طبول الوادي لعبة الثنائيات وعكاز الأضداد
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
تأتي رواية «طبول الوادي» لمحمود الرحبي الصادرة عن دار أوكسجين، (2023) في سياق اشتغاله فيما يمكن تسميته بـ«أدب الهامش»، واستكمالا لما بدأه في روايته السابقة (المموه)، والبحث عن أحلام البسطاء وأوجاعهم، وطرح أسئلة الإنسان المعاصر وهواجسه، الأسئلة البسيطة/ المعقدة؛ فطبول الوادي تذهب إلى هذه الأسئلة المقلقة لهذا الإنسان الحالم بحياة أخرى؛ حياة تُحرّك الماديات جوانبها وجريانها.
العتبة الأولى
العنوان يطرح في داخله تضادا، فالطبول تحيل على الضجيج، الطبول تهدر بالأصوات، وهذه الأصوات لها القدرة على تحريك الأجساد والأفكار والمشاعر، أما الوادي فيحيل على الهدوء، والسكون، فالأودية تسكن القلق والضجيج، وتمتص تعب الهاربين من ضجيج الحياة. فالعنوان يحمل الضدية، وهذه الضدية ضرورية لتحريك السرد وحياة الشخصيات، فسالم القادم من منطقة السكون إلى الضجيج، وزهران القادم من ضجيج التجربة، والذاهب إلى سكون الحياة.
جاءت الطبول بصيغة الجمع، وجاء الوادي بصيغة المفرد. أي وادٍ هذا الذي تقرع فيه طبول الأسئلة والهواجس؟ أهو وادي عدي أم وادي السحتن؟ هل تقرع الطبول في سكون القرى ورتابتها أم في ضجيج المدن وزيفها؟ هل يمتص الوادي ضجيج الطبول، أم تفجر الطبول سكون الوادي؟
كذلك يمكن أن نضع احتمالات للشخصيات: أهي طبول زهران التي كانت تقرع في وادي السحتن أم طبول سالم فوق سطوح وادي عدي؟
ظل العنوان متعلقا بالمبتدأ ـ دون أن يخبرنا- على ماذا تحيل هذه الطبول؟ فخبر الطبول غائب من العتبة الأولى، ولكن سيخبرنا المتن الروائي عن حال هذه الطبول وأحوالها؛ أهي طبول للفرح أم طبول للحرب؟ وهل كان سالم ولد الشيخ محسن قاتلا في هذه الحرب، (حرب غير مرئية) أم مقتولا؟
اللون الأزرق الذي احتل معظم مساحة غلاف الرواية، يحمل فوق رأسه بيوتا، وجزءا من مدينة تتلون بالبياض، صورة البيوت المتلاصقة والمتلاحمة تُشير إلى حقبة زمنية معيّنة، فللمعمار زمنه، فأجهزة التكيف المزروعة في الجدران، كشفت لنا أن زمن المعمار كان في حقبة التسعينات من القرن المنصرم، فهل تطابق زمن الغلاف مع زمن السرد؟ أم لكل شيء زمنه، وربما المكان الذي يشير إليه الغلاف هو مكان أحداث الرواية.
سؤال الحرية والخوف
طرحت الرواية في جوهرها سؤالا قديما/ جديدا/ متجددا، الحرية، وما تمثله هذه القيمة لدى الإنسان، وحدودها، ومظاهرها، فما نراه شيئا عاديا لدى شعب ما، وثقافة ما، سنجده شيئا صعب المنال لدى شعب آخر، وثقافة أخرى.
فالحرية من القيم التي شغلت الإنسان وأقلقته، ونُوقشت من الفلاسفة والمنظرين، وظلّت هذه القيمة تشغل وجدان الإنسان؛ لأن أعداءها كُثر، وهل الحرية ضرورة وجوديّة أم أنها ترف؟ هل تتحقق الحرية في مناخات الخوف؟ الحرية التي ينشدها سالم تختلط برغبة التمرد، التمرد النابع من البحث عن الملذات، فلحظة الزمن والمكان لم تساعد سالم للوصول إلى لحظة التمرد التي ينشدها، لحظة تمرد كانت ردة فعل للتعامل القاسي للأب، فالأب له منظوره الخاص في التربية، وسالم كانت له عوالمه الخاصة التي اصطدمت مع قسوة الأب؛ مما جعل هذا الاصطدام بين الحالتين/ العالمين يفجر صيرورة السرد، فالرصاصة الطائشة من بندقية الأب جعلت سالم يطير ويهرب إلى مكان لم يختره، فقط الصدفة هي من قادته، الصدفة اختارت المكان لسالم، ولكن الكاتب لم تحركه الصدفة في اختيار وادي عدي. فوادي عدي يمثل نقط التقاء عدة أعراق، مكان يكتظ بالبشر واللغات والمصائر، فالهارب من رصاصة الأب وجد نفسه في هذا الخليط العجيب.
