على حافة الغابة البدائية: الحلقة (2)
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
الفصل الأول
على حافة الغابة البدائية: الحلقة (2)
تجارب وملاحظات طبيب الماني في أفريقيا الإستوائية
كتبها: آلبرت شفايتزر
نقلها من الإنجليزية د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري – السودان
• ديباجة:
تعرفنا على كثير من الجوانب المظلمة في الحقبة التي تكالب فيها الإستعمار الأوربي على أفريقيا. وقد توالت الأحداث الجسام من تهجير وقهر وقتل من المستعمر الأبيض، ليفرض سيطرته على انسان أفريقيا ومقدراته وموارده التي نهبت - ردحاً من الزمن - ليعمّر بها العالم الأوربي، بينما يرزح الأفريقي صاحب كل ذاك الخير في فقر لا يدانيه فقر.
كانت سيرة الاستعمار طوال وجوده في أفريقيا، ليست بالسيرة العطرة، غير أنه قد تخللت هذه السيرة غير المحبوبة، بعض الفضاءات المضيئة من أفراد بيض، آثروا أن يغلّبوا الجانب الانساني في علاقتهم بالانسان الأسود، بطرق عديدة، كالخدمات الطبية التي قدمها الطبيب والفيلسوف الألماني (آلبرت شيفايتزر) وزوجه، للانسان الأفريقي في الجابون الحالية، اذ قاموا ببناء مستشفى لخدمة السكان المحليين، هذا المجهود أهّله للترشيح والفوز بجائزة (نوبل) تقديراً لهذا العمل الانساني الكبير. هذه الصفحات هي ترجمة لمذكراته التي صدرت في كتاب باسم (On the Edge of the Primeval Forest)
********************************
• مقاطعة أوغوي
تُعتبر منطقة أوغوي إحدى المناطق التي كانت مسرحاً لجهودنا. تتبع منطقة أوغوي لمستعمرة الجابون، ويمتد نهر أوغوي نحو 700 إلى 800 ميلاً شمالاً، في خط موازي تقريباً لنهر الكونغو. وبالرغم من أنه أصغر من الأخير، إلا أنه نهر رائع، ففي الجزء الأسفل من مساره يتراوح عرضه بين 1,200 و 2,200 ياردة. وينقسم النهر في آخر 120 ميلاً، إلى عدة فروع تصب في المحيط الأطلسي بالقرب من رأس لوبيز، لكنه صالح للملاحة بالقوارب البخارية الكبيرة حتى مدينة إندجول تقريباً، على بعد حوالي 250 ميلاً في الجهة التي يصب فيها النهر. ومن هذه النقطة يبدأ إقليم التلال والجبال الذي يقود إلى الهضبة الكبرى في أفريقيا الوسطى. وهناك أيضاً سلسلة من الشلالات تتناوب مع ممرات النهر الطبيعية السالكة، ولا يمكن تجاوز هذه الشلالات إلا بالقوارب البخارية الصغيرة التي تم بناؤها لهذا الغرض، أو بالقوارب المصنعة محلياً.
وبينما يكون الريف والغابات هما السمة السائدة للمنطقة المتوسطة والعليا من نهر أوغوي، فليس هناك سوى المياه والغابات البكر على طول الجزء الأسفل من النهر، من إندجول وصولاً إلى المصب. تُعتبر هذه الأرض الرطبة والمنخفضة ملائمة بصورة ممتازة لزراعة البن، والفلفل، والقرفة، والفانيليا، والكاكاو، وكذلك نخيل الزيت. ومع ذلك، فإن النشاط الرئيسي للأوروبيين ليس زراعة هذه الثمار، ولا جمع المطاط من الغابة، بل هي تجارة الأخشاب. وعلى الساحل الغربي لأفريقيا، الذي يفتقر إلى الموانئ بصورة كبيرة، خصوصاً الموانئ التي تصب فيها الأنهار؛ نادراً ما تكون الظروف ملائمة لتحميل شحنات الأخشاب، لكن نهر أوغوي يتمتع بميزة كبيرة عند مصبه، هو المرسى الممتاز الذي يخلو من أي حواجز؛ مما يمكن للأطواف التي تتكون منها الأخشاب الضخمة الرسو بجوار القوارب البخارية، التي ستقلها دون خطر التشتت، الذي تحدثه الأمواج الضخمة. لذا، يبدو أن تجارة الأخشاب ستظل لفترة غير محددة الصناعة الرئيسية في منطقة أوغوي.
تعتبر زراعة الحبوب والبطاطس للأسف مستحيلة، نظراً لأن الجو الدافئ والرطب يجعلها تنمو بسرعة كبيرة، مما يجعل الحبوب لا تنتج السنابل العادية على الإطلاق، كما تنمو سيقان البطاطس دون أن تحمل أي درنات في الأسفل، ولا يمكن أيضاً زراعة الأرز لأسباب متعددة. كما أنه لا يمكن الاحتفاظ بالأبقار على طول النهر السفلي لأوغوي، لأنها لا تستطيع أكل العشب الذي ينمو هناك، على الرغم من أن هذه الاعشاب تزدهر بصورة رائعة في الأراضي الداخلية، على الهضبة المركزية، لذلك صار من الضروري، إستيراد الدقيق والأرز والبطاطس والحليب من أوروبا، وهو الأمر الذي يجعل الحياة هناك أمراً معقداً ومكلّفاً للغاية.
تميل (لامبارين) قليلاً نحو الجنوب الإستوائي، حيث فصولها هي فصول نصف الكرة الجنوبي: فيكون الموسم هنا شتاءاً عندما يكون الوقت صيفاً في أوروبا، والعكس صحيح. ويتميز شتاؤها بفترة من الجفاف، تستمر من نهاية مايو حتى بداية أكتوبر, أما الصيف فهو فصل الأمطار، حيث يبدأ هطول الأمطار من بداية أكتوبر حتى منتصف ديسمبر، ومن منتصف يناير حتى نهاية مايو، قريب من عيد الميلاد، ولكن تحظى هذه المنطقة بثلاث إلى أربعة أسابيع من الطقس الصيفي المستمر، وفي ذلك الوقت يكون معدل درجة الحرارة مرتفع جداً.
تتراوح درجة الحرارة المتوسطة في الفصل المطير بين 82°-86°F، أما في فصل الجفاف فحوالي 77°-82°F، وتكون درجات الحرارة ليلاً دائماً قريبة من درجات الحرارة العالية في النهار. هذه الظروف، والرطوبة الزائدة في الجو، من الأمور الرئيسية التي تجعل مناخ منطقة أوغوي المنخفضة التضاريس، محنة للأوروبيين، اذ بعد عام من الإقامة، يبدأ ظهور الإرهاق والأنيميا علي الأفراد البيض وتصبحان ظاهرتين ملحوظتين بصورة مزعجة. وفي نهاية السنة الثانية أو الثالثة من الإقامة، يصبح الأوربي غير قادر على العمل الحقيقي، ويفضل العودة إلى أوروبا للاستجمام لمدة لا تقل عن ثمانية أشهر، ليسترد عافيته من جديد. وقد بلغ معدل الوفيات بين البيض في ليبرفيل، عاصمة الجابون، 14% في عام ١٩٠٣.
يتبع في الحلقة (3)
aahmedgumaa@yahoo.com
//////////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سقطرى على حافة الخطر.. التغير المناخي والسياحة العشوائية يهددان “جنة اليمن”
يمن مونيتور/ سي إن بي سي عربية
قبالة سواحل القرن الأفريقي، ظلت جزيرة سقطرى اليمنية بعيدة عن الأنظار لقرون، لا يزورها إلا القليل من التجار الباحثين عن اللبان العطري، ونبتة الصبّار العلاجية، والعصارة القرمزية لشجرة دم الأخوين، التي تُستخدم في صناعة الأصباغ.
وتُقارب مساحة سقطرى مساحة جزيرة «لونغ آيلاند» في نيويورك، وتقع على بُعد نحو 140 ميلاً من السواحل الصومالية. وقد ساهم موقعها النائي في نشوء نظام بيئي فريد، يزخر بأنواع نادرة من الطيور والحيوانات، فضلاً عن الشعاب المرجانية الغنية بالحياة البحرية الملوّنة. وتشير منظمة اليونسكو إلى أنّ ثلث النباتات البالغ عددها 825 نوعاً في الجزيرة لا توجد في أي مكان آخر على وجه الأرض.
ويصف بعض الخبراء —من بينهم عالم البيئة كاي فان دام، الذي عمل في سقطرى لأكثر من عشرين عاماً— الجزيرة بأنها غالاباغوس المحيط الهندي. لكنه، إلى جانب مختصين آخرين، يُحذّر من أن ملايين السنين من التطوّر البيولوجي في سقطرى باتت «مهددة بشكل خطير.
