على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، استطاعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية استعادة الريادة المصرية الفنية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، بتقديم 30 عملاً متنوعاً فى موسم دراما رمضان بين القوالب الاجتماعية والكوميدية والتاريخية والتراجيدى، تحت شعار وعنوان عريض وهو الارتقاء بذوق المشاهد ومواصلة معركة الوعى وسط منافسة شرسة مع المنصات الأجنبية والأجندات الفنية الهدامة.

ويكشف الدكتور عماد ربيع، رئيس قطاع الإنتاج بالشركة المتحدة، والكاتبة والناقدة علا الشافعى، رئيس لجنة الدراما بالشركة ورئيس تحرير اليوم السابع، والمنتجة دينا كريم، رئيس قطاع التوزيع بالشركة، فى ندوة «الوطن»، التى أدارها رئيس تحرير الجريدة الكاتب الصحفى مصطفى عمار، وبحضور رئيس قسم الفن بالجريدة خالد فرج، ومحررى القسم، عن أسرار وكواليس اختيار أعمال الموسم الرمضانى ومراجعتها وفقاً لنظام مؤسسى يهدف إلى وضع المحتوى الفنى فى نصابه الصحيح، وأبرز التحديات التى واجهتهم فى إعداد الخريطة الرمضانية ومستقبل الصناعة والكثير فى سياق السطور التالية.

  ما معايير اختيار الأعمال الدرامية المعروضة فى موسم دراما رمضان الجارى؟

علا الشافعي: أضع نفسي مكان المشاهد وحققنا إنجازا بتسليم 60% من حلقات المسلسلات قبل التصوير

- علا الشافعى: فى البداية أوجه الشكر للدكتور عماد ربيع، رئيس قطاع الإنتاج بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وكذلك دينا كريم، رئيس قطاع التوزيع بالشركة، لقد بذلنا جهوداً مضنية، وكنا حريصين على عقد اجتماع دورى بشكل مستمر بموعد ثابت، لمناقشة جميع الأمور المتعلقة بالدراما، وحرصنا هذا الموسم على تحقيق إنجاز وهو عودة تسليم الحلقات بنسبة ٦٠٪، قبل بدء تصوير المسلسل، وأعتبر أن هذا كان تحدياً بالنسبة لى، وأتمنى خلال العام المقبل أن تسلم جميع الحلقات قبل بدء التصوير، مثل هذا الأمر قد ينظم العملية الإنتاجية والدرامية، وكان شعار هذا الموسم هو التنوع، «المتحدة» كانت حريصة هذا العام على وجود أعمال درامية مختلفة ترتقى بجميع الأذواق، ووجود مسلسلىْ «الحشاشين» و«جودر» هذا العام تحدٍّ كبير للشركة لأنها تؤدى دوراً قومياً كبيراً، وعودة تقديم مثل هذه الأعمال هى خطوة مهمة.

- دينا كريم: نبدأ أولى خطواتنا فور اطلاعنا على سيناريوهات الأعمال الدرامية، إذ نعقد بعدها اجتماعاً فورياً ونعرض الأفكار على الوكيل الإعلانى «POD»، حتى ندرس موقف هذه المسلسلات من الخطة التسويقية، لأن من الممكن أن نوافق على عمل ويفشل عند تسويقه خارج مصر.

عماد ربيع: بدأنا التحضير لدراما 2025.. و«الحشاشين وجودر» يضاهيان المسلسلات العالمية

