سودانايل:
2025-05-24@19:07:58 GMT

تأمين تعليم الأطفال خلال فترات الحرب

تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT

د. أحمد جمعة صديق
يتطلب تأمين تعليم الأطفال خلال فترات الحرب في السودان نهجاً مبتكراً وجهوداً جبارة، حيث يعيق عدم الاستقرار والنزاعاتِ الحياةَ الطبيعيةً لهؤلاء الصغار. تتعدد التحديات وتشمل مخاوف السلامة البدنية والنفسية وندرة الموارد والصعوبات اللوجستية. ونريد في هذا المقال طرح بعض الأفكار والتي يمكن تنفيذها بموارد محدودة ولكنها ربما تؤثر بصورة كبيرة على مواصلة تعليم الأطفال في ظل هذه الظروف الاستثنائية في مناطق النزاع في السودان.


كثيراً ما يتعرض تعليم الأطفال خلال فترات الحرب لانقطاعات شديدة وهزات نفسية عظيمة، مما يحرمهم من حقهم الأساسي في التعلم والتطور الطبيعي النفسي والبايولوجي. وفي السودان، حيث تعدد النزاعات بصورة مستمرة، تزيد التحديات بسبب النزوح والفقر وتدمير البنية التحتية وفقدان الامن في المقام الأول. وعلى الرغم من هذه العقبات، فهناك استراتيجيات يمكن للعائلات والمجتمعات والمنظمات الإنسانية اتخاذها للتخفيف من أثر الحرب وضمان استمرارية تعليم الأطفال.
• سياق النزاع في السودان
شهد السودان نزاعات طويلة المدى، خاصة في مناطق مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. أدت هذه النزاعات إلى نزوح واسع، وتدمير المدارس، وعدم الاستقرار الاقتصادي، مما يجعل الوصول إلى التعليم تحدياُ كبيراً للأطفال. وفي هذه الحالات تواجه العائلات خيارات صعبة بين السلامة والتعليم، حيث يمكن أن يعرض إرسال الأطفال إلى المدارس في مناطق النزاع لكير من الأطفال.
• استراتيجيات الجهد الأدنى
1. المبادرات التعليمية المجتمعية
تعد إقامة المبادرات التعليمية المجتمعية أحد أكثر الاستراتيجيات فعالية، حيث تستخدم الموارد المجتمعية (المتاحة) مثل المساجد والمراكز الاجتماعية أو الصفوف المؤقتة لتقديم التعليم الأساسي للأطفال، فيمكن للمعلمين المتطوعين، الذين غالباً ما يكونون أعضاء في مثل هذه المجتمعات، تقديم الدروس في أماكن آمنة، مع تكييف المناهج حسب السياق المحلي. ومثال لذلك ما حدث في بعض مناطق دارفور، حيث تعاون كبار السن في المجتمع مع منظمات غير حكومية لإنشاء (مساحات) تعلم غير رسمية يتمكن للأطفال عبرها الوصول إلى التعليم الأساسي في القراءة والحساب، وهما أهم المهارات التعليمية في هذه المرحلة.
يعتبر تعليم الرياضيات والقراءة مهارات أساسية حيوية للأطفال لأسباب عدة يمكن تفصيلها في المقال القادم ان شاء الله، ولكنها بصورة عامة يزود تعليم الرياضيات والقراءة الأطفال بأدوات أساسية للنجاح الأكاديمي والتنمية الشخصية والتعلم مدى الحياة. وهذه المهارات لا تعد تحضيراً فقط للتعليم والمهن المستقبلية، بل تسهم أيضاً في نموهم الفكري العام وقدرتهم على التنقل في العالم بفعالية.

2. التعليم عبر الإذاعة
يتوافر البث الاذاعي علي شبكات الFM بمجهود يستطيع كثير من الناس الحصول عليه على ما يتوافر من اجهزة التفلونات النقالة ولو في حدها الادني . ويمكن ان توفر هذه الحيلة البسيطة وسيلة جيدة لايصال المهارات الاساسية في الرياضيات والقراءة. ويمكن للبث الإذاعي أن يكون أداة فعالة أيضاً لو توافر بشكل أوسع لتقديم الدروس للأطفال في مناطق النزاع حيث تكون المدارس الفعلية غير متوافرة أو غير آمنة.
كذلك يمكن بث المحتوى التعليمي في أوقات محددة، ويشمل مجموعة من المواضيع والمستويات الصفية باضافة الى قليل من المعلومات الجغرافية والتاريخية وشيئ من أساسيات العلوم. وكل هذه المهارات لا تتطلب الكثير من الجهد سوى صدق وحماس (الملقي والمتلقي) للعملية التعليمية.
وهذه الطريقة تتطلب موارد محدودة هي اداة الراديو والذي يمكن ان يتوافر على موجات الFM والتي يمكن أن تصل إلى جمهور واسع من الأطفال النازحين.. ومثال لذلك، فخلال الحرب الأهلية في جنوب السودان، استخدمت منظمة "التعليم فوق كل شيء" أجهزة الإذاعة العاملة بالطاقة الشمسية لبث برامج تعليمية، وصلت إلى آلاف الأطفال في المناطق النائية.
3. وحدات التعليم المتنقلة
يمكن استحداث وحدات تعليم متنقلة لايصال الحد الادني من التعليم (الحساب والقراءة) مباشرة إلى السكان النازحين أو المجتمعات النائية. تزود هذه الوحدات بمواد تعليمية وكتب وأحياناً اتصال بالإنترنت حيثما كان ذلك ممكناً. يمكن لمثل هذه الوحدات أن تتحرك مع السكان أثناء هجرتهم أو إعادة توطينهم بسبب النزاع، مما يضمن استمرارية تعليم الأطفال على الرغم من النزوح، في الحد الادني من المعارف والمهارات، ومثال لذلك ما نشرته يونيسيف من وحدات تعليم متنقلة في مناطق متأثرة بالنزاع في السودان للأطفال الذين لن يتمكنوا من الوصول إلى مصادر التعليم الرسمي .
4. لدعم النفسي الاجتماعي والمساحات الآمنة
يحتاج الأطفال المتأثرون بالحرب - في الغالب - إلى دعم نفسي إجتماعي للتعامل مع الصدمات والضغوطات الناتجة من الهزات العظيمة للحرب. يمكن أن توفر المساحات الآمنة، سواء داخل المجتمعات أو من خلال برامج متخصصة، بيئة تربوية تساعد الأطفال على التعلم والشفاء. ويساهم دمج الدعم النفسي الاجتماعي في البرامج التعليمية في تعافي الأطفال من التأثير النفسي للنزاع وتحسين قدرتهم على التركيز على التعلم، بتوفير مساحات صديقة للطفل في مخيمات اللاجئين، وتقديم أنشطة تعليمية إلى جانب الإرشاد والأنشطة الترفيهية.
5. تعزيز المرونة من خلال مشاركة الآباء والمجتمع
يعزز دور الآباء والمجتمعات في تعليم الأطفال المرونة والاستدامة. إذ يمكن أن يشارك الآباء في عمليات اتخاذ القرار بشأن التعليم على هذا المستوى (الطارئ)، مما يضمن تلبية احتياجات أطفالهم. يعزز امتلاك المجتمع للمبادرات التعليمية أيضاً استدامتها وفعاليتها في ظل النزاعات المستمرة. ومثال لذلك تشكيل لجان مجتمعية في مناطق النزاع في السودان للإشراف على البرامج التعليمية وضمان أن تلبي احتياجات السكان المحليين والحساسيات الثقافية.
ونخلص الى القول أنه رغم التحديات الهائلة في توفير تعليم مستقر مستدام خلال فترات الحرب في السودان، الا أن هناك استراتيجيات عملية وفعالة يمكن تنفيذها بموارد محدودة. تسهم المبادرات المجتمعية، والتعليم عبر الإذاعة، ووحدات التعليم المتنقلة- مع محدوديتها -والدعم النفسي الاجتماعي المستمر بأقل جهد، ومشاركة المجتمع في ضمان استمرارية تعليم الأطفال ونموهم على الرغم من التحديات التي يواجهونها. ومن خلال استغلال الموارد المحلية ومرونة المجتمع، تحمي هذه الجهود حق الأطفال في التعليم وتساهم في الاستقرار والتنمية على المدى الطويل في مناطق النزاع في السودان.

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: النزاع فی السودان فی مناطق النزاع تعلیم الأطفال یمکن أن

إقرأ أيضاً:

نهاية القتال في السودان… تجميد الحرب

توقّع مراقبون ومحلّلون كثيرون منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 أن نهاية الحرب ستكون بانتصار الجيش على قوات الدعم السريع. ورغم أن الحرب لم تنتهِ، حدث ما كان متوقّعاً؛ اعتبر الجيش تحرير كامل ولاية الخرطوم نهاية مرحلةٍ من الحرب. فاسترداد العاصمة، ودعوة سكّانها إلى العودة، شهادة نصر كُبرى لا يمكن أن يضيّعها عاقل، لكنّها شهاة النصر التي تُستغَّل لتطبيع واقع الحرب بعيداً من المركز.


تلقّت قوات الدعم السريع هزائمَ متتاليةً في جبل موية وسنّار وولاية الجزيرة، ثمّ العاصمة الخرطوم. كما تكرّر فشل اقتحامها مدينة الفاشر، التي بقيت تقاوم في ظروف إنسانية معقّدة، وسط انتهاكاتٍ لا تتوقّف من قوات الدعم السريع في حقّ المدنيين المحاصرين داخل المدينة. وظلّ السؤال منذ اليوم الأول للحرب (لدى من يدينونها) هو سؤال التكلفة. سينتصر الجيش النظامي على المليشيا، لكنّ المليشيا قادرة على أن تؤذيه وتؤذي المواطنين. قال العسكريون والمسؤولون في أيّامها الأولى إنها حرب سريعة.. ساعات.. أيّام.. أسابيع. وفي العام الثالث، الذي ما زالت الحرب فيه مشتعلةً، يُحدّثنا المؤيّدون للجيش عن الحرب العادلة التي تستحقّ أن تُخاض مهما كانت الخسائر (!).


ستصبح كلّ انتهاكات الحرب (من طرفيها) في أماكن سيطرة الجيش مجرّد ثمن كان لا بدّ من دفعه لأجل التحرير والانتصار. لن يُسمَح بأسئلة عمّن صنع المليشيا، لأنه ما زال يصنع المليشيات. لن يكون من المقبول أن تسأل عمّن مدّد المليشيا ومنحها حمايةَ المقرّات الاستراتيجية، لأنه ما زال في قمّة السلطة ويحتفل بنصره. ولا يجوز السؤال عن التقصير، فالمقصّر يستطيع أن يتّهمكَ بالخيانة.


إعلان النصر في الخرطوم (نصر كبير ومهمّ لرمزية العاصمة)، ولأنها كانت تضمّ نحو ربع سكّان السودان لتَركّز الخدمات فيها، يتجاهل الخسائر كلّها التي كان يمكن تفاديها لو أن حليفَي المجلس العسكري اللذَين ورثا نظام الرئيس عمر البشير معاً، ثمّ قتلا المتظاهرين والمحتجّين معاً، ثمّ مدّدا علاقاتهما الإقليمية والدولية معاً وانقلبا على الحكومة الانتقالية المدنية معاً... نقول، لو أن حليفَين بينهما تاريخ يرجع إلى حرب دارفور وانتهاكات الحكومة السودانية المتّهمة بالإبادة الجماعية توافقا، لما دفعت البلاد ثمناً غالياً لرغبات سلطوية لأصدقاء الإبادة الجماعية القدامى.


لكنّ تضارب مصالح الحليفَين جعل حربهما تتحوّل حرباً أهليةً يقاتل فيها السودانيون بعضهم بعضاً، وعمّقت بُعدها الإقليمي والدولي، إذ جعلت السودان أرض الفرص التي يتداعى لها الخصوم لاستنزاف بعضهم في أرض لا تعني لهم شيئاً. إنها الوصفة التقليدية للحروب الأهلية. وبرغم أن السودان خبير في هذه الحروب، إذ خاضها ضدّ نفسه منذ العام 1955 قبل استقلاله بأشهر، إلا أنه يكرّرها وهو ينكرها. فلم تعترف الأنظمة الحاكمة المتعاقبة (عسكرية ومدنية) بأن حربَ الجنوب حربٌ أهليةٌ، إنما عدّتها مجرّد "تمرّد عسكري" مدعوم إقليمياً ودولياً، ومن مجلس الكنائس العالمي. الحرب التي اعتبرها العالم كلّه أطول حربٍ أهليةٍ في أفريقيا لا نعترف في السودان بأنها حرب أهلية. أمّا حرب دارفور التي جعلت السودان يُعرف على المستوى العالمي بالإبادة الجماعية والتهجير القسري والعنف الجنسي وجرائم الحرب، فأصرّ نظام الحركة الإسلامية والجيش (حتى يومنا هذا) على إنكار أنها حرب أهلية، وإنما هي تمرّد مجموعات أفريقية مدعومة من الصهيونية لتكوين دولة الزغاوة الكبرى في إقليم دارفور ودولة تشاد (!).


وفي الحرب الأهلية الحالية، يواصل النظام العسكري السير في الطرق نفسها التي مشت فيها الأنظمة العسكرية السابقة؛ التركيز في الحسم العسكري؛ إنكار الحرب الأهلية؛ التركيز في البعد الخارجي؛ اتهامات العمالة؛ والحديث عن دولة العطاوة الكُبرى التي تجمع عرب أفريقيا. وعلى الجانب الآخر، فإن قوات الدعم السريع، المهزومة في العاصمة الخرطوم، أعلنت توقّف العمليات العسكرية لتتفرّغ لتأسيس الدولة. وهو إعلان خجول لوقف إطلاق النار من جانب واحد، رغم تهديدات المليشيا المتغطرسة في الأيّام السابقة. هذه الأحداث المتسارعة ربّما تعيد إلى الأذهان ما يتردّد منذ أسابيع عن تفاوض سرّي، وعن ترتيبات لتجميد وضع الحرب. لكن، ما سيؤكّد هذا (للأسف) سيكون الخبر السيئ بتكوين حكومة موازية في مناطق سيطرة "الدعم السريع"، التي تقلّصت إلى أقلّ من نصف ما كانت تسيطر عليه قبل عام.


ما لم يتغيّر اتجاه الريح، فإن الحرب السودانية ستتجمّد، ما لم يواصل الجيش تقدّمه ويستمرّ انهيار "الدعم السريع" (وهو احتمال وارد). لكن ما تتحدّث به دوائر السياسة يميل للتجميد، وهذا أمر سنعلم حقيقته خلال أيّام. ومع العجز إلا عن التمنّي، فإن المرء يتمنّى ألا يزداد وضع الحرب تعقيداً بإعلان حكومة موازية.


العربي الجديد


 

مقالات مشابهة

  • مستودعات الموت … من علي الكيماوي إلي البرهان الكيماوي !!
  • محاولة فهم ما يجري عندنا !
  • نهاية القتال في السودان… تجميد الحرب
  • السودان مهدد للسلم الإقليمي والعالمي
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • قوافل حجاج السودان تشق طريقها إلى مكة رغم الحرب
  • مسؤول أممي يحث طرفي النزاع في جنوب السودان على الابتعاد عن حافة الهاوية
  • هل الخرف يمكن أن يظهر لدى الأطفال؟.. دراسة جديدة تفجر مفاجأة
  • خمس دقائق فقط يوميًا… كيف يغيّر النشاط البدني دماغك للأفضل!
  • وكيل تعليم الإسكندرية يبحث وضع آليات لتوظيف خريجي التعليم الفني