تعقيباً على الأستاذ محمد لطيف، التدخل الأجنبي مرة أخرى
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
جمال عبد الرحيم صالح
تناول صديقنا العزيز الصحفي اللامع الأستاذ محمد لطيف في تحليله اليومي الشهير بتاريخ 26/3/2023، تناول بالنقد دعوات كاتب هذه السطور للتدخل الدولي كحل للأزمة السودانية الراهنة. على الرغم من ارتياحي الشخصي أن تكون مسألة الدعوة للتدخل الدولي حاضرة في المسرح العام، غض النظر عن موقف الآخرين منها، إلا أن مداخلة الأستاذ محمد لطيف ابتعدت لحد كبير عن تناول جوهر وتفاصيل ما ناديت أنا به.
يبدو أن حماس الأستاذ محمد لطيف لرأي البروفيسور فيصل عبد الرحمن علي طه عن انتهاء عصر الوصاية والانتداب على مستوى القانون الدولي، وهو رأي صحيح في الواقع، أنساه أنني أنادي بتدخل دولي تحت البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة، وهو بند قائم ومؤثر ومستخدم، بل أنه أستخدم حتى في بلادنا، حيث شكلت بعثة الأمم المتحدة لدارفور (اليوناميد) تحت مظلته. صحيح أنني ناديت في إحدى مقالاتي بالوصاية الدولية، وليس وصاية الأمم المتحدة التي لم تعد قائمة، باعتبار أن التدخل الدولي، غض النظر عن التسمية، إنما هو نوع من الوصاية في جوهره، يستند في كل الأحوال على فرضية أن الوضع في بلادنا يحتاج لمن يستعدل مساره، من خارج حدودها. في الواقع فإن أمر التدخل الدولي في شؤوننا ليس بالجديد، فقد أصبح أحد معالم فشلنا، وها نحن نرى أمام أعيننا لجوء الفرقاء بالبلاد للمنابر الخارجية المتناسلة بدءاً من جدة وليس انتهاءً بالمنامة والجزائر، والمبعوثون الدوليين تطير وتحط طائراتهم بدون انقطاع، فماذا تبقى غير استخدام القوة العسكرية للجم حَمَلَة السلاح من كل الأطراف، وفقاً لمنظور كاتب هذه السطور؟
مما لا يختلف حوله إلا أحمق أو صاحب غرض، أن ما فعلته الإنقاذ من تدمير ممنهج لجهاز الخدمة العامة بشقيها المدني والعسكري، وتمزيق متعمد للأنسجة المجتمعية، وإفساد مقصود للحياة السياسية، وتعطيل واضح لمسار الحداثة والتطور، وتخريب ذميم لمنظومة العدالة، غير مسبوق ولا يمكن مقارنته لا مع ما ارتكبته الحكومات العسكرية الأخرى ولا مع ما تقاعست عنه الحكومات المدنية. بيد أنه ينبغي الاعتراف بأن أزمة البلاد، وفشل أجهزة دولتها، بدأت في التجلي والحكومة الوطنية الأولى لم تكمل شهرها الثاني حيث وقفت مأساة عنبر جودة نذيراً وشاهداً أول على اختلال موازين العدالة، وغياب المهنية عن القوات النظامية، وضعف حساسية النخب السياسية في التعامل المسئول مع قضايا البلاد الحرجة؛ كما تجدر الإشارة إلى أن الخلل في ثقافة القوات المسلحة وعقيدتها برز للعيان من قبل أن تكمل الدولة الوليدة عامها الثاني، متمثلاً ذلك في محاولة انقلاب الصاغ عبد الرحمن كبيدة في يونيو 1957. إن الدولة السودانية كما وصفها الراحل العظيم جون قرنق بأنها غير قابلة للإصلاح (too deformed to be reformed)، ولا أزيد!
لقد صدرت عن كاتب هذه السطور 6 مقالات مطولة سرد فيها، وباستفاضة، رأيه وحيثياته الداعمة لفكرة حتمية التدخل الدولي (يجد القارئ الكريم قائمة بها عند نهاية هذا المقال) لذا رأينا أن لا نزحم القارئ بإعادة ترديد ما جاء بها من دلائل وحيثيات تؤكد مشروعيتها وتبيِّن شرعيتها؛ بيد أننا نرى أن هناك ثلاثة أسئلة أساسية يتوجب على كل معارض للتدخل السياسي والعسكري الدولي الإجابة عليها، وهي على التوالي: هل من المحتمل أن تسمح القوى المدججة بالسلاح بقيام حكم مدني وإصلاح الدولة؟ هل الحل المرتكز على التدخل الدولي له من النجاعة ما يسمح بمواصلة الحكم المدني؟ ما الذي يتعين على القوى المدنية والديمقراطية فعله حتى يستجيب المجتمع الدولي للتدخل، و ينجح تدخله في تحقيق أهدافه؟
هل من المحتمل أن تسمح القوى المدججة بالسلاح بقيام حكم مدني وإصلاح الدولة؟
هنالك أربعة قوى مسلحة فاعلة في الميدان الآن ولديها عداء عميق ومتأصل للحكم المدني، كما أنها ارتكبت جرائم واسعة النطاق ليس هناك أدنى احتمال في أن تحني رأسها وتقبل بالحكم المدني الديمقراطي حتى ولو مؤقتاً، وهي قيادات الجيش الرسمي، والدعم السريع، وإسلاميي المؤتمر الوطني، و حركات مناوي وجبريل ومن لف لفهم. والمعضلة ليست في احتكارها للسلاح فحسب، وإنما تتجلى في انخفاض سقوفها الأخلاقية والمهنية. لا أظن أننا في معرض الاحتياج لتقديم أدلة إثبات على افتقادها للصدقية والوثوقية، وتمرُّسها في الكذب والغوغائية واللف والدوران واللعب على العقول، فالأمثلة على قفا من يشيل، وقد قدمنا نماذج كثيفة منها في مقالاتنا السابقة الذكر. قد يحتج علينا محتج بأن تصريحات الفريق كباشي الأخيرة بالقضارف ربما تشي بغير ما نقول، بيد أن أقواله وأفعاله هو نفسه، ومنذ ظهوره في حياتنا عقب الإطاحة بالبشير، لن تفيد بغير أن تكون تصريحاته بالقضارف نوع من تبادل الأدوار بين قادة لا أمان لهم، أو تعبيراً عن الضيق من تمدد إسلامويي المؤتمر الوطني على حساب القيادة الرسمية.
إنه وفي غياب كتلة مؤثرة وسط الجماعات الأربعة المسلحة تساند قوى الحرية والتغيير، أو وجود جناح عسكري قوي ومؤثر لهذه القوى، ليس هنالك من مجال لها للإمساك بدفة الحكم وإصلاح المؤسسة الأمنية بكاملها. هذه هي الحقيقة الساطعة، وإن كان ثمة مشكك في حكمنا هذا فليأتينا بما يزيل الغشاوة عن أعيننا الكليلة! أشير هنا إلى حقيقة هامة يجب أن نضعها نصب أعيننا، أن استعادة زخم الشارع صعب للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، بعد أن أصبح السلاح سيداً للموقف، وبعد أن أُنهكت قوى قطاعات واسعة من ذلك الشارع بالتجويع والتدمير والبعثرة في المنافي.
هل الحل المرتكز على التدخل الدولي له من النجاعة ما يسمح بمواصلة الحكم المدني؟
إن تجارب التدخل الدولي افتقدت للكفاءة في معظم الحالات، لأسباب يمكن التعرض لها لاحقاً، وهو ما يشكل أحد المآخذ المسببة لعدم الارتياح لذلك الخيار من قبل معظم القوى المدنية الديمقراطية. كما أن لدى الكثير من تلك القوى تحفظات مشروعة مثل القول بأن الدول المعنية بالتدخل لها أولويات ومصالح أهم لديها من أن تشغل نفسها ببلد تعيس الحظ مثلنا؛ وقد رددنا على ذلك في مقالاتنا السابقة المبذولة. لكن، وأنا أطرح هذا التدخل كعلاج لأزمة بلادنا المستفحلة أضع في تقديراتي الحقائق التالية:
* الوضع في السودان مهدد حقيقي للأمن والسلم الإقليمي والعالمي، وليس لدول الجوار أو الغرب مصلحة في ذلك.
* التدخل الدولي العسكري أثبت نجاعته في ضبط موازين القوى بين المتخاصمين في حالتين ظاهرتين على الأقل، وهنا أشير لما أحدثه ذلك التدخل من لجم لجيش الصرب في الحالة البوسنية ولجيش القذافي في الحالة الليبية، وكلاهما كان قاب قوسين أو أدنى من حسم نتيجة الحرب الأهلية لصالحه، وفي كلا الحالين كان القرار بالتدخل صادراً عن مجلس الأمن الدولي استناداً على البند السابع.
* للسودان تجربته الماثلة في دارفور، حيث تدخلت القوة الدولية المختلطة استناداً على ذات البند. صحيح أن نظام البشير، بتاريخه المتطاول في (اللولوة) وإرشاء كافة الأطراف، المحلية والإفريقية منها، قد حدَّ من فعالية ذلك التدخل، بيد أن الواقع يؤكد أن ذلك التدخل لعب دوراً كبير في إيقاف نزيف الدم وتخفيض معاناة أهل دارفور.
* وجدت ثورة ديسمبر المجيدة تعاطفاً واسعاً على المستوى العالمي، كما وجدت حكومتها الأولى بالذات قبولاً واحتراماً عالياً سواء من الحكومات التي يعنيها أمر هذا التدخل الدولي المرجو، أو منظمات المجتمع المدني الفاعلة بها. في رأينا أن هذا يصنع فرقاً جوهرياً يرجح كفة النجاح في ذلك المسعى، باعتبار وجود كتلة مدنية ديمقراطية بالبلاد، غض النظر عن المسميات، لها المقدرة على إدارة دفة الدولة في حالة لجم حملة السلاح.
* إن تخوف البعض من أن تُقدِّم الدول المعنية بالتدخل الدولي مصالحها على مصالح شعبنا في حال تدخلها، أمر مقدور عليه. فالشارع، بروح الثورة السارية فيه سريان الدم في الشرايين، له المقدرة والإرادة على تقويم أي انحراف لقوات تلك الدول عن مهامها. الإيجابي في الأمر، أن لجم القوى العسكرية سيفتح المجال واسعاً أمام الشعب ليستكمل مهام ثورته، وللشارع أن يستعيد زخمه.
* ولنكن واضحين، يجب أن لا تتوقف مهمة التدخل الأجنبي حد إيقاف الحرب والفصل بين القوات، بل يجب أن تتعداها لتكون ضامناً لفترة انتقالية تؤسس لسودان جديد بجيش وطني جديد.
ما الذي يتعين على القوى المدنية والديمقراطية فعله حتى يستجيب المجتمع الدولي للتدخل، و ينجح تدخله في تحقيق أهدافه؟
* على تقدم، بوصفها أوسع وعاء للقوى المدنية والديمقراطية حالياً، رغم تحفظاتي وتحفظات غيري على بعض شئونها والأخطاء التكوينية التي لازمتها، عليها أن تلتقط الفكرة وتضعها من ضمن الخيارات والبدائل المنطقية.
* عليها أن تصلح من حالها، وتوسع مواعينها، وتُرجِّح تمثيل الشباب فيها، لتصبح ناطقاً حقيقياً باسم الثورة.
* عليها أيضاً فتح المنابر لحوار مسئول وشفاف داخلها حول التوجه المقترح، كما عليها في ذات الوقت، وبما لها من صلات معتبرة، ممارسة الضغط اللازم على الحكومات وجماعات الضغط في الدول المعنية لوضع قضية شعب السودان في صدارة أجندتها وجداول أعمالها.
* الدعوة للتدخل الدولي ليست مجرد بطاقة دعوة (one time event) لحضور مناسبة اجتماعية أو سياسية، بقدر ما هي عملية (process) طويلة ومضنية ومعقدة، تفترض صياغة حيثيات واضحة وكافية وتواصل مستمر مع المعنيين بها.
* إن تسويق فكرة الدعوة للتدخل الدولي والتلويح بها تمثل في ذاتها كرتاً قوياً بيد القوى المدنية الديمقراطية.
أختم مقالي بأن أشير إلى أن التأخير في حل أزمة البلاد ينذر بشر مستطير وقادم في القريب العاجل. وإن كنا نتحدث حتى الآن عن أربعة جيوش، فإن مسار الأحداث سيجعلنا عما قريب تحت رحمة أمراء حرب، سواء من جانب المتطرفين الإسلامويين، أو من جانب القادة الميدانيين للدعم السريع، الذي توسع أفقياً بشكل كثيف، بدون أن يستند هذا التوسع على عقيدة عسكرية راسخة، أو على ولاء لفكرة مركزية ملهمة، مما جعله يحمل بذرة تشققه وانقسامه في داخله.
فيما يلي 6 مقالات أصدرناها من قبل تحتوي على رصد مكثف للحيثيات التي تدعم وجهة نظرنا في سبيل الدعوة للتدخل الأممي (يمكن قوقلتها بالطبع).
