متابعة بتجــرد: قليلة هي الأفلام والمسلسلات العربية التي تعرض الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، ولكنها موجودة بشكل منتظم، وغالباً ما يتم إنتاجها بدافع الحماس الناتج عن اشتداد حدة هذا الصراع، في شكل جولات حربية أو زيادة الاعتداءات الإسرائيلية، أو ارتفاع وتيرة المقاومة الفلسطينية.
كانت البداية في أعقاب حرب فلسطين، التي انتهت بإعلان دولة إسرائيل وهزيمة الجيوش العربية، قامت السينما المصرية بإنتاج فيلم “فتاة من فلسطين” من إخراج وتمثيل محمود ذو الفقار، وبطولة المطربة والممثلة سعاد محمد، الذي يدور عن قصة حب بين ضابط جيش مصري وفتاة فلسطينية.
حب أم شفقة؟
بعد أكثر من 75 عاماً تعود الدراما المصرية إلى القضية الفلسطينية، بعمل يحمل الفكرة نفسها، وهو مسلسل “مليحة” المكون من 15 حلقة، والذي عرض خلال النصف الثاني من رمضان.
إنتاج عمل مثل “مليحة” هو نوع من التضامن، وإعلان المواقف المحمود في تلك الفترة الحاسمة من الصراع، والتي فقد خلالها الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف في قطاع غزة والضفة الغربية، ولكن قراءة هذا العمل الذي كتبته رشا عزب الجزار، وأخرجه عمرو عرفة يمكن أن تكشف أن “التعاطف” هو الشعور الغالب، الذي يغطي ويشوش على أي دافع آخر.
في أحد مشاهد المسلسل تشكو الفتاة الفلسطينية مليحة (سيرين خاس)، من أن الطبيب المصري هشام (علي الطيب) يحبها بأنه فقط يشفق عليها، بسبب المعاناة التي مرت بها، ورغم أن هشام يؤكد لشقيقته بأنه يحب مليحة حقاً، إلا أن الموقف، وشخصية مليحة – كتابة وتمثيلاً – والمسلسل كله، لا يصدّر تجاه الفتاة وشعبها سوى الشفقة.
حتى المقارنة مع فيلم “فتاة من فلسطين” ليست في صالح مليحة، في الفيلم تسقط طائرة الضابط المصري في غزة، وتنقذه فتاة فلسطينية، يتبين فيما بعد أنها من المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وهو ما يضع البطلة المرأة، وفلسطين، في موقع القوة والمحرك للأحداث.
على العكس، فإن مليحة بتكوينها البنياني الضعيف وملامحها البائسة واللاحضور الغريب للممثلة التي تؤدي الدور، لا يكاد يكون لها وجود في المسلسل سوى إثارة الشفقة.
قصة حب.. من دون حب
يحمل المسلسل اسم مليحة، ولكن مليحة نفسها شخصية ثانوية، مقارنة حتى بجدها الذي يموت مبكراً أو جدتها التي تبقى معها للنهاية، حتى تعودا إلى غزة. أما الشخصيات الرئيسية فكلها مصرية، بداية من البطل الوحيد الضابط أدهم (دياب)، وعائلته الكبيرة التي تضم أمه وأخاه وبنات خاله وزوجته، مع بعض رفاقه في الجيش.
ويصور المسلسل معركتين يشارك فيهما أدهم، الأولى، في بداية المسلسل، على الحدود الليبية ضد جماعة إرهابية “جهادية” أو “داعشية”، تحاول التسلل إلى مصر، والثانية ضد مجموعة إرهابية مماثلة تتسلل إلى سيناء، وتقوم بقتل وخطف بعض السكان.
وتسبق أحداث المسلسل، حتى الحلقة العاشرة، مقدمة وثائقية جيدة حول تاريخ القضية الفلسطينية، بصوت الفنان سامي مغاوري، بلكنة مختلطة، قبل أن يتبين لاحقاً أنه صوت إحدى شخصيات العمل، وهو الشيخ سالم السيناوي الذي يقوم الإرهابيين بخطفه، وبصحبته مليحة وجدتها، حيث يستطيع أدهم وزملاءه إنقاذهم للمرة الثانية.
وتصحب عناوين المسلسل أغنية (ترويدة) فلسطينية جميلة، لكننا لا نرى شيئاً من فلسطين في الأحداث نفسها، إذا استثنينا اللقطات التاريخية الوثائقية المصاحبة لصوت الشيخ سالم، ولقطات وثائقية لغزة يعقبها مشهد عودة مليحة وجدتها إلى غزة، وذلك في الحلقة قبل الأخيرة من المسلسل.
من الغريب أيضاً أن قصة الحب، التي يفترض أن تحدث بين الضابط المصري والفتاة الفلسطينية، لا يبقى لها أثر بمرور زمن المسلسل، مليحة معجبة بأدهم، وهو كذلك، بالرغم من أنه لا يبدي أي إشارة تدل على ذلك، وعندما يبدو أن العلاقة في سبيلها للتطور، بعد قيام مليحة وجدتها بزيارة أدهم، والمبيت لدى أسرته وحضور عقد قران أخيه في اليوم التالي، فجأة يعلن أدهم أنه سيتزوج بإحدى قريباته، التي تحبه من طرف واحد، ولا يبدي تجاهها أي ميل قبل ذلك، وعندما تخبره أمه بأنها ظنت أنه سيخطب مليحة لا قريبته، يجيبها بأنه ضابط في الجيش المصري، وهو عائق لم يكن موجودا في فيلم 1948.
اختيارات غريبة
سيرين خاس ممثلة شابة جيدة، سبق أن ظهرت في فيلم “علم” الفلسطيني الذي حصل على جائزة أفضل فيلم في مهرجان القاهرة 2022، ولكنها في “مليحة” فاترة وشاردة الذهن كأنها تمثل بالصدفة، ودياب في دور أدهم أمر يبدو غريباً أيضاً، فهو وإن كان ممثلاً جيداً في نوعية محددة من الأدوار (ابن الأحياء الشعبية القاسي)، إلا أن مساحة تعبيره لا تتجاوز هذه النوعية، وهو يبدو باهت الحضور في دور أدهم كما لو أنه خائف من بطولة العمل، أو من لعب دور ضابط جيش خارق القدرات، طالما تألق فيه نجوم مثل أمير كرارة وأحمد عز وكريم عبد العزيز.
من الطريف أن أفضل الممثلين في “مليحة” هم لاعبو الأدوار الثانوية: ميرفت أمين في دور الأم، وأمير المصري في دور الأخ المحبط الذي يفكر في الهجرة، وبالأخص مروة أنور في دور ابنة الخال.
يحمل “مليحة” توقيع المخرج عمرو عرفة، صاحب 25 عاماً من الخبرة في السينما والتليفزيون، ولكن الإخراج يعاني من أعراض كسل، أو ضيق وقت، أو الاثنين معاً، وباستثناء مشاهد المعركتين في بداية ونهاية العمل، فإن بقية المشاهد فقيرة إنتاجياً.
يحسب لـ”مليحة” اهتمامه بالموضوع الفلسطيني (حتى لو كان على استحياء)، واستعانته بفريق ممثلين عربي، خاصة في تلك اللحظة الصعبة التي تتطلب إظهار التضامن، ولكنه ليس أكثر من إعلان عن هذا التضامن.
main 2024-04-10 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: فی دور
إقرأ أيضاً:
تداعيات إعلان تشكيل الهيئة القيادية لتحالف السودان التأسيسي برئاسة “حميدتي” على مسار الحرب
أعلن “تحالف السودان التأسيسي”، في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، عن “تشكيل هيئة قيادية مكونة من 31 عضواً، برئاسة قائد قوات “الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ونيابة عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية”.
وقال المتحدث الرسمي، علاء الدين عوض نقد، في أول مؤتمر صحفي يعقد من مدينة نيالا، وهي من المناطق التي تسيطر عليها “الدعم السريع”، إن “الاختيار جاء عقب مشاورات موسعة، اتسمت بالشفافية والجدية، وإنه تم التوافق على تشكيل هيئة قيادية من 31 عضواً”.
وأضاف نقد، أن “تحالف تأسيس” منصة وطنية تهدف إلى الاستمرار في مواجهة وتفكيك السودان القديم، ووضع حد نهائي ومستدام للحروب بمعالجة أسبابها الجذرية”.
وجدد “التزام التحالف بالانفتاح الكامل على كافة التنظيمات السياسية والمدنية والعسكرية الرافضة للحرب، والداعمة للسلام العادل والشامل”، داعيا جميع المظلومين والمضطهدين وطلاب التغيير الجذري، إلى الالتفاف حول مبادئ وأهداف التحالف والانضمام إليه”.
ما هي الأهداف التي يسعى الدعم السريع لتحقيقها من وراء إعلان تحالف السودان التأسيسي في المناطق التي يسيطر عليها؟
بداية يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، إن “التحالف الجديد الذي تم الإعلان عنه تحت مسمى (تحالف تأسيس) برئاسة دقلو والنائب له عبد العزيز الحلو، هو محاولة من الدعم السريع لتأسيس منصة سياسية جديدة، بعد أن فقد الجميع اللافتات السياسية التي رفعت منذ بداية الأمر وكان يتحدث فيها عن الديمقراطية وعن دولة 1956 وعن إزالة التهميش وما إلى ذلك في خطاب عام من مركز الخرطوم لأنه كان يستولي على ولايات الوسط بصورة كاملة”.
الخروقات والانتهاكات
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “لكن الخروقات والانتهاكات الكبيرة التي ارتكبت بواسطة قوات الدعم السريع أسقطت المشروع السياسي بصورة كاملة، لذلك جرت تلك المعالجة الأخيرة بأن يستقطب الدعم السريع أحزاب سياسية معروفة تحت مسمى التحالف الجديد”.
وتابع: “لكن حتى حزب الأمة الذي يشارك برئيسه ويحاول أن يعيد إنتاج لافتة سياسية يمكن أن تكون ذات مدلولين، المدلول الأول لأنها قد تكون ورقة تفاوضية في أي مفاوضات تنشأ بين الدعم وأي أطراف داخلية في السودان سواء الحكومة أو أي مفاوضات دولية تشرف عليها أطراف دولية وإقليمية وتكون ورقة ضغط في اتجاه المساومة للحصول على مقعد سياسي في السودان بعد الحرب”.
واستطرد ميرغني: “أما المدلول أو الهدف الثاني لهذا التحالف، إذا استمرت الحرب لوقت أطول مما هى عليه الآن وتصاعدت الأوضاع بصورة أكبر، يصبح تحالفهم بعد ذلك منصة قابلة للتطوير في اتجاه دولة جديدة مستقلة”.
حكومة موازية
وأشار المحلل السياسي، إلى أن “الإعلان عن التحالف بالأمس أرى أنه تمهيد لإعلان حكومة موازية في السودان رغم الخلافات التي نشبت بين المكونات المتحالفة مع الدعم السريع حول كيفية توزيع الحقائب الوزارية، بكل حال هو خطوة باطنة تمهيدا لإعلان انفصال دارفور في خطوة لاحقة إذا ما تصاعدت الأوضاع أكثر كجناح سياسي جديد يتزامن أو يتوازى مع الجناح العسكري لدى الدعم السريع”.
ولفت ميرغني إلى أن “هذا التحالف الجديد يحاول الدعم السريع من خلاله تغيير النمط أو الصورة التي سادت عنه والخروقات التي ارتكبت والعقوبات الدولية التي فُرضت وشكلت حاجز معنوي أمام التواصل الخارجي للدعم السريع سياسية. طبعا الدعم السريع بالخروقات التي ارتكبت والعقوبات الدولية يعني شكلت حاجز معنوي في أنه يكون عنده تواصل خارجي”.
واختتم بالقول: “الدعم السريع يستغل بعض الأحزاب التي انضوت تحت لوائه في هذا التحالف ويحاول بها أن يوجد نوع من اللافتة المقبولة للجميع”.
خطوة جريئة
في المقابل، تقول لنا مهدي، عضو الهيئة القيادية للقوى المدنية المتحدة “قمم”، والقيادية في تحالف السودان التأسيسي “تأسيس”، إن “تحالف السودان التأسيسي ليس مجرد احتمالات أو شكوك، بل هو أمل السودان الوحيد لبداية جديدة تحمل معها فرصة السلام والاستقرار في وطن طالما عانى من جراح الحرب وعثرات الانقسام، هذا التحالف خطوة جريئة تفتح نافذة لتوحيد القوى حول هدف واحد هو إنهاء النزاع وبناء مستقبل يليق بأحلام السودانيين، وكلنا أمل أن يكون البداية الحقيقية لتوحيد الصف وتحقيق السلام الدائم”.
وأضافت في حديثها لـ”سبوتنيك”: “التحالف هو الجسر الذي يعبر بنا من نيران الحرب إلى بر الأمان السياسي، لا مزيد من التردد ولا انتظار بلا أفق فهو الخيار الوحيد المتاح لبداية جديدة تحمل آمال شعب يرفض أن يستمر في دوامة الصراع والانقسام”.
وتابعت مهدي: “هذا التحالف يحمل في طياته فرصة حقيقية لإعادة ترتيب البيت السوداني وتوحيد الرؤى حول سلام مستدام بعيدا عن لغة البندقية وصراع المصالح وهو يدعو الجميع للوقوف معاً خلف قادة يؤمنون بأن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنقاذ السودان”.
عهد جديد
وأشارت إلى أن “هذا التحالف يأتي في زمن تعصف فيه الرياح بالوطن وتحاول الفوضى أن تلتهم أحلام أبنائه، هنا يصبح هذا التحالف الضوء الذي ينير طريق السلام ويعطي الأمل بأن السودان قادم بقوة نحو مستقبل أفضل تستحقه أجياله القادمة”.
واستطردت: “هو بداية عهد جديد يعيد بناء السودان على أسس صلبة من التوافق الوطني والتعايش السلمي، ويضع حداً لسنوات الفوضى التي قضمت مستقبل الوطن وأضاعته في نزاعات لا تنتهي، مع هذا التحالف نضع حجر الأساس لمستقبل السودان الذي نحلم به مستقبل يسوده الاستقرار والعدالة، حيث تنمو فيه الأمال وتتفتح فيه الفرص لكل السودانيين دون تمييز أو إقصاء، وكلنا على يقين أن هذه البداية ستكون شعلة تضيء دروب السلام والازدهار”.
وأكدت مهدي أن “هذا التحالف يمثل رسالة واضحة إلى كل الأطراف بأن السودان لن يكون ملعباً للصراعات الداخلية، ولن تتحقق أحلام البعض على حساب معاناة الشعب، إنه إعلان صريح بأن الوطن أولاً وأن كل الجهود يجب أن تتوحد لإنقاذه من براثن الانقسام والتفكك”.
واختتمت مهدي: “التحالف أيضاً دعوة مفتوحة لكل السودانيين بأن يشاركوا في بناء هذا الوطن من جديد، بكل طاقات وأفكار متجددة تحمل الخير وتزرع الأمل في قلوب كل من يهوى السلام ويرى في الوحدة طريقا نحو مستقبل أفضل ومشرق للجميع”.
وأعلنت حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، بقيادة الهادي إدريس، تحويل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور السودانية إلى “منطقة عمليات عسكرية”، داعيةً إلى نزوح غالبية السكان المدنيين إلى مناطق أكثر أمانًا.
ونقل موقع “أخبار السودان” بيانا صادرا عن الحركة حذرت فيه المواطنين المتبقين داخل المدينة ومعسكرات النازحين، مطالبةً إياهم بمغادرتها فورًا والتوجه إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة في “كورما وعين سيرو والمحليات الآمنة الأخرى بالولاية”.
كما طالبت الحركة النازحين بالتنسيق مع قوات تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) لتسهيل انتقالهم وضمان سلامتهم.
يشار إلى أن الحركة عضو فاعل في تحالف السودان التأسيسي، الذي أسس في فبراير/شباط الماضي، في نيروبي بمشاركة قيادات من قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الحلو وأطراف أخرى، بهدف تشكيل حكومة موازية.
في سياق متصل، ناشدت الحركة الأمين العام للأمم المتحدة توجيه المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين في مناطق “كورما وطويلة وكتم وعين سيرو وكبكابية وجبل مرة”، وسط أزمة إنسانية متصاعدة يعاني فيها آلاف النازحين من انقطاع الإمدادات الغذائية والطبية، وذلك مع استمرار الاشتباكات العسكرية وتصاعد الضغط على مدينة الفاشر.
يأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد التحركات العسكرية وتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، مما يهدد بزيادة المعاناة الإنسانية للنازحين والمدنيين العالقين في مناطق الصراع.
واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل/نيسان 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم للقتال.
وكالة سبوتنيك
إنضم لقناة النيلين على واتساب