يمن مونيتور:
2025-06-26@09:15:58 GMT

صراع البنوك المركزية في اليمن.. من يفوز؟!

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

صراع البنوك المركزية في اليمن.. من يفوز؟!

في عالم الاقتصاد، لا يمكن تجاهل العلاقات الدولية وتأثيراتها العابرة للحدود. وفي اليمن، يتجلى هذا التأثير بشكل واضح من خلال الصراع بين البنك المركزي في عدن، المعترف به دولياً، والبنك المركزي في صنعاء، غير المعترف به دولياً. هذا الصراع ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد اليمني وعلى حياة المواطنين في كلا المنطقتين.

البنك المركزي في عدن أصدر قراراً بإيقاف التعامل مع عدد من البنوك التي لم تلتزم بقراراته، بالإضافة إلى قرار بسحب العملة القديمة من السوق. يهدف هذا البنك إلى نقل المقرات الرئيسية للبنوك التي تعمل في صنعاء إلى عدن، بحيث تصبح العمليات المالية تحت مراقبته، وتتحول البنوك في صنعاء إلى مجرد فروع وتبقى ودائع العملاء كما هي.

في المقابل، أصدر البنك المركزي في صنعاء قرارات مماثلة، منها إيقاف التعامل مع البنوك التي لم تلتزم بتوجيهاته، وقرار بعدم التعامل مع العملة الجديدة التي أصدرها بنك عدن.

التحديات

كل من البنكين يواجه تحديات كبيرة:

– بنك صنعاء يعاني من نفاذ السيولة والركود الاقتصادي في جميع القطاعات، لكنه نجح في الحفاظ على استقرار أسعار الصرف.

– بنك عدن، المعترف به دولياً، يعاني من تدهور القوة الشرائية للنقود بسبب تدهور أسعار الصرف، مما أدى إلى تضخم اقتصادي (ارتفاع الأسعار)، رغم وجود حركة شرائية نسبية.

التأثير على المواطنين في حال انتصار بنك صنعاء

إذا انتصر بنك صنعاء، فإن الوضع لن يتغير كثيراً بالنسبة للمواطنين في الجنوب، الذين اعتادوا على تدهور سعر العملة المحلية وتأثيره السلبي منذ سنوات. وفي الشمال، لن يكون هناك تأثير إيجابي كبير، إذ أن المواطنين يعانون من عدم صرف الرواتب وركود النشاط الاقتصادي.

التأثير على المواطنين في حال انتصار بنك عدن

من المتوقع أن ينتصر بنك عدن، لأنه ينوي استخدام شرعيته الدولية لإخراج البنوك الرافضة لقراراته من نظام “السويفت” الدولي، ومستفيدا من تغير نظرة العالم لحكومة صنعاء بسبب أحداث البحر الأحمر. هذا الاستبعاد سيُحرم هذه البنوك من التعامل مع البنوك الدولية بتهمة العمل مع “منظمات إرهابية”. هذا سيؤدي إلى تدهور سمعة هذه البنوك وتحولها إلى بنوك ادخار محلية فقط. وستضطر البنوك والمواطنون في صنعاء للتعامل مع البنوك في عدن لتنفيذ تعاملاتهم الدولية، مما سينقل العملة الأجنبية إلى عدن ويؤدي إلى تحسن سعر العملة المحلية هناك. بالتالي، ستتحسن القوة الشرائية للمواطنين في عدن وما حولها نسبيا. ويبقى مستقبل العملة المحلية في صنعاء مجهولا، لأن بنك عدن أصدر قرارا يوحي بأنه سيتم إيقاف التعامل مع عملة صنعاء بعد 60 يوما.

من الناحية الاقتصادية، يمكن القول إن كلا الطرفين غارقان في مشاكل كبيرة، إلا أن بنك عدن يمتلك ميزة الاعتراف الدولي، مما يمنحه قدرة أكبر على التأثير على الساحة المالية الدولية. إذا تمكن بنك عدن من فرض سيطرته، فإن ذلك قد يؤدي إلى تحسن ملحوظ في الوضع الاقتصادي في الجنوب، مع احتمال استمرار التدهور في الشمال.

عموما، الصراع بين البنكين المركزيين في اليمن يعكس واقعاً معقداً من التحديات الاقتصادية والسياسية. وفي حين أن كل من البنكين يواجه صعوبات جمة، فإن القدرة على الاستفادة من الشرعية الدولية قد تكون العامل الحاسم في تحديد الفائز في هذا الصراع. وفي كل الأحوال، يبقى المواطن اليمني هو المتضرر الأكبر من هذا الصراع، بانتظار حلول جذرية تضع حداً لمعاناته الاقتصادية.

نظام السويفت (SWIFT)

نظام السويفت (SWIFT) هو شبكة دولية تُستخدم لإرسال واستقبال التعليمات المالية بين البنوك في جميع أنحاء العالم. يعتبر هذا النظام أساسياً للتعاملات المالية الدولية، ويخضع للحكومات المعترف بها دوليا من أجل اعتماد أو استبعاد البنوك فيه، وأي بنك يتم استبعاده من هذا النظام يواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ تعاملاته الدولية.

المهم أن مهلة بنك عدن للبنوك من أجل نقل مراكز عملياتها من صنعاء إلى عدن سوف تنتهي بعد غدٍ الأحد، ويبدو أن بنك عدن هذه المرة عازم على تنفيذ قراراته، ولديه تأييد حكومي ودولي واسع، ولن يتم التراجع عن القرارات أو تمديد المهلة، إلا إذا تدخل السعودية.

أتمنى أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق من أجل توحيد وتحييد النظام المصرفي من أجل تجنيب المواطن ويلات هذا الصراع… الأزمة طالت والناس تعبت.

مأرب الورد يكتب حرب سياسية بأدوات اقتصادية  قرارات المركزي اليمني الأخيرة.. حرب اقتصادية جديدة أم حزمة “إنقاذ شاملة؟

*نشرت أولاً في صفحة الكاتب على فيسبوك.

أحمد جبران1 يونيو، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام الأمم المتحدة تسحب بعثتها من العراق نهاية العام المقبل مقالات ذات صلة الأمم المتحدة تسحب بعثتها من العراق نهاية العام المقبل 31 مايو، 2024 حرب سياسية بأدوات اقتصادية  31 مايو، 2024 رداً على قرارات المركزي اليمني.. الحوثيون يحظرون التعامل مع البنوك الواقعة في مناطق الشرعية 31 مايو، 2024 عقوبات أوروبية على إيران بسبب دعمها للحوثيين بالصواريخ والمسيرات 31 مايو، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة بنكي عدن وصنعاء المركزيين: صراع الهيمنة 27 مايو، 2024 الأخبار الرئيسية رداً على قرارات المركزي اليمني.. الحوثيون يحظرون التعامل مع البنوك الواقعة في مناطق الشرعية 31 مايو، 2024 عقوبات أوروبية على إيران بسبب دعمها للحوثيين بالصواريخ والمسيرات 31 مايو، 2024 “الحوثي” تعلن مقتل 16 من عناصرها بغارات أمريكية بريطانية على الحديدة 31 مايو، 2024 ‏محافظ المركزي اليمني: أوقفنا التعاملات مع البنوك المحظورة بما في ذلك صرف المرتبات 31 مايو، 2024 الحوثيون يزعمون استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “إيزنهاور” بالبحر الأحمر 31 مايو، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لكم حرب سياسية بأدوات اقتصادية  31 مايو، 2024 بنكي عدن وصنعاء المركزيين: صراع الهيمنة 27 مايو، 2024 مداهمات منظمات المجتمع المدني في عدن 27 مايو، 2024 ما يعنيه وفاة الرئيس الإيراني لمحور المقاومة؟! 23 مايو، 2024 الوحدة ذاكرة الوطن وروحه 21 مايو، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 23 ℃ 28º - 20º 18% 6.05 كيلومتر/ساعة 28℃ السبت 29℃ الأحد 30℃ الأثنين 29℃ الثلاثاء 30℃ الأربعاء تصفح إيضاً صراع البنوك المركزية في اليمن.. من يفوز؟! 1 يونيو، 2024 الأمم المتحدة تسحب بعثتها من العراق نهاية العام المقبل 31 مايو، 2024 الأقسام أخبار محلية 26٬686 غير مصنف 24٬158 الأخبار الرئيسية 13٬536 اخترنا لكم 6٬770 عربي ودولي 6٬477 رياضة 2٬209 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬128 كتابات خاصة 2٬033 منوعات 1٬913 مجتمع 1٬796 تراجم وتحليلات 1٬627 تقارير 1٬538 صحافة 1٬466 آراء ومواقف 1٬450 ميديا 1٬327 حقوق وحريات 1٬268 فكر وثقافة 863 تفاعل 786 فنون 465 الأرصاد 238 أخبار محلية 131 بورتريه 63 كاريكاتير 29 صورة وخبر 26 اخترنا لكم 13 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين 19 يوليو، 2022 تامر حسني يثير جدل المصريين وسخرية اليمنيين.. هل توجد دور سينما في اليمن! 27 سبتمبر، 2023 “الحوثي” يستفرد بالسلطة كليا في صنعاء ويعلن عن تغييرات لا تشمل شركائه من المؤتمر أخر التعليقات yahya Sareea

What’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...

Tarek El Noamany

الله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...

Tarek El Noamany

الله يصلح الاحوال...

Fathi Ali Alfaqeeh

الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...

راي ااخر

ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: التعامل مع البنوک البنک المرکزی فی المرکزی الیمنی هذا الصراع صنعاء إلى البنوک فی فی صنعاء فی الیمن بنک عدن من أجل فی عدن

إقرأ أيضاً:

صراع الهويّة في السجن: من أنت؟

حين تبحث عن اسمي، في محرّك بحث أو في ذهن أحدهم، لن تحتاج كثيرا من العناء لتجد علامتين بارزتين وُصمتُ بهما: "المجمع العلمي" و"الفلسطيني المجنّس"، لا حاجة لأكثر من هاتين الكلمتين لتُفتح ملفات مُعدة سلفا، وتُستخرج منها تُهم غير معلنة، تلقي بظلالها على مقال كتبته، أو منشور شاركت به، أو فعالية ظهرت فيها، لا تُناقَش الحجة، أو يُعاد النظر لما جرى، أو يفتّش عن حقيقة، بل فقط تُستنطق الوصمة (التي هي أنت).

حتى من يُفترض بهم الوعي، من صحافيين ومثقفين ورفاق، يتناولون هذه العلامات كمسلّمات، لا يسألون من أين جاءت، ولا يكلفون أنفسهم عناء الشك في أصلها، أو التحقّق منها، يكملون الرواية في أذهانهم كأنها فصول ناقصة في سيناريو يعرفونه جيّدا، دون أن يتوقفوا لحظة ليسألوا: من كتب هذا السيناريو أصلا؟ ولماذا؟

ما يُوجع في الأمر ليس فقط اختلاق الرواية، بل استسهال تصديقها، السلطة أنتجت صورة وروّجتها، ثم جلست تراقب كيف يُعيد الناس إنتاجها بحماسة، والإضافة إليها بما يتّفق مع أمنياتهم أو تصوّراتهم الشخصيّة عن الحدث أو صاحبه، لا لأنهم يملكون دليلا، بل لأن الرواية الرسمية تُريحهم، تجهّز لهم خصما بلا لزوم للتفكير، لا تصطدمهم بالمسؤولية، بل تمنحهم "نسخة جاهزة" عنك، كافية للهجوم أو الإقصاء.

من هنا تبدأ فخاخ الهوية: ليست حربا على ما تفعل، بل على ما تكون، ليست معركة رأي، بل هندسة متعمّدة للمعنى، تفخيخ الهوية ليس بتكميم الأفواه فقط، بل بإعادة تشكيل الصوت؛ فالقمع الحديث لا يُسكتك (وإن كان بعضه يفعل) بل يتكلّم باسمك.

الهويّة المفخّخة: صورتك التي صنعتها السلطة

ليست الهويّة في السجن تراكما حرّا لخبراتك وذكرياتك وعلاقاتك، بل مشروع هندسة قسرية، تُساق إليه، لا لتُعرّف به، بل لتُدان من خلاله؛ فالسلطة، وقد جرّدتك من الجسد والحيّز والقرار، لا تكتفي بتجميد وجودك، بل تعمل بدأب على إعادة تشكيل صورة هذا الوجود، وفق تصوّرها هي، تُعيد إنتاجك ككائن مشوَّه، لا يتكلّم بلسان ذاته، بل بلسان الإدانة السابق سكّها، لا يُرى إلا من خلال مرآتها المهشم التي تشظيك في كل نظر، إذ لا مكان فيها لتعقيدك الإنسانيّ ولا لحريّتك؛ لا مكان فيها لك.

الهويّة المفخخة ليست مجرّد "اتهام"، بل عملية مركبة من التجريد والتشويه، تُصنع في غرف المخابرات وصفحات التقارير ومقاطع الفيديو المجتزأة والمعدّة بإتقان، ثم تُوزّع على المجتمع كحقيقة راسخة، لا تحتاج إلى دليل، لأنّ الصورة باتت أوضح من الحقيقة نفسها، هكذا يُصبح اسمك مشحونا بكثافة رمزية خطرة: لا يُذكر إلا مسبوقا بلعنة أو لاحقا بتحذير، لا يَصل إلا وقد انفجر في وجه من يلفظه، كما لو أنّ ذاتك لغم ينتظر من يطأه لينفجر.

في هذا السياق، لا تُبنى الهوية لتكون مرآة للذات، بل لتصير قيدا لها، يجرّها إلى المساءلة والتجريم أو في أحسن الأحوال إلى النفي والتجاهل، وتلك هي المعضلة: أن يسبقك تمثيلك إلى الناس، وتغدو مضطرا إلى الدفاع عن نفسك أمام صورة لم تصنعها، لكنها تتحدث باسمك، وهو ما يرسّخها ولو نفيا، ستظلّ تدور حولها إلى ما لا نهاية، وهذا بالضبط مقصد السلطة حين صنعتها وأنتَ محيّدٌ مقيّدٌ في سجنك.

الهويّة المفروضة والمستعادة

ما بين الهوية المفروضة والهوية المستعادة تماما كما بين أن تُرى وأن تُبصِر نفسك؛ الهوية المفروضة تُبنى خارجك، وتُسلّط عليك، تُنتجها أجهزة السلطة والإعلام واللغة الأمنية، وتُضخّ في الوعي الجمعي حتى تتصلّب كحقيقة، بينما أنت محجوب، غير مسموع، لا صوت لك في تعريف ذاتك أو إنتاجها.

الهويّة المستعادة، في المقابل، فعل مقاومة، ليست استردادا لأرشيفٍ شخصيّ فحسب، بل نحتا للذات في مواجهة محاولات طمسها أو محوها، أن تستعيد هويّتك يعني أن تُعيد المعنى إلى جسدك المُصادَر، أن تُعيد صياغة سرديّتك بلسانك، أن تقلب التمثيل، بحيث لا تكون "ما يقولونه عنك" بل "ما تقوله أنت عن نفسك" أو -فقط- ما تكونه، وهذا الاسترداد، في ظروف القمع، ليس ترفا سرديّا، بل معركة وجود.

أدرك فوكو جيّدا كيف تمارس السلطة هيمنتها عبر "إنتاج الخطاب" لا فقط عبر الجدران، وأشار جرامشي إلى "الهيمنة الثقافية" التي تجعلك ترى نفسك بعين جلادك، وهو ما يجعل المقاومة -كما نفهمها- ليست مجرّد صراخ خارج النسق، بل تخريبا حثيثا له من داخله: أن تكتب، أن تتكلّم، أن تُعيد المعنى إلى اللغة التي صادرَتْك، وأن تكشف المفارقة التي فيها يُفرض عليك أن "تُشرح نفسك" للعالم وأنت مقيّدٌ بسلاسل لغته.

كيف تُفخّخ الهوية؟

تُفخّخ الهوية حين يُجتزأ السياق، ويُختزل الفرد إلى سطر في تقرير، أو إلى لقطة في فيديو، أو إلى لقب يُساق بلا اسم، استحقارا أو استهزاء، يبدأ التفخيخ بإعادة تعريفك من الخارج: لا بصفتك شخصا، بل بوصفك تهمة، تخرج من حيّز الإنسانية إلى حيّز التصنيف الأمني، والوصمة الإعلاميّة (الأمنيّة هي الأخرى)، يتمّ اختزال تعقيدك الإنساني إلى عدد من الكلمات المفخخة: "ناشط"، "مثير للشغب"، "محرض"، "إخواني"، "إرهابي".. هذه الكلمات ليست مجرّد توصيفات بل قنابل لغوية أنت ضحيّتها الوحيدة، و -ربّما- وعي الناس في مرتبة تالية.

