كلام الناس
نورالدين مدني
أنا لا أعلم كثيراً عن عالم الشعر لكنني أشعر بالام الناس وأحاسيسهم وأطرب للمقطع الجميل والتعبير الصادق، لذلك سعدت بديوان الشعر"ماتعلمناه من الأجنحة" الذي أهداه لي مشكوراً مؤلفة عفيف اسماعيل.
لن أستعرض معكم كل القصائد التي تضمنها الديوان الذي أسرني أكثر الإهداء الذي خصني به قائلاً : ليت لي أجنحة لنطير بنا إلى ضفاف النيل.
ألإهداء الأهم خص به الجيل السبتمبري الملهم ودعاهم فيه للثقة في أنفسهم وفي المستقبل وفي أسلافهم الذين تربطهم بهم جينات التفاني ووشائج الغيرية وحب الحياة الوطن .... ومن قبل ومن بعد لشهيد الشباب زرياب محمد علي ..ثم إلى نازك رفيقة الأهوال والمحبة.
في قصيدته"أهوال لاتدخل من الباب" جسد بعض الصور الحية للاثار الكارثية للحرب العبثية وهو يقول:
بعضهم ترك أبواب بيوتهم مثقلة بالحنين
تقف،برغم الشروخ، شامخة مثل اثار قديمة
بعد أن هدمت حمم الطائرات
وشظايا قذائف مدافع"الهاون" منازل الجيران من حولهم
.........إلى ان يقول:
هل سترحب هذه الأبواب بالضيوف مرة أخرى؟
أم ستهشمها كعوب طارقين من نسل الحقد الكراهية
ليساكنوا عنوة ذكريات أصحابها وأرواح أسلافهم التي رفضت الموت
أو
النزوح
وهناك
بمودة ووئام،
تقاسمت بيوت القرى الرحيمة خبزها الفقير
مع الناجيات من الاغتصاب
وفتحت للأطفال المشردين بين الضلوع
أوسع الأبواب ليدخلوها حفاة فرحين
ومن أوسخ الأبواب يدخل قادة الحرب
واحداً
تلو
الاخر
مثل صفوف النمل إلى صفحات كتاب التاريخ
عفيف اسماعيل
23 يونيو2023م
أكتفي بهذه الأبيات من القصيدة التي تكفي وحدهالتعبر عن مجمل قصائد الديوان التي لا تقل صدقا في تصوير بعض اثار الدمار الذي سببته الحرب العبثية التي أشعلها الانقلابيون ومازالوا يؤججونها، وأترككم مع أجنحة الشوق والحنين على أمل اللقاء بكم معاً في سودان المواطنة والسلام والديمقراطية والعدالة والكرامة الإنسانية.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
نجوع، ثم نُقتل.. لم يعد هناك أمل للفلسطينيين
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
كانت والدته واحدة من عشرات الفلسطينيين الذين قتلوا خلال الأيام الأخيرة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات، التابعة لما يُعرف بـ «مؤسسة غزة الإنسانية»، والمدعومة من الولايات المتحدة.
في الأول من يونيو، قُتل أكثر من 30 فلسطينيًا. وفي الثاني من يونيو، قتل 3. وفي الثالث من يونيو قتل 27. ثم قتل 4 في الثامن من يونيو، وقتل 17 في العاشر من يونيو، و60 في الحادي عشر من يونيو.
بات واضحًا أن الجوع في غزة لم يكن مجرد نتيجة للعدوان، بل سلاحا متعمدا يُستخدم لإضعاف السكان والسيطرة عليهم.
حين بدأت المساعدات الأمريكية تصل، ظنّ الناس أن بصيص أمل قد لاح في الأفق، وأن المجاعة القاتلة ربما تخف حدّتها. لكن هذه الآمال سرعان ما انهارت. تحولت نقاط توزيع الغذاء إلى مصائد موت.
في نقطة نتساريم تحديدا، سار الناس الضعفاء من الجوع لمسافات طويلة تجاوزت 15 كيلومترًا على الرمال الحارقة. وحين وصلوا، وجدوا حواجز تمنعهم من الدخول، فدخلوا فردا فردا. ثم حشروا في منطقة محاطة بأسلاك شائكة، وطرحت صناديق المواد الغذائية على الأرض بطريقة عشوائية، ما أدى إلى هرج ومرج؛ كأنك تلقي بلحم نيئ إلى قفص مليء بالأسود الجائعة.
لا أحد راعى الأرامل، أو المصابين، أو كبار السن. كلّ من استطاع أن يخطف شيئًا فعله، وغالبًا ما كانوا يبحثون عن الطحين؛ لأنه أصبح خارج متناول اليد من شدة الغلاء. ثم، ودون سابق إنذار، بدأت الدبابات بالاقتراب من الأسوار وفتحت نيرانها على الحشود، بلا تمييز بين طفل وشيخ.
فرّ الناس مذعورين، بعضهم يحمل القليل مما تمكن من التقاطه، وآخرون يهربون فارغي الأيدي. كانوا يرون من يسقط حولهم، لكن لا أحد يستطيع التوقف؛ لأن التوقف يعني الموت.
نجا بعضهم. سمعت جاري يعود بعد أربع ساعات من الغياب. كان ينادي أطفاله: «بابا، بابا، جبتلكم خبز! جبتلكم سكر»!
نظرت من النافذة ورأيت أولاده يحتضنونه ويصرخون فرحًا. كان يرتدي قميصًا داخليًا فقط، وقد ربط قميصه الخارجي على ظهره ليحمل فيه القليل من المساعدات التي تمكّن من جمعها.
الناس يائسون. الناس جوعى. نحن لسنا متوحشين، ولسنا عنيفين. نحن بشر نحافظ على كرامتنا، ونقدّرها أكثر من أي شيء. لكن الجوع الذي نواجهه الآن لا يوصف.
الطعام حق، لا رفاهية. ومع ذلك، نحن نعيش مجاعة حقيقية. الأسواق غالية جدا، الطرقات مليئة بالمسلحين الذين يسرقون المعونات من الأضعف، ثم يبيعها التجار بأسعار باهظة.
في المقابل، كان نظام المساعدات التابع لوكالة الأونروا أكثر تنظيمًا وإنسانية. كان والدي، وهو معلم في مدارس الأونروا، يشارك في توزيع بطاقات الطعام والمساعدات للناس. كان التوزيع يتم عبر معلمين وجيران معروفين، وتحت حماية محلية. الأهم من ذلك: كانت الكرامة محفوظة.
النظام كان يقسم العائلات بحسب الحجم، وتُوزع المساعدات شهريًا عبر كوبونات: دقيق وغاز وسكر وزيت وغيرها. لم يكن الطعام وفيرًا، لكنه كان كافيًا لسدّ الرمق.
أما اليوم، فنحن نتضور جوعا. هذه ليست مساعدات إنسانية. بل إهانة علنية، مغطاة بشعارات «الإنقاذ». كل ما تبقى لنا الآن هو الإذلال، والموت البطيء.
إسراء أبو قمر كاتبة فلسطينية مقيمة في غزة
عن الجارديان البريطانية