حاولت رواية «طبول الوادي» أن تقترب فنًّا وسردًا من الأسئلة السابقة؟ متخذة من مكانين مختلفين جغرافيا للكشف عن تغير قيمة الحرية وأنساقها (وادي السحتن، ووادي عدي) بين ثنائية المدينة والقرية، وأداة الاختبار والكشف عن التدخين، فهذا الفعل كاد أن ينهي حياة بطل الرواية (سالم)، عندما كشفه والده، لم يكتف بالضرب المبرح، وقبل الضرب ورغبة القتل، كان تدخين سيجارة واحدة يُكلّف سالم الكثير من المتاعب والمشاق، أحيانا ينزل إلى بئر، أو يتسلق نخلة بعيدة، أو يصعد إلى كهف بعيد في أحد الجبال البعيدة. كل هذه المشاق والمتاعب من أجل سيجارة واحدة، فسالم المراهق، هو ابن شيخ القرية، فالأب يدرب ولده ليرث المشيخة. وهنا يكشف لنا سياقات السرد المضمرة، كيف تُتدَاوَل السلطة الاجتماعية في السياق الاجتماعي، وهذا يوضح لنا ما يحدث في السياقات الأخرى.
هنا يأتي دور الخوف، خوف سالم من كل شيء، من أهل القرية، من والده، فقيمة الحرية التي ينشدها سالم مختلة، فلا تستقيم قيمة الحرية مع الخوف، إلا أنه عندما هرب إلى المدينة خوفا من غضب الأب ورصاصته وجد الأمر مختلفا، فلا يحتاج إلى أن يصعد فوق نخلة طويلة، أو ينزل إلى بئر عميق، فالمدينة لها قانونها الخاص، تصهر كل أحد في عوالمها وشروطها الخاصة.
ربما يتساءل القارئ هنا: هل السيجارة هي المحرك لأفعال سالم ولد الشيخ؟ أم رغبته في التمرد على أعراف القرية والقبيلة؟ وهل يمتلك سالم هذا الوعي بالتمرد؟ وهل تستقيم قيمة الحرية مع سكاكين الخوف؟
أكان يعي ذلك أم لا، فهو وصل إلى وادي عدي ليلا، لا يعرف أحدا، ولا يملك مالا، وحافيا، وجائعا، لينام ليلته الأولى في مسجد، ويتلمس مظاهر المدينة، عندما وجد المسجد باردا، واقترب من جهاز التكيف.
في القرية كانت الحرية لدى سالم تضيق، ويتسع الخوف، هنا على أطراف المدينة في وادي عدي تغيرت المعادلة، اتسعت الحرية الشخصية، وضاق الخوف. فعل التحرر من الرقابة الاجتماعية والذاتية كان له الدور في قلب معادلة: الحرية/ الخوف. « قام أبي في صمت ـ بعد أن أكملَ استراحته ولهاثه ـ جهة سلاحٍ ناريّ مثبّت في الجدار، وفي تلك اللحظة أطلقتُ ساقيَّ للريح».
المدهش في لعبة المعادلات والثنائيات أن الخوف طارد سالم في القرية، رغم أنه بين عائلته، الخوف من الأب، الخوف من الآخرين، الخوف من الوشاية، وهذا الخوف تلاشى في وادي عدي، رغم أن أسباب الخوف متوفرة وبكرم، فهو جائع، ومشرد، لا يملك المال، ولا أي أوراق ثبوتية، إلا أنه ألف المكان، فلا مكان للغربة والاغتراب رغم صغر سنّه.
بالعودة إلى فضاء القرية، رغم أنه فضاء مفتوح، ويتبرع بكرم لسالم بأمكنة بعيدة ليمارس حريته الشخصية، إلا أن الخوف كان يحاصره ويقيده، وفي فضاء المدينة، رغم أنه ضيق، والبيوت متلاصقة، إلا أنه كان يمارس حريته بأريحية.
لم يكن فعل التدخين هو المحرك للسرد وتصاعده رغم ما يطفو في السياق العام للرواية، لكن في السياق المضمر ما يحرك السرد هو رغبة سالم في فهم المجتمع وتناقضاته، وفساد السلطة الاجتماعية، وأحوال الفقر لدى البسطاء. فعل التدخين كان مهمته فقط التحريض على الانتقال الإجباري إلى المدينة، ما يدلل على ذلك فعل المراقبة والتأمل، فكان سالم يراقب حركات عيسى المجنون في القرية، والتفاصيل الصغيرة، وفي وادي عدي كان يُراقب وجوه البشر، البيوت، النوافذ، الطرقات، العمال، النساء.
ثنائية الشخصيات:
تشترك الشخصيتان الرئيستان في الرواية في جوانب معينة، وتختلفان في جوانب أخرى، زهران وسالم يجمعهما المكان الواحد وادي عدي، والقادمان من منطقة الخطر، فزهران الناجي من مذابح شرق إفريقيا، وسالم السالم من رصاصة أبيه، تجتمع دوافع الهجرة، زهران الهارب من الموت في زنجبار، وسالم الهارب من الموت في وادي السحتن، وتختلف المصائر، فزهران يخطط للاستقرار والهدوء، أما سالم المراهق فيحلم بالانتقال من منطقة الهدوء والاستقرار إلى عوالم الاكتشاف والحرية وعدم الهدوء، ومن المنزلة الاجتماعية التي تضمن له الاستقرار والراحة، إلى منزلة أخرى يكتنفها التعب والشقاء والمغامرة. العمر والتجربة يحركان دوافع وطموح كل شخصية.
الشخصيتان اللتان جمعهما وادي عدي فرقتهما الأحلام، ونظرتهما للحياة، فسالم يذهب إلى المجهول دون بوصلة، فالعبثية والصدف هي التي تقود حياته، أهواء النفس هي المسيطرة للاكتشاف، أما الشخصية الأخرى زهران، فهو رجل منظم يحسب الخطوات جيدًا رغم الطفولة المعذبة في شرق إفريقيا، وغياب العائلة، إلا أنه خطط جيدًا لعمله في شركة النفط، وحدد المكان الذي يريد أن يسكنه، وحدد المدة التي يعمل بها، حتى زواج ابنته في وادي عدي كان مخططا له، ولأسباب يدركها جيدا، فما الذي يجمع بين إنسان وصل إلى مرحلة عالية من النضج والتخطيط، وبين مراهق تعصف به الحياة؟ إنها لعبة المتناقضات داخل النص الروائي. والتوازنات المختلة داخل الحياة.
زهران وجد الملاذ الأخير في حياته -قرية الخضراء- في وادي السحتن، ربما هذه القرية ما كان ينقص زهران، كأنها الطفولة المفقودة، في الجزيرة الخضراء في زنجبار كانت وسيلة الانتقال من المدينة إلى العاصمة بحيلة الطب الشعبي، بنى لنفسه سمعة طيبة، وفي المقابل كانت وسيلة الانتقال لسالم ـ كما ذكرنا سابقا ـ هي التدخين، وهنا نلحظ التقابل الخفي بين من يريد أن يساعد الآخرين بهدف الاندماج مع الجموع، ومن يريد أن يبحث عن ذاته بالهروب، فالمقابلة ليست في الجغرافيا وعمر الشخصيتين، ولكن في المسعى والحلم الذي تبحث عنه الشخصيتان.
رغم انهماك النص الروائي بالشخصيات الرئيسة، إلا أنه ذهب كذلك إلى شخصيات هامشيّة في النص وفي الحياة، فعيسى المجنون الذي عشق ابنة خاله، والذي كان يرسم قلبا مجروحا في الطين، ظل حاضرا في النص، ويشير بطريقة خفية إلى الظلم الاجتماعي، فعاتكة التي أحبها عيسى زوّجها أبوه بالوالي رغم صغر سنها، سُجِنَ عيسى، وخرج مجنونا من السجن، وظل يرسم قلوبا مجروحة بالظلم.
الهامشيون والمهمشون كان لهم نصيب في المدينة، كما كان لهم حضور في القرية، في وادي السحتن، فالعمال المتكدسون في الغرف الضيقة، وعمال البلدية الذين يجمعون ما يُرمى في قمامة القرم، وكذلك بائع الزلابيا (شبوت) جميعهم يعيشون على هامش المدينة التي تطحن أحلامهم وأعمارهم.
فالهامش ركيزة واضحة في الرواية، الشخصيات الهامشية التي لا تدّعي البطولة، الأمكنة الهامشية، القُرى الهامشية والمهمشة، حتى أحلام سالم كانت بسيطة وهامشية. يريد أن يترك المكانة الاجتماعية التي حاصرته الحياة بها، يترك المشيخة ليتفرغ لهوامش وادي عدي.
حمود سعود قاص وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی القریة إلا أنه یرید أن رغم أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
فيلم وادي الصدى: أم وابنتها في مواجهة عاصفة من الصراعات
تتجه الأفلام الأكثر واقعية الى معالجة العديد من الإشكاليات التي تقدم شخصيات هي بالفعل اقرب الى الواقع في طريقة تفكيرها او في أهدافها وعلاقاتها ورؤيتها التي تتجه بشكل أساس الى مخاطبة جمهور عريض ينشد هذا النوع من الأفلام والاحداث والشخصيات ولأنه نوع فيلمي قادر على محاكاة قصص تأتي من الحياة ومن الواقع وبذلك سوف تنطوي على عنصر يقربها من المصداقية ومن مسارات الحياة اليومية المعتادة.
وفي هذا السياق صرنا امام مسارات واقعية متنوعة من خلال ما قدمته السينما عبر تاريخها من منجز متنوع على الصعيد الواقعي بما جعل مساحة التجريب في هذا النوع الفيلمي واسعة وعريضة وتدفع باتجاه المزيد من المعالجات الفيلمية.
من هنا يمكننا النظر الى هذا الفيلم للمخرج مايكل بيرس ( له ثلاثة أفلام روائية طويلة قبل هذا الفيلم وهي المواجهة والوحش والشخص القادم) وحيث يشارك هذا المخرج في كتابة السيناريو وفي الإنتاج الى جانب المخرج المخضرم ريدلي سكوت ( اخرج اكثر من 20 فيلما روائيا طويلا حققت نجاحات كبيرة ومنها أفلام المصارع وبلطجية نيويورك و هانيبال وروبن هود ونابليون ومتسابق المتاهة وغيرها)، الفيلم يحاكي الواقع الى حد كبير من خلال قصة قريبة من الواقع مع محدودية في عدد الشخصيات.
يقدم الفيلم شخصية كيت – تؤدي الدور الممثلة البارعة جوليان مور المتربعة على بطولة عشرات الأفلام المتميزة، وهي امرأة تعيش وحيدة في مزرعة بعيدة مشغولة بتربية الخيل وتعيش من بعض المال الذي تحصل عليه من تدريب الصغار غالبا طريقة ركوب الخيل لكنها مرتبطة عاطفيا وبشدة بابنتها الوحيدة كلير – الممثلة سيدني سويني المبتلاة بالادمان في وقت من الأوقات وهي على رغم صغر سنها الا انها مرتبطة بثلة أصدقاء يستنفذونها من خلال طلب المال من والدتها وابتزازها بشتى السبل وهو ما يؤكده والدها المنفصل والذي يعيش حياته الخاصة.
في مشهد مؤثر تضطر كيت الى طلب بعض المال من طليقها لغرض ان تقوم بترميم سقف منزلها الايل للسقوط وبعد ان تعيد التواصل مع ابنتها تأتيها الابنة باكية بسبب ارتكابها جريمة بحق صديقها مما يضطر الام ولغرض انقاذ الابنة فإنها تتورط بإلقاء الجثة في ليلة ماطرة في قاع بحيرة من دون ان تتحقق من شخصية المقتول ولهذا سرعان ما سوف تكتشف ان ابنتها قد خدعتها وورطتها في تلك الجريمة بعد ان اخذت المال المخصص لترميم المنزل لدفعه الى تاجر مخدرات.
تظهر الممثلة البارعة جوليان مور على انها تلك المرأة القوية والمثابرة ولكن وفي ذات الوقت الام الرؤوفة التي تسيطر عليها مشاعر الامومة التي تسبغها على ابنتها الوحيدة مع انها فتاة غير مستقرة وتعاني من اضطرابات سلوكية وهي حصيلة جسدتها معالجة اخراجية اسلوبية متميزة قدمت فيها الشخصية الوحيدة – الام وهي تقاوم تلك التصدعات في حياتها الشخصية واحباطاتها في مقابل انقاذ الابنة المتذبذبة في سياق درامي جمع ما بين الواقعية وبين الانتقالات التي تتميز باقترانها بحبكات ثانوية مختارة بعناية.
وفي هذا الصدد تقول الناقدة مونيكا كاتسيلو في موقع روجر ايبيرت :" لا شك ان حالة من الفوضى تضرب حياة الشخصية الرئيسية - كيت، لتنتقل بعد ذلك الى حالة من الحزنٌ الشديد، ثم لتنتقل الاحداث الى نوع من الترقب والإثارة، يكون هذا التغيير مُرحّبًا به للغاية وخاصة من خلال متابعة التأثير اليومي لحياة كيت، ومشاهدة إخلاصها الأمومي وكفاحها وهي تحاول استعادة حياتها بعد خسارات غير متوقعة. وتُقدم مور أداءً مؤثرا لشخصية كيت، مُجسدةً حزن الشخصية وقوتها بنفس القدر، في مقابل الابنة المتأرجحةً بين الطيبة الوديعة التي تسعى لإعادة التواصل مع والدتها ثم التلاعب بها من اجل الحصول على المال، وبين غضبها الشديد عليها عندما لا تحصل على ما تريد".
