عمرها 100 عام.. ننشر حكاية أقدم ورشة لصناعة مسابك النحاس في الإسكندرية
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
مازلت المهن القديمة بل التراثية تعانق شوارع عروس البحر لتكون شاهدة علي التاريخ الذي مضي و عند مرورك بمنطقة اللبان احد اشهر المناطق القديمة في الاسكندرية تشتم رائحة صهر المعادن، وترى الأدخنة ترتفع فى أعلى الشوارع والازقة الضيقة، إذن أنت فى حى المسابك الحى الذى اشتهر بورش صهر المعادن وتصنيع قطع الغيار المختلفة والمنتجات المعدنية وفق ما يتطلبة السوق المحلى، أصبح الآن مجموعة من الورش الصغيرة المغلقة بعد اندثار الصناعة.
وتوجهت عدسة الأسبوع الي احدي مسابك النحاس بمنطقة اللبان لمعرفة كل ما يخص تلك المهنه الشاقه و تعرف علي اشهر صاحب ورشه التقي في قلب الحي اللبان، حيث تتربع الورشة في صناعة مسابك النحاس، و شاهدةً على تاريخ عريق يمتد لأكثر من 100 عام التي تُعدّ من أقدم ورش صناعة النحاس في المدينة، حيث لا تزال تحافظ على عبق الماضي حيث يتوارث مهنة صناعة النحاس أباً عن جدّ، حاملاً مشعل الإبداع والإتقان عبر الأجيال.
يقول عم «رجب عبد العزيز»، صاحب ورشه لمسابك النحاس في منطقة اللبان بوسط الإسكندرية، إن قصة شغفه بمهنة سبك المعادن وتشكيلها في القوالب الرملية، قد ورثها عن والده، وأتقنها على مدار أكثر من 40 عامًا، ليصبح واحداً من أقدم الحرفيين في حى المسابك. يتذكر كيف كان يعمل مع والده منذ صغره، و تعلم أسرار المهنة ويُتقن فنونها قائلا: المهنة صعبة، لكنها جميلة. فيها تعب وجهد، لكن فيها أيضاً إبداع وإتقان. عندما أرى قطعة المعدن تتحول بين يدي إلى شكل فني يُستخدم في الحياة، أشعر بالفخر والسعادة و لم أرغب في ترك هذه المهنة، حتى لو واجهت بعض التحديات. فهي جزء من تراثنا، ومهنة آباءنا وأجدادنا. لا أستطيع أن أتخيل نفسي أعمل في أي مهنة أخرى لافتا أن المهنة ليست مجرد حرفة تقليدية، بل هي فن يعتمد على تراكم الخبرات ومهارة وإبداع صانعها أن سرّ إتقان هذه المهنة يكمن في الصبر والدقة والاهتمام بأدق التفاصيل، للوصول إلى صناعة قالب دقيق ويراعي جميع تفاصيل الشكل المراد تنفيذه.
وأشار لـ «الاسبوع» إن مرحلة تجهيز النحاس الخام قبل صناعته، تبدأ بجمع النحاس الخردة وإعادة تدويره، بفرز خردة النحاس عن المواد الأخرى، ثم يتم تقطيع خردة النحاس إلى قطع أصغر لتسهيل عملية الصهر و توضع قطع النحاس في موقد تتراوح درجة حرارته بين 1150 و 1300 درجة مئوية، لتحويله إلى سائل، وأثناء عملية الصهر، تطفو الشوائب على سطح المعدن المنصهر، بينما يغرق النحاس النقي في القاع، وعند هذه المرحلة تزال الشوائب العالقة من على السطح لضمان الحصول على النحاس النقي.
وأضاف أن صناعة الأشكال النحاسية تمر بالعديد من المراحل، تُجسّد مهارة الحرفي وتُظهر دقته، وتساهم كل مرحلة في تحويل قطعة النحاس الخام إلى تحفة فنية و أولى هذه المراحل تبدأ بتصميم الشكل المراد تنفيذه، ثم صناعة القالب الرملي، وتُعدّ هذه المرحلة من أهم مراحل صناعة الأشكال النحاسية، حيث تعتمد عليها دقة المنتج النهائي ويلي ذلك مرحلة صبّ النحاس المنصهر بعناية داخل القالب الرملي، مع التأكد من ملء جميع التفاصيل بدقة، وذلك بعد تعرض النحاس لدرجات حرارة عالية داخل أفران خاصة حتى يصبح النحاس سائلا و يُترك القالب ليبرد تدريجيًا حتى يتصلّب النحاس تمامًا، وتأتي مرحلة تكسير القالب الرملي لإخراج قطعة النحاس المصبوبة وأخيرا تأتي مرحلة تشطيب قطعة النحاس التي تعد من أهم مراحل صناعة الأشكال النحاسية.
وأضاف رجب أن المهنة تتطلب استخدام العديد من الأدوات، منها الموقد الذي يستخدم لتسخين النحاس حتى يصل إلى حالة الانصهار السائلة، حيث يعمل بالسولار لضمان شدة اللهب، كما يستخدم المسبك لصهر النحاس به، وهو وعاء معدني مصنوع من الفولاذ لتحمل درجات الحرارة العالية و يستخدم الكوشك لرفع قطع النحاس المنصهرة من الموقد لسكبه في القوالب الرملية، فضلا عن الرمال الصفراء المضغوطة، التي تستخدم في صناعة القوالب والمخصصة لهذا الغرض وتأتي من القاهرة ورشيد.و انه يمكن صناعة جميع المشغولات والحلي النحاسية لتزيين الموبيليا والأثاث والأنتيكات والتحف النحاسية، بالإضافة إلى النجف النحاسي بمختلف الأشكال والأحجام المختلفة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإسكندرية النحاس فی
إقرأ أيضاً:
بيتو.. حكاية قط تُعيد التفكير في علاقتنا بالحياة
لا تبدو حكاية «بيتو» مجرد سرد لعلاقة امرأة بقطّ، بل هي مرآة مصغّرة لعلاقتنا المضطربة بالبيئة، ولما نُسقطه من مشاعر وهواجس على كائنات تُقاسمنا هذا الكوكب. ما بين الخيال البيئي وسرديات الفقد والوحدة والتعاطف تفتح هذه القصة بابًا مختلفًا على الوجود.
ثمة طريقة مختلفة تكشف عن حضورنا فـي الطبيعة، ومدى تصالحنا معها، تتمثل فـي كتابة قصة أو رواية أو مسرحية عن علاقتنا بالقطط.
المداخل متعددة، أبرزها الطاقة التي يبثّها وجود القطط فـي منازلنا، خاصة قط أسود يُدعى «بيتو»، وقطة شقراء باهتة اللون اسمها «مجيمجي»، ولها حكاية مختلفة، أكثر هدوءا، لكنها لا تقل دراميّة عن قصة بيتو. قد تروى فـي يوم آخر.
قدرة الخيال البشري على تصوّر المواقف لا تُضاهى، غير أن للخيال البيئي منطقه الخاص: فهل يمكن أن يلتقي خيال الإنسان بخيال الحيوان؟ إذا كان الخيال البيئي يشير إلى الطريقة التي تصوغ بها البيئة خيالنا؛ فإن ما يمكن تسميته بـ«الخيال الحيواني» يطرح نفسه كوسيلة لفهم الفعالية التواصلية التي تنشأ من علاقتنا المتخيلة بالحيوانات.
قيل: «إن ازدهار الحياة الإنسانية والثقافات يقابله نقصان أساسي فـي عدد سكان العالم. أما ازدهار الحياة غير البشرية فهو يتطلب مثل هذا النقصان». عبارة صادمة بلا شك. لكن الأخبار التي تابعناها بشأن تناقص أعداد الحيوانات تشير إلى وجود «مؤامرة» من نوع ما.
لا يمكن استحضار هذه الوقائع من دون التذكير بجائحة كوفـيد-19.
لقد شعرنا وقتها، دون مبالغة، أن البشرية بأسرها باتت مهددة بالانقراض. انتشرت نظريات تتهم فئة من الرأسماليين بالتفكير فـي تقليص عدد سكان العالم، واخترعوا المرض ومعه اللقاحات.
ما زلنا إلى اليوم ندفع ثمن التطعيم الذي فُرض علينا باسم الحفاظ على حياتنا، لكن المبررات تُخفـي خلفها مزيجًا من الجهل، والتبعية، وربما النفاق.
تابعنا عبر وسائل التواصل مقاطع مصوّرة وبصمات صوتية تزعم وجود مخطط للحدّ من أعداد البشر. ولم تكن الحيوانات ضمن ذلك المخطط الأسود. لم يقل الخيال البيئي كلمته بعد.
(2)
بطل القصة هنا قط أسود: بيتو. مثلما يقول خبراء التنمية البشرية: إن لكل إنسان قصة؛ فإن بيتو أيضًا له حكايته. بدأت حين اشترته امرأة مهتمة بالبيئة كهدية لأحد أبناء أخيها بمناسبة نجاحه. طلبت من بائع قطط أن يرشّح لها أحدها، وكان لديه قطّ رابع لم يشتره أحد بعد.
بيع إخوته الثلاثة - قطط بيضاء ذات عيون زرق ـ بينما ظل القط الأسود ذو العينين الذهبيتين وحيدًا. من المفارقات الصادمة أن القط الأسود لم يُشترَ، بينما اقتُنى إخوته الثلاثة البيض ذوو العيون الزرق بكل سهولة. بدا كأن شيئًا من تحيز الإنسان، من عنصريته المتجذرة، تسلل إلى اختياراته حتى حين يتعامل مع الحيوانات. فاللون - فـي أعماق الوعي الجمعي- ما يزال يُحرك الذوق والتفضيل، بل حتى قيم الجمال. هل نقل الإنسان شعوره بالتفوق العرقي إلى عالم الحيوان؟ ربما دون وعي، لكن بيتو ظلّ الدليل الصامت على أن عنصرية اللون لا تزال حيّة، حتى فـي رفوف محلات بيع القطط.
اقتَنت المرأة القط الأسود، وأهدته لابن أخيها. غير أن ما حدث لاحقًا كان مثار قلق؛ فقد بدأ الفتى يُطعمه الفشار وأطعمة غير صحية. وعندما اعترضت عمته، ردّ أخوها: «دعيه يعتمد على نفسه، مثل قطّنا القديم جاكوار».
جاكوار كان قطًا مخضرمًا يعود إلى المنزل بجروح دامية من معارك الشارع. ثم مات ميتة الكلاب. عندها لم تجد المرأة بدًا من إنقاذ القط الأسود. رغم أنها كانت قد قطعت عهدًا على نفسها ألا تعتني بقطّ مجددًا، إثر فقدانها لقطّيها سيلفر وبلوندي، فإنها استعاذت بالله واستسلمت للقدر.
كان ما يشغلها آنذاك حديث النبي -صلَّى الله عليه وسلم- عن المرأة التي دخلت النار بسبب قطة حبستها. قالت لنفسها: «لقد اشتريته بنفسي، وسأكون مسؤولة عن هلاكه إن تركته فـي الشارع مثل جاكوار». فقررت أن تأخذه إلى بيت العائلة. ومنذ ذلك اليوم صار القط يحمل اسمًا جديدًا: بيتو.
(3)
استقر بيتو فـي فناء البيت. استعاد صحته، وصار له نظام غذائي، وحمام خاص، وتطعيمات منتظمة، وحتى دفتر متابعة صحي.
اعتنت به كما يُعتنى بطفل صغير. ومع مرور الوقت لاحظت الأم العجوز وحَدته، فقالت لابنتها: «سيكون من الأفضل أن تكون له أسرة، دعيه يخرج إلى الحارة، ويتعرّف على قطة ما ويتزاوجان وينجبان سلالة من القطط». لكن صاحبة بيتو رفضت أن يخرج إلى الشارع؛ خوفًا من أمراض القطط الشاردة.
ثم انتقل الجميع من صلالة إلى عوقد الشمالية. لم يكن للمنزل الجديد فناء، بل سطح مفتوح على السماء. هناك عوّض بيتو فناء البيت بمكان يُطل على النجوم. ورغم ذلك ظل وحيدًا. فقررت صاحبته أن تجلب له قطة. تزاوجا، وأنجبا أربعة مواليد. لكن القطة كانت شرسة غضوبا. فـي المرة الثانية أنجبت اثنين، وفـي الثالثة ثلاثة مواليد، خُطف اثنان منهم، وبقي واحد.
كثرة الإنجاب أنهكتها، فأصيبت بتسمم الحمل، وماتت مواليدها جميعًا. نُقلت إلى العيادة البيطرية، لكن الطبيب قال: إنها تحتضر.
يا إلهي! أصيب بيتو بالهزال، وامتنع من الأكل. فأحضرت له قطة أخرى، أنجبت له مولودًا أسود يشبهه تمامًا. أُطلق عليه اسم «مورياتي». ومع الوقت، صار يلعب ويجري وينافس والده فـي كل شيء.
(4)
ثمة قاعدة معروفة فـي عالم الحيوان: يصعب اجتماع ذكرين فـي مكان واحد. سواء بوجود أنثى، أو من دونها؛ فالصراع حاصل لا محالة.
وهكذا، اشتدّ التوتر بين بيتو ومورياتي، وكانا يقتتلان يوميًا. ولأن بيتو أكبر حجمًا وأقوى؛ فقد كان المنتصر. قررت صاحبته؛ تفاديًا للصراع أن تهب مورياتي لإحدى معارفها.
(5)
منذ عام 1600 ق.م، بدأت موجات الانقراض تضرب عالم الحيوان.
تشير الباحثة «غرتشن ت. لغلر» إلى أن 75% من انقراض الثدييات و66% من الطيور سببه النشاط البشري. العلاقة بين الإنسان والقطط المنزلية معقدة. ورغم الانقراض؛ فإن أعداد القطط الأليفة تزداد بالملايين. هنا يتدخل الخيال البيئي مجددًا: ماذا لو كان كوفـيد-19 نوعًا من الانتقام الكوني من الانقراض الذي طال الحيوانات؟ فقد ثبت علميًا أن القطط تُصاب بفـيروس كورونا، وسُجّلت حالات انتقال العدوى من الإنسان إليها.
صحيح أنه لا خطرَ كبيرٌ من عكس المسار، لكن هذه الحقيقة تفتح باب التأمل: أليست هذه طبيعة الحياة على الأرض؟
لقد أظهر بيتو قابلية عالية للتعايش السلمي فـي عزلته فوق السطح.
تخلّى عن المنظورات التقليدية التي تُقحم الحيوان فـي زوايا ضيقة.
غير أنه فـي علاقته بابنه مورياتي عجز عن التأقلم، فعاد إلى وحدته الأولى.
فـي الختام؛ أحيانًا لا تكون الحكاية عن القط، بل عن الإنسان الذي لم يحتمل وحدته فأسقطها على مخلوق صامت.