- عماد ربيع: انضممت إلى الشركة المتحدة منذ 8 أو 9 أشهر فقط، ولكن «المتحدة» مؤسسة كبيرة وتخضع لنظام مؤسسى، وتملك حوالى 40 شركة من أكبر الكيانات فى الوطن العربى، تقدم إعلاماً مرئياً ومسموعاً وإلكترونياً ومطبوعاً بخلاف الدراما والرياضة، وأتشرف بالعمل وسط خبرات كبيرة تمتد لـ25 عاماً، مثل علا الشافعى التى تمتلك مسيرة كبيرة، وكذلك دينا كريم التى تتمتع بتاريخ إنتاجى كبير، نعمل فى فريق عمل متكامل ومتناغم، لذلك حققنا فى هذا الموسم نجاحاً كبيراً، لأن هذا هو جوهر العمل المؤسسى من وجهة نظرى، ونأخذ دائماً آراء بعض لأننا فريق عمل متكامل، وهدفنا هو تقديم محتوى جيد للجمهور، ونختار سنوياً من بين 500 مسلسل، 30 عملاً نتولى إنتاجها، وهذه الخطوة تأتى بعد طاقة وجهد كبير، وتحرص «المتحدة» على التنوع فى المحتوى بين القوالب الاجتماعية والكوميدية واللايت وغيرها، وتوجد استراتيجية نعمل وفقاً لها سواء داخل موسم رمضان أو خارجه.

هل واجه قطاع التسويق هذا العام صعوبة فى انتشار الأعمال الدرامية المصرية على القنوات العربية والأجنبية؟

دينا كُريّم: استطعنا الوصول إلى ماليزيا ودول شرق آسيا ونستهدف فتح أسواق جديدة لأعمالنا

- دينا كريم: توزيع المسلسلات هذا العام كان أصعب من الماضى، بسبب الأزمة الاقتصادية التى تواجه العالم والحرب على غزة، كما أن جميع المسئولين فى القنوات كانوا متخوفين من مسألة عرض المحتويات الكوميدية، بالإضافة إلى طرح مسلسلين هما الأضخم إنتاجياً وهما «الحشاشين» و«جودر»، وكان من الصعب على أى قناة أن تشترى العملين دفعة واحدة، وكان عليهم اختيار مسلسل منهما، وكل ذلك كان يمثل صعوبة، ولكن أحمد الله أن العملين نالا إشادات كبيرة.

هل يقتصر دور لجنة الدراما بـ«المتحدة» على اعتماد الحلقات الأولى من الأعمال المعروضة فحسب؟

- علا الشافعى: حرص عمرو الفقى، الرئيس التنفيذى للشركة، فى كل الأوقات على جودة السيناريو فى جميع الأعمال الدرامية وذلك لتطوير المحتوى، وهذا دفعنا لعقد جلسات مطولة وعديدة مع صناع المسلسلات سواء كانوا مخرجين أو مؤلفين، ونعمل على مناقشة التغيرات ونضعها فى إطار صحيح يخدم المحتوى، وكنت دائماً أضع نفسى مكان المشاهد، لذلك حرصت على وجود مبرر درامى فى العديد من الأعمال، مثل مسلسل «سر إلهى» لروجينا كنت أبحث عن مبرر درامى لخلق روح الشر بين الأخوات، ويأتى بعد ذلك خطوة مراجعة السيناريو، ثم مراجعة العمل فى المونتاج، وكنا نذهب إلى شركات الإنتاج وقدمنا ملاحظات على مسلسل «الحشاشين» داخل المونتاج، وقابل المخرج بيتر ميمى هذه التعديلات بصدر رحب، وكنت سعيدة بذلك، لأننا نريد خروج المسلسلات بشكل جيد، وأرى أننا نسير على الطريق الصحيح نحو نظام متميز سيخدم الفن، وهذا موجود فى كل دول العالم، فإذا ذهب منتج إلى «نتفلكس» سيخضع لنظامها.

- دينا كريم: لا بد من توجيه الشكر لشركات الإنتاج، لأنهم تحملوا العديد من الأمور، وكانوا يقدمون لنا سيناريوهات جيدة، ولكن لا بد من توصيل رسالة مفادها أن عمل الشركات المنتجة مختلف تماماً عن عملنا، لذلك نعقد اجتماعات معهم لمناقشة تفاصيل السيناريوهات وهذا أمر متبع فى كل دول العالم، نحن نساعد شركات الإنتاج على الارتقاء بذوق المشاهد.

- عماد ربيع: فتح مسلسلا جودر والحشاشين الباب هذا العام لتقديم أعمال درامية تشابه مسلسلات عالمية، بداية من السيناريو ومشاهد الأكشن والمعارك والجرافيك والملابس والإضاءة والتصوير، لذلك أستطيع أن أقول إننا نملك مواهب كبيرة داخل مصر تستطيع تقديم محتوى جيد، ونفتخر بوجود شركات إنتاج كبيرة فى بلادنا تملك الوعى، وتحرص على تقديم أعمال درامية تحافظ على الذوق العام.

وماذا عن خطة دراما رمضان فى العام المقبل؟

- عماد ربيع: نعمل منذ أكثر من شهرين ماضيين على إعداد خريطة دراما رمضان 2025، ونبذل جهداً كبيراً على كل المستويات، بالتعاون مع علا الشافعى وكل فريق العمل، وأريد أن أؤكد أننا لا نفرض وجهة نظرنا على شركات الإنتاج، ولكن يوجد تعاون بين كل الأطراف.

ما معايير لجنة القراءة بالشركة لاختيار السيناريو وتحويله لعمل درامى؟

- علا الشافعى: قطاع الدراما يعمل وفق سياسة عامة بالشركة المتحدة، أهمها أن يحتوى السيناريو على فكرة جيدة ومكتوبة بطريقة متميزة، فضلاً عن الاهتمام بإيقاع العمل وتطوير الشخصيات، ويوجد فى العالم كله 36 فكرة تدور حولها الأعمال الدرامية، ولكن ما يميز عملاً عن آخر هو طريقة سرد الفكرة والجودة، لذلك أتمنى أن تعود السيناريوهات كما كانت فى الماضى للارتقاء بجودة الأعمال الفنية، ورفضنا العديد من السيناريوهات فى البداية بسبب وجود تعديلات كثيرة، وبعد معالجتها تمت الموافقة على تنفيذها.

ما الفرق بين لجنتى القراءة والرقابة بـ«المتحدة»؟

- علا الشافعى: لجنة القراءة تدرس المحتوى وشخصيات العمل، وأنا ضد وجود رقابة وتصنيفات عمرية كما يوجد فى كل دول العالم، وأدرك الفرق بين السينما والدراما، لأن الأخيرة تدخل كل البيوت، لذلك توجد معايير نتبعها عند مناقشة السيناريوهات.

هل نعانى أزمة فى جودة النصوص الكوميدية؟

- علا الشافعى: بالفعل، وسنعمل على علاجها فى الفترة المقبلة، بداية من كتابة السيناريو وتطويره حتى نقدم عملاً كوميدياً ينال إعجاب جميع أفراد الأسرة.

كيف تغلبت «المتحدة» على تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وبخاصة تقلبات سعر الدولار؟

- عماد ربيع: نقدم هذا العام 19 عملاً درامياً على قنوات «المتحدة»، ونعمل وفق نظام مؤسسى ينظم تعاملاتنا، ولذلك تعاونا مع منتجين محترفين واتفقنا على شكل معين لتسلم المبالغ المالية، وكان يوجد مراعاة للتضخم والأزمة الاقتصادية الكبيرة التى تواجه العالم، واستطعنا التعامل بشكل جيد مع تلك العقبات، كما واجهنا العديد من التحديات خلال تصوير الأعمال، ولكننا استطعنا السيطرة عليها وتجاوزها بالتعاون مع شركات الإنتاج التى نساعدها بكل طاقتنا، حتى خرجت الأعمال الدرامية بشكل طبيعى وجودة عالية.

يحاول البعض التقليل من صناعة الفن، ورُبما يغفلون أن الدراما الرمضانية تفتح بيوت الآلاف من الممثلين والعمال والصناع.. هل هناك إحصاء واضح لعدد العاملين فى دراما رمضان؟

- عماد ربيع: بالأرقام تضم نقابة المهن التمثيلية 4 آلاف عضو عامل، ونقابة المهن السينمائية تضم 9500 عضو عامل، بخلاف العاملين بتصاريح، وهذا أيضاً عدد كبير، بالإضافة إلى الموسيقيين وصناع التترات والقطاعات الإدارية والخدمية وغيرها، فهناك أعمال مثل «جودر» وصل عدد العاملين بها إلى 350، وقريباً سنصدر بياناً بالأرقام الدقيقة للعاملين بهذا الموسم.

ماذا كان سيحدث فى سوق الدراما إذا لم يوجد كيان مثل «المُتحدة»؟

- عماد ربيع: «المُتحدة» هى البنك المركزى للدراما، وتُمثل الكنترول الآمن لضبط السوق والصناعة عن طريق نظام مُحترف وضعته، فالشركة كيان كبير استطاع ضبط سوق صناعة الدراما والإعلام فى مصر، وأثبت نفسه عربياً ودولياً.

- دينا كُريم: بالفعل، «المتحدة» استطاعت ضبط السوق عن طريق نظام مُحترف أعددناه، وهذا شرط أساسى لكى تكون هناك صناعة، فالأساس فى الناحية الاقتصادية أن تعرف مُدخلاتك ومُخرجاتك.

- علا الشافعى: هُناك نبرة دخيلة على المُجتمع المصرى وهى الاستهتار بالفن وبصناعته، فالفن ليس الشىء الذى تراه على الشاشة ويسليك فقط، الدراما هى صناعة تغذى المشاعر بالأساس، وما لا يعرفه البعض أن مصر فى الستينات كانت تعتبر الفن صناعة ثقيلة، وكان ترتيبها رقم 3 بعد صناعة القطن والحديد، لكن المد الوهابى وفترات الظلام التى مرت بمصر أثرت فى احترام المجتمع للفن، فما فعلته «المتحدة» أنها أعادت مرة أخرى للفن أهميته، وهذا مهم للغاية فى هذا العصر الذى نعيشه، حيث انفتح أبناؤنا على العديد من المنصات التى أصبح الوصول إليها سهلاً، ولا نعرف ماذا يصدرون لنا؟ «المتحدة» حالياً هى حائط الصد لهذه الموجات.

كيف تتم عملية تسويق الأعمال الدرامية المصرية فى الخارج؟

- عماد ربيع: تعمل دينا كُريم باعتبارها مسئول التوزيع فى الشركة المُتحدة، وفقاً لرؤية تحدد كيفية التعامل مع كل دولة ومنصة نستهدف الوصول إليها، فتجدها تقسم الأعمال الدرامية التى تنتجها وتوزعها على الدول والمنصات التى تذهب إليها، فهذا العمل يصلح للخليج ورُبما آخر يصلح للتوزيع فى شرق آسيا وهكذا، وهذا ما نطلق عليه حرفية العملية التسويقية لدى «كريم».

- دينا كريم: أتفق مع هذا الطرح، إذ أصبح لدينا رؤية واضحة اليوم، لكن التحدى الأكبر لدينا هو فتح أسواق جديدة خارج المنطقة العربية، مثل ماليزيا هذا العام، وهو ما اتفقنا عليه فى «المُتحدة» بعيداً عن المكاسب المادية الكبيرة التى يمكن التغاضى عنها حالياً، فى سبيل تحقيق الرؤية والغاية الأكبر وهى فتح أسواق جديدة للدراما المصرية، واستطعنا هذا العام بيع أعمالنا فى ماليزيا وعدد من دول شرق آسيا، والحمد لله بدأ اسم «المُتحدة» فى الانتشار خارج مصر، ونتلقى عروضاً عديدة من الموزعين لعرض أعمالنا فى الخارج.

هل سيزيد معدل إنتاج مسلسلات الـ15 حلقة خلال السنوات المُقبلة؟

- دينا كريم: أنتجنا هذا العام عدداً كبيراً من مسلسلات الـ15 حلقة، لكن فى ظنى أنها رُبما تقل، فهناك دول خارج نطاق الشرق الأوسط والمنطقة العربية تفضل ما فوق الثلاثين حلقة، وتلقينا طلبات من بعض الدول تفضل أعمالاً بحجم 90 و120 حلقة، مثل دول أمريكا اللاتينية والهند.

 

 

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: دراما المتحدة مسلسلات رمضان رمضان 2024 دراما رمضان الأعمال الدرامیة شرکات الإنتاج دراما رمضان هذا الموسم رئیس قطاع العدید من دینا کریم هذا العام عماد ربیع الم تحدة کل دول نظام م فى الم

إقرأ أيضاً:

الصين والجزائر.. علاقات تاريخية ومستقبل واعد

 

 

ديما دعبول **

 

علاقات مميزة تجمع الصين والجزائر تعود جذورها إلى تاريخ كانت فيه الصين أول بلد يعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة التي أُعلن عن تشكيلها خلال حرب التحرير الجزائرية في عام 1958، وجاء هذا الاعتراف قبل أي دولة عربية أخرى.

وتوالت الأيام ومع حلول عام 2016 أصبحت الصين هي المصدِّر الأول والرئيسي للجزائر متجاوزة بذلك دولاً أوروبية مثل فرنسا، والتي استولت لفترة طويلة على واردات الجزائر لأسباب تاريخية وسياسية.

إلا أن الجزائر عمدت إلى الانسحاب تدريجياً من سيطرة الدول الأوروبية على الاقتصاد وسعت لتنويع شراكاتها وابتعدت عن سياسة التحالفات فتمكنت من الحصول على سيادة دولية واستقرار في القرار السياسي، وتبنّت توجهات جديدة، ركزت على التعاون والانفتاح على أسواق عالمية وأبرزها الصين.

بكين والجزائر.. تاريخ من النضال

الرؤية السياسية والموقف من النظام الدولي القائم من أهم الأمور المشتركة بين الطرفين، خاصة أنهما يسعيان لتغييره باعتباره نظاماً لا يعبّر عن رؤيتيهما وتطلعاتهما.

أما معاداة الاستعمار والتضحية فهما عاملان مشتركان بين بكين والجزائر، فالتاريخ كان شاهداً على تشابه كبير في المعاناة المتمثلة في مقاومة الاستعمار وتقديم التضحيات الكبيرة في سبيل التحرر وتأسيس الدولة الوطنية، وتقديس السيادة التي عمّدت بدماء الشهداء.

فبلد المليون شهيد يمتلك تاريخاً نضالياً مشرفاً للشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ولم يكن الثمن أقل من ذلك لدى الشعب الصيني خلال تاريخه الطويل وسعيه للخلاص من الاحتلالين البريطاني والياباني اللذين جسّدا أبشع الجرائم بحقه، في حين سعى الاحتلال البريطاني لتحويل الشعب الصيني إلى مدمن على المخدرات وذلك ضمن حرب الأفيون.

تاريخ البلدين النضالي جعلهما يؤسسان علاقات قوية ومتينة وتحمل طابعاً خاصاً ومختلفاً عن أي علاقة أخرى بين دولتين، فالصين التي اعترفت بجبهة التحرير الجزائرية سعت إلى تقديم المساعدات لها ودعمها في عملية التحرر من الاستعمار وذلك في خمسينيات القرن العشرين.

وبعد الاستقلال عام 1962 عمدت الصين إلى تقديم قروض لمساعدة الجزائر في تأسيس دولة وطنية ذات استقلالية وسيادة، وأرسلت أكثر من 3000 طبيب صيني لمساعدة الشعب الجزائري خلال فترة ما بعد الاستقلال.

الجزائر بدورها عمدت إلى دعم الصين لاستعادة مقعدها في الأمم المتحدة وذلك في عام 1971، كما استمرت بنهج سياسي واضح نحو الاعتراف بالصين كدولة واحدة والامتناع عن إقامة علاقات مع تايوان.

تطور العلاقات السياسية والدبلوماسية

على مدار العقود الماضية، حافظت الصين والجزائر على علاقات سياسية مستقرة، تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وفي عام 2014، تم رفع مستوى العلاقات إلى شراكة استراتيجية شاملة، مما فتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات متعددة، ولتصبح الجزائر أول دولة عربية تعقد مثل هذه الشراكة مع الصين.

تعززت هذه الشراكة من خلال تبادل الزيارات الرسمية والتنسيق المستمر في المحافل الدولية، حيث يتفق البلدان على دعم القضايا العادلة والمصالح المشروعة للدول النامية.

تتشارك بكين مع الجزائر في وجهات نظر عديدة حول المشهد الدولي والقضايا الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، كما أن هناك تطلعاً مشتركاً لتقديم مساهمات أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

في حين يلتزم كلا الطرفين بميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، كما يعارضان أحادية القطب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ويتفقان ويدعمان التعددية.

وتؤكد الحكومة الجزائرية بشكل مستمر على تمسكها بسياسية دولة الصين الواحدة ومعارضة أي شكل من أشكال انفصال واستقلال تايوان، في حين تؤكد الصين بشكل دائم أيضاً على وحدة أراضي الجزائر.

وخلال زيارات رسمية متبادلة بين الطرفين تم نقل تلك الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين إلى حيز التطبيق الفعلي.

كما سعت الجزائر إلى الانضمام إلى مجموعة دول "البريكس" خاصة أنها تمتلك مؤهلات وإمكانيات تسمح لها بذلك، ومن أبرز هذه المؤهلات هو الموقع الجغرافي والإمكانيات الاقتصادية والموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط والغاز والحديد وغيرها من الموارد، ومساعي الجزائر للانضمام لمجموعة البريكس نابع من رغبتها في تطوير البنى التحتية وإنجاز المشاريع الكبيرة ولا سيما مع الصين التي دعمت انضمام الجزائر.

التعاون الاقتصادي والتجاري

شهد التعاون الاقتصادي بين الصين والجزائر نمواً ملحوظاً، حيث أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للجزائر منذ عام 2019، مستحوذة على نسبة 17% من واردات الجزائر، بما يعادل 9 مليارات دولار سنوياً. 

كما أن رصيد الاستثمارات الصينية في الجزائر شهد نمواً وتطوراً أيضاً بشكل متسارع، حيث ارتفعت قيمة الاستثمارات الصينية من 1.9 مليار دولار أمريكي ما بين عامي 1979 و2002 إلى 22 مليار دولار أمريكي بين عامي 2005 و2016.

تتجلى هذه الشراكة الاقتصادية بوضوح في تنفيذ مشاريع استراتيجية، مثل الطريق السريع شرق-غرب والذي وصلت قيمته إلى 20 مليار دولار أمريكي، وجامع الجزائر بقيمة تصل إلى مليار دولار، كذلك ميناء شرشال، بالإضافة إلى استثمارات في قطاع الفوسفات بقيمة 7 مليارات دولار، وذلك لإنتاج 5.4 مليون طن من المخصبات الزراعية، فضلاً عن استثمارات في الحديد والطاقة المتجددة.

وإن أكثر ما يثير الاهتمام في العلاقات الصينية الجزائرية من الناحية الاقتصادية هي أنها علاقات معتدلة ومتوازنة، فلا ميزان تجاري خاسر فيها. وعلى الرغم من أن الصين تعتبر من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، إلا أنها لا تسعى إلى استغلال الدول الأخرى أو تدمير اقتصاد الدول والاستحواذ على أمنها الاقتصادي.