واقعيا نجد ان الام قد غرقت فعليا في دوامة لم تكن تتوقعها فهي تقف بين خيارين احلاهما مر وهما التبليغ عن الجثة التي القيت في قاع البحيرة وبالتالي تدمير حياتها وحياة ابنتها او ان تصمت ولكن صمتها يكون له ثمن افضع اذ وجدت نفسها في مواجهة تاجر للمخدرات يعلم بأمر الجثة فيستخدمها لغرض الابتزاز ودفع كيت لإحراق ممتلكاتها من اجل الحصول الى على مبالغ التامين.
وفي هذا الصدد يقول الناقد برينت سيمون في موقع آف- سين،" اذا تدرجنا من المواقف الصعبة والمتأزمة في الفيلم فإن هنالك بالمقابل على المستوى التقني، يُبرِز الطابع الفني المتكامل والحافل بالعناصر البصرية حيث يستخدم مدير التصوير إعدادات متميزة من ناحية الزوايا، مع لمسات أسلوبية، ولقطات ثابتة وأخرى مواكبة لحركات الشخصيات، ثم استخدام الحركة البطيئة بشكل غير اعتيادي، وحيث تضع المشاهدين في قلب المواقف التي تتميز بالمُواجهات. هذا السعي النشط للارتقاء بالقصة بصريًا بشكل مُبدع جعل المشاهد أكثر تشويقا خاصة بالتزامن مع ذلك النوع من الشعورٍ المُضطربٍ سواء بالتزام الام تجاه ابنتها او صراعها مع الشخصية الشريرة بما اضفى على احداث الفيلم طابعا واقعيا، جاذبا للجمهور".
وهكذا صرنا مع نوع من الدراما التي تضرب على وتر العوامل النفسية والعاطفية والإنسانية في مقابل وحشية أولئك المجرمين الذين يجرّون كيت عنوة الى مستنقعهم ولهذا يجد المشاهد نفسه مستاءا من استسلام كيت وسرعة تورطها مع أولئك المبتزين وهي معادلة ما تلبث ان تستقيم ولكن وفق مسارات سردية غير متوقعة عندما تنجح الصديقتان كلير وجيسي – تقوم بالدور الممثلة فيونا شز، في اخراج الجثة من البحيرة والتعرف عليها ومن ثم اخفاءها في وسط مخازن الغلال التي سوف يتم احراقها استجابة لرغبة جاكي ونزعته الاجرامية التي تجعلها تتعاطى معه وتسلمها كل ما لديها من ممتلكات لغرض الاستحواذ عليها.
على ان التحول الدرامي المشوق هو الذي ساعدت جيسي في تأسيسه بإيقاع جاكي في الفخ وثبوت انه قد احرق مخازن الغلال والعلف هو بنفسه وبشكل متعمد فضلا عن العثور على الجثة من طرف الشرطة في وسط الحريق.
لعل هذا الفيلم يضاف الى سلسلة أفلام جوليان مور والى رصيدها المتميز وخاصة في نوع الأفلام النفسية والاجتماعية والعاطفية وهي تشتغل على القصص الواقعية والمشاعر العميقة وهي في هذا الفيلم تقدم مشاعر الامومة بشكل ملفت للنظر وبما في ذلك تعطيل حياتها من احل انقاذ ابنتها وهو دافع كاف لإنتاج المزيد من الحبكات الثانوية المؤثرة فضلا عن تأسيس مسارات سردية متقنة انضجت الفكرة وارتقت ببساطة الموضوع الى مستوى من التعقيد والدوامة لم يكن من المتوقع ببساطة ان تخرج كيت منها في نوع من التعتيم والصورة السوداوية التي اختلطت فيها الجريمة بالعاطفة من خلال معالجة سينمائية رصينة ومتميزة.
...
سيناريو وإخراج/ مايكل بيرس
انتاج/ ريدلي سكوت وآخرون
تمثيل / جوليان مورفي دور كيت - سيدني سويني في دور كلير- ديمنهال غيلسون في دور جاكي، فيونا شو في دور جيسي
مدير التصوير / بنجامين كراكون
مونتاج/ مايا مافيولي