مفتي الجمهورية: ليس من سلطة العلماء تكفير أي إنسان.. وتحديد مصائر الناس «تألي على الله»
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنه ليس من سلطة العلماء تكفير أي إنسان، والحكم بالتكفير لا يكون إلَّا عن طريق القضاء، ولا يتم إلا بعد التحقُّق الدقيق من الأمر، ولا يجوز لأحد من الأفراد أن يكفر أحدًا، بل ينبغي التثبت في كل الأمور قبل إلصاق أي تهمة بأي إنسان، وقد حدَّد القانون طرقًا قانونية يمكن القيام بها لمن يتجاوز في حق الثوابت الدينية الموجودة في الأديان السماوية، وهو مسار قانوني وشرعي بديلًا للتكفير.
جاء ذلك خلال حواره في برنامج "اسأل المفتي"، على فضائية "صدى البلد" مع الإعلامي حمدي رزق، مضيفًا فضيلته: ينبغي عدم الجزم وعدم الحكم على الناس بأنَّ هذا في النار وهذا في الجنة، لأنه من التألِّي على الله، حتى إنَّ مَن لم تَصِلْه دعوة الإسلام الخاتمة لن يظلمه الله عزَّ وجلَّ، فالله ليس بمعذِّبٍ أحدًا حتى يسبِقَ إليه منه خبرٌ، أو تأتِيَه منه بينةٌ، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].
وشدَّد فضيلة المفتي على أن سلوك طريق التكفير حيال المؤمنين وتكثير أسبابه فِعل يخالف المسلك النبوي الذي دلَّت عليه النصوص الشرعية من إحسان الظن والإمساك عن تكفير كل من نطق بالشهادتين.
وأكد فضيلته على أنَّ الشريعة الإسلامية قائمة على الرحمة والسماحة، فكان عليه السلام رحمة مهداة، وسائر أفعاله وأقواله تُعبِّر عن هذه الرحمة. كما أن آيات الرحمة في القرآن كثيرة، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة التراحم بين العباد جميعًا، فقد قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إِنَّ اللَّه خلق الرَّحمة يوم خلقها مِائة رحمةٍ، فأمسك عِندهُ تِسعًا وتِسعِين رحمةً، وأرسل فِي خلقِهِ كُلِّهِم رحمةً واحِدةً.. .»، وفي هذا دلالة قوية على عِظم الرحمة التي يدَّخرها الله عزَّ وجلَّ لعباده في الآخرة.
وأشار فضيلة مفتي الجمهورية إلى أن المؤمنين بالقرآن وصحيح السُّنة يؤمنون ويصدقون كل ما جاء بهما من قصص وأحداث حدثت مع الأنبياء، فضلًا عن الإيمان بالغيب، وهي من صفات المتَّقين التي جاءت في القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 2-3]. مؤكدًا أن عدم العلم أو الوقوف على آثار توضِّح حياة بعض الأنبياء لا يدل ولا يعنى عدم وجودهم أو عدم حدوثها.
وأضاف فضيلة المفتي: وينبغي عدم غياب فقه الأولويات عن حياتنا، فانشغال البعض بالتشكيك والإنكار لأمور دينية ثبتت صحَّتها بالقرآن والسُّنة والإجماع، أو بالطعن فيها وتجاهل أقوال العلماء السابقين، لهي أمور من شأنها أن تحدِث الفُرقة وعدم الاستقرار في المجتمع الواحد، وتثير البَلْبَلةَ في أمورٍ دينيةٍ مستقرة في أذهان المسلمين، في وقتٍ المجتمع فيه أحوج ما يكون لأن يتوحَّد أبناؤه حول قضايا البناء والتنمية وتقديم الأهم فالمهم كل ذلك مراعاةً لفقه الأولويات الذي يمنح الآخذ به بصيرة وتوفيقًا، ويعطيه رؤية واضحة فيما هو عام وخاص بدلًا من إنفاق الجهد والوقت في قضايا تشتِّت ولا تجمِّع.
وأكد فضيلته على ضرورة ألا يغتر المسلم بما قدمه من عمل، بل عليه الاستزادة من الطاعات والأعمال الصالحة لينال رحمة الله، فالجميع يرجو رحمته يوم القيامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري وغيره: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ».
واختتم فضيلة المفتي حواره برده على سؤال عن هيئة حجاب المرأة المسلمة قائلًا: إن العلماء فسروا {إلا ما ظهر منها} بالوجه والكفين، ولا يوجد شكل معيَّن وموحَّد للحجاب الشرعي فهيئته تختلف حسب الزمان والمكان، ولكن توجد له مواصفات عامة وثابتة، وهي ألا يشف ولا يصف، ويكون ساترًا لجميع البدن ما عدا الوجه والكفين.
اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية للحجاج: ادعو لمصر وأولياء أمر البلاد ليعم الخير (فيديو)
مفتي الجمهورية يكشف صيغة الدعاء مستجاب للحاج عند رؤية الكعبة لأول مرة (فيديو)
بلاش تصوير ولايفات.. مفتي الجمهورية يوجه نصائح هامة للحجاج أثناء الطواف (فيديو)
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإعلامي حمدي رزق مفتي الجمهورية مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
ما حكم القنوت في صلاة الفجر والرد على من يقول ببدعيته؟
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها مضمونه: "قام إمام مسجد بقريتنا بالقنوت في صلاة الفجر؛ فادَّعى أحد المصلين أن ما قام به من القنوت في صلاة الفجر بدعة، وحدث خلافٌ بين المصلين في ذلك؛ فما حكم القنوت في صلاة الفجر؟".
لترد دار الإفتاء المصرية، موضحة: أن القنوت في صلاة الفجر سنة نبوية ماضية قال بها أكثر السلف الصالح من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار، وجاء فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم -أي أحياءٍ من العرب- ثم تركه، وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا"، وهو حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه كما قال الإمام النووي وغيره، وبه أخذ الشافعية والمالكية في المشهور عنهم؛ فيستحب عندهم القنوت في الفجر مطلقًا، وحملوا ما روي في نسخ القنوت أو النهي عنه على أن المتروك منه هو الدعاء على أقوام بأعيانهم لا مطلق القنوت.
والفريق الآخر من العلماء يرى أن القنوت في صلاة الفجر إنما يكون في النوازل التي تقع بالمسلمين، فإذا لم تكن هناك نازلة تستدعي القنوت فإنه لا يكون حينئذٍ مشروعًا، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.
فإذا ألمَّتْ بالمسلمين نازلة فلا خلاف في مشروعية القنوت في الفجر، وإنما الخلاف في غير الفجر من الصلوات المكتوبة؛ فمن العلماء من رأى الاقتصار في القنوت على صلاة الفجر كالمالكية، ومنهم من عدَّى ذلك إلى بقية الصلوات الجهرية وهم الحنفية، والصحيح عند الشافعية تعميم القنوت حينئذٍ في جميع الصلوات المكتوبة، ومثَّلوا النازلة بوباء أو قحط أو مطر يضر بالعمران أو الزرع أو خوف عدو أو أسر عالم.
فالحاصل أن العلماء إنما اختلفوا في مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل، أما في النوازل فقد اتفق العلماء على مشروعية القنوت واستحبابه في صلاة الفجر واختلفوا في غيرها من الصلوات المكتوبة.
وعليه: فإن الاعتراض على قنوت صلاة الفجر بحجة أنه بدعة اعتراض غير صحيح؛ بالنظر إلى ما تعيشه الأمة الإسلامية من النوازل والنكبات والأوبئة وتداعي الأمم عليها من كل جانب وما يستوجبه ذلك من كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى عسى الله أن يرفع أيدي الأمم عنا ويرد علينا أرضنا وأن يقر عين نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بنصر أمته ورد مقدساتها؛ إنه قريب مجيب.
هذا إذا أخذنا في الاعتبار تواصل النوازل وعدم محدوديتها، وأما من قال بمحدودية النازلة ووقتها بما لا يزيد عن شهر أو أربعين يومًا، فالأمر مبني على أن من قنت فقد قلد مذهب أحد الأئمة المجتهدين المتبوعين الذين أمرنا باتباعهم في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، ومن كان مقلدًا لمذهب إمام آخر يرى صوابه في هذه المسألة فلا يحق له الإنكار على من يقنت؛ لأنه لا ينكر المختلف فيه، ولأنه لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد.