مع موجات الحر التاريخية التي تجتاح الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من نصف الكرة الشمالي، من المتوقع أن يكون شهر يونيو هو الشهر الثالث عشر على التوالي الذي يسجل درجات حرارة عالمية قياسية غير مسبوقة. السبب الأساسي بالطبع هو تراكم كميات هائلة من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي في الغلاف الجوي. وعلى الرغم من الخطر الذي يهدد وجود البشر والذي تفرضه تركيزات متزايدة الارتفاع من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، تستمر الانبعاثات في التزايد بوتيرة أسرع من كل التوقعات في السابق.

ولكن، على إحدى الجبهات، تجاوز التقدم في مكافحة تغير المناخ التوقعات. ففي خضم التحول العالمي من محركات الاحتراق الداخلي إلى المركبات الكهربائية والتبني المتسارع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يتزايد الطلب على الطاقة المتجددة بسرعة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تولدت هذه الزيادة في الطلب بفعل انخفاضات كبيرة في الأسعار الحقيقية للألواح الشمسية وطواحين الهواء والبطاريات والمركبات الكهربائية. في الولايات المتحدة، من الممكن أن يُعزى هذا جزئيا إلى إعانات دعم الطاقة النظيفة المدرجة في قانون خفض التضخم الذي أقره الرئيس جو بايدن، فضلا عن عامل آخر أكثر أهمية، وهو الواردات الصينية منخفضة التكلفة. الحقيقة المزعجة هي أن التعريفات الجمركية الجديدة التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الواردات من الألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، وغير ذلك من المعدات، تهدد بعرقلة هذا التقدم.

في حين يُـعَـد تقدير تكلفة التحول إلى الطاقة النظيفة مهمة صعبة، حتى على المستوى النظري التصوري، فمن المتوقع أن يحتاج قطاع الكهرباء العالمي وحده 3.5 تريليون دولار من الاستثمارات الرأسمالية سنويا بين عامي 2021 و2050. وقد طالبت الدول الغربية الصين بدفع نصيبها العادل من هذه التكاليف، لكن السياسة التجارية التي تنتهجها هذه الدول تتعارض بشكل صارخ مع الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. برغم أن استهداف واردات التكنولوجيا النظيفة من الصين على نحو غير متناسب يعود تاريخه إلى أكثر من عقد من الزمن، فقد تَـسَـارَع هذا الاتجاه بدرجة كبيرة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب واستمر في عهد بايدن. في شهر مايو، فرضت إدارة بايدن تعريفة جمركية بنسبة 100% على المركبات الكهربائية الصينية، إلى جانب رسوم جديدة على مجموعة من السلع الصينية الأخرى، بما في ذلك الخلايا الشمسية وبطاريات الليثيوم ايون. الهدف من هذه التدابير هو حماية العمال الأمريكيين والصناعات المحلية الحرجة. لكