حل لغز حيّر العلماء أكثر من 50 عاما.. أبطأ الاحتباس الحراري
تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT
بينما يعاني العالم حاليا من تفاقم "الاحتباس الحراري" وما يترتب عليه من مناخ متطرف غير مسبوق، نجحت دراسة سويدية في حل لغز آلية كيميائية طبيعية تمنع التحلل السريع للمواد العضوية في الأنهار والبحيرات، وقالت إن وجودها منع تفاقم المشكلة التي يكافح العالم كي تظل في النطاق الذي يمكن معه الحياة على كوكب الأرض.
وعندما تتحلل المواد العضوية فإنها تخضع لعمليات كيميائية حيوية تُفكك خلالها الكائناتُ الحية الدقيقة مركباتها العضوية، وأثناء التحلل تتفكك المادة العضوية إلى جزيئات أبسط مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، بالإضافة إلى منتجات ثانوية أخرى. ولا تحدث هذه الآلية المعروفة للتحلل بشكل سريع في الأنهار والبحيرات.
وانشغل المجتمع العلمي لأكثر من 50 عاما بمحاولة حل هذا اللغز، إلى أن أعلن الباحثون من جامعة لينكوبينغ بالسويد في دراسة منشورة بدورية "نيتشر" عن نجاحهم في حله.
بداية قصة التحللويسرد عالم الكيمياء التحليلية بجامعة لينكوبينغ "نوربرت هيرتكورن" قصة التحلل وصولا إلى اللغز الذي نجحوا في حله. يقول هيرتكورن في بيان نشره موقع الجامعة: "دعونا نأخذ الأمر من البداية، فعلى سبيل المثال عندما تنفصل ورقة عن شجرة وتسقط على الأرض فإنها تبدأ في الانهيار على الفور، وقبل أن تتحلل الورقة فإنها تتكون من بضعة آلاف من الجزيئات الحيوية المتميزة".
ويتابع أن "الورقة تتحلل على عدة مراحل، إذ تبدأ الحشرات والكائنات الحية الدقيقة في استهلاكها، بينما تؤثر أشعة الشمس والرطوبة فيها مما يسبب المزيد من التحلل، وفي نهاية المطاف تصل الجزيئات المتحللة إلى الأنهار والبحيرات والمحيطات".
ويضيف أنه "في هذه المرحلة تكون آلاف الجزيئات الحيوية المعروفة تحولت إلى ملايين من الجزيئات ذات المظهر المختلف تماما والهياكل المعقدة وغير المعروفة عادة، وظلت هذه العملية للتحول الكيميائي الدراماتيكي تمثل لغزا حيّر الباحثين لأكثر من نصف قرن حتى الآن".
ويستدرك هيرتكورن بالقول: "لكن الآن يمكننا توضيح كيف يمكن لبضعة آلاف من الجزيئات أن تؤدي إلى ظهور ملايين من الجزيئات المختلفة التي تصبح بسرعة شديدة المقاومة لمزيد من التدهور".
واكتشف الباحثون أن نوعا معينا من التفاعل يُعرف باسم "إزالة الأرومات المؤكسدة" وراء اللغز، وهذا التفاعل عملية كيميائية يخضع فيها المركب العطري للأكسدة ليفقد رائحته العطرية ويشكل منتجات غير عطرية، وتتضمن هذه العملية غالبا إدخال الأكسجين إلى الحلقة العطرية، مما يؤدي إلى تكوين مجموعات وظيفية جديدة وإعادة ترتيب هيكلية.
وعلى الرغم من أن هذا التفاعل جرت دراسته وتطبيقه على نطاق واسع في التركيب الدوائي منذ فترة طويلة، فإن حدوثه الطبيعي ظل غير مستكشف.
وفي الدراسة أظهر الباحثون أن عملية "إزالة الأرومات المؤكسدة" تغير البنية ثلاثية الأبعاد لبعض مكونات الجزيئات الحيوية، والتي بدورها يمكن أن تنشط سلسلة من التفاعلات اللاحقة والمتباينة، مما يؤدي إلى ملايين الجزيئات المتنوعة.
وكان العلماء يعتقدون سابقا أن الطريق إلى المادة العضوية الذائبة ينطوي على عملية بطيئة مع العديد من التفاعلات المتسلسلة، ومع ذلك تشير الدراسة الحالية إلى أن التحول يحدث بسرعة نسبيا.
دور تقنية "الرنين المغناطيسي النووي"وتوصل الباحثون لحل اللغز بعد أن فحصوا المواد العضوية الذائبة من أربعة روافد لنهر الأمازون وبحيرتين في السويد، وذلك باستخدام تقنية تسمى "الرنين المغناطيسي النووي".
وتستخدم هذه التقنية لتحديد بنية وتكوين الجزيئات وخاصة المركبات العضوية، ومن خلال توظيفها تمكن الباحثون من تحليل بنية ملايين الجزيئات المتنوعة الموجودة في المواد العضوية الذائبة من الأنهار والبحيرات والمحيطات.
يقول هيرتكورن إنهم استخدموا الرنين المغناطيسي النووي بطرق غير تقليدية لدراسة الجزء الداخلي العميق للجزيئات العضوية الذائبة الكبيرة، وسمح لهم ذلك برسم خرائط وقياس كمية المحيط الكيميائي حول ذرات الكربون داخل هذه الجزيئات، مما وفر رؤى تفصيلية حول بنيتها.
ونتيجة لذلك نجح الباحثون في تحديد نسبة عالية من ذرات الكربون العضوية التي لم تكن مرتبطة بالهيدروجين، ولكن مرتبطة في المقام الأول بذرات الكربون الأخرى.
واكتشفوا بنية نادرة بشكل خاص، إذ ترتبط ذرات الكربون على وجه التحديد بثلاث ذرات كربون أخرى وذرة أكسجين واحدة، وهو تكوين غير شائع في الجزيئات الحيوية، وفسروا ذلك بالدور الذي يلعبه تفاعل إزالة الأرومات المؤكسدة.
والمعروف أن هذا التفاعل يؤدي إلى تعديلات هيكلية في المركبات العطرية، مما يؤدي إلى تكوين جزيئات متنوعة، ويشير وجود روابط الكربون والأكسجين غير العادية التي حُددت من خلال تحليل الرنين المغناطيسي النووي إلى تورط هذا التفاعل في تحويل المادة العضوية.
ويقول أستاذ التغير البيئي في جامعة لينكوبينغ "ديفد باستفيكن": إن هذه الميزات الهيكلية الفريدة التي رُصدت، وكان لتفاعل "إزالة الأرومات المؤكسدة " دورا فيها، ساعد في استقرار المادة العضوية، ومنع تدهورها السريع، وما يترتب على ذلك من إطلاق ثاني أكسيد الكربون أو الميثان في الغلاف الجوي.
ويضيف: "يساعد هذا الاكتشاف في تفسير أحواض الكربون العضوية الكبيرة على كوكبنا، والتي تقلل من كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي".
وبدوره أثنى أستاذ العلوم البيئية بجامعة أسيوط المصرية "خالد سليمان" على نتائج الدراسة، ووصفها بـ"المهمة جدا" لأنها في تقديره يمكن أن تساعد في تحقيق فائدتين للبيئة.
ويشير سليمان في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت "، إلى أنها يمكن أن تساعد في تطوير تقنيات عزل الكربون، لأن "فهم الآليات الكامنة وراء تكوين المادة العضوية المستقرة في الأنهار والبحيرات والمحيطات يمكن أن يفيد في تطوير تلك التقنيات، فمن خلال محاكاة أو تعزيز العمليات الطبيعية التي تؤدي إلى تكوين مادة عضوية مستقرة، يمكن زيادة تخزين الكربون في البيئات المائية، مما يقلل من كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي".
ويضيف أنها تساعد أيضا في تطوير إستراتيجيات التخفيف من آثار تغير المناخ، فإذا كانت المواد العضوية المستقرة في البيئات المائية تعمل كمخزن للكربون مما يقلل من تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فيمكن دمج هذه المعرفة في إستراتيجيات التخفيف من تغير المناخ، فعلى سبيل المثال يمكن أن يؤدي الحفاظ على الأراضي الرطبة واستعادتها إلى تعزيز قدرة هذه البيئات على عزل الكربون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ثانی أکسید الکربون فی الغلاف الجوی المادة العضویة المواد العضویة من الجزیئات هذا التفاعل یؤدی إلى یمکن أن
إقرأ أيضاً:
السفير مصطفى الشربيني: «درع مصر الأزرق» مشروع تحولي يقود إلى اقتصاد منخفض الكربون
قال السفير مصطفى الشربيني سفير ميثاق المناخ الأوروبي والخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ، إن تسارع التغيرات المناخية وتأثيرها على تآكل الشواطىء، يبرز الحاجة لاستخدام منظومة مرنة، ذكية منتجة للطاقة، وذات قيمة اقتصادية طويلة المدى.. مقترحا تنفيذ مشروع تحولي يقود مصر إلى اقتصاد أزرق منخفض الكربون.
وأضاف «الشربينى»: لدينا بحر يمكن أن يُنتج الكهرباء، وطحالب تمتص الكربون، وأمواج تُحرّك التوربينات، ورياحٌ تبني لنا مستقبلًا نظيفًا لذلك آن الأوان أن نُحوّل البحر من خطر إلى فرصة، ومن عدو إلى شريك.
وأوضح أن بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد القطبي، ارتفع منسوب سطح البحر.. ووفقًا لتقارير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC)، قد يصل هذا الارتفاع إلى متر واحد بنهاية القرن، منوها بما قامت به الهيئة العامة لحماية الشواطئ بالتعاون مع وزارة الموارد المائية والري، خلال السنوات الماضية بتنفيذ مشاريع حيوية بإنشاء حواجز أمواج وبناء مصدات حجرية، والمشاركة في مشروع التكيف مع التغيرات المناخية بتمويل من صندوق المناخ الأخضر بقيمة 31.4 مليون دولار.
وتابع «الشربيني»: أن «درع مصر الأزرق» ليس مجرد مشروع حماية بل بنية تحتية استراتيجية متعددة الوظائف: تحمي، وتنتج، وتمتص الكربون، وتخلق اقتصادًا أزرق واعدًا، وتبني قدرات علمية وصناعية محلية قابلة للتصدير.. وأنه تصور جديد لتحويل البحر إلى ساحة إنتاج خضراء، وذلك عبر بناء منصات ذكية عائمة، تمتد لمسافة 1500 إلى 2000 متر داخل البحر.
واستطرد: إن المنصات تتكون من محطات طاقة شمسية عائمة تثبت على هياكل مرنة عائمة، مقاومة للتآكل، وذات قدرة على التمدد والانكماش حسب حركة البحر، وتوربينات أمواج تستخدم حركة البحر الطبيعية لتوليد الكهرباء، عبر أنظمة مثل OWC (العمود المائي المتذبذب)، مفاعلات الطحالب الدقيقة: أنظمة زراعة بحرية تعتمد على مياه البحر وثاني أكسيد الكربون لإنتاج الوقود الحيوي، محطات طاقة رياح بحرية: حيث تثبّت التوربينات على قواعد عائمة أو مغمورة في المواقع ذات الرياح المستقرة وحواجز هجينة مائلة مصممة لامتصاص الطاقة وليس عكسها، وتحويلها إلى طاقة كهربائية أو ديناميكية بجانب مراكز مراقبة بحثية عائمة تعمل كمختبرات متنقلة لرصد المناخ، قياس معدلات التآكل، والتنوع البيولوجي، وتخزين البيانات.
وأشار إلى أنه من الفوائد المتكاملة للمشروع حماية فعالة للسواحل من التآكل والفيضانات، وتوليد طاقة متجددة متعددة المصادر: شمس، أمواج، رياح، ووقود حيوي، خفض الانبعاثات الكربونية فالمشروع قادر على امتصاص ما يقارب 1.5 مليون طن مكافئ CO₂ سنويًا من خلال زراعة الطحالب الدقيقة، دعم التزامات مصر المناخية باتفاق باريس، تحقيق قيمة اقتصادية من البحر عبر تصدير الطاقة والوقود الحيوي، خلق فرص عمل وبحث وتطوير في قطاعات المستقبل.
اقرأ أيضاًالسفير مصطفى الشربيني: cop 29 فرصة هامة للدول لتقديم خططها الوطنية المحدثة بشأن المناخ
البنك الدولي: منغوليا تواجه تحديات فريدة بسبب تغير المناخ والتحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون
السفير مصطفى الشربيني: المقترح المصري بصندوق الخسائر والأضرار يخرج إلى حيز التنفيذ بقمة COP 28