الدور الإيطالي في ليبيا.. يحقق الاستقرار أم يفاقم الاستقطاب الدولي؟
تاريخ النشر: 9th, May 2024 GMT
تشهد ليبيا منذ عام 2023 عودة قوية للدبلوماسية الإيطالية، تجسدت بشكل خاص في الزيارات المكثفة لمسؤولين إيطاليين رفيعي المستوى إلى البلاد، في مقدمتهم رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي زارت طرابلس في يناير الماضي، قبل أن تحل بها مرة أخرى، الثلاثاء.
وخلال زيارتها الأولى، وقعت ميلوني اتفاقية غاز ضخمة مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كما التقت في زيارتها الأخيرة أيضا بالدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، قبل أن تتوجه إلى الشرق للقاء قائد ما يعرف بـ"الجيش الوطني الليبي"، المشير خليفة حفتر.
ويُنظر إلى الدور الإيطالي في هذا البلد المغاربي على أنه يتأرجح بين كونه عامل استقرار وداعم لعملية السلام من خلال مؤتمرات دولية مثل "باليرمو" عام 2018، وبين كونه عاملا مُؤججا للاستقطاب الدولي، إذ يشير بعض المحللين إلى أن لقاء ميلوني مع حفتر يأتي "في إطار صراع دولي على النفوذ في ليبيا، خاصة مع تنامي الوجود الروسي في البلاد".
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الليبي، إسماعيل السنوسي، إن إيطاليا "تسعى جاهدة للحفاظ على استقرار نسبي" في ليبيا، لكنه يرى "عيبا في نهجها"، حيث "تضع إيطاليا مصالحها الاقتصادية فوق كل شيء"، مشيرا إلى أنها "تركز على ضمان تدفق النفط والغاز، دون الاهتمام بشكل كافٍ بالمصالح الليبية على المدى البعيد".
ويؤكد السنوسي، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، على أن إيطاليا، تحت رئاسة ميلوني، "تدرك على ما يبدو أهمية الاستقرار السياسي طويل الأمد لتحقيق مصالحها الاقتصادية، لأن هشاشة الوضع السياسي الحالي تشكل تهديدا لهذه المصالح".
ويربط المحلل الليبي زيارة ميلوني الأخيرة إلى بلاده بـ"مساعيها لتقديم دعم يساهم في تعزيز التوافق بين الأطراف الليبية، بهدف التوجه نحو عملية سياسية ناجحة تعيد الشرعية، وتحقق مصالح جميع الأطراف".
ويشدد السنوسي على أن إيطاليا "على الرغم من علاقاتها الوثيقة مع مختلف الجهات الفاعلة في ليبيا، فإنها تدرك أن حل الأزمة يتطلب جهدا دوليا منسقا، لذلك ترغب في توسيع جهودها لتشمل التعاون مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة تلك المشاركة في مؤتمر برلين".
ويلقي السنوسي الضوء على فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا (1911-1943) كعامل مؤثر في العلاقات الراهنة، قائلا إن تلك الفترة تركت "إرثا من المشاعر المعقدة بين الشعبين الليبي والإيطالي، مما يلقي بظلاله على التعاون الحالي".
علاوة على ذلك، يضيف المتحدث، أن "النظام السياسي الإيطالي المعتمِد على الحكومات الائتلافية يعيق السياسية الخارجية الإيطالية، فالحكومات غالبا ما تكون ضعيفة وسياساتها الخارجية -بما في ذلك تجاه ليبيا- غير فعالة".
وعلى الرغم من كل هذه العوائق، فإن "إيطاليا دولة مهمة جدا لليبيا، وبمقدورها التحرك في العملية السياسية بنجاعة، بحيث تركز على الاستقرار الدائم الذي سيخدم أجندتها الاقتصادية وأيضا تطلعات الشعب الليبي"، وفق السنوسي، الذي يلفت إلى أن "العلاقات الاقتصادية القوية تشكل عاملا هاما بين البلدين، كما أن القرب الجغرافي يشجّع على التعاون الأمني، خاصة في مجالات الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى أهمية قطاع الطاقة في التعاون الثنائي".
وبخصوص حديث تقارير إيطالية عن سعي روما للضغط على حفتر لخفض الوجود الروسي في ليبيا، يشير المحلل السياسي إلى أن إيطاليا "تسعى بلا شكّ إلى الحفاظ على دورها المؤثر في المشهد الليبي، في ظلّ تنامي قلق أوروبي وغربي عام من تنامي نفوذ موسكو في البلاد".
"مصالح بترولية وغازية"من جانب آخر، يعتقد الإعلامي والخبير في الشؤون الليبية، سالم بوخزام، أن زيارة ميلوني إلى شرقي ليبيا "لا تهدف بالأساس إلى الضغط من أجل تقليص عدد القوات الروسية في المنطقة الشرقية"، مضيفا أن "الوجود الأجنبي في المنطقة الشرقية أصبح واقعا لا يمكن تغييره".
ويضيف بوخزام، في حديث مع "أصوات مغاربية"، أن "سعي الإيطاليين للتقرب من حفتر ينبع من إدراكهم بأنه بات يقود قوة عسكرية ذات ثقل على الأرض، وبالتالي أصبح لزاما عليهم التعامل معه ومع باقي الأطراف في شرق ليبيا، عند وضع أي خطط سياسية أو اقتصادية مستقبلية".
