المفوض العام للأونروا: إسرائيل قصفت مدرسة في غزة "دون سابق إنذار"
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
المفوض العام للأونروا: إسرائيل قصفت مدرسة في غزة "دون سابق إنذار".
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
مدرسة الأمانة في مسقط.. من التبشير إلى التعايش
أنور الخنجري
حينما بدأت البعثة التبشيرية الأمريكية عملها في مسقط أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن التعليم سوى وسيلة من وسائلها لتثبيت النفوذ وبسط التأثير الثقافي والديني، وبذلك، يُنسب إليها إنشاء أول مدرسة "حديثة" في البلاد عام 1893 على يد القس بيتر زويمر، أول راعٍ للكنيسة في مسقط، والمسؤول الأول عن البعثة هناك، وهو شقيق المبشّر المعروف صموئيل زويمر. لقد جاء هذا الجهد التعليمي متزامنًا مع سعي البعثة لترسيخ حضورها الديني والمجتمعي، من خلال الدخول في نقاشات عقائدية في الأسواق والقرى، وبيع نسخ "الإنجيل" عبر مكتبة عُرفت باسم "مكتبة الكتاب المقدس"، وكانت في السوق الداخلي بمسقط. شكّلت هذه المكتبة آنذاك، بالإضافة إلى مستشفيات البعثة في مسقط ومطرح لاحقًا، منبرًا للحوار بين السكان المحليين والمبشرين الأجانب الذين تعاقبوا على إدارة البعثة في مسقط، وعلى رأسهم القس زويمر وآخرين مثل جيمس كانتين، وديكاسترا، وكابنجا وغيرهم.
ومع مرور الزمن، تحوّلت هذه الجهود إلى إنشاء مدرسة داخلية لإيواء أبناء العبيد المحررين والتي تحولت لاحقًا إلى صرحٍ تعليمي معروف باسم "مدرسة الأمانة"، قبل أن تأخذ منعطفًا جديدًا في الثمانينيات، لتتحوّل إلى مؤسسة معنية بحوار الأديان. في هذا المقال، نسلط الضوء على هذه الرحلة الطويلة التي تتقاطع فيها السياسة والدين والتعليم والمجتمع، في قلب العاصمة العمانية – مسقط.
حملت المدرسة في بداياتها اسم "مدرسة أولاد الرقيق المحررين"، إذ استُقبل فيها ثمانية عشر طفلًا تم تحريرهم من مركبين شراعيين قبالة سواحل صور بواسطة فرقاطة بريطانية تابعة للبحرية الملكية. تراوحت أعمار هؤلاء الصبية بين السابعة والثالثة عشرة، ووُضعوا مؤقتًا تحت رعاية القنصل البريطاني والوكيل السياسي في مسقط الكابتن ف. و. بيفيل، الذي سرعان ما اعتبر الأمر عبئًا على القنصلية. وهكذا توصّل إلى اتفاق مع القس بيتر زويمر لإيوائهم وإعدادهم للحياة حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة.
طلب زويمر موافقة مجلس أمناء البعثة في نيويورك، الذي وافق على تأسيس المدرسة بشرط أن تبقى مؤقتة وألا تستقبل مزيدًا من الأطفال المحررين، الأمر الذي أثار حفيظة القس زويمر الذي عبر عن خيبة أمله من قرار المجلس الرافض لإيواء خمسين صبيًا إضافيًا تم تحريرهم في نفس العام، وبسبب ذلك، نُقل هؤلاء الأطفال إلى مؤسسات في مومباي، وهو ما وصفه زويمر لاحقًا بخطوة غير موفقة عرقلت جهود البعثة وخططها، إلا أن هذا الشرط عُدّل لاحقًا قبيل وفاة زويمر عام 1898، وبالتالي سمح للمدرسة الاستمرار في جهودها التعليمية.
عُرفت المدرسة آنذاك باسم "مدرسة بيتر زويمر"، وسعى مؤسسها إلى تزويد طلابه بالمهارات التي تتيح لهم حياة مستقلة وكريمة بعد التخرج. ورغم أن التعليم بدأ باللغة الإنجليزية، إلا أن افتقار الطلبة إلى المهارات الأساسية، بما في ذلك اللغة العربية، شكّل تحديًا كبيرًا، إذ كان يُفترض بهم التفاعل مع البيئة العربية المحيطة. ومع ذلك، تشير بعض تقارير البعثة إلى تهميش واضح للغة العربية لصالح الإنجليزية، التي اختيرت لغةً للتدريس بهدف عزل الطلاب عن الثقافة والمعتقدات الإسلامية السائدة.
بعد وفاة زويمر بثلاث سنوات، أُغلقت المدرسة، ووزّع معظم طلابها على منازل محلية أو التحقوا بمحطات البعثة المختلفة. وفي عام 1904، أُعيد افتتاحها كمدرسة نهارية بعد أن كانت داخلية. ثم أُغلقت مجددًا عام 1931 بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، قبل أن يُعاد افتتاحها عام 1939 باسم "مدرسة بيتر زويمر التذكارية"، والتي عُرفت محليًا أيضًا باسم "مدرسة البادري" (أي القس بالإنجليزية الأمريكية)، ثم لاحقًا باسم "مدرسة الأمانة"، وهو الاسم الذي احتفظت به حتى إغلاقها النهائي عام 1984.
إلى جانب هذه المدرسة، كانت هناك مدارس قرآنية تقليدية، ومدارس أهلية محدودة، أبرزها مدرسة الزواوي ومدرسة المعلم التونسي محمد علي بوذينة التي افتتحت في حي ولجات في مسقط عام 1914، ثم المدرسة السلطانية الأولى عام 1928، إلى أن جاء افتتاح المدرسة السعيدية عام 1940 في عهد السلطان سعيد بن تيمور، وأثّرت هذه المدارس بدورها على جهود البعثة في نشر التعليم المسيحي المنهجي. ورغم ذلك، استمرت "مدرسة الأمانة" في جذب عدد من أبناء مسقط ومطرح، معظمهم من أبناء العاملين في مستشفيات البعثة، وبعض أبناء الأعيان والجاليات. ومع أن المدرسة حافظت على حضورها، إلا أنها لم تنجح في تحقيق تأثير مجتمعي واسع مقارنة بما حققته المرافق الطبية أو مكتبة "الكتاب المقدس"، التي تغيّر اسمها لاحقًا إلى "مكتبة العائلة". ومع انطلاق النهضة العمانية عام 1970، وتأسيس المدارس الحكومية المجانية، فقدت المدرسة تدريجيًا جاذبيتها، إلى أن توقفت تمامًا في منتصف الثمانينيات.
بعد أكثر من 130 عامًا من التفاعل بين المجتمع العماني والبعثة التبشيرية في مدينتي مسقط ومطرح، وفي ضوء المتغيرات الثقافية والاجتماعية، تغيّر الدور التقليدي للمدرسة ليصبح أكثر تفاعلا وعالمية وأخذ يعمل منذ عام ١٩٨٧، تحت مسماه الجديد "مركز الأمانة" كمؤسسة معنية بنشر ثقافة التسامح والتآلف بين الأديان، وفي عام ٢٠٠١ تم تسجيله رسميًا كمؤسسة غير ربحية تعمل تحت إشراف رسمي لتعزيز الحوار والتعايش بين الأديان، وبناء جسور التواصل بين المسلمين والمسيحيين. يتخذ "مركز الأمانة" من المنزل القديم لطبيب مستشفى مطرح مقرًا له، في دلالة رمزية على انتقال المؤسسة من التبشير إلى التعايش.
وهكذا، تبقى قصة "مدرسة الأمانة" شاهدة على تحولات عميقة عاشتها مسقط، حيث تداخلت مشاريع التبشير مع حاجات التعليم والصحة، وتفاعل المجتمع المحلي معها بمزيج من القبول الحذر والمشاركة العملية. وبينما تغيّرت الأهداف وتبدّلت الأسماء عبر العقود، ظل الإرث الإنساني والتعليمي للمكان حاضرًا، لا بوصفه مجرد ذكرى تاريخية، بل كدرس حيّ في كيفية تحوّل المؤسسات من أدوات نفوذ إلى جسور للحوار والتفاهم في عالم يتّسع للجميع.