التغيّر المناخي
وقال فان دامه في تصريح لشبكة NBC خلال مكالمة الشهر الماضي: التغيّر المناخي هو بلا شك التهديد الأكبر لتنوّع سقطرى البيولوجي. إنها جزيرة صغيرة نسبياً، ذات مناخ جاف في معظمه، وأي تأثير إضافي —حتى لو كان طفيفاً— قد يُحدث أثراً كبيراً ويزيد من الضغط على أنظمتها البيئية الهشّة.
تفاقمت الأضرار البيئية التي لحقت بجزيرة سقطرى نتيجة الأعاصير المدمّرة التي ضربتها في عامي 2015 و2018، بسبب موجات الجفاف الطويلة الناجمة عن تغيّر المناخ، حيث أدّت هذه الظواهر المتطرفة إلى تدمير الشعاب المرجانية، وتآكل التربة، واقتلاع نباتات نادرة.
ويواجه أحد أبرز رموز الجزيرة —أشجار اللبان المتوطنة— تهديداً وجودياً. فقد صنّف «الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة» في مارس آذار الماضي أربعاً من أصل 11 نوعاً معروفاً من أشجار اللبان في سقطرى على أنها «مهددة بالانقراض بدرجة حرجة».
السياحة والرعي الجائر يهدّدان مستقبل سقطرى
صُنّفت خمسة أنواع أخرى من أشجار اللبان السقطرية على أنها «مهددة بالانقراض»، في إشارة إلى التدهور البيئي المتسارع على اليابسة وفي النظم البيئية المرتبطة بها، بحسب ما أكّده الخبير البيئي كاي فان دامه. وأضاف أن «الرعي الجائر، خاصة من قِبل الماعز، يُعد من التحديات الرئيسية الأخرى، إذ يؤدي إلى تدهور المواطن الطبيعية ويفضي إلى بقاء الأشجار المعمّرة دون وجود أجيال جديدة لتحلّ محلها”.
السياحة.. بين الفائدة الاقتصادية والضغط البيئي
تجذب سقطرى السيّاح بجمال شواطئها البكر، ومياهها الفيروزية، ونباتاتها العجيبة، لكن هذا الإقبال المتزايد يفرض ضغطاً متنامياً على البيئة الهشّة في الجزيرة.
ورغم محدودية الفنادق —ومعظمها في العاصمة حديبو— فإن عدد الشركات السياحية التي تنظّم جولات فاخرة ومعسكرات بيئية باستخدام سيارات الدفع الرباعي في تزايد مستمر، بعضها يُروَّج له على أنه «سياحة بيئية».
وصرّح الناشط البيئي المحلي ومنظّم الجولات علي يحيى، في مقابلة الشهر الماضي، بأن السلطات وافقت على تحديد عدد الزوّار بما لا يتجاوز 4500 سائح سنوياً.
وأضاف: في المناطق الحساسة من حيث النظام البيئي والتنوّع الحيوي والتراث الثقافي، يُمنع تماماً بناء المباني الضخمة أو الفنادق الواسعة.
لكن على الرغم من إدراج سقطرى ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو- ما يُلزم بالحفاظ عليها بموجب اتفاقيات دولية— فإن المخالفات لا تزال تحدث، بحسب الدليل السياحي المحلي عبدالرؤوف الجمحي، الذي قال في رسائل صوتية ومكتوبة الشهر الماضي: «بعض السيّاح يشعلون النيران تحت أشجار دم الأخوين، وينقشون كتابات على الأشجار النادرة، ويتركون وراءهم النفايات، ويُزعجون الطيور باستخدام الطائرات المسيّرة.
مع ذلك، أشار الجمحي إلى أن السياحة تُعدّ «بالغة الأهمية» لسكان الجزيرة، إذ يستفيد منها منظمو الجولات السياحية، وسائقو السيارات، وأصحاب المطاعم، والفنادق، وبائعو الحِرف اليدوية.
بين الاستغلال والتهاون: سقطرى تواجه مصير غالاباغوس؟
وفيما يكرّر تحذيراته، قال كاي فان دامه إن بعض الأنواع المهدّدة بالانقراض «تُقتل فقط من أجل صورة سيلفي»، مشيراً إلى أن أنواعاً نادرة مثل الحرباء يتم اصطيادها أو أسرها ليلتقط معها السيّاح صوراً تذكارية.
