أحمد مهدي يكتب: صبايا العنب وعرائس المعدية .. ترحموا عليهن فكل ذنبهم أنهم فقراء
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
مع دقات السادسة صباحًا، قد يكون الجميع نائمين في منازلهن، إلا الفتيات اللاتي لم تتجاوز أعمارهن الثامنة عشرة أو العشرين، اللائي استيقظن لبدء يوم عمل مرهق، فلا وقت لهن للرفاهية.
أغلبهن يخرجن من بيوتهن دون «لقمة»، وربما يبحثن عن «قرص» صغير في أحد المخابز على الطريق يرتدين قبعات يعتقدن أنها توفر لهن بعض الحماية من حرارة الشمس، ومع دقات السابعة صباحًا تبدأ رحلتهن كـ”صبايا العنب”.
الطريق لديهن خالٍ من وسائل النقل المريحة، فمعظمهن يسرن على أقدامهن في الطرقات وحيدات، دون رفيق أو ونس، وصولاً إلى نقطة الانتظار، هناك تنتظرهن سيارة ميكروباص بسعة 14 راكبًا، لكنها غالبًا ما تنقل 23 أو ربما 25 منهن.
قصة «عرائس المنوفية» وغيرهن مؤثرة لدى البعض ولكن قصة كفاحهن هي الأشد أثرًا في النفوس، فبعضهن طالبة تستيقظ باحثة عن جنيهات تغطي مصروفها الدراسي، وأخرى تعمل لتجميع جهاز زفافها، وثالثة تساعد والدها، ورابعة وخامسة وخمسون بل وأكثر.
يبدأ عملهن في جني العنب صباحًا، وبعضهن يعملن في مزارع أخرى، وهو ما رأيته قبل عدة أشهر في قرى منشأة القناطر بالجيزة قادمات من المنوفية، باحثات عن «لقمة العيش» بأجر لا يتجاوز 130 جنيهًا للفرد راحوا في مياه الرشاح، ليعود المشهد من جديد وتعود 19 «عروسة» لأسرتها في كفن أبيض بدلا من الفستان.
ظروف العمل والتنقل لهذه الفتيات قاسية فعلًا، لكن كما يقال - ما باليد حيلة - فقد فرضت عليهن ظروفهن الانتقال إلى هذا الطريق بحثًا عن قوتٍ لمساعدة أسرهن أو جنيها واحدا للتعليم أو الزواج، ولعلّنا جميعًا يجب أن نرفع القبعة احترامًا لتلك النماذج التي صرن فخرًا لأسرهن.
فتيات وصبايا المزارع والمصانع اخترن الطريق الصعب، رافضن المنصات التي تدر ربحًا سريعة، وخضن طريقًا من العرق والكد، يدعو فيه قلبهن الله بأن يرزقهن لأبسط مطالبهن، ويصلن إلى غايتهن بأحلام بسيطة لنجاح في التعليم أو الزواج مثل أخريات.
سواء كن «عرائس المنوفية» أو أولئك اللائي سبقن في معدية أبو غالب.. فلنترحم عليهن؛ فكل ذنبهم أنهم فقراء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المزارع معدية أبو غالب الزواج المنوفية
إقرأ أيضاً:
إسحق أحمد فضل الله يكتب: (خلق سودان جديد)
وأيام الاشتباك شرقاً وغرباً، كان الزعم الأمريكي الفخم الضخم الذي يقول: “نزلنا على القمر”… وصورة بالفعل للرائد أرمسترونغ.
الزعم هذا كان شيئاً (يطرشقه) سؤال ساخر صغير.
الشيوعيون سألوا الأمريكان:
نعم… صورة أرمسترونغ على القمر دقيقة، لكن لم تقولوا… من هو الذي إلتقط هذه الصورة؟
…
والحكاية ما فيها هو زاوية النظر… كم من الناس خطر لهم هذا السؤال؟
الجدال في كل شيء لا يكاد ينتهي، لأن كل شيء له زوايا لا تخطر بالبال.
…
ونحن نبني الاقتصاد، وبعيداً عن حفرة الجدال، نجد فريدمان.
