خلال عام واحد فقط هو عمر العدوان الغاشم الذي تولت كبره مليشيا الدعم السريع نيابة عن دوائر وأحزاب ومنظمات ومراكز ودول ومخابرات وأجندة أجنبية، ضد الشعب السوداني لطمس هويته ونهب مقدراته وسرقة ثرواته، انقلبت الحياة بالكامل ووضعت حداً فاصلاً ما بين عهدين، الأول ما قبل الحرب والثاني ما بعدها، وأصبح تاريخ مابعد الحرب عهداً جديداً تداخلت فيه الأوراق والأهداف والوسائل والأفكار وأصبحت كل الأشياء ترى بالعين المجردة، ومن حيث أراد المعتدون تفتيت السودان وتمزيق نسيجه الإجتماعي، نجد أن الهوية الجامعة لأهل السودان تعززت بصمودهم وقاومت التيار العاتي المدعوم بأجهزة وأدوات وإمكانات كبيرة.

عام كامل صمتت فيه المساجد، وتعطلت الجامعات والمدارس والمسارح، وانهارات مبانٍ ومعالم، واستحالت المدينة إلى خراب، ونزح الناس في لمحة نظر هرباً من خطر الموت واحتموا بالولايات الآمنة وتخندقوا في ديار الجذور، وهاجرت المدينة بكامها إلى الريف، وتمازجت الثقافات وتقاصرات المسافات مابين وصل الرحم والبحث عن مصادر رزق فاستطالت أسواق ومصانع، وتعالت أصوات داعمة لإعادة توزيع الثروة، وتحققت أمنيات الهجرة العكسية فتحول لسان الصغار مع رياح القرية بشكل يصبح معه الفكاك أقرب إلى المستحيل مع هجران المدارس والمطالعة.

لقد حفظ “الريف” الوداد وفرش البساط أحمدياً وسحب الخصوصية وعادت معه تقاليد وتراث ومراسم كان الظن أنها اندثرت.

عام كان ثقيلاً علي المغتربين السودانيين، فقد تحملوا المسؤولية كاملة وتقاسموا الصرف المادي وكسبوا رهان المحبة والمحنة.

عام كامل غابت فيه نجوم ولاحت طيور في سماوات ملبدة بالغيوم.

عام مضي والجميع في امتحان شديد البلوى تمايزت فيه الصفوف وتساوت الظروف، ولم يعد أمام الشباب سوى الدفاع عن الأرض والعرض والشرف، فتسابقوا نحو المعسكرات للانضمام إلى شرف المقاومة الشعبية المسلحة حتي وصل الرقم إلى ما يقارب المليون مقاتل سطروا ملامح النصر القريب بإذن الله.

شهادة العصر قالها نجوم المجتمع وأهل الكفر والوتر في وقتها وشكلوا بها لوحة وطنية معهودة وظهروا في كامل البهاء والألق، ومع ذلك ضاعت وثائق ومخطوطات ومطبوعات وماتت أفكار وأشعار وأقوال.

لقد حاولت المليشيا ورعاتها محو التاريخ ونزع الحضارة وقتل الإبداع فقابلتها

الفنون بالتعبير المباشر أو الفلسفي، ولعبت دورها التاريخي وسارعت لتسجيل اسمها في لوحة الشرف بقائمة طويلة بينها علي سبيل المثال كمال ترباس وعاطف السماني ومحمد النصري وبلال موسي وعبد القادر سالم والنور الجيلاني وحسين الصادق واحمد فتح الله البندول وعصام محمد نور وندي القلعة وسمية حسن وهدى عربي وميادة قمر الدين وعشة الجبل وغيرهم. وفي المسرح تصدر المشهد مسرحية (الحصة وطن) التي عرضت في الشمالية وحمل الكوميديان كوجاك راية الصمود وتبعه شباب الدراما الحية.

ولم تصدر تقديرات الخسائر المادية في قطاعات الثقافة والفنون حتي الآن لأسباب تتعلق بضعف الهمة وقلة الحيلة وقصر النظر والانسياق وراء الشعارات الزائفة والحياد الداعم للمليشيا، غير أن الثابت هو دمار شامل طال المسارح خصوصاً المسرح القومي ومراكز الشباب ومنتديات التنوير ولم يبكِ أحد المهرجانات المسوقة لبضاعة الدول الغربية الماسخة التي لاتدعم هكذا دون مقابل ولاتنتج إلا بمقولة ظاهرة وبائنة بلوح الماسونية والمثلية والطعن في الدين وكريم القيم، وبذلك تعززت الهوية بمفارقة أموال المسؤولية الاجتماعية السائرة في ركب العولمة.

أما نجوم الكفر فقد كانوا في الموعد، فلمع الرشيد المهدية بقلمه وعقله وقلبه وتسيد هيثم مصطفى مشهد المدافعة ودخل كباتن القمة إلى الميدان أمثال مدثر كاريكا وسيف مساوي وأحمد بيبو وعمر سقاري وأكرم الهادي وعادل أمين وغيرهم من الذين حملوا شارة القيادة في السوح الخضراء.

عام من الحرب تجمد فيه النشاط الرياضي وانتقل الموسم بالهجرة الجماعية إلى ليبيا وتوزعت الإتحادات الأخرى المنضوية تحت راية اللجنة الأولمبية إلى دول الجوار تنظر بعين الخيل، وانعقدت مجالس أندية القمة في الفضاء تتخبط دون هدي وبلا برامج.

وتجاوزت الخسائر بحسب التقديرات الأولية المليار دولار جراء تدمير البنى التحتية منأاستادات وأندية ومراكز وملاعب ومداخيل واستحقاقات مالية، وتجمدت مناشط ظرفاء المدينة ولم تبادر المؤسسات الرياضية بخطة تأهيل علي الأقل لأستادي الهلال والمريخ

المحقق – محمد مصطفي المأمون

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

خبراء لـ«الاتحاد»: تنظيم الإخوان يقف ضد أي مسار حقيقي للسلام في السودان

عبدالله أبوضيف (القاهرة)

أخبار ذات صلة مفوضية حقوق الإنسان لـ«الاتحاد»: تداعيات كارثية جراء استمرار الحرب في السودان مدرب السودان يتمسك بالحظوظ في كأس العرب

تتصاعد خلال الآونة الأخيرة، التحذيرات من مراكز بحثية وصحف دولية بارزة من سطوة الميليشيات، وخصوصاً تنظيم الإخوان على مراكز الحكم، واتخاذ القرار في السودان، ما يدفع إلى منع وقف نزيف الدماء واستمرار التصعيد العسكري ورفض أي مبادرة لحل الأزمة.
وأشارت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية إلى أن القوات المسلحة السودانية، ليست سلطة حكم فعالة في السودان، إذ فشلت خلال ثلاثة عقود في إدارة النزاعات الداخلية، وتعتمد حالياً على متطرفين وميليشيات، للبقاء في السلطة.
وقال فداء الحلبي، الباحث في الشأن العربي، إن المهيمنين على «سلطة بورتسودان» يواجهون اليوم عزلة داخلية متزايدة نتيجة المقاومة الشعبية، التي تسعى لاستعادة مكتسبات ثورة ديسمبر، ما دفع هذه الأطراف إلى محاولة تحويل الأنظار إلى الخارج عبر ترويج اتهامات باطلة، في محاولة بائسة لتبرير إخفاقاتهم السياسية، وإخفاء عجزهم عن إدارة شؤون البلاد.
وأضاف الحلبي، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن سيطرة الميليشيات والجماعات المتطرفة ظاهر على هذه الأزمة، حيث ترفض «سلطة بورتسودان» اتخاذ أي قرار بوقف التصعيد العسكري، ومنع المزيد من الأضرار للشعب السوداني الذي عانى الأمرين نتيجة تصعيد الصراع العسكري، والذي تتبناه هذه الأطراف الميلشيوية المتطرفة وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية.
وتؤكد الباحثة في الشؤون الدولية، ميرا زايد حمزة، في تصريح لـ «الاتحاد» أن هذه الجماعات تتبع نهجاً تصعيدياً منذ بداية الأزمة، حيث ترفض أي مسعى جاد نحو التهدئة أو معالجة الأزمة الإنسانية، وتعتمد على الهجوم الإعلامي وتشويه أي مبادرة سياسية، مضيفة أن هذه الممارسات تعكس أسلوباً ثابتاً للهروب من مواجهة الواقع الفعلي على الأرض. 
 وفي ضوء ذلك، قالت الباحثة السودانية في شؤون الإرهاب، رشا عوض، إن تنظيم الإخوان في السودان كانت أحد أبرز المحركات التي دفعت نحو إشعال الحرب، في محاولة لإجهاض الثورة، ومنع انتقال السلطة إلى الحكم المدني، بما يخدم مشروعها القائم على احتكار النفوذ السياسي والاقتصادي. 
 وأضافت في تصريح لـ «لاتحاد»، أن هذا التوجه يرتبط أيضاً بحسابات إقليمية أوسع، إذ تسعى قوى متطرفة وتنظيمات مرتبطة بالإخوان إلى إيجاد موطئ قدم جديد يعوض خسائرها في المنطقة، ويعيد بناء شبكات النفوذ التي تلقت ضربات قاسية خلال السنوات الماضية.
وتوضح عوض أن تنظيم الإخوان السوداني يمتلك خبرة ممتدة في إعادة تشكيل تنظيماته عسكرياً وسياسياً، ما يجعله يرى في الحرب فرصة لإعادة إنتاج مشروعه السياسي داخل السودان.  وتؤكد أن هذا التيار يقف بقوة ضد أي مسار حقيقي للسلام، باعتباره المستفيد الأكبر من استمرار القتال، ولا يقبل وقف الحرب إلا في إطار صفقة تضمن له العودة إلى مركز السلطة واحتكار القرار الوطني من جديد.

مقالات مشابهة

  • علي فوزي يكتب.. السودان بين الصراع والبحث عن قائدٍ وطني
  • اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. والسودان في قلب الكارثة
  • محللون: العقوبات الأميركية وحدها لن توقف الحرب في السودان
  • تناسل الحروب
  • حرب وانتهاكات جسيمة: السودان.. واقع مظلم في يوم حقوق الإنسان
  • ثلاثة أسباب وراء توسع تزوير قيود الجنسية… وتحذيرات من خطر يمس الهوية الوطنية
  • خبراء لـ«الاتحاد»: تنظيم الإخوان يقف ضد أي مسار حقيقي للسلام في السودان
  • نهيان بن مبارك: الهوية الوطنية ستظل المحور الرئيس لمبادرات وأنشطة صندوق الوطن
  • Local ONLY يا له من خطاب كراهية مفزع
  • مفتي الجمهورية: الحفاظ على مقومات الهوية الوطنية المصرية يقوم على التعايش والتسامح