1- رسالة في بريد "تقدم": اليوم أنسب من غدٍ!
2- رسالة في بريد "تقدم": دعوة للتفكير خارج الصندوق
3- على "تقدم" أن تطالب المجتمع الدولي بإنقاذ السودان اليوم وليس غداً
4- نعم للوصاية الدولية، وبدون علامة تعجب، يا أستاذ عثمان ميرغني
5- نعم للتدخل الدولي ووصاية الأمم المتحدة كخيار لا بد منه (مقال من جزأين)
6- مستقبل السودان بين خياري الحوار الوطني والتدويل (مقال من جزأين)
gamal.a.salih@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: للتدخل الدولی التدخل الدولی القوى المدنیة بید أن
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد: الإمارات ضمن أعلى 7 وجهات عالمية في الإنفاق الدولي للسياح
دبي - وام
كشف تقرير صادر عن المجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC)، أن قطاع السياحة والسفر في دولة الإمارات العربية المتحدة سجل أداءً استثنائياً خلال العام 2024، حيث ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للدولة لتصل إلى 257.3 مليار درهم (70.1 مليار دولار)، أي ما يمثل 13% من الاقتصاد الوطني، وبنسبة زيادة وصلت إلى 3.2% مقارنة بعام 2023، و26% مقارنةً بعام 2019 ما قبل الجائحة، وهي من ضمن أعلى المعدلات من حيث مساهمة السياحة في تعزيز النمو الاقتصادي إقليمياً وعالمياً.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» «في مؤشر جديد على قوة وتنوع اقتصادنا الوطني.. أشار تقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة إلى إنجازات استثنائية لقطاع السياحة الإماراتي.. حيث بلغ إجمالي انفاق السياح الدوليين أكثر من 217 مليار درهم خلال العام السابق ... بالإضافة لانفاق سياحي محلي بلغ 57 مليار درهم ... دولة الإمارات واحدة من ضمن أعلى 7 وجهات عالمية في الإنفاق الدولي للسياح متفوقة على دول سبقتنا في هذا المجال بمئات السنين».
كما وقال سموه «نرحب بالسائح.. ونسعد بالمستثمر.. ونحتضن المواهب.. ونبني أفضل بيئة للحياة والسياحة والزيارة.. أهلاً بالعالم».
وفي هذا الصدد، أكد عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة، رئيس مجلس الإمارات للسياحة، أن دولة الإمارات أولت اهتماماً كبيراً بقطاع السياحة باعتباره مساهماً أساسياً في نمو وتنويع الاقتصاد الوطني، حيث نجحت الدولة في تقديم تجربة سياحية متميزة وفريدة من نوعها بين دول العالم، وذلك من خلال تبني العديد من المبادرات والاستراتيجيات السياحية الاستباقية، والتي أدت دوراً حيوياً في تعزيز جاذبية الدولة للاستثمارات والمشاريع السياحية المتنوعة، ودعم الترويج للمعالم السياحية الفريدة بالإمارات السبع، وإبراز التنوع السياحي، وتطوير البنى التحتية للمطارات والسفر، بما أسهم في ترسيخ المكانة الريادية للإمارات على خريطة السياحة والسفر العالمية.
وقال: «قبل أيام قليلة حققت الدولة إنجازاً تاريخياً في القطاع السياحي بتولي ابنة الإمارات شيخة النويس، منصب الأمين العام المنتخب لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة، ونحقق اليوم نتائج سياحية جديدة صادرة عن المجلس العالمي للسفر والسياحة، وهي ثمرة للرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة في تعزيز تنافسية القطاع السياحي وتوفير فرص العمل لمواطني الدولة وترسيخ مكانتها كوجهة رائدة على خريطة السياحة والسفر العالمية».
وتابع: «تؤكد هذه المؤشرات المُحققة أن السياحة الإماراتية تسير بخطى واثقة نحو تحقيق مستهدفات «الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2031»، والرامية إلى رفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 450 مليار درهم، وزيادة عدد نزلاء المنشآت الفندقية إلى 40 مليون نزيل سنوياً بحلول العقد المقبل».. مشيراً إلى أن الجهود الوطنية مستمرة في تطوير منظومة سياحية متكاملة اعتماداً على أفضل الممارسات العالمية، وتعزيز الانفتاح على الأسواق السياحية الحيوية إقليمياً ودولياً، وتوفير المزيد من التجارب والخدمات السياحية المتنوعة والشاملة للزوار والسائحين من جميع أنحاء العالم، بما يدعم الارتقاء بمكانة الدولة كأفضل الوجهات السياحية حول العالم بحلول العقد المقبل، وبما يتماشى مع رؤية «نحن الإمارات 2031».
وفيما يخص السياحة الدولية، أظهر التقرير أن الإمارات تواصل الحفاظ على ريادتها كأبرز الوجهات على مستوى العالم، حيث استقبلت الدولة زواراً دوليين من أسواق رئيسية أبرزها الهند بنسبة 14٪، والمملكة المتحدة 8٪، وروسيا 8٪، والصين 5٪، والسعودية 5٪، و60% من بقية أنحاء العالم، ويعطي هذا التنوع الجغرافي مؤشراً على المكانة الدولية المتقدمة التي تتمتع بها الإمارات في سوق السياحة العالمي، وتؤكد نجاح السياسات الوطنية السياحية المرنة الخاصة بجذب شرائح مختلفة من الزوار.
وأوضح التقرير أن إنفاق الزوار الدوليين في دولة الإمارات بلغ في عام 2024 نحو 217.3 مليار درهم (59.2 مليار دولار)، مسجلاً نمواً بنسبة 5.8% مقارنةً بعام 2023 وارتفاعاً بنسبة 30.4% مقارنةً بعام 2019، وفي السياق ذاته، شهد الإنفاق السياحي المحلي نمواً ملحوظاً حيث بلغ 57.6 مليار درهم (15.7 مليار دولار) خلال العام نفسه، محققاً زيادة بنسبة 2.4% مقارنةً بعام 2023 و41% مقارنة بعام 2019، أي مستويات ما قبل الجائحة.
وتوقع التقرير أن يزيد إنفاق السياح الدوليين خلال العام الجاري بنسبة 5.2% ليصل إلى 228.5 مليار درهم، في حين سيزداد إنفاق السياح المحليين بنسبة 4.3% ليصل إلى 60 مليار درهم.
ولفت تقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة إلى أن السياحة الترفيهية استحوذت على 84.7% من إجمالي الإنفاق السياحي في الدولة خلال العام الماضي، في حين بلغت سياحة الأعمال 15.3%، وهو ما يشير إلى مرونة القطاع السياحي في تحقيق التنوع بين الجوانب الترفيهية والتجارية، كما بين التقرير أن 79% من إجمالي الإنفاق السياحي في الدولة جاء من الزوار الدوليين، و21% من الزوار المحليين.
وأوضح التقرير أنه رغم النمو المتسارع الذي يشهده القطاع السياحي الإماراتي، فقد حافظت الدولة على التزامها بالمعايير البيئية والاستدامة، إذ لم تتجاوز انبعاثات الكربون المرتبطة بالسياحة 13.3% من إجمالي الانبعاثات الوطنية في عام 2023، وذلك في ضوء رؤية الدولة بتعزيز الاستدامة في المجالات والأنشطة السياحية المتنوعة.
وفيما يتعلق بالأثر المجتمعي، أبرز التقرير أن نسبة النساء العاملات بشكل مباشر في قطاع السياحة والسفر الإماراتي بلغت 16.3٪ في العام 2023، في حين وصلت نسبة الشباب (15-24 سنة) إلى 9.7% من إجمالي وظائف القطاع، إضافة إلى مساهمته بما قيمته 8.6 مليار دولار كعائدات ضريبية مرتبطة بأنشطة قطاع السياحة والسفر خلال العام نفسه، وهو ما يُمثل 5.4% من إجمالي الإيرادات الحكومية، بما يعكس الأهمية المالية المتنامية للقطاع في دعم الخزينة العامة للدولة.
وعلى الصعيد العالمي، أشار التقرير إلى أن قطاع السياحة والسفر أسهم بقيمة بلغت 10.9 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي الدولي خلال العام 2024، أي ما يمثل 10% من الاقتصاد العالمي، وحقق نمواً نسبته 8.5% مقارنةً بعام 2023 و6% مقارنةً بعام 2019، ومن المتوقع أن تصل المساهمة إلى 11.7 تريليون دولار في عام 2025 وبنسبة زيادة تبلغ 6.7% مقارنةً بعام 2024 و13% عن عام 2019، كما نجح هذا القطاع في توفير 356.6 مليون فرصة عمل في عام 2024 والتي تُشكّل 10.6% من إجمالي الوظائف في العالم، وبنسبة زيادة بلغت 6.2% مقارنةً بعام 2023، و5.6% مقارنةً بعام 2019.