رحيل الشاعر الأردني زياد العناني عن 62 عاما
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
توفي اليوم السبت الشاعر الأردني زياد العناني (1962) بعد معاناة طويلة مع المرض.
ونعت وزيرة الثقافة الأردنية الشاعر الراحل وقالت إن الشاعر العناني "كان سباقا إلى الأفكار الرائعة والجميلة في هذه الحياة، وكان كثير التأمل والوعي الثقافي، ونافذ الرؤية تجاه مفردات الكون والحياة والإنسان، فكان من الطبيعي أن يقدم لنا روائع أشعاره فيما ترك لنا من دواوين غلب عليها الحس الفلسفي والفكر العميق".
والشاعر الراحل عرف بقصائده التي كثيرا ما تأتي في بساطة مدروسة بدقة، حتى أنها تبدو أقرب إلى فيض هادئ حتى في تناول المعقد الصعب هي أيضا حافلة بالرموز التي تعود فتجعل -وبالشكل المدروس نفسه- من بعض "بسيطها" أكثر تعقيدا مما قد يبدو لنا.
وفي كثير من قصائد زياد العناني إدانة لعالم هو في الغالب عالمنا الشرقي ولعصر بدا عنده حافلا بالآمال والآلام وبأنواع النضال والتضحيات ليتحول إلى ما يشبه مكانا للخيبات ولإذلال الإنسان.
وتميزت مجموعة شعرية للعناني بعنوان "شمس قليلة" بما تتسم به قصائد الشعر الوجداني من قدرة على التدرج شبه القصصي، وموسيقى داخلية ذات نبض يمتزج فيه الحلم بالسوداوية.
من القصائد الأولى بالمجموعة التي ضمت 43 قصيدة نص "الطاغية". وتأتي هذه القصيدة في جو يشبه الأجواء الروائية التي تتحدث عن دكتاتوريي أميركا الجنوبية وسقوطهم الذي يكشف عن نمور من ورق، وهي تحمل وبتصويرية الواقعي جنبا إلى جنب مع الرمزي.
وبعض أجواء المجموعة تختصر في قصيدة "أعمال ليس" وفيها يقول:
ليس لي بلد
ليس لي قبر
وليس لي حتى امرأة
إذا مت تركض في الفراغ
مبددة
نعيها
وتبرز قدرة الشاعر على خلق كثير من الرسوم شبه الغرائبية في مجالات عديدة، عن المفجع الذي يوزع بعدل أو ما يشبه العدل على القاتل والقتيل، حيث يقول في قصيدة "سنة الحياة":
كل قتلاي الآن
من تراب
الأول الذي سرق حبيبتي
والخامس الذي خلع أظافري
والسادس الذي كان يضحك وهو يلعب في دمي
كل قتلاي الآن
من تراب
وأنا في المصحة
أشرب جرعتي
وقد تميزت القصائد بتلك الأجواء التي يصعب تحديد عناصرها، وهي تنقل القارئ إلى تلك المتعة الغريبة التي يجدها أو كان يجدها بقصص الأحزان القديمة التي تعلق بالنفس وتتداخل فيها الطفولة بالشباب المولي، وبالوحدة والوحشة تحيطان بشيخوخة هادنت الدمع بل استخفت به.
وفي مجموعة شعرية أخرى بعنوان "زهو الفاعل" أورد الشاعر الراحل قصائد تحت "أرقام" واقتصر في الأولى على القول: تخيلت كرسيا فسال دمي.
أما تحت الرقم الثاني فكانت القصيدة اطول من الأولى. قال:
حين أعود إلى بدء الجريمة الأولى
أكره رأسي
وأغرس كل مخالبي
في وجه المحبة
قاتلتهم دهرا ثم قتلوني
وتحت الرقم 5 يقول بخيبة وحزن عميقين لا يتزحزحان"
ماذا أحكي عن بلاد ضيعتها
مثل قرش الطفولة
ضاع الحلم
وضاعت قطعة الحلوى.
وفي الرقم السابع تتسع الإدانة عنده فيقول:
في الشرق
يقف الرب مع الحكام
ويتركنا غلابى ومعذبين
نهتف ونركض في نشاطهم.
وتحت الرقم 9 يصور حالة "تاريخية" من الاستضعاف والظلم كأن الفقراء والطيبين المستوحدين في هذا العالم قد خصوا بها أكثر من غيرهم.
قال:
بدؤوا بالضرب واحدا واحدا
ليس جديدا أن يضربني عتاولة الوطن كي أعترف
ليس جديدا فحينما كنت طفلا
كان الأطفال يتمرسون في لطمي
فأسقط مغشيا على رأسي
من غير أن يعرفوا فضيحة أنني قد جئت إلى الدنيا أخرس.
وفي القصيدة التي حملت رقم 10 وفي جو اشتداد للإدانة قال زياد العناني:
قلما يخطئ القائد في إطعام المقابر
وهي تبتسم
قلما كان يقلل من شأن الدم
حين يتجمد أو حين يسيل
في حرب دمنا
هيأنا عبر المذياع
وذكرنا بالبطولة التي لا تقرن بتهمة الحياة
فنلنا الشهادة مبتسمين
ومشينا في جنازة مهيبة
لم يقطعها أحد
حتى الرب الطيب كان حاضرا
مثلما قالت أمي التي رأته
وهو يسير في المقدمة.
وفي الرقم 13 يتنقل الشاعر بين الشخصي والعام ليصور الخيبة والبؤس و"اليتم" الوطني، يقول:
قضى العمر
وهو يعب من نشواتها التي تذهب العقل
وحين صحا
تذكر أن الزوجة التي طلقها تزوجت
وأن الابن صار أبا له
وأن البيت مجرد زاوية عمياء
وأن الدولة/حرمته من التأمين الصحي
فبكى
ثم تبسم على هيئة جرح
وطني.
وتحت عنوان "ذكريات" يرسم صورة للواقع الانساني والروابط الإنسانية لا تشديد فيها على الاقتصاد والسياسة والتقاليد وغير ذلك. إنها عنده أبسط وأعمق من ذلك كله. يقول:
ليست الأرض
وليست اللغة ما يربط بيننا
إنها الذكريات التي تجعل من أمي أمي.
وفي "ركب من شبه لهم" قال زياد العناني في تكثيف للأحزان:
كأن لا شاعر بلا شر يتبعه
كأن بي حزن من خرجوا من الحرب
وحزن من عادوا إليها
كأنني الزلزال حين يضحك من علوم الهندسة
كأنني طبق صورته
كأنني بت أنفخ وأطرح كل مهاراتي في ليل الأرض
لكي تبكي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
لكني كتبت الأشجار بالخطأ.. ديوان جديد للشاعر نجوان درويش
"لكني كتبت الأشجار بالخطأ" هو عنوان الديوان التاسع للشاعر الفلسطيني نجوان درويش، وقد صدر حديثا عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت و"دار الفيل" في القدس، اللتين نشرتا في السنوات الأخيرة مجموعة من أعمال الشاعر، مثل: "كلما اقتربت من عاصفة" (2018) و"تعب المعلقون" (2018)، و"استيقظنا مرة في الجنة" (2020)، و"كرسي على سور عكا" (2021). وكانت "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" قد أصدرت أولى مجموعات الشاعر قبل ربع قرن بعنوان "كان يدق الباب الأخير" عام 2000.
في 168 صفحة من القطع المتوسط، تضم المجموعة الشعرية الجديدة 112 قصيدة موزعة على 7 فصول حملت العناوين: "تعب من المشي في البرزخ"، و"لا أحد يركب الليلة إلى نجران"، و"دفوف تجيء من البعيد"، و"ولسنا متأكدين حتى من أنها سفينة"، و"أخاطبكم كزملاء سابقين" ، و"ترك أثرا في الرمال"، و"في يدي آخر قناع وسأرتديه".
يفتتح الفصل المعنون بـ "تعب من المشي في البرزخ" الديوان بمشهد بحري لمدينة حيفا المحتلة:
أحلم مرات أن تصير أمواج بحر حيفا
كثبانا زرقاء
وأن يأتي منها جمال لا عمر له
يسحب خلفه الأيام
يقف قليلا تحت نافذتي
لأناوله كل ما ادخر العرب عندي
من مطالع قصائد لم تقل وحروب لم تنته
أناوله كل حبهم اليائس…
نقرأ في هذا الفصل مشهد المدينة العربية الواقعة بين المتوسط وجبل الكرمل، إذ تتنقل معظم قصائد الديوان بين مدن الساحل الفلسطيني ومدينة القدس، حيث يلمح الشاعر "صهاينة صغارا يؤدون أدوار لصوص يمثلون أنهم صهاينة، صغار حتى أني لا أراهم". فالشاعر لا يعترف بالواقع الاستعماري ومسمياته وفلسطين من نهرها إلى بحرها أرض عربية محتلة تستند، رغم كل ما يجري اليوم، على إرث ممتد من المقاومة والتحرر.
وتتمثل وظيفة الشعر في هذه المجموعة كما في أعمال نجوان درويش السابقة في تحرير المكان والمخيلة بأدوات الشعر، وكأنما الشاعر مؤرخ آخر يقدم مرافعته الجمالية في مواجهة العنف الاستعماري وأكاذيبه وجميع أشكال الهيمنة والاستبداد.
في الفصل الثاني "لا أحد يركب الليلة إلى نجران" تتنقل المشاهد الشعرية بين المنفى العراقي ومشهد قصف اليمن وذاكرة شاميي مصر، في حركة أفقية وعمودية، في الراهن والتاريخ معا.
في قصيدة بعنوان "تعليق تحت لوحة لمحمود صبري" يخاطب الشاعر الرسام العراقي المولود في بغداد عام 1927 والمتوفى في المنفى عام 2012:
نساء بألوان الحداد يخرجن
من لوحتك
ويتوزعن الأرائك في غرفتي
طالما لمحت وجوههن
في أيقونات "الجمعة الحزينة"
وفي ارتفاعات اللون
وهو يجرف العويل الصامت بين مدينتين
يمكن أن تكونا القدس وبغداد
أو أي أختين ولدتا تحت كوكب زحل
قبل أن ينتهي الفصل بقصيدة بعنوان "بورتريه لبديعة مصابني في شتورة" تستعيد بديعة مصابني (1892-1974)، الفنانة الاستعراضية السورية اللبنانية الرائدة، التي بعد شهرة كبيرة في القاهرة عادت إلى قريتها اللبنانية شتورة، في قضاء زحلة، لتصبح صاحبة دكان في آخر عقدين من حياتها.
في الفصل الثالث المعنون بـ"دفوف تجيء من البعيد"، نقرأ من قصيدة "ستشققه الأضواء":
قلت لها لا تفرطي في تذكر الأشجار
الأشجار لا تتذكر أحدا
انظري كيف يستظل بها الغزاة دون أن يخلعوا خوذاتهم
انظري كيف يدوسون ظلالها ببساطيرهم
الأشجار لا تتذكر غارسيها
ولا تكترث لقاطفيها
لم تتذكرني شجرة حين نفيت عن أرض أسلافي
والأشجار التي نمت تحتها طفولتي تتصرف الآن كأشجار أجنبية
قلت لها: لقد كفرت حتى بالأشجار
أما في الفصل الرابع المعنون بـ "ولسنا متأكدين حتى من أنها سفينة" نجد مجموعة من القصائد الشخصية القصيرة التي تشبه بعضها "التوقيعات"، نقرأ قصيدة "عن طفولتي":
إعلانولم أكن أسأل عن طفولتي
ولا عن أخبار المحكمة
هناك حيث رفعنا مرة دعوى
ضد الذين سرقوها
في الفصل الخامس "أخاطبكم كزملاء سابقين" نلحظ تجاور الموروثات الثقافية وقرب الشاعر من النص القرآني وكذلك من النص الإنجيلي في مقاربة معاصرة، سياسية وشخصية في آن. وفي قصيدة "مزمور" نقرأ:
هذا هو جسدي الذي يكسر
من أجلكم
لمغفرة ما لا يغتفر
هذا هو جسدي الذي يكسر
عبثا
ويكسر بددا
ولا ينوبه سوى أن يكسر
في الفصل السادس " ترك أثرا في الرمال"، يبدأ الفصل بقصيدة قصيرة بعنوان "في الأسر":
إن المرء في البداية أسير جسده
أسير هذا التراب الشاسع
وكل أسر بعده يهون
تليها 28 قصيدة شديدة التنوع في مواضيعها وتنقلاتها الزمانية والمكانية، من القصائد التي يتضمنها هذا الفصل: "تستيقظ في سفينة"، و"دفتر من دلهي"، و"معارضة قصيرة النفس لميمية ابن الفارض"، و"موت عابر في رام الله"، و"قصيدة منسية عن الصداقة" التي يقول فيها:
الطريق تكرج أمامنا
مثل خراف جبلية في الربيع القشيب
والأجراس ترن
في أعناق الخراف…
هذا أقصى ما يستطيعه إنسان
وأخيرا في الفصل السابع "في يدي آخر قناع وسأرتديه" ثمة 5 قصائد "آخر قناع" و"لا أحد" و"أغنية إلى جهنم" و"في أسكدار" و"إلى أن صرت رسالتي"، يكتب في الأخيرة:
أعيدوا الضياع الملوكي المذهب
بسواه لا يعود الطريد ملكا
وأنزلوها قليلا عن الصليب لترتاح
هذي المعلقة بين الجليل والقدس
التي نسميها بالظن بلادا
كنت كتبت لها في يفاعتي رسالة كانت تضيع ولا تصل
ومرت سنوات وأنا أحاول
إلى أن صرت رسالتي الضائعة
يذكر أن نجوان شاعر من مواليد مدينة القدس، من بين أعماله الشعرية "سأقف يوما" (2012) و"فبركة" (2013) و"لست شاعرا في غرناطة" (2018)، و"كلما اقتربت من عاصفة" (2018) و"تعب المعلقون" (2018)، و"استيقظنا مرة في الجنة" (2020)، و"كرسي على سور عكا" (2021)، و"لكني كتبت الأشجار بالخطأ" (2025)، وترجمت مجموعة من دواوينه إلى أكثر من 20 لغة وحققت إشادة نقدية واسعة، وآخرها بالإنجليزية كتاب بعنوان "لا أحد يعرفك غدا.. مختارات شعرية 2014-2024" عن "منشورات جامعة ييل" الأميركية بترجمة وتقديم الكاتب والمترجم الأميركي المصري كريم جيمس أبو زيد.
والكتاب وصل حاليا إلى القائمة النهائية لجائزة "أفضل كتاب شعري مترجم" إلى الإنجليزية التي تمنحها مؤسسة "بي إي إن" الأميركية، وإلى القائمة النهائية لجائزة Big Other Book Award، ووصفته جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية بأنه "رؤية صادقة ومجردة للحرب وارتداداتها: الخوف والرعب والاجتثاث والمنفى".
إعلانوبحسب مقالة للناقد عيسى بلاطه (1927-2019) مؤلف كتاب "بدر شاكر السياب.. حياته وشعره"(1971)، نشرها عام 2015 في مجلة World Literature Today فإن "شعر نجوان درويش يمثل تغييرا يحتفى به في الكتابة الشعرية العربية"، وهو بحسب "مركز ترجمة الشعر" في لندن "صوت أساسي في الأدب العربي المعاصر".
سبق لأعمال نجوان درويش الشعرية أن نالت تكريمات وجوائز عالمية عديدة، من أبرزها: "الجائزة الكبرى للشعر الأجنبي" في فرنسا عام 2024، و"جائزة تشيلنتو الدولية للشعر" في إيطاليا عام 2023، و"جائزة سارة ماغواير" في بريطانيا 2022.