وفريدمان هو صاحب نوبل في الاقتصاد، والرجل لما سألوه: أي الدول بارعة اقتصادياً؟ قال: تايوان.
قال: هي دولة ليس فيها موارد… حتى الرمال تستوردها، لكن تايوان علمت أبناءها، ثم جعلت كل أحد يلتزم تخصصه… و…
وفي مصر، في الستينات، توفيق الحكيم يقول:
“أشتهي عربات كارو… ألف… ألفان… تجرها حمير نظيفة، وهي تحمل الكتب وتقف في النواصي والميادين وأمام الجامعات، تعطي كل أحد كتاباً اليوم، ثم كتاباً بعد أسبوع…”
وبالطبع لم يحدث هذا.
وعندهم، راقصة من الراقصات تنظر إلى عربة الحكيم المهكعة، وإلى عربتها الرائعة، وتقول للحكيم:
“شايف الفرق بين الأدب… وبين قلة الأدب؟”
والنتيجة… هي ما ظل يحدث منذ مائة عام.
…
والأحداث تنتقم.
ويعجبنا ونشمت أن ملك الملوك… الشاه… حين ترفض كل الدول استقباله، يتوسط له كيسنجر عند بنما… لضيافة قصيرة.
والضيافة تنتهي، وزوجته الإمبراطورة (الإمبراطورة) فرح ديبا تتوسط للسيد خان، معتمد اللاجئين، ليجد لهم حلاً…
و… (اقرأ السطر التالي):
الإمبراطورة في النهاية تكتب إلى معتمد اللاجئين، تتوسل إليه أن يعطيها “بطاقة لاجئين” لتسكن في أي خيمة… في أي معسكر لاجئين… في أي ركن في العالم…
…
ونقرأ التاريخ… ونجد ملاحظة غريبة…
وفيها أن الله سبحانه لا يعجل الانتقام من الكافرين… الله سبحانه يعجل الانتقام من (خونة) المسلمين.
ونجد صورة رئيس وزراء تركيا أيام أتاتورك، الذي أضاف الصليب إلى علم تركيا تملقاً للإنجليز، نجده جالساً في غرفة استقبال المندوب السامي البريطاني.
والمندوب يتعمد إذلال رئيس تركيا بأن يلطعه هناك لساعات.
وعند دخوله، الرجل التركي الغاضب… الذي عمل طويلاً لإذلال الإسلام… الرجل هذا لا يجد في غضبته غير الإسلام ليقاتل به.
قال للمندوب البريطاني:
“لما كان أجدادي يبنون قرطبة… ويجرون الجراحة في العين… ويكشفون الوتر الخامس… كان أجدادك يرتدون الجلود… ولا يعرفون المسواك…”
…
وفي متابعتنا لأحداث القرن الماضي، نجد شيئاً…
نجد أن الإسلام يتحرك… وأن جروحه دامية… وأنه يتأرجح ضعفاً… وأنه… وأنه…
لكن، لأول مرة منذ قرن، نجد المسلم الذي كان يختبئ للصلاة، خجلاً من إسلامه، يملأ صدره وفمه الآن بأنه… مسلم…
ويغيظ الجماعة إلى درجة تصنع سلسلة حرق المصحف… والإساءة للنبي الكريم… و… وسلسلة لا تنتهي من الحملات على مواقع الشبكة الآن…
الشعور بأن الإسلام يستيقظ الآن… شعور يصنع هذا.
وأبو حسنين… السوداني المجاهد… لما يموت في تركيا، يصبح هو أول مسلم في التاريخ يدفن إلى جوار أبي أيوب الأنصاري…
يبقى أننا، لما كنا ندخل ساحة واسعة أمام قبر أبي أيوب هذا، كان أحد السودانيين يخلع حذاءه.
وحين نسأله، يقول:
“لعل قدمي تقع حيث وقعت أقدام الصحابة الذين حملوا أبا أيوب هذا إلى قبره هذا…”
سودانيون يا رسول الله.
إسحق أحمد فضل الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب