لجريدة عمان:
2025-06-17@18:00:25 GMT

إعادة هيكلة الديون السيادية ضرورة مُـلِـحّـة

تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT

منذ اندلاع جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-2019)، واجه العالم النامي نقاط ضعف متنامية ترتبط بديون القطاع العام. وتسببت ارتفاعات أسعار الفائدة والقدرة المحدودة على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية في تفاقم المشكلة حتى أن البلدان القادرة على سداد ديونها أصبحت الآن تتصارع مع تحديات السيولة. علاوة على ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تظل مستويات ديون البلدان النامية في السنوات المقبلة أعلى مما كانت عليه في عام 2019.

ويبدو من الواضح أن كثيرا من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ستظل تعاني من إجهاد الديون، حتى لو لم تكن معرضة لخطر التخلف عن السداد.

بيد أن خطورة الأزمة لا تنعكس في أجندة التعاون العالمي. على سبيل المثال، قدمت قمة مجموعة العشرين في نيودلهي العام الماضي مقترحات مهمة لتمويل التنمية، لكنها لم تحرز تقدمًا كبيرًا في معالجة مشكلة المديونية المفرطة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. الأمر الأكثر أهمية على الإطلاق هو أن العالم لا يزال يفتقر إلى آلية شاملة لإعادة هيكلة الديون للتعامل مع هذه المشكلة المتكررة الواسعة الانتشار.

الواقع أن أقدم آلية قائمة لإعادة هيكلة الديون، أو نادي باريس، تغطي فقط الديون السيادية المستحقة على بلدانها الأعضاء الاثنين والعشرين وأغلبها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. في بعض الأحيان، تبنى مقرضون متعددو الأطراف وحكومات أجنبية استجابات خاصة مرتجلة لأزمات الديون السيادية. على سبيل المثال، ساعدت خطة برادي، التي دعمتها الولايات المتحدة، والتي جرى تنفيذها بعد أزمة أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن العشرين، في خفض ديون بعض البلدان وحفز تطوير سوق السندات السيادية للدول النامية.

وفي عام 1996، أطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون لتزويد البلدان المنخفضة الدخل بإرجاء السداد الذي تحتاج إليه بشدة، ثم اسـتُـكمِـل ذلك في عام 2005 بالمبادرة المتعددة الأطراف لتخفيف أعباء الديون، التي ألغت ديون البلدان المؤهلة للاستفادة منها والمستحقة لدائنين متعددي الأطراف.

تهدف تدابير تفاعلية أخرى إلى تحسين عملية إعادة الهيكلة. ففي أعقاب الأزمة المكسيكية عام 1994، اقترحت مجموعة العشرة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إدخال فقرات العمل الجماعي في عقود السندات، لتمكين الأغلبية المؤهلة من حاملي السندات من تعديل الشروط والأحكام، إذا لزم الأمر. علاوة على ذلك، في عام 2013، بعد أزمة الديون اليونانية، أصدر الاتحاد الأوروبي تفويضا بإدراج بنود التجميع الخاصة بفقرات العمل الجماعي في عقود السندات المبرمة بين أعضائه، وأفضى هذا إلى تسهيل إعادة التفاوض المشترك على عدد كبير من القضايا.

ولكن على الرغم من هذه الإصلاحات، لا يزال بإمكان الدائنين بناء أغلبيات مُـعيقة، ويرجع ذلك جزئيا إلى الافتقار إلى فقرات العمل الجماعي الموسعة في ما يقرب من نصف السندات السيادية الصادرة عن البلدان الناشئة والنامية، وجزئيا إلى عدم التوافق بين اتفاقيات السندات وغيرها من عقود الدين.

حاول صندوق النقد الدولي إنشاء إطار مؤسسي لإعادة هيكلة الديون السيادية أثناء الفترة 2001-2003، لكنه فشل. كانت الآلية المقترحة لتسمح بإعادة هيكلة الديون الخارجية غير المستدامة من خلال عملية سريعة ومنظمة ويمكن التنبؤ بها مع حماية حقوق الدائنين. علاوة على ذلك، كانت هيئة الإشراف لتعمل بشكل مستقل عن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ومجلس محافظيه. في نهاية المطاف، رفضت الولايات المتحدة المبادرة، كما فعلت بعض البلدان النامية (وأبرزها البرازيل والمكسيك)، خشية أن تؤدي الآلية إلى تقييد قدرتها على الوصول إلى أسواق رأس المال.

أثناء الجائحة، عندما سجلت مستويات الدين العام ارتفاعًا شديدًا، أنشأت مجموعة العشرين ونادي باريس مبادرة تعليق مدفوعات خدمة ديون البلدان المنخفضة الدخل، والتي أوقفت مدفوعات ديون 48 من أصل 73 دولة مؤهلة خلال الفترة من مايو 2020 إلى ديسمبر 2021. وفي نهاية عام 2020، أقرت مجموعة العشرين ونادي باريس الإطار المشترك لمعالجة الديون لتنسيق وتخفيف أعباء الديون عن البلدان المؤهلة للاستفادة من مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الديون.

ولكن حتى الآن، توصلت ثلاث دول فقط -غانا، وزامبيا، وتشاد-إلى اتفاق بموجب هذا الإطار، في حين تقدمت دولة واحدة فقط -إثيوبيا- بطلب. وفقا لبعض تقارير، تسببت المخاوف من خفض التصنيف الائتماني في منع عدد كبير من المستفيدين المحتملين الآخرين من المشاركة.

الواقع أن الحاجة واضحة إلى حل دائم: إنشاء آلية مؤسسية لإعادة هيكلة الديون السيادية، ومن الأفضل أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة. من الممكن أيضا أن يستضيف صندوق النقد الدولي مثل هذه الآلية، ولكن شريطة أن تظل هيئة تسوية المنازعات مستقلة عن المجلس التنفيذي للصندوق ومجلس محافظيه، كما اقـتُـرِح في عام 2003. كما يجب أن يدعو إطار إعادة التفاوض إلى عملية ثلاثية المراحل تتألف من إعادة التفاوض طواعية، والوساطة، والتحكيم، على أن تكون كل من هذه المراحل بأجل محدد.

ولكن حتى لو جرى الاتفاق على الآلية القانونية، فإن الأمر يتطلب مفاوضات طويلة ومعقدة. وعلى هذا فإن الأداة المخصصة تشكل مكملا أساسيا. لتحقيق هذه الغاية، اقترحت الأمم المتحدة وكيانات أخرى إطارا مشتركا منقحا، والذي ينبغي أن يحدد إطارا زمنيا واضحا وأقصر لإعادة الهيكلة، وتعليق مدفوعات الديون أثناء المفاوضات، ووضع إجراءات وقواعد واضحة، وضمان مشاركة الدائنين من القطاع الخاص، وتوسيع نطاق الأهلية ليشمل البلدان المتوسطة الدخل. ولضمان الاستقرار في مرحلة ما بعد إعادة الهيكلة، ينبغي لأي اتفاق أن يتضمن ليس فقط آجال الاستحقاق وأسعار الفائدة المنقحة، بل وأيضا خفض الديون إذا اقتضت الضرورة.

وكما اقترحت سابقا، فقد يكون البديل آلية يدعمها صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، أو بنوك التنمية الإقليمية المتعددة الأطراف. بالإضافة إلى توفير إطار إعادة التفاوض، ستكون المؤسسة المشرفة على هذه الآلية قادرة على تيسير التمويل، ومعالجة الخلل في توازن الاقتصاد الكلي في البلدان المعنية، ودعم عملية إعادة الهيكلة. وإذا أُصـدِرَت سندات جديدة، فيجب أن يكون لها ضمان مرفق، على غرار سندات برادي.

هناك أيضا مسألة ما إذا كان من الواجب إدراج الديون المستحقة لبنوك التنمية المتعددة الأطراف وصندوق النقد الدولي في عمليات إعادة الهيكلة، كما حدث مع بلدان منخفضة الدخل في عام 2005؛ لأن هذه المؤسسات مسؤولة عن حصة كبيرة من الديون المستحقة على البلدان المنخفضة الدخل المثقلة بالديون، وخاصة في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، فقد يكون من الضروري إدراجها. وإذا كان الأمر كذلك، فسوف يكون من الضروري ضمان التدفق المستمر لمساعدات التنمية لتغطية خسائرها.

علاوة على ذلك، أصبح الفصل التقليدي بين الدائنين الرسميين والدائنين من القطاع الخاص أكثر تعقيدا بسبب المقرضين الرسميين الجدد، وأبرزهم الصين، وظهور عقود ديون متنوعة منفصلة عن السندات، بما في ذلك الضمانات لمستثمري القطاع الخاص. ويجب أن تشمل «التجميعات» في المستقبل كل الالتزامات.

وعلى هذا فإن إنشاء سجل عالمي للديون يغطي كل الالتزامات المستحقة لدائنين من القطاع الخاص والدائنين الرسميين أمر مطلوب لضمان المعاملة العادلة للدائنين وتعزيز الشفافية.

أخيرًا، للتخفيف من أزمات الديون في المستقبل، اقترح البنك الدولي وجهات أخرى اعتماد سندات الدولة المشروطة على نطاق واسع، وهي تضبط العائدات على أساس الظروف الاقتصادية أو أسعار السلع الأساسية. وهذا من شأنه أن يخفف الضغط على الميزانيات العمومية السيادية أثناء فترات الركود. لن تحصل البلدان النامية المثقلة بالديون أبدا على الإغاثة التي تحتاج إليها إذا لم يضع المجتمع الدولي هذه القضية في صدارة أجندته.

ولابد أن تكون إعادة هيكلة الديون على رأس أولويات السياسة في قمة مجموعة العشرين هذا العام في ريو دي جانيرو والمؤتمر الدولي الرابع للتمويل من أجل التنمية، الذي ستستضيفه إسبانيا في عام 2025.

خوسيه أنطونيو أوكامبو وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة ووزير المالية والائتمان العام الأسبق في كولومبيا، وأستاذ بجامعة كولومبيا، وهو مؤلف كتاب إعادة ضبط النظام النقدي الدولي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لإعادة هیکلة الدیون صندوق النقد الدولی إعادة هیکلة الدیون الدیون السیادیة مجموعة العشرین إعادة الهیکلة علاوة على ذلک القطاع الخاص فی عام

إقرأ أيضاً:

6 مقومات وأدوات تواجه بها قطر تقلبات التجارة العالمية

اجتاحت الأسواق العالمية حالة من عدم اليقين منذ بدء التقلبات بفرض التعريفات الجمركية، وأصبحت الشركات تسعى للوصول إلى إجابة عن أسئلتها حول تبعات ذلك على حركة التجارة العالمية، والانعكاسات على معدلات النمو والاستثمار والتنافسية، وفق ما ذكره بيتر كازناتشيف مدير مشاريع بشركة آرثر دي ليتل الشرق الأوسط. ويعدد الكاتب 6 من المقومات الأساسية والأدوات التي تساعد قطر على مواجهة التقلبات في الأسواق العالمية، وتتعلق بما يلي:

صادرات الغاز الطبيعي توسعة قدرات إنتاج الغاز احتياطات وافرة من السيولة النقدية فوائض ثابتة في الميزانية العامة التنويع الصناعي رافعة البنية التحتية

ورأى كازناتشيف أنه على الرغم من أن قطر ليست بمنأى عن هذه التحولات العالمية، فإن وضعها الاقتصادي يسمح لها بمواجهة هذه التغييرات، فقد ظلت صادرات البلاد الرئيسية (الغاز الطبيعي المسال) خارج نطاق الإجراءات التجارية الأميركية الأخيرة، وهي لا توجه سوى جزء ضئيل من صادراتها إلى وجهات تفرض رسوما جمركية عالية كالولايات المتحدة الأميركية، كما أن دورها المحوري في أسواق الغاز العالمية من شأنه أن يؤمّن لها معدلات طلب طويلة الأمد.

والأهم من ذلك، وفق كازناتشيف، أن دولة قطر ستخوض غمار هذه الحقبة من موقع قوة، في ظل الارتفاع الحاد في إنتاج الغاز، بفضل مشروع توسعة حقل الشمال، بالإضافة إلى احتياطاتها الوفيرة من السيولة النقدية، إذ يدير جهاز قطر للاستثمار أصولا تقترب قيمتها من نصف تريليون دولار، هذا إلى جانب تحقيقها فوائض ثابتة في الميزانية حتى مع التقديرات المتحفظة في أسعار النفط والغاز، كما أثبتت قطر في الآونة الأخيرة، وبما لا يدع مجالا للشك، مقدرتها على التعامل مع الاضطرابات في حركة التجارية الخارجية.

لكن الأمر لا يقتصر على التغلب على الصدمات، إذ تمتلك قطر كذلك أدوات واضحة يمكنها تسخيرها لتحويل التقلبات إلى قوة دافعة.

إعلان

وأداتها الأولى، حسب كازناتشيف، هي رافعة التنويع الصناعي، إذ يعمد المصدرون الآسيويون، لا سيما الصين ودول جنوب شرق آسيا، عندما يواجهون حواجز تحول دون دخلوهم إلى أسواقهم المعتادة، إلى إعادة توجيه فائض السلع، مما يوفر لقطر إمكانية الحصول على سلع وسيطة ورأسمالية بأسعار مخفضة، ابتداء من قطع الغيار وحتى الآلات المتطورة، وهذه المدخلات من شأنها تخفيف الضغوط التضخمية وتقليص التكاليف الرأس مالية من على كاهل الصناعات المحلية، لتشكل عند اقترانها بوفرة الطاقة منخفضة التكلفة في البلاد، قاعدة صلبة لتحقيق انطلاقة صناعية.

أما الأداة الثانية فتكمن في رافعة البنية التحتية، ففي ظل إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية بسبب فرض الرسوم الجمركية والتغير في الظروف الجيوسياسية، ظهرت ممرات تجارية جديدة، فالسلع التي كانت تتدفق بسلاسة بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا تجري الآن إعادة توجيهها، مع بروز منطقة الخليج العربي على هذه الخريطة التجارية الجديدة.

شركة قطر للطاقة رمز طموح الدوحة في قطاع الغاز والنفط (القطرية)

وكتب كازناتشيف: "إذا ما نظرنا إلى البنية التحتية للموانئ والمطارات بدولة قطر، فسنرى أنها خضعت للتوسعة والتحديث في الآونة الأخيرة، لتضع قطر في موقع يسمح لها بأن تصبح محطة إستراتيجية في شبكة تمتد ما بين الشرق والغرب. هذا ويمكن لقطر، مع ضخ استثمارات إضافية وتوجيهها إلى الارتقاء بقدرات إعادة التصدير، والمناطق اللوجستية، والحلول الجمركية المتكاملة، أن تعمل مركزا تجاريا رئيسا ونقطة معالجة في آن واحد".

وربما يكون الوقت المناسب قد حان، وفق كازناتشيف، لاستكشاف إستراتيجيات استباقية من شأنها تعزيز النمو على المدى البعيد، إذ إن المرونة الإستراتيجية لا تقتصر على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي وحده، بل من خلال التنفيذ، وقد يعني ذلك لقطر، البحث المبكر عن خيارات الاندماج والاستحواذ العالمية، لا سيما في القطاعات الصناعية والتعدين والخدمات اللوجستية، وقد تسهم الاضطرابات الحاصلة في الصفقات الدولية، مثل انسحاب المستثمرين الصينيين من صفقات الاندماج والاستحواذ المقررة أو من الصناديق الأميركية، في خلق فرص استثمارية مغرية لقطر.

مقالات مشابهة

  • تزايد المخاطر على اقتصاد العالم
  • القناة الـ12 الإسرائيلية: إعادة إعمار بات يام ستستغرق 5 سنوات
  • بنك اليابان يثبت معدلات الفائدة عند 0.5% وسط تنامي التهديدات للنمو الاقتصادي
  • 6 مقومات وأدوات تواجه بها قطر تقلبات التجارة العالمية
  • وسط استمرار الصراع «الإسرائيلي الإيراني».. انخفاض تكلفة التأمين على ديون مصر السيادية
  • عبدالله يسأل: هل يجب أن ننتظر إشارة او توصية دولية خارجية حتى نبدأ بإعادة هيكلة القطاع العام؟
  • بنك اليابان يُبقي الفائدة دون تغيير متماشيا مع التوقعات
  • كتلة التوافق بمجلس الدولة: على الأمم المتحدة إعادة هيكلة بعثتها في ليبيا   
  • برج العقرب.. حظك اليوم الإثنين 16 يونيو 2025: خطة لتسديد الديون
  • 16 دولة تدق ناقوس الخطر لمواجهة التغيرات المناخية على خلفية مؤتمر "كوب 30"