بل إن الصين تؤمن بمبدأ التنمية المشتركة، وذلك وفقاً لمقولة صينية شهيرة وهي "حيث توجد التنمية يوجد الأمان"، وهذا يؤكد على أن الصين تهدف في شراكاتها إلى تحقيق الفائدة المشتركة لمختلف الأطراف.

مبادرة الحزام والطريق

انضمت الجزائر إلى مبادرة الحزام والطريق في عام 2018، مما عزز من التعاون الثنائي في مجالات البنية التحتية والطاقة والتجارة، وتعد هذه المبادرة منصة لتعميق الشراكة الاقتصادية، حيث تسعى الجزائر للاستفادة من الاستثمارات الصينية في تطوير الموانئ والطرق والسكك الحديدية، مما يساهم في تعزيز موقعها كمركز لوجستي في المنطقة. 

ففي عام 2018، أعلنت الجزائر رسمياً انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين، وهي خطوة استراتيجية تعكس رغبتها في تعزيز مكانتها الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة.

هذا الانضمام لم يكن مجرد إجراء رمزي، بل مثّل بداية مرحلة جديدة من التعاون العميق مع بكين، حيث شرعت الجزائر في الاستفادة من هذه المبادرة العالمية لتطوير بنيتها التحتية وتعزيز قدراتها اللوجستية.

وانخرطت الجزائر ضمن هذه المبادرة عبر عدد من المشاريع الكبرى، منها تطوير موانئ حيوية مثل ميناء الحمدانية في شرشال، وتوسيع شبكة النقل والمواصلات، ما يمهد لجعل البلاد مركزاً إقليمياً للتجارة والاستثمار.

يتجاوز هذا التعاون الجانب المادي، حيث ترتكز الشراكة الصينية الجزائرية ضمن المبادرة على مبدأ المنفعة المتبادلة، مما يمنح الجزائر فرصة الوصول إلى التمويلات والخبرات الصينية من دون فرض شروط سياسية.

كما تتطلع الجزائر إلى تحويل موقعها الجغرافي إلى نقطة وصل بين إفريقيا وأوروبا وآسيا، مستفيدة من التجربة الصينية في التنمية السريعة، ومن التمويل والتكنولوجيا اللذين توفرهما بكين.

كما أن انضمام الجزائر إلى الحزام والطريق لا يُعد مجرد تقارب اقتصادي، بل هو امتداد لعلاقة سياسية تاريخية تتعزز اليوم في سياق عالمي جديد متعدد الأقطاب.

ومنذ انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق، اتخذت الجزائر خطوات ملموسة لترجمة هذا الانخراط إلى مشاريع واقعية ذات أثر استراتيجي، وفي مقدمة هذه المشاريع يأتي ميناء الوسط بمنطقة الحمدانية، الذي يُنظر إليه باعتباره أحد أكبر وأهم المشاريع البحرية في إفريقيا.

ولا يقتصر دوره على تسهيل التبادلات التجارية، بل يُخطط له أن يكون منصة لوجستية ضخمة تربط الجزائر بالأسواق الآسيوية والأوروبية والإفريقية، في انسجام تام مع أهداف المبادرة الصينية الرامية إلى خلق شبكة تجارية عابرة للقارات.

وعلى صعيد البنية التحتية، ساهمت الشركات الصينية في تعزيز شبكة الطرق الوطنية الجزائرية، لاسيما من خلال ربط الموانئ الكبرى بالمناطق الداخلية، الأمر الذي يرفع من كفاءة النقل ويساهم في خفض تكاليف الشحن.

كذلك شهد قطاع السكك الحديدية دفعة جديدة من التعاون، تمثلت في تحديث بعض الخطوط القديمة ومدّ خطوط جديدة في مناطق استراتيجية، لتسهيل حركة البضائع وربط مراكز الإنتاج بمرافئ التصدير.

التعاون في مجال الطاقة والبيئة

في مجال الطاقة والبيئة، دخلت الصين بقوة عبر استثمارات موجهة نحو الطاقة المتجددة، وبخاصة الطاقة الشمسية، مستفيدة من المناخ الجزائري الملائم. كما ظهرت شراكات صناعية في قطاعات التكنولوجيا والتحويل الرقمي، ضمن رؤية الجزائر لرقمنة الإدارة وتطوير الاقتصاد الرقمي.

تجسد هذه المشاريع توجه الجزائر نحو اقتصاد متنوع ومفتوح، يرتكز على شراكات استراتيجية مع قوى عالمية صاعدة.

وفي هذا السياق، لم تكن الصين مجرد ممول، بل شريك تنموي يراعي الأولويات الوطنية الجزائرية، ويقدم بديلاً متوازناً للأنماط التقليدية من التعاون الدولي.

التعاون الثقافي والإنساني

تُولي الصين والجزائر أهمية للتبادل الثقافي والإنساني، حيث يتم تنظيم فعاليات ثقافية وفنية لتعزيز التفاهم المتبادل بين الشعبين.

كما يتم التعاون في مجالات التعليم والبحث العلمي، من خلال تبادل الطلاب والأساتذة، وتقديم منح دراسية، مما يسهم في تعزيز العلاقات على المستوى الشعبي.

مستقبل العلاقات الثنائية

تسعى الصين والجزائر إلى تعزيز شراكتهما الاستراتيجية من خلال تنفيذ الخطة الخماسية الثانية للتعاون للفترة 2022-2026، والتي تهدف إلى تكثيف التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والثقافة.

كما تدعم الصين انضمام الجزائر إلى مجموعة البريكس، مما يعكس التوافق في الرؤى حول أهمية تعزيز التعاون بين الدول النامية، وبناء نظام دولي أكثر توازناً وعدالة.

تُعد العلاقات بين الصين والجزائر نموذجاً فريداً للتعاون الدولي، حيث تمتد جذورها إلى مرحلة الكفاح التحرري، وتطورت لتشمل شراكة استراتيجية شاملة تغطي مختلف المجالات، وشهدت هذه العلاقات تطوراً ملحوظاً في العقود الأخيرة، مدفوعة بتقارب سياسي وتعاون اقتصادي متزايد، مما يجعلها محور اهتمام في سياق التغيرات الجيوسياسية العالمية.

** صحفية سورية

** يُنشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

مقالات مشابهة

  • نائب وزير الصناعة والتجارة يفتتح بعدن فرع بنك الشرق اليمني الإسلامي للتمويل الاصغر
  • سنابل الخير تتلألأ| الزراعة: 10 ملايين طن إنتاجية هذا الموسم.. وتوريد أكثر من 2.5 مليون طن.. والزراعيين: وفرة التقاوي المعتمدة المحسنة سبب زيادة الإنتاجية
  • هل توجد ذنوب لا يغفرها الحج؟ رد حاسم من الداعية دينا أبو الخير
  • ارتفاع إيرادات الصناعة الرقمية في الصين 9.4% بالربع الأول
  • توريد 110 آلاف طن قمح منذ انطلاق موسم الحصاد وحتى اليوم بالجيزة
  • الصين والجزائر.. علاقات تاريخية ومستقبل واعد
  • استلام 110 ألف طن من القمح المحلي بمواقع التخزين بالصوامع والشون منذ انطلاق موسم الحصاد والتوريد بالجيزة
  • غوتيريش:نأمل نجاح قمة بغداد
  • آخر موعد للتقديم بمسابقة خطة الأعمال“Innovate for Impact”بجامعة عين شمس
  • بإطلالة جذابة .. نسرين طافش تثير إعجاب جمهورها