كشفت "واشنطن بوست" عن آراء محللين للشؤون العسكرية وصور للأقمار الصناعية تؤكد أن أشغال جيش الاحتلال الإسرائيلي في ممر نتساريم ليست إلا جزء من مشروع ضخم يخطط له هناك، لإعادة تشكيل غزة وتثبيت وجوده هناك. فقد تعرضت العديد من البنى التحتية المدنية من مدارس ومستشفيات ومنازل للتدمير في هذا الممر، أو تم تحويلها لنقاط عسكرية.




وتقول الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن صورًا للأقمار الصناعية وأدلة بصرية أخرى كشفت أن القوات الإسرائيلية تعكف على إنشاء تحصينات لممر إستراتيجي يقسم قطاع غزة إلى نصفين، وذلك من خلال بناء قواعد، والسيطرة على منشآت مدنية وتجريف منازل، وهي أعمال يقول المحللون العسكريون والخبراء الإسرائيليون إنها تندرج ضمن مشروع واسع النطاق لإعادة تشكيل القطاع وتثبيت الوجود العسكري للاحتلال فيه.


وتوضح الصحيفة أن ممر نتساريم هو طريق بطول أربعة أميال يقع جنوبي مدينة غزة ويمتد من الشرق للغرب، من الحدود الإسرائيلية نحو البحر الأبيض المتوسط، وقد وضعت حماس انسحاب الاحتلال من هذا الممر ضمن مطالبها الأساسية في مفاوضات وقف إطلاق النار.



وأظهرت صور للأقمار الصناعية اطلعت عليها الصحيفة أنه بالتوازي مع جولات المفاوضات خلال الشهرين الماضيين، واصلت "إسرائيل" أشغالها في الممر؛ حيث تم إنشاء ثلاث قواعد عملياتية متقدمة منذ آذار/ مارس الماضي. وفي البحر يلتقي هذا الطريق مع نقطة تفريغ جديدة بمساحة سبعة هكتارات لميناء عائم، في إطار مشروع أمريكي يزعم أنه يهدف لإيصال المزيد من المساعدات لغزة.

وترى الصحيفة أنه رغم مزاعم "إسرائيل" أنها لا تنوي احتلال القطاع بشكل دائم، فإن تشييد الطرق والنقاط المتقدمة والمناطق العازلة في الأشهر الأخيرة يكشف عن اتساع دور "الجيش الإسرائيلي" مع تعثر الرؤى البديلة لمرحلة ما بعد الحرب.


وإلى جانب كونه ورقة ضغط في المفاوضات، تمنح سيطرة الاحتلال على هذا الممر مرونة هامة، وتسمح بنشر قواته بشكل سريع في أنحاء القطاع. كما أنها تضمن له الحفاظ سيطرة على تدفق المساعدات وحركة النازحين الفلسطينيين، وهو أمر يعتبره الاحتلال ضروريًّا لمنع حماس من إعادة تنظيم صفوفها.

ونقلت الصحيفة عن تحليل قام به خبير تحليل البيانات الجغرافية الإسرائيلي عدي بن نون؛ أن 750 منزلًا تم تدميرها ضمن ما يبدو أنه عمل ممنهج لخلق منطقة عازلة تمتد لمسافة لا تقل عن 500 ياردة من كل جانب. كما تم تدمير 250 منزلًا وجرى تسويتهم بالأرض في المنطقة التي أقيم عليه الميناء الأمريكي العائم. 

ويرى خبراء عسكريون أن هذه الأعمال تأتي في إطار مخطط ضخم وطويل المدى لإعادة تشكيل غزة، في إحياء للمخططات الإسرائيلية القديمة بتقسيم غزة إلى كنتونين اثنين حتى تسهل السيطرة عليهما.



وتذكر الصحيفة أنه بحلول السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر كانت "إسرائيل" قد صنعت مسارًا متعرجًا نحو البحر، يسمح للعربات المدرعة بالوصول إلى شارع الرشيد. ثم في شباط/ فبراير، وآذار/ مارس قامت بتشييد مسار مستقيم، وقد تم الانتهاء من جزئه الأقرب للبحر بين 5 و9 من شهر آذار/ مارس، كما تكشف الصور. 

ويقول جيش الاحتلال، إن هذا الطريق يسمح لعرباته بالتنقل بين جانبي غزة خلال سبع دقائق فقط، بالتالي التدخل السريع والوصول لشمال ووسط غزة دون عوائق. وقد استخدم كقاعدة للهجمات الأخيرة على حي الزيتون، بحسب مسؤول عسكري طلب عدم الكشف عن اسمه.



وقالت الصحيفة، إن الممر الذي أنشأه الاحتلال يتقاطع مع الطريقين الوحيدين اللذين يربطان بين شمال وجنوب غزة، صلاح الدين والرشيد. وقد شرع الجيش في بناء قواعد متقدمة على مستوى كلى التقاطعين منذ بداية آذار/ مارس، وهو ما يوحي بأن الاحتلال يحضر لعودة للنازحين المدنيين تحت مراقبته. 


وتنقل الصحيفة عن جمعة أبو حصيرة، وهو أحد سكان القطاع، أن جنود الاحتلال أطلقوا النار في الهواء حين اقترب من الممر في الشهر الماضي خلال فترة هدوء نسبي للمعارك، حيث سرت شائعات بأنه سيسمح للعائلات بالعودة للشمال مجددًا. وقد تعرض هذا الرجل البالغ من العمر 37 سنة للاعتقال وتم تعصيب عينيه وضربه بعقب البندقية وتعنيفه واستجوابه لثمان ساعات.



وتنقل الصحيفة عن دورون كادوش، المراسل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال والذي زار النقطة المتقدمة في شارع صلاح الدين خلال الشهر الماضي، أن "الجيش" ركز رادارات ومعدات مراقبة في المواقع الجديدة.

وتظهر الصور التي التقطها مراحيض متنقلة بيضاء وزرقاء، ومولدات كهرباء وأبراج اتصالات عالية باللونين الأبيض والأحمر. كما لاحظ هذا المراسل أن ممر نتساريم لم يكن يحتوي على شيء خلال زيارته الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر سوى ممر للدبابات. والآن باتت القواعد العسكرية المشيدة فيه تضم منشآت للنوم وغرف استحمام ومطعم متنقل وملاجئ صلبة الأسقف.

وأشارت الصحيفة إلى أن قوات الاحتلال قامت أيضا بالاستيلاء على منشآت مدنية مجاورة وتحويلها إلى مواقع عسكرية. إحداها هي مدرسة سابقة في قرية جحر الديك، تبعد حوالي ميل واحد عن الحدود مع إسرائيل. وقد ظهرت في الموقع حواجز رملية في النصف الثاني من شهر آذار/ مارس، فيما تم تدمير بقية القرية.


ويبدو أن هذه القوات استولت أيضا على مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني وحولته إلى قاعدة لعملياتها، بعد أن كان متخصصًا في علاج مرضى السرطان. وقد أغلق المستشفى أبوابه في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بسبب القصف الإسرائيلي على محيطه ونفاذ الوقود، ليبقى الآلاف من مرضى السرطان الفلسطينيين محرومين من العلاج. ثم ظهرت الحواجز الرملية في محيط هذا المستشفى في أواخر نفس الشهر. وواصل الاحتلال تجريف مئات الهكتارات في محيطه، ودمر الصوبات الزراعية وفجر جامعة الإسراء وقصر العدل الذي كان يضم المحاكم العليا في غزة.

أمام كل هذه المؤشرات في ممر نتساريم، يرى الخبراء العسكريون أن فترة احتلال عسكري مطول باتت أكثر ترجيحًا من ذي قبل، خاصة في غياب الحلول البديلة لإدارة القطاع بعد الحرب.

وقد رفض الاحتلال المقترحات الأمريكية بعودة السلطة الفلسطينية، كما أن فكرة نشر قوات أمنية عربية لا تحظى بالقبول لدى دول المنطقة. إلا أن الوجود العسكري الإسرائيلي بحسب الصحيفة سيكون مرفوضًا تماما من سكان غزة، وممر نتساريم بات منذ الآن هدفا مفضلا لهجمات حماس وبقية الفصائل المسلحة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاحتلال غزة حماس الفلسطينيين فلسطين حماس غزة الاحتلال محور نتساريم صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ممر نتساریم الصحیفة أن

إقرأ أيضاً:

يعود إلى 2000 عام.. نفق الأباطرة السرّي أسفل الكولوسيوم يفتح أبوابه أمام الزوّار

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- من المقرّر أن يفتتح نفق عمره 2000 عام، أبوابه أمام الجمهور هذا الشهر. وتعود أهمية هذا النفق إلى أنّ الأباطرة الرومان كانوا يَستخدمونه سرّا للوصول إلى الكولوسيوم من دون أن يراهم أحد،  ما يمنح الزوار لمحة نادرة عن كواليس الحلبة الإمبراطورية.

ويُعرف هذا الممر باسم "ممر كومودوس"، يبلغ طوله نحو 55 مترًا، وبُني أسفل المدرج ليسمح للأباطرة وكبار الشخصيات بالوصول إلى مقاعدهم في المنصة الإمبراطورية من دون الاختلاط بالحشود.

وقد سُمّي هذا الممر على اسم الإمبراطور كومودوس، الحاكم القاسي الذي حكم بين العامين 177 و192 ميلادي، وكاد أن يُغتال في هذا الممر تحت الأرض.

وسيتذكّر مشاهدو الفيلم الشهير "Gladiator" من العام 2000، شخصية "كومودوس" كما جسّدها الممثل الأمريكي خواكين فينيكس، الإمبراطور الماكر الذي قتل والده ماركوس أوريليوس وواجه شخصية "ماكسيموس"، التي جسّدها الممثل النيوزيلندي راسل كرو، في الحلبة.

لكن في الواقع، كان غرور كومودوس يتجاوز ذلك الحد، إذ كان يشارك في معارك المصارعة مرتديًا زي هرقل، ويقتل المقاتلين الضعفاء وحتى الحيوانات، وذات مرة قطع رأس نعامة أمام جمهاهير تهتف، وفقًا لما ذكره منتزه الكولوسيوم الأثري.

تظهر الزخارف الجدارية داخل الممر.Credit: Simona Murrone/Archaeological Park of the Colosseum

وقد اكتُشف هذا الممر المخفيّ لأول مرة بين العامين 1810 و1814 بواسطة منقّبين فرنسيّين تحت إشراف المهندس المعماري كارلو لوكانجيلي، ثم أُعيد فتحه في العام 1874، وخضع للدراسة مجدّدًا في التسعينيات. وخلال ترميم الموقع بالكامل بين العامي 2020 و2021، قام علماء الآثار برسم خريطة كاملة للنفق وبدأوا مرحلة جديدة من أعمال الحفظ.

وخلال عملية الترميم في الآونة الأخيرة، أُزيلت قرون من الغبار والأوساخ، وأُعيد تثبيت الجص الهش باستخدام أدوات ليزر، وكُشفت جدران مكسوّة بالرخام ومزينة بمناظر طبيعية ومشاهد أسطورية، ضمنًا قصة ديونيسوس، إله الخمر والمرح.

وقرب المدخل، تُظهر النقوش مشاهد لصيد الخنازير، ومصارعة الدببة، وبهلوانات، في استحضار لروح العروض التي كانت تُقام في الساحة.

وصرحت عالمة الآثار باربارا نازارو، التي قادت أعمال الترميم:"الآن، بعدما أصبح هذا الممر مفتوحًا أمام الجمهور، سيتمكن الزوار من تخيّل شعور الإمبراطور حين كان يسلك هذا الطريق".

يتخذ الممر اسمه نسبة إلى الإمبراطور كومودوس، الحاكم القاسي الذي حكم بين العامين 177 إلى 192 ميلادي، وكاد أن يتعرض لمحاولة اغتيال في هذا الممر تحت الأرض.Credit: Simona Murrone/Archaeological Park of the Colosseum

من جانبه، وصف ماسيو أوسانا، المدير العام للمتاحف الإيطالية، إعادة الافتتاح بأنه "إنجاز مهم" يمزج بين البحث العلمي والحفاظ على التراث.

وتهدف الميزات الجديدة، مثل خريطة لمسية وعروض فيديو تفاعلية، إلى جعل الموقع "متاحًا وشاملًا لجميع الزوار".

ويتكون الممر المقبّب، الذي أضيف في القرنين الأول والثاني بعد بناء الكولوسيوم، من ثلاثة فروع: اثنان يمتدان من الشرق إلى الغرب، وواحد من الشمال إلى الجنوب.

وتتضمن الترميمات أيضًا نظام إضاءة يحاكي ضوء النهار من فتحات السقف القديمة التي أُغلقت منذ قرون، إضافة إلى ألواح زجاجية تتيح للزوار مشاهدة علماء الآثار أثناء العمل.

ومن المقرر تنفيذ عملية تنقيب جديدة في العام التالي لتتبّع مسار النفق، الذي قد يقود إلى ثكنات المصارعين.

وقد جرى تمويل هذا المشروع من قبل منتزه الكولوسيوم الأثري في سياق خطة التعافي والمرونة الوطنية الإيطالية.

مقالات مشابهة

  • وزير الاستثمار يشهد تدشين خطوط الإنتاج الجديدة لشركة "مارس" بالسادس من أكتوبر
  • الخطيب: استثمارات «مارس ريجلي» بأكتوبر تتخطى 280 مليون دولار
  • وزير الاستثمار: حريصون على تعميق الصناعة المحلية وزيادة القيمة المضافة
  • الجزيرة ترصد حجم الدمار الذي خلفه الاحتلال في حي تل الهوا بغزة
  • يعود إلى 2000 عام.. نفق الأباطرة السرّي أسفل الكولوسيوم يفتح أبوابه أمام الزوّار
  • المتحدث باسم جيش الاحتلال: الحرب لم تنته بعد في غزة
  • المنوفي الذي هزم أمريكا وإسرائيل
  • خاص: قوات الاحتلال تفكك مركز توزيع المساعدات في نتساريم جنوب غزة
  • "القسام" تنشر تفاصيل عملية إغارة على موقع إسرائيلي في محور "نتساريم"
  • تفاصيل ومخاطر.. ما الذي يهدد خطة ترامب بشأن غزة؟