بدوره، توقّع الدليل المحلي عبدالرؤوف الجمحي أن يشهد عدد السيّاح ارتفاعاً في السنوات المقبلة مع ازدياد شهرة الجزيرة، محذّراً من أن ذلك «سيمثّل ضغطاً كبيراً على بيئتنا»، وأضاف: «سيكون تحدّياً بالغ الصعوبة».
ورغم أن المقارنة مع جزر غالاباغوس تُستخدم غالباً للإشادة بتنوّع سقطرى الحيوي، إلا أنها —وفقاً لفان دامه، الذي شارك في إعداد دراسة عام 2011 حول تأثيرات النشاط البشري على الجزيرة، تحمل أيضاً رسالة تحذيرية.
فمنذ القرن التاسع عشر، فقدت جزر غالاباغوس —الواقعة على بُعد نحو 600 ميل من سواحل الإكوادور، والتي اشتهرت بتنوّعها البيولوجي الفريد— عدداً كبيراً من أنواعها المتوطّنة بسبب التعدّي على المواطن الطبيعية، والضغوط السياحية المفرطة، وانتشار الأنواع الدخيلة.
وكتب فان دامه في حينه: «ربما يمكن اعتبار الأنظمة البيئية في سقطرى الآن في حالة صحية مشابهة على الأقل لتلك التي كانت عليها غالاباغوس عندما أُدرجت في قائمة التراث العالمي قبل 30 عاماً، مضيفاً أن سقطرى قد تواجه المصير نفسه إذا لم تُتّخذ إجراءات حاسمة لحمايتها في الوقت المناسب.
هل تتحوّل سقطرى إلى “غالاباغوس” جديدة؟
وجاء في الورقة البحثية: إذا نظرنا إلى الحالة الراهنة في جزر غالاباغوس، فقد نلمح ملامح مستقبل سقطرى —أو بالأحرى، ما قد تؤول إليه الأمور إذا استمرّت التهديدات والاتجاهات الحالية على النحو ذاته.
ووصف كاي فان دامه هذا التقييم بأنه «كان دقيقاً إلى حد بعيد»، لا سيّما من حيث توقّعاته المرتبطة بتغيّر المناخ، وذلك في تصريح لقناة NBC.
وتستقبل جزر غالاباغوس اليوم أكثر من 250 ألف زائر سنوياً، ضمن ضوابط صارمة تشمل تحديد أعداد الزوّار، وفرض وجود مرافقين مرخّصين، واعتماد مسارات محدّدة، وفرض رسوم سياحية مرتفعة تُخصّص لتمويل جهود الحماية البيئية.
وشدّد فان دامه على ضرورة أن تعتمد سقطرى آليات حماية مماثلة قبل أن تصبح الأضرار غير قابلة للإصلاح.
الثقافة والتقاليد… على المحك أيضاً
ولا تقتصر التهديدات على البيئة فحسب، إذ يرى علي يحيى، الناشط البيئي المحلي، أن السياحة بدأت تؤثر كذلك على النسيج الاجتماعي والثقافي للجزيرة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 60 ألف نسمة، لا يزال كثير منهم يتمسّكون بتقاليدهم العريقة ويتحدّثون باللغة السقطرية القديمة، وهي لغة شفوية غير مكتوبة تعود جذورها إلى ما قبل الإسلام.
وقال يحيى: السلوكيات الأجنبية بدأت تؤثر في السكان المحليين، ونخشى أن يؤدي ذلك إلى تآكل تقاليدنا». وأضاف أن السياح مرحّب بهم عموماً، لكن على بعضهم احترام الخصوصية الثقافية أكثر.
وأشار إلى صورة نُشرت على إنستغرام تظهر امرأة ترتدي لباس السباحة تحت شجرة دم الأخوين، قائلاً إنّها أثارت غضب سكان قرية جبلية اعتبروا ذلك تصرّفاً منافياً لقيمهم المحافظة.
أمل بالمستقبل… شرط الاستمرار
ورغم الضغوط المتزايدة، يرى فان دامه أن هناك مؤشرات إيجابية، إذ أبدت السلطات في سقطرى انفتاحاً على التعاون، وبدأت مشاريع حماية بيئية يقودها المجتمع المحلي تحقّق تقدّماً ملموساً.
وقال: المبادرات التي يقودها المجتمع المحلي، إلى جانب الجهود القائمة الأخرى، تُعدّ جوهرية. وطالما استمرّت هذه المبادرات، فهناك أمل حقيقي لمستقبل الجزيرة.