 5 متهمين في قضية استغلال أطفال للهجرة غير الشرعية
  • العقوبات الاقتصادية الأمريكية ليس لها تأثيرٌ مباشر على السودان
  • أحمد موسى يكشف عدد الشركات الأمريكية التي تعمل في مصر
  • البنوك المصرية تخفض عوائد شهادات الادخار بالجنيه والدولار بعد قرار المركزي بخفض الفائدة
  • طالبات المراكز الصيفية الحوثية في صنعاء تحت طائلة التجنيد
  • بعد قرار المركزي رسميًا.. حد السحب اليومي من البنوك وماكينات الـATM
  • المكسيك تعترض على الضرائب الأمريكية بخصوص التحويلات المالية للمهاجرين
  • العقوبات الأمريكية والمزيد من العزلة والمعاناة
  • قوى سياسية سودانية لـ”المحقق”: العقوبات الأمريكية على السودان محاولة للتغطية وعلى الحكومة التعامل مع آثارها