يعمل الإعلام، هنا، كذراع روائي للسلطة، لا يُخبرك بما حدث، بل يُملي عليك كيف ينبغي أن تراه، يخلق حبكة درامية مشحونة ضدك، ويُعيد ترتيب الوقائع لتتلاءم مع السيناريو، لا يعود الناس يرونك، بل يرون صورة مشبعة أنت فيها كائن مفترَض لا يشبهك، وهكذا تصبح الهوية قنبلة موقوتة؛ كل من يتعاطف معك، مشتبهٌ به، وكل من يشكّك في روايتهم، سيُدان بالتبعية.

القاموس الأمني وتمثيل المعتقل

في قلب هذه اللعبة، يقف القاموس الأمني، لا كوسيلة بل كسلطة، هو لا ينقل بل يُشكّل، يصوغ الشخص كتهديد قبل أن يكون بشرا، يُعيد تعريفه كمشكلة ينبغي احتواؤها، يُفرغ الكلمات من دلالاتها الحيّة، ويملؤها بإشارات مشروطة بالخطر، في خطابهم، لا يُذكر اسم الأسير إلا محمولا على احتمالات الجريمة، أو على هامش الاتهام.

لكن الأخطر من ذلك أن تُصبح هذه اللغة متداولة، يتبنّاها المجتمع بغير وعي، ويتحوّل التمثيل الأمني إلى تمثيل ثقافي، كما لو أنّك لم تُعتقل بسبب موقفك، بل لأنّك -بطبيعتك- خطر، فيغدو الدفاع عنك عبئا، وذكر اسمك مكلفا، ويصير من الأسهل للجميع أن يصمتوا، أو أن يُسلّموا بأن ما جرى لك وجيه؛ إذ "لا دخان بلا نار".

في استعادة المعنى

من هنا تبدأ الكتابة كفعل استرداد: ليست مجرد شهادة، بل بناء مضادّ، تكتب لا لتُخبر فقط، بل لتُفكّك ما صيغ ضدك، كل جملة تكتبها هي عودة إلى نفسك، وإعادة رسم لمعالمها خارج إطار الاتهام، تكتب لتقول: هذا أنا، لا ما كتبوه عني، ولا ما أرادوني أن أكونه، في لحظة استرداد الهوية، لا تعود الضحية تهمة، بل شاهدا أو شهادة، لا يعود الأسير رقما، بل راويا ورواية، وهذا هو جوهر المعركة: ألّا تدعهم يتحدثون نيابة عنك، ألّا تترك صورتك في أيديهم. إنّ الهويّة، كما قال بول ريكور، ليست معطى ثابتا، بل سردية مستمرة.

في السجن، يحاولون إنهاء السرد، تجميده، تفخيخه، لكنك تستمرّ، أو عليك أن تستمرّ، والكتابة هي طريقتك في الاستمرار: أن تروي، أن تُعيد ترتيب المعنى، أن تقول: "أنا من يكتبني، لا أنتم" وهكذا، لا تكتفي المقاومة بأن تكون رفضا للقيد (وتخلّصا لوجود القيد كمادة وكفكرة)، بل تُصبح سبيلا لاستعادة الذات من بين الحطام، لا لتعود كما كانت، بل كما ينبغي أن تكون: شاهدة، حيّة، وذات معنى لا تفتته كل حملات المحو.

مقالات مشابهة

  • جنرال أمريكي يعترف: اليمن تحول استراتيجي يقلق واشنطن ويقلب موازين الشرق الأوسط
  • بعد قرار البنك المركزي .. حد السحب اليومي من البنوك وماكينات ATM وإنستاباي
  • نيجيرفان بارزاني يهنئ أبو كاروان بانتخابه سكرتيراً للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني
  • «المركزي» يلزم البنوك بإضافة 65 سلعة للقواعد الخاصة بإحكام الرقابة على حصائل التصدير
  • شاب مسلم يفوز برئاسة بلدية نيويورك
  • البنوك المركزية الأفريقية تتجه لزيادة احتياطات الذهب لمواجهة التقلبات النقدية
  • أسعار الخضار والفواكة في السوق المركزية اليوم
  • صراع الهويّة في السجن: من أنت؟
  • إنتاج الغاز يتجاوز 22.7 مليار متر مكعب والنفط عند 149.1 مليون برميل حتى نهاية مايو
  • «المركزي» يوجه البنوك بوقف تحصيل رسوم إدارية عن السلع المستوردة مباشرة