ويشدد بوخزام على أن "التحركات الإيطالية الأخيرة لتفعيل قنصليتها في بنغازي، تشير بوضوح إلى دوافع اقتصادية بحتة وراء هذه الخطوات"، معتبرا أن "الدوافع تهدف إلى تحقيق مصالح إيطاليا النفطية والغازية، بدلاً من السعي الجاد لإيجاد حل سياسي يحقق الاستقرار في البلاد".
ويشير المتحدث إلى أن "فاغنر أو الفيلق الأفريقي هو ما يثبت وضع حفتر في المشهد الليبي، وبالتالي فإنه من الصعب عليه أن يصغي للأوروبيين، حتى لو طالبوا منه بإلحاح التخلي عن دعم موسكو"، مؤكدا أن المشير "لجأ إلى هذا الدعم الروسي اضطرارا، مما يمثل بلا شك خسارة للشعب الليبي، لكن الأطراف الليبية الأخرى أدخلت أيضا قوات أجنبية إلى البلاد".
ويؤكد بوخزام أن إخراج تلك القوات من ليبيا "أصبح أمرا صعبا للغاية، بعد أن رسخت تواجدها بشكل كبير في المنطقة الشرقية، مما يعني أن أي حل واقعي للأزمة الليبية يجب أن يمرّ عبر تفاهم غربي-روسي مباشر ينظم مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك تقسيم النفوذ في البلاد".
ويحذر المتحدث من أن "سعي إيطاليا الحثيث وراء مصالحها الاقتصادية في ليبيا، دون إيلاء اهتمام حقيقي لتحقيق الاستقرار في البلاد، يشكل أحد العوامل الرئيسية التي تؤجج الصراع بين الأطراف المحلية، وأيضا الدول الراغبة الأخرى في الحفاظ على مصالحها".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی البلاد فی لیبیا على أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء السودان يحل الحكومة..ويشدد على أولوية الأمن واستعادة الاستقرار
أعلن رئيس الوزراء السوداني، كامل الطيب إدريس، أمس الأحد، حل الحكومة الانتقالية، وتكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير المهام إلى حين تشكيل حكومة جديدة، في خطوة وصفت بأنها تمهيد لإعادة هيكلة السلطة التنفيذية في ظل الأزمة السياسية والعسكرية المتفاقمة في البلاد.
وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن رئيس الوزراء أبلغ طاقم الحكومة بقراره، في أول خطوة كبيرة يتخذها منذ أدائه اليمين الدستورية رئيسًا للوزراء السبت الماضي، أمام رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي عينه رسميًا في 19 مايو الماضي، بعد شغور المنصب منذ استقالة عبد الله حمدوك في يناير 2022.
وفي كلمة متلفزة بثها التلفزيون الرسمي، أكد إدريس أن الأمن القومي واستعادة هيبة الدولة يتصدران أولويات المرحلة، متعهدًا بالعمل على استتباب الأمن والاستقرار في كافة أنحاء السودان، و"القضاء على المليشيات المتمردة"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وقال إدريس: "سأعمل على استتباب الاستقرار والأمن في كافة أنحاء البلاد لأن أهم الأولويات الوطنية العاجلة هي الأمن القومي، وهيبة الدولة بالقضاء على التمرد والمليشيات المتمردة".
كما حذر الدول التي تدعم هذه القوات من مواصلة "العمليات الإجرامية"، مشددًا في الوقت نفسه على ضرورة تعزيز علاقات السودان الخارجية مع دول الجوار، والدول العربية والأفريقية، وسائر دول العالم.
ويأتي قرار إدريس في وقت يتواصل فيه النزاع المسلح الذي اندلع في منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
وكان الجيش قد أعلن في مارس الماضي سيطرته على مقر القصر الجمهوري وعدد من الوزارات في العاصمة الخرطوم، في مؤشر على احتدام المواجهات المسلحة داخل المدينة التي تحولت إلى ساحة قتال طاحن.
ورغم تعدد الوساطات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار، لم تفلح أي منها في تحقيق هدنة دائمة، وظل القتال متواصلاً مع اتهامات متبادلة بين الطرفين بتقويض العملية السياسية.
جذور الأزمةتعود جذور الأزمة إلى الخلافات بين البرهان وحميدتي بشأن الاتفاق الإطاري، الذي أُبرم بهدف تأسيس فترة انتقالية تقود إلى حكم مدني، لكنه واجه عقبات بعد مطالبة الجيش بدمج قوات الدعم السريع تحت لوائه، وهو ما اعتبره دقلو محاولة للهيمنة العسكرية والبقاء في السلطة.
في المقابل، اتهم الجيش قوات الدعم السريع بتنفيذ محاولة انقلاب وتمرد مسلح، ما دفع البلاد إلى أتون حرب شاملة.
ويواجه كامل الطيب إدريس، وهو دبلوماسي سابق ومرشح رئاسي سابق في 2010، تحديات هائلة في مستهل ولايته، تشمل إعادة بناء مؤسسات الدولة، وإنهاء النزاع، وتحقيق الاستقرار، وإنقاذ الاقتصاد الذي ينهار تحت وطأة الحرب، إلى جانب ملف النازحين واللاجئين الذي بات يشكل ضغطًا إقليميًا ودوليًا.
ومع غياب الثقة بين الأطراف المتحاربة، وتعقيد المشهد الإقليمي والدولي، تبقى فرص نجاح الحكومة الجديدة مرهونة بمدى قدرتها على إطلاق عملية سياسية شاملة تنهي حالة الاحتراب وتعيد البلاد إلى مسار الانتقال السلمي.