رواندا.. 96% من البالغين يستخدمون خدمات الدفع وإرسال الأموال هاتفيا
تاريخ النشر: 21st, June 2024 GMT
كيغالي- يلاحظ الزائر لرواندا قلة استخدام العملة النقدية في التعاملات اليومية، سواء في المتاجر والأسواق ووسائل النقل وتسديد الفواتير، بل وسداد المدفوعات للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وصولا إلى إجراء عمليات جراحية. إذ يمكن لأي شخص في رواندا دفع الأموال وتلقيها باستخدام الهاتف المحمول، حتى بنسخه غير الذكية، حيث تتيح شركات الاتصال العاملة في البلاد هذه الخدمة.
وتصب هذه الخدمات في إطار ما تسميها الحكومة "سياسة الشمولية المالية" التي أطلقتها عام 2018، واستهدفت الوصول إلى أوسع شريحة من السكان البالغين خلال 4 سنوات. وكشفت وزارة المالية، اليوم الخميس، عن نتائج دراسة أسهمت، في أحد أوجهها، بقياس مدى تحقيق الأهداف التي وضعتها والتي تتعلق بإدماج السكان بالنظام المالي.
وأصدرت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي نتائج الدراسة الاستقصائية لنطاق التمويل في البلاد (FinScope 2024). وتكمن أهمية الدراسة الجديدة، حسب الوزارة، في أنها الأولى بعد جائحة كوفيد-19، وتزامن إطلاقها أيضا مع إكمال مراحل "الإستراتيجية الوطنية لتنمية القطاع المالي"، حسب وزارة المالية.
وأظهرت الدراسة أن 96% من السكان البالغين أي قرابة 7.8 ملايين شخص باتوا قادرين على الوصول إلى منتجات وخدمات مالية تلبي احتياجاتهم، أي أنهم مستخدمون نشطون لخدمات الدفع وإرسال الأموال باستخدام تطبيقات الهواتف من دون استخدام العملة النقدية، أو المرور عبر المصارف التقليدية، وهي ما تعرف بالشمولية المالية، ارتفاعا من 93% عام 2020.
منتجات مالية غير مصرفيةوأبرز التقرير أن 92% من السكان البالغين يعتمدون على المنتجات والخدمات المالية الرسمية غير المصرفية "كالدفع عبر التطبيقات الإلكترونية" مقارنة بنحو75% عام 2020.
ويشير التقرير إلى أن قرابة 86% من السكان استخدموا خدمة إرسال الأموال عبر الهاتف المحمول في النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بنحو 30% عام 2020. ورغم ذلك، فإن النسبة المئوية للأفراد الذين يستخدمون المصارف التقليدية ظلت ثابتة عند 22% من السكان بين عامي 2020 و2024.
وتعليقا على نتائج الدراسة، قال وزير المالية والتخطيط الاقتصادي يوسف مورانغوا إن النتائج "تتماشى مع الخطة الإستراتيجية لتنمية القطاع المالي بين عامي 2018-2024".
بدوره، قال رئيس الحكومة الرواندي نغيرينتي إدوارد إن الحكومة نجحت في تقليص فجوة الشمول المالي لتقتصر على نحو 2% العام الحالي، وأكد أن الخطة الإستراتيجية لتنمية القطاع المالي تعد "أبرز أهداف التنمية المستدامة، ومحركا أساسيا للنمو الاقتصادي الذي يساعد على الحد من عدم المساواة في الدخل وتقليص معدلات الفقر".
الجائحة تعزز الدفع عبر المحمولخلال جائحة كوفيد-19، شجعت حكومات أفريقية سكانها على استخدام أنظمة الدفع عبر الهاتف للحد من انتشار الفيروس، وبنهاية عام 2023، شهدت القارة طفرة في شركات التكنولوجيا المالية بزيادة 17%. ونقلت بلومبيرغ أن كبريات شركات الاتصالات في القارة رفعت من معدلات استثمارها لتعزيز خدمات الدفع عبر الهاتف والمحافظ الرقمية.
