على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، استطاعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية استعادة الريادة المصرية الفنية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، بتقديم 30 عملاً متنوعاً فى موسم دراما رمضان بين القوالب الاجتماعية والكوميدية والتاريخية والتراجيدى، تحت شعار وعنوان عريض وهو الارتقاء بذوق المشاهد ومواصلة معركة الوعى وسط منافسة شرسة مع المنصات الأجنبية والأجندات الفنية الهدامة.

ويكشف الدكتور عماد ربيع، رئيس قطاع الإنتاج بالشركة المتحدة، والكاتبة والناقدة علا الشافعى، رئيس لجنة الدراما بالشركة ورئيس تحرير اليوم السابع، والمنتجة دينا كريم، رئيس قطاع التوزيع بالشركة، فى ندوة «الوطن»، التى أدارها رئيس تحرير الجريدة الكاتب الصحفى مصطفى عمار، وبحضور رئيس قسم الفن بالجريدة خالد فرج، ومحررى القسم، عن أسرار وكواليس اختيار أعمال الموسم الرمضانى ومراجعتها وفقاً لنظام مؤسسى يهدف إلى وضع المحتوى الفنى فى نصابه الصحيح، وأبرز التحديات التى واجهتهم فى إعداد الخريطة الرمضانية ومستقبل الصناعة والكثير فى سياق السطور التالية.

  ما معايير اختيار الأعمال الدرامية المعروضة فى موسم دراما رمضان الجارى؟

علا الشافعي: أضع نفسي مكان المشاهد وحققنا إنجازا بتسليم 60% من حلقات المسلسلات قبل التصوير

- علا الشافعى: فى البداية أوجه الشكر للدكتور عماد ربيع، رئيس قطاع الإنتاج بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وكذلك دينا كريم، رئيس قطاع التوزيع بالشركة، لقد بذلنا جهوداً مضنية، وكنا حريصين على عقد اجتماع دورى بشكل مستمر بموعد ثابت، لمناقشة جميع الأمور المتعلقة بالدراما، وحرصنا هذا الموسم على تحقيق إنجاز وهو عودة تسليم الحلقات بنسبة ٦٠٪، قبل بدء تصوير المسلسل، وأعتبر أن هذا كان تحدياً بالنسبة لى، وأتمنى خلال العام المقبل أن تسلم جميع الحلقات قبل بدء التصوير، مثل هذا الأمر قد ينظم العملية الإنتاجية والدرامية، وكان شعار هذا الموسم هو التنوع، «المتحدة» كانت حريصة هذا العام على وجود أعمال درامية مختلفة ترتقى بجميع الأذواق، ووجود مسلسلىْ «الحشاشين» و«جودر» هذا العام تحدٍّ كبير للشركة لأنها تؤدى دوراً قومياً كبيراً، وعودة تقديم مثل هذه الأعمال هى خطوة مهمة.

- دينا كريم: نبدأ أولى خطواتنا فور اطلاعنا على سيناريوهات الأعمال الدرامية، إذ نعقد بعدها اجتماعاً فورياً ونعرض الأفكار على الوكيل الإعلانى «POD»، حتى ندرس موقف هذه المسلسلات من الخطة التسويقية، لأن من الممكن أن نوافق على عمل ويفشل عند تسويقه خارج مصر.

عماد ربيع: بدأنا التحضير لدراما 2025.. و«الحشاشين وجودر» يضاهيان المسلسلات العالمية

- عماد ربيع: انضممت إلى الشركة المتحدة منذ 8 أو 9 أشهر فقط، ولكن «المتحدة» مؤسسة كبيرة وتخضع لنظام مؤسسى، وتملك حوالى 40 شركة من أكبر الكيانات فى الوطن العربى، تقدم إعلاماً مرئياً ومسموعاً وإلكترونياً ومطبوعاً بخلاف الدراما والرياضة، وأتشرف بالعمل وسط خبرات كبيرة تمتد لـ25 عاماً، مثل علا الشافعى التى تمتلك مسيرة كبيرة، وكذلك دينا كريم التى تتمتع بتاريخ إنتاجى كبير، نعمل فى فريق عمل متكامل ومتناغم، لذلك حققنا فى هذا الموسم نجاحاً كبيراً، لأن هذا هو جوهر العمل المؤسسى من وجهة نظرى، ونأخذ دائماً آراء بعض لأننا فريق عمل متكامل، وهدفنا هو تقديم محتوى جيد للجمهور، ونختار سنوياً من بين 500 مسلسل، 30 عملاً نتولى إنتاجها، وهذه الخطوة تأتى بعد طاقة وجهد كبير، وتحرص «المتحدة» على التنوع فى المحتوى بين القوالب الاجتماعية والكوميدية واللايت وغيرها، وتوجد استراتيجية نعمل وفقاً لها سواء داخل موسم رمضان أو خارجه.

هل واجه قطاع التسويق هذا العام صعوبة فى انتشار الأعمال الدرامية المصرية على القنوات العربية والأجنبية؟

دينا كُريّم: استطعنا الوصول إلى ماليزيا ودول شرق آسيا ونستهدف فتح أسواق جديدة لأعمالنا

- دينا كريم: توزيع المسلسلات هذا العام كان أصعب من الماضى، بسبب الأزمة الاقتصادية التى تواجه العالم والحرب على غزة، كما أن جميع المسئولين فى القنوات كانوا متخوفين من مسألة عرض المحتويات الكوميدية، بالإضافة إلى طرح مسلسلين هما الأضخم إنتاجياً وهما «الحشاشين» و«جودر»، وكان من الصعب على أى قناة أن تشترى العملين دفعة واحدة، وكان عليهم اختيار مسلسل منهما، وكل ذلك كان يمثل صعوبة، ولكن أحمد الله أن العملين نالا إشادات كبيرة.

هل يقتصر دور لجنة الدراما بـ«المتحدة» على اعتماد الحلقات الأولى من الأعمال المعروضة فحسب؟

- علا الشافعى: حرص عمرو الفقى، الرئيس التنفيذى للشركة، فى كل الأوقات على جودة السيناريو فى جميع الأعمال الدرامية وذلك لتطوير المحتوى، وهذا دفعنا لعقد جلسات مطولة وعديدة مع صناع المسلسلات سواء كانوا مخرجين أو مؤلفين، ونعمل على مناقشة التغيرات ونضعها فى إطار صحيح يخدم المحتوى، وكنت دائماً أضع نفسى مكان المشاهد، لذلك حرصت على وجود مبرر درامى فى العديد من الأعمال، مثل مسلسل «سر إلهى» لروجينا كنت أبحث عن مبرر درامى لخلق روح الشر بين الأخوات، ويأتى بعد ذلك خطوة مراجعة السيناريو، ثم مراجعة العمل فى المونتاج، وكنا نذهب إلى شركات الإنتاج وقدمنا ملاحظات على مسلسل «الحشاشين» داخل المونتاج، وقابل المخرج بيتر ميمى هذه التعديلات بصدر رحب، وكنت سعيدة بذلك، لأننا نريد خروج المسلسلات بشكل جيد، وأرى أننا نسير على الطريق الصحيح نحو نظام متميز سيخدم الفن، وهذا موجود فى كل دول العالم، فإذا ذهب منتج إلى «نتفلكس» سيخضع لنظامها.

- دينا كريم: لا بد من توجيه الشكر لشركات الإنتاج، لأنهم تحملوا العديد من الأمور، وكانوا يقدمون لنا سيناريوهات جيدة، ولكن لا بد من توصيل رسالة مفادها أن عمل الشركات المنتجة مختلف تماماً عن عملنا، لذلك نعقد اجتماعات معهم لمناقشة تفاصيل السيناريوهات وهذا أمر متبع فى كل دول العالم، نحن نساعد شركات الإنتاج على الارتقاء بذوق المشاهد.

- عماد ربيع: فتح مسلسلا جودر والحشاشين الباب هذا العام لتقديم أعمال درامية تشابه مسلسلات عالمية، بداية من السيناريو ومشاهد الأكشن والمعارك والجرافيك والملابس والإضاءة والتصوير، لذلك أستطيع أن أقول إننا نملك مواهب كبيرة داخل مصر تستطيع تقديم محتوى جيد، ونفتخر بوجود شركات إنتاج كبيرة فى بلادنا تملك الوعى، وتحرص على تقديم أعمال درامية تحافظ على الذوق العام.

وماذا عن خطة دراما رمضان فى العام المقبل؟

- عماد ربيع: نعمل منذ أكثر من شهرين ماضيين على إعداد خريطة دراما رمضان 2025، ونبذل جهداً كبيراً على كل المستويات، بالتعاون مع علا الشافعى وكل فريق العمل، وأريد أن أؤكد أننا لا نفرض وجهة نظرنا على شركات الإنتاج، ولكن يوجد تعاون بين كل الأطراف.

ما معايير لجنة القراءة بالشركة لاختيار السيناريو وتحويله لعمل درامى؟

- علا الشافعى: قطاع الدراما يعمل وفق سياسة عامة بالشركة المتحدة، أهمها أن يحتوى السيناريو على فكرة جيدة ومكتوبة بطريقة متميزة، فضلاً عن الاهتمام بإيقاع العمل وتطوير الشخصيات، ويوجد فى العالم كله 36 فكرة تدور حولها الأعمال الدرامية، ولكن ما يميز عملاً عن آخر هو طريقة سرد الفكرة والجودة، لذلك أتمنى أن تعود السيناريوهات كما كانت فى الماضى للارتقاء بجودة الأعمال الفنية، ورفضنا العديد من السيناريوهات فى البداية بسبب وجود تعديلات كثيرة، وبعد معالجتها تمت الموافقة على تنفيذها.

ما الفرق بين لجنتى القراءة والرقابة بـ«المتحدة»؟

- علا الشافعى: لجنة القراءة تدرس المحتوى وشخصيات العمل، وأنا ضد وجود رقابة وتصنيفات عمرية كما يوجد فى كل دول العالم، وأدرك الفرق بين السينما والدراما، لأن الأخيرة تدخل كل البيوت، لذلك توجد معايير نتبعها عند مناقشة السيناريوهات.

هل نعانى أزمة فى جودة النصوص الكوميدية؟

- علا الشافعى: بالفعل، وسنعمل على علاجها فى الفترة المقبلة، بداية من كتابة السيناريو وتطويره حتى نقدم عملاً كوميدياً ينال إعجاب جميع أفراد الأسرة.

كيف تغلبت «المتحدة» على تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وبخاصة تقلبات سعر الدولار؟

- عماد ربيع: نقدم هذا العام 19 عملاً درامياً على قنوات «المتحدة»، ونعمل وفق نظام مؤسسى ينظم تعاملاتنا، ولذلك تعاونا مع منتجين محترفين واتفقنا على شكل معين لتسلم المبالغ المالية، وكان يوجد مراعاة للتضخم والأزمة الاقتصادية الكبيرة التى تواجه العالم، واستطعنا التعامل بشكل جيد مع تلك العقبات، كما واجهنا العديد من التحديات خلال تصوير الأعمال، ولكننا استطعنا السيطرة عليها وتجاوزها بالتعاون مع شركات الإنتاج التى نساعدها بكل طاقتنا، حتى خرجت الأعمال الدرامية بشكل طبيعى وجودة عالية.

يحاول البعض التقليل من صناعة الفن، ورُبما يغفلون أن الدراما الرمضانية تفتح بيوت الآلاف من الممثلين والعمال والصناع.. هل هناك إحصاء واضح لعدد العاملين فى دراما رمضان؟

- عماد ربيع: بالأرقام تضم نقابة المهن التمثيلية 4 آلاف عضو عامل، ونقابة المهن السينمائية تضم 9500 عضو عامل، بخلاف العاملين بتصاريح، وهذا أيضاً عدد كبير، بالإضافة إلى الموسيقيين وصناع التترات والقطاعات الإدارية والخدمية وغيرها، فهناك أعمال مثل «جودر» وصل عدد العاملين بها إلى 350، وقريباً سنصدر بياناً بالأرقام الدقيقة للعاملين بهذا الموسم.

ماذا كان سيحدث فى سوق الدراما إذا لم يوجد كيان مثل «المُتحدة»؟

- عماد ربيع: «المُتحدة» هى البنك المركزى للدراما، وتُمثل الكنترول الآمن لضبط السوق والصناعة عن طريق نظام مُحترف وضعته، فالشركة كيان كبير استطاع ضبط سوق صناعة الدراما والإعلام فى مصر، وأثبت نفسه عربياً ودولياً.

- دينا كُريم: بالفعل، «المتحدة» استطاعت ضبط السوق عن طريق نظام مُحترف أعددناه، وهذا شرط أساسى لكى تكون هناك صناعة، فالأساس فى الناحية الاقتصادية أن تعرف مُدخلاتك ومُخرجاتك.

- علا الشافعى: هُناك نبرة دخيلة على المُجتمع المصرى وهى الاستهتار بالفن وبصناعته، فالفن ليس الشىء الذى تراه على الشاشة ويسليك فقط، الدراما هى صناعة تغذى المشاعر بالأساس، وما لا يعرفه البعض أن مصر فى الستينات كانت تعتبر الفن صناعة ثقيلة، وكان ترتيبها رقم 3 بعد صناعة القطن والحديد، لكن المد الوهابى وفترات الظلام التى مرت بمصر أثرت فى احترام المجتمع للفن، فما فعلته «المتحدة» أنها أعادت مرة أخرى للفن أهميته، وهذا مهم للغاية فى هذا العصر الذى نعيشه، حيث انفتح أبناؤنا على العديد من المنصات التى أصبح الوصول إليها سهلاً، ولا نعرف ماذا يصدرون لنا؟ «المتحدة» حالياً هى حائط الصد لهذه الموجات.

كيف تتم عملية تسويق الأعمال الدرامية المصرية فى الخارج؟

- عماد ربيع: تعمل دينا كُريم باعتبارها مسئول التوزيع فى الشركة المُتحدة، وفقاً لرؤية تحدد كيفية التعامل مع كل دولة ومنصة نستهدف الوصول إليها، فتجدها تقسم الأعمال الدرامية التى تنتجها وتوزعها على الدول والمنصات التى تذهب إليها، فهذا العمل يصلح للخليج ورُبما آخر يصلح للتوزيع فى شرق آسيا وهكذا، وهذا ما نطلق عليه حرفية العملية التسويقية لدى «كريم».

- دينا كريم: أتفق مع هذا الطرح، إذ أصبح لدينا رؤية واضحة اليوم، لكن التحدى الأكبر لدينا هو فتح أسواق جديدة خارج المنطقة العربية، مثل ماليزيا هذا العام، وهو ما اتفقنا عليه فى «المُتحدة» بعيداً عن المكاسب المادية الكبيرة التى يمكن التغاضى عنها حالياً، فى سبيل تحقيق الرؤية والغاية الأكبر وهى فتح أسواق جديدة للدراما المصرية، واستطعنا هذا العام بيع أعمالنا فى ماليزيا وعدد من دول شرق آسيا، والحمد لله بدأ اسم «المُتحدة» فى الانتشار خارج مصر، ونتلقى عروضاً عديدة من الموزعين لعرض أعمالنا فى الخارج.

هل سيزيد معدل إنتاج مسلسلات الـ15 حلقة خلال السنوات المُقبلة؟

- دينا كريم: أنتجنا هذا العام عدداً كبيراً من مسلسلات الـ15 حلقة، لكن فى ظنى أنها رُبما تقل، فهناك دول خارج نطاق الشرق الأوسط والمنطقة العربية تفضل ما فوق الثلاثين حلقة، وتلقينا طلبات من بعض الدول تفضل أعمالاً بحجم 90 و120 حلقة، مثل دول أمريكا اللاتينية والهند.

 

 

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: دراما المتحدة مسلسلات رمضان رمضان 2024 دراما رمضان الأعمال الدرامیة شرکات الإنتاج دراما رمضان هذا الموسم رئیس قطاع العدید من دینا کریم هذا العام عماد ربیع الم تحدة کل دول نظام م فى الم

إقرأ أيضاً:

أسرار صناعة أسطورة القاتل الصغير

«الدرك ويب» مصنع المجرمين الصغار «أزهرى»: المسئولية التربوية للأسرة تسبق أى حديث عن بلوغ أو عقوباتعالم تربوى: جرائم الأطفال تعكس تغيراً عميقاً فى طبيعة جيل تأثر بالمحتوى الرقمى العنيف

 

لم يعد مشهد الجرائم التى يرتكبها الأطفال فى مصر مجرد أحداث متفرقة يمكن تبريرها بالطيش أو اندفاع المراهقة، بل تحول إلى ظاهرة مقلقة تكشف تغيراً جذرياً فى سمات هذا الجيل، فأطفال اليوم رغم ملامح الطفولة التى تبدو على وجوههم باتوا يحملون داخلهم قدراً من العنف والجرأة والوعى السلوكى يفوق ما لدى كثير من البالغين، حتى أصبح المجتمع يواجه ما يشبه وحوشاً صغيرة قادرة على التخطيط والاعتداء، وليس مجرد قصر يخطئون دون إدراك.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، فالبيئة الرقمية أصبحت المؤثر  الأول فى تشكيل عقلية الطفل، منصات الفيديو السريعة، الألعاب الدموية، المحتوى الجنسى، التحديات العنيفة، وصولاً إلى دهاليز الدرك ويب التى تفتح أبواباً مظلمة من السلوك الإجرامى يصنع وعياً مبكراً بالعنف ويدفع الطفل لتطبيع السلوك العدوانى دون خوف أو رادع.

فى المقابل، تراجع دور الأسرة بشكل واضح، فكثير من الآباء غابوا عن المتابعة، أو فقدوا القدرة على مجاراة ما يتعرض له أبناؤهم من محتوى إلكترونى متغير، فظهر جيل يربيه الهاتف أكثر مما تربيه الأسرة والمدرسة، بعد أن كانتا خط الدفاع التربوى الأول، فكما غابت الأسرة غابت المدرسة وانشغلت بالامتحانات والرسوم ومطالب الروتين الإدارى، واختفت الرقابة والانضباط، وأصبح المعلم نفسه عرضة للتهديد والاعتداء داخل الفصول.

ورغم تغير الأطفال، وتغير قدرتهم على الفهم والتخطيط، إلا أن القانون بقى كما هو، يتعامل مع الطفل بصفته «قاصراً» لا يدرك، رغم أن الوقائع تثبت أن أطفال اليوم يفكرون بوعى يسبق أعمارهم كثيراً.

هنا يأتى السؤال المحورى لماذا تغيرت سمات الأطفال بهذا الشكل؟ وهل ما زالت قوانين الأحداث الحالية صالحة للتعامل مع جرائم أطفال اليوم؟ أم أننا بحاجة إلى تشريعات جديدة تقيس الإدراك والنضج قبل العمر وتتوافق مع مبادئ الشريعة التى تحاسب كل بالغ عاقل؟

فارق كبير 

وتوضح الدكتورة جيهان عبدالله، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن الفارق الكبير بين أجيال الماضى والجيل الحالى لا يرتبط بسن الطفل أو المراهق بيولوجياً، بل بسنه النفسى والثقافى، فالأطفال قديماً نشأوا داخل بيئات مغلقة نسبياً تحكمها قيم واضحة وحدود محترمة، وكانت مصادر التأثير محصورة فى التليفزيون والتجمعات العائلية التى تمنح الطفل دفئاً ورقابة طبيعية، رغم أن الأهل فى ذلك الوقت لم يكونوا يملكون قدراً كبيراً من التعليم، إلا أن الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة كانوا منظومات تربوية متكاملة تشكل وعى الطفل وتضبط سلوكه، كما أن الأصدقاء كانوا غالباً من خلفيات متقاربة فى الأخلاق والقيم مما كان يجعل التنشئة أكثر استقراراً.

فى المقابل يعيش أطفال اليوم فى عالم منفتح بلا ضوابط يتشكل وعيهم من الإنترنت والسوشيال ميديا والألعاب العنيفة والتواصل مع أطراف مجهولة تعرضهم لأفكار وسلوكيات تتجاوز أعمارهم، فقد تغيرت المدخلات التى تدخل عقل الطفل تماماً، وهو ما أدى إلى تغيرات حادة فى الشخصية والسلوك.

وتشير الدكتورة جيهان إلى أن المدرسة لم تعد تؤدى دورها التربوى كما كانت، بل باتت تقدم محتوى متنوعاً وغير منضبط، بينما تقدم بعض المدارس الدولية معلومات قد تشوه الهوية أو التاريخ فى غياب رقابة حقيقية، وعندما يتلقى الطفل من الأسرة قيماً معينة ثم يجد المجتمع يقدم له نقيضها، فإنه يفقد الثقة فى المربى الأساسى ويعتبر أن المجتمع هو المصدر الأقوى.

وتشرح بأن غياب دور الأسرة يشكل أزمة حقيقية، فالكثير من الأهل أصبحوا منشغلين بضغوط الحياة الاقتصادية أو غارقين فى السوشيال ميديا حتى إن كانوا لا يعملون، ما أدى إلى تراجع دورهم الرقابى والتربوى.

كما أن القسوة المفرطة فى التربية بدافع الخوف على الأبناء لا تقل ضرراً عن الدلال الزائد، بينما تمثل المقارنة بين الأطفال واحدة من أخطر الممارسات داخل الأسر لأنها تشوه صورة الذات وتزرع الغيرة والعدوانية.

وتحذر الدكتورة جيهان من أن الأطفال الذين يتعرضون للتحرش أو الاعتداء قد يكبرون وهم يحملون جروحاً نفسية عميقة إذا لم يتم علاجهم بشكل صحيح، فهؤلاء قد يجدون صعوبة فى بناء علاقات سليمة أو تأسيس حياة أسرية مستقرة ما لم تمح آثار الصدمة بعلاج نفسى متخصص. 

وتلفت إلى أن اضطرابات المراهقة الناتجة عن التغيرات الهرمونية لا تلغى وعى الطفل ولا إدراكه، فالأمراض الذهانية فقط هى التى تعفى من المسئولية القانونية سواء كان الطفل أو البالغ مصاباً بها، أما الاضطرابات الشخصية أو السلوكية فهى لا تعنى غياب الوعى بل خللاً يحتاج إلى تدخل علاجى.

وتشدد على ضرورة رفع الوعى المجتمعى وتصحيح النظرة السلبية تجاه الطب النفسى لأن كثيراً من الأهالى يرفضون فكرة عرض أبنائهم على مختصين خوفاً من الوصمة الاجتماعية، ما يؤدى إلى تفاقم المشكلات. 

وترى استشارى الصح النفسية أن غياب الردع الواضح يزيد من تفاقم الجريمة، فالمجتمع يسمع عن القتل والاعتداء، ولا يسمع عن العقاب، ما يفقد العقوبة قيمتها الرادعة، مؤكدة أننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار للإرشاد التربوى داخل المدارس وإلى منظومة واضحة لمحاسبة المجرم حتى ترتدع الدائرة بأكملها. 

تغير الأجيال

أكد الدكتور مصطفى كامل، استشارى التدريب الدولى والخبير التربوى، أن الجرائم التى يرتكبها بعض الأطفال مؤخراً تعكس تغيراً عميقاً فى طبيعة جيل كامل تأثر بشكل مباشر بالمحتوى الرقمى العنيف، خاصة الألعاب الإلكترونية والمنصات غير الخاضعة للرقابة، والتى أصبحت عاملاً رئيسياً فى تشكيل سلوك عدوانى يتجاوز قدراتهم العمرية.

وأوضح أن تعرض الطفل المتكرر لمشاهد القتل والتكسير والدم يشوش إدراكه ويفقده القدرة على التمييز بين الخيال والواقع، خصوصاً فى المراحل المبكرة التى يتشكل فيها الوعى، وهذه الفئة هى الأكثر قابلية للتقليد، ما يجعل السلوك العدوانى بالنسبة إليهم مألوفاً أو طبيعياً.

وأشار إلى أن الأسرة تتحمل الدور الأكبر فى حماية أبنائها، ليس بمنع المحتوى فقط، بل بالاقتراب من عالم الطفل وتعليمه كيفية تقييم ما يشاهده، مع استخدام أدوات الحماية الرقمية وبناء علاقة قائمة على الحوار والثقة.

وشدد على أهمية دور المدرسة فى مواجهة هذه التغيرات من خلال إدراج التربية الرقمية ضمن المناهج، وتوعية الطلاب بمعايير الأمان الإلكترونى، ووضع سياسات واضحة لاستخدام الهواتف داخل الفصول، إضافة إلى التدخل المبكر مع أى طفل تظهر عليه علامات اضطراب أو ميول لتقليد السلوك العنيف.

وحذر من أن التعرض المستمر للمحتوى العنيف قد يؤدى إلى اضطراب عاطفى لدى الطفل، ويجعله أكثر اندفاعاً فى ردود فعله، بل وقد يتحول الأمر إلى نوع من الإدمان الذى يفقد فيه القدرة على التحكم فى مشاعره، خاصة فى الألعاب التى تكافئ الطفل على تنفيذ مهام عدوانية فتشوه مفهوم الصواب والخطأ لديه.

وأشار إلى خطورة إطلاع الأطفال على محتوى الدارك ويب، لما يسببه من خوف وقلق وشعور بالتهديد قد يترك آثاراً نفسية طويلة المدى.

واختتم حديثه مؤكداً أن حماية الطفل من هذا الخطر مهمة مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة، مشددا على أن بناء وعى نقدى ومناعة نفسية لدى الأطفال هو السبيل الحقيقى لتحصينهم أمام هذا العالم الرقمى المنفلت.

غير مكلف 

قال الشيخ على المطيعى، أحد علماء الأزهر الشريف، إن المسئولية الشرعية للإنسان تبدأ مع بلوغه، أما قبل ذلك، فالطفل غير مكلف ولا يقع عليه الإثم، مستشهداً بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل»، وأوضح أن الحساب قبل البلوغ يكون مسئولية ولى الأمر، الذى يجب عليه تعليم الطفل الأخلاق وشعائر الدين ليشب على السلوك القويم.

وأشار إلى أن البلوغ يحمل الإنسان مسئولية أفعاله كاملة، لكن فى المعاملات المالية اشترط الشرع تحقق الرشد، لقوله تعالى: «فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم» وبين أن الطفل قد يرتكب جريمة تستوجب حداً أو قصاصاً مثل القتل أو السرقة حتى قبل البلوغ، وفى هذه الحالة لا يقام عليه الحد الشرعى، وإنما يوقع عليه عقاب تأديبى يناسب سنه، ليكون ذلك ردعاً له وتربية تعينه على الاستقامة، أما إذا كان الطفل فى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة وبلغ بالفعل، فحينها يستحق العقوبة الشرعية الكاملة إن ارتكب جريمة كبرى كالقـتل أو الاغتصاب.

وأكد الشيخ المطيعى أن المسئولية التربوية للأسرة تسبق أى حديث عن بلوغ أو عقوبات، فالأسرة هى الجدار  الأول لحماية الطفل وتربيته، وما نشهده اليوم من جرائم بشعة سببه فى المقام  الأول غياب الرقابة الأسرية الرشيدة، وترك الأبناء فريسة للمحتوى المنفلت ووسائل التواصل الاجتماعى دون توجيه أو متابعة.

وأضاف أن الأهل يجب أن يحاسبوا على تقصيرهم حين يهملون أبناءهم حتى يصلوا إلى مرحلة الإجرام.

كما أشار إلى أن تغير الزمان والمكان يؤثر فى الاجتهاد الفقهى، مستدلاً بتغير مذهب الإمام الشافعى عندما قدم إلى مصر، لأن مقاصد الشريعة تقوم على مراعاة مصالح المجتمع. ومن هذا المنطلق يرى ضرورة مراجعة القوانين والتشريعات الحالية بعد تصاعد الجرائم الخطيرة، مطالباً بضرورة ضبط المحتوى الدرامى بعد أن تركت الدراما لفترات طويلة تصنع من البلطجة والانحراف صورة للبطولة.

وأوضح أن الأزهر يقوم بدور فاعل فى نشر الوعى من خلال إرسال قوافل دعوية إلى المدارس والأندية ومراكز الشباب لتقديم النصح والإرشاد، ولكنه شدد فى الوقت نفسه على أن البداية الحقيقية للإصلاح تبدأ داخل الأسرة، ثم يأتى دور المدرسة بعدها فى استكمال التربية والتوجيه.

البلوغ والعقل

يرى الدكتور أحمد الطباخ، كاتب وباحث أزهرى، أن تحديد سن المسئولية الجنائية فى الشريعة الإسلامية يقوم على معيارين واضحين هما البلوغ والعقل، ولجأ الفقهاء إلى وضع سن تقديرى للبلوغ عند تعذر معرفة العلامات الطبيعية، فتعددت الآراء بين خمسة عشر عاماً وثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً، كما فرق البعض بين الذكور والإناث لكون الفتاة تبلغ عادة قبل الفتى، ويعمل بهذا التقدير خصوصاً فى الجرائم التى تستوجب الحدود والقصاص كالقتل، أما ما دون ذلك من الجرائم فيخضع لعقوبات تعزيرية تتناسب مع سن الحدث وقدرته.

ويؤكد الطباخ أن معيار المسئولية فى الإسلام ثابت لا يتغير بتغير الزمن لأن الأساس هو البلوغ والعقل، بينما تبقى العقوبات التعزيرية مرنة يحددها ولى الأمر بما يحقق الردع والإصلاح دون إضرار بالطفل، فهدف الشريعة هو ضبط السلوك وحماية المجتمع لا الانتقام.