وحسب تقرير صادر عن منظمة "جي إس إم إيه"، وهي مجموعة ضغط تمثل مصالح مشغلي شبكات الهاتف المحمول عالميا، ارتفعت قيمة التعاملات المالية عبر الهاتف في أفريقيا بنحو 12% لتسجل قرابة 919 مليار دولار، وارتفع حجم التعاملات بمعدل 28% أي بنحو 62 مليار دولار عام 2023.
وحسب التقرير، يمكن لاعتماد أنظمة الدفع عبر الهواتف المحمولة أن يؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، وأورد التقرير أن تداول الأموال عبر الهواتف في أفريقيا جنوب الصحراء وصل لنحو 3.7% من الناتج المجلي الإجمالي بقيمة 150 مليار دولار، مقارنة بقرابة 5.9% في شرق القارة أي قرابة 60 مليار دولار، و4.1% في غرب أفريقيا بنحو 70 مليار دولار، بنهاية عام 2022.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ملیار دولار عبر الهاتف من السکان الدفع عبر
إقرأ أيضاً:
السلام بين كيغالي وكينشاسا.. انفراج حاسم أم صفقة تقوض السيادة؟
قبل 5 أشهر فقط، ومن خلال منشور واحد على وسائل التواصل الاجتماعي، عرّض الرئيس الأميركي دونالد ترامب حياة نصف مليون شخص في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية للخطر، حين أعلن عن إغلاق وكالة التنمية الأميركية التي تعد أكبر جهة مانحة للمساعدات في البلاد.
ولكن قبل أيام فقط، في العاصمة الأميركية واشنطن، أعلنت الإدارة ذاتها عن نجاحها في إخراج الشعب الكونغولي من صراع دام استمر عقودا، وغالبا ما يُوصف بأنه الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية. ففي هذا العام وحده، قُتل آلاف الأشخاص، ونزح مئات الآلاف.
وبينما رحّبت واشنطن بالاتفاق واعتبرته "إنجازا دبلوماسيا"، فإنه ميدانيا تحيط به شكوك كثيرة بين السكان والمراقبين بشأن مدى جدواه وتأثيره الحقيقي.
يقول مايكل أوديامبو، خبير السلام في منظمة إيرين، إن الاتفاق لم يغيّر الكثير في حياة الناس العاديين في شرق الكونغو، حيث خسر آلاف النازحين سبل الوصول إلى المياه بعد قرار واشنطن خفض الدعم، مشيرًا إلى أن السكان ينتظرون أفعالًا ملموسة.
ويضيف أوديامبو أن حالة القلق تسود أوساط القاطنين بمناطق تسيطر عليها مجموعات مسلحة مثل إم23، خصوصا أن بعضهم ينظر إلى الدور الأميركي باعتباره تدخلا لفرض "سلام بالقوة"، يُخشى أن ينتهي بتجدد العنف تحت ذرائع اقتصادية.
وصف وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه ندهونغيريهي، الاتفاق بأنه "نقطة تحول" في مسار العلاقات بين البلدين، في حين رأت نظيرته الكونغولية، تيريز كاييكوامبا فاغنر، أن الاتفاق لا يمكنه محو الألم الذي خلفته سنوات الحرب، لكنه قد يمنح الناس شيئا من الأمان والكرامة والأمل.
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي رعى الاتفاق فقد اعتبر نفسه جديرا بالإشادة لدوره في جمع الطرفين، بل ذهب إلى حد القول إنه يستحق جائزة نوبل على هذا الإنجاز.
إعلانويقضي الاتفاق بانسحاب آلاف الجنود الروانديين من أراضي الكونغو خلال 3 أشهر، وتشكيل آلية تنسيق أمني مشترك خلال 30 يوما، إلى جانب إطلاق إطار للتكامل الاقتصادي الإقليمي في غضون 90 يوما.
كما يشمل بندا ينص على "تحييد" جماعة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي تضم عناصر متورطة في الإبادة الجماعية عام 1994.
وفي المقابل، تلتزم الكونغو بوقف دعمها المزعوم لهذه الجماعة، بينما تعهّدت رواندا بوقف دعمها لحركة إم23، رغم نفيها المتكرر لأي صلة بها.
مخاوف من تكرار التاريخومن أبرز النقاط المثيرة للجدل استبعاد حركة إم23 من الاتفاق، رغم سيطرتها على أجزاء واسعة من شمال كيفو وجنوبها. ويرى مراقبون أن غيابها قد يحد من فرص تحقيق تهدئة شاملة.
ويرى أوديامبو أن بند نزع سلاح "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" قد يسبب تصدعات في الاتفاق بالمستقبل، بينما تعزز إم23 موقفها بالسيطرة على مدن إستراتيجية.
لكن يرى المعلق السياسي الرواندي غاتيتي نيرينغبو روهوموليزا، في تصريح لقناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية، أن "هذه الصفقة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وليست متعلقة بحركة إم23، لأن الحركة قضية كونغولية ستُناقش في الدوحة"، مشيرا إلى أن الأولوية لكيغالي هي تحييد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، التي أسسها الهوتو ومرتبطة بمجازر التوتسي خلال حرب الإبادة في رواندا عام 1994.
وتشمل بنود الاتفاق المدعوم قطريا تشكيل آلية أمنية مشتركة خلال شهر واحد، وإنشاء إطار للتكامل الاقتصادي خلال 90 يوما، إضافة إلى تسهيل تفكيك "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، مقابل انسحاب رواندي مشروط.
بالنسبة لرواندا، فإن إثبات قدرتها على احتواء إم23 -وهو ما يشكك به العديد من المراقبين- قد يعيد تسليط الضوء على علاقات طالما نُظر إليها بعين الريبة.
أما كينشاسا، فستواجه اختبارا صعبا في تنفيذ بنود الاتفاق، خاصة مع ضعف قدرات الجيش الكونغولي، مما قد يُغذّي الرواية القائلة بأن الدولة "عاجزة عن فرض سيادتها".
في المقابل، يرى محللون أن حكومة الرئيس فيليكس تشيسيكيدي قد تستفيد سياسيا من الانفتاح الدولي الجديد، وسط تراجع في الاحتجاجات الشعبية واعتراف ضمني بأن الخيار العسكري بات غير مرجّح.
سلام أم استغلال؟لكن توقيت الاتفاق الذي تزامن مع استعداد الكونغو الديمقراطية لتوقيع صفقة تؤمّن المعادن مقابل الحماية الأميركية أثار تساؤلات بشأن ما إذا كان الأمن هو الهدف الحقيقي أم إن المصالح الاقتصادية هي المحرك الأساسي؛ إذ تأمل شركات أميركية في تسهيل الوصول إلى معادن حيوية كالذهب والكوبالت والليثيوم، وسط تنافس محتدم مع الصين في القارة الأفريقية.
ويعبّر منتقدون عن قلقهم من أن يكون الاتفاق "غطاء لاستغلال الموارد"، فقد أظهرت تقارير تخصيص كميات ضخمة من المعادن النادرة للشركات الأميركية.
وفي هذا الصدد، اعتبر الدكتور دينيس موكويغي، الحائز جائزة نوبل، أن الاتفاق "تنازل عن السيادة"، في حين ندد آخرون بتغييبه العدالة، محذرين من أن "السلام الحقيقي يبدأ بالمحاسبة".
إعلانويحذر مراقبون من أن إقصاء المجتمع المدني من مفاوضات الاتفاق يكرّس نمطا لطالما أخفق في إرساء سلام دائم.
وقال فافا تمبا، مؤسس منظمة "أنقذوا الكونغو"، إن الاتفاق يكرّس الإفلات من العقاب ويغيّب صوت الضحايا.
ورغم الترحيب الدولي، تبدو آمال الشارع الكونغولي محدودة، في انتظار ما إذا كان هذا الاتفاق بداية لتحول حقيقي، أم جولة جديدة من النزاع بثوب دبلوماسي مختلف.