ويشير إلى أن معالجة جرائم الأطفال لا تقف عند العقاب فقط، بل تحتاج إلى رؤية تربوية شاملة تشمل الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة لأن الطفل نتاج بيئته، ويجب ضبط المحتوى الرقمى الذى يتعرض له، وتقديم قدوة إيجابية، مؤكداً أن التعليم الحقيقى بكتابه ومعلمه ومدرسته هو الأساس فى إعادة بناء الوعى وتقويم السلوك.

تغير مرعب من جانبها قالت الدكتورة إلهام المهدى المحامية، لم يعد عالم الطفولة كما عرفناه، ذلك الفضاء الملىء بالبراءة والضحك والأمان، بل تحول فى السنوات الأخيرة إلى ساحة يتصدرها العنف والقتل والاعتداء، فى مشهد صادم يثير الذهول والخوف معاً.

والقضايا التى شهدها الشارع المصرى لم تعد حوادث فردية، بل سلسلة من الوقائع الدامية التى تكشف تغييراً مرعباً فى السلوكيات العمرية للأطفال والمراهقين.

ومن قضية الطفلة زينة ذات الخمس سنوات التى اعتدى عليها طفلان فى السادسة عشرة والسابعة عشرة، إلى مأساة أيسل التى اغتصبت وقتلت على يد طفل لم يبلغ الخامسة عشرة، وصولاً إلى جريمة الإسماعيلية حيث قتل الطفل محمد على يد زميله البالغ ثلاثة عشر عاماً. وتتكرر المشاهد فى حضانات ومدارس شهدت استدراج أطفال والاعتداء عليهم، بل وصلت الاعتداءات إلى مدرسين داخل الفصول، فى انهيار كامل لمنظومة الانضباط والقيم داخل المؤسسات التى يفترض أن تكون أكثر الأماكن أماناً.

وأكدت أن هذه الوقائع تفرض تحركاً عاجلاً وشاملاً، يبدأ من الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية لضمان محاسبة رادعة وسريعة، مروراً بالإعلام ودوره الغائب فى التوعية، وصولاً إلى المدارس التى يجب أن تخضع لرقابة صارمة، مع دعم العاملين فيها باختبارات نفسية وسلوكية.

كما يتحمل الأزهر والكنيسة مسئولية كبرى فى إعادة بناء الوعى الأخلاقى والروحى داخل الأسرة والمجتمع.

وأضافت: لابد من إعادة النظر فى قانون الطفل الذى أصبح غير قادر على مواكبة الواقع، فالأطفال لم يعودوا كما كانوا، ومستوى إدراك كثير منهم يمكنهم من ارتكاب جرائم بشعة.

وتابعت: «ليس منطقياً أن يحاسب قاتل فى الرابعة عشرة بعقوبات طفل ارتكب خطأ عابراً».

وأضافت: لا يمكن تجاهل تأثير التكنولوجيا، من الدارك ويب إلى المحتويات العنيفة على تيك توك ويوتيوب، فى ظل انهيار دور الأسرة وغياب الرقابة، ما يصنع جيلاً مشوه الوعى يسهل انزلاقه إلى العنف والجرائم.

مقالات مشابهة

  • دراما رمضان 2026.. وضع اللمسات الأخيرة لبدء تصوير «أنا وهو وهم» لـ نسرين طافش
  • تعاون جديد بين قطاع الأعمال والتضامن لدعم الصناعة والتمكين الاقتصادي للمرأة
  • الفريق أسامة ربيع: قناة السويس تستهدف طفرة في توطين الصناعة البحرية
  • بعد نجاح الجزء الأول .. موسم جديد لـ "ورد وشوكولاتة" | تفاصيل
  • يأبى الدكتور ربيع
  • دينا الشربيني تدعم الصناعة المصرية في مسلسل «لا تُرَدّ ولا تُستَبدَل»: كل الأزياء صناعة مصرية 100%
  • دينا الشربيني تدعم الصناعة المصرية في مسلسل «لا تُرَدّ ولا تُستَبدَل»: كل أزياؤها صناعة مصرية 100%
  • وزير الصناعة الروسي: التبادل التجاري مع الإمارات تجاوز 9 مليارات دولار
  • أسرار صناعة أسطورة القاتل الصغير
  • محمد سامى يشيد بظهور مخرجين جدد في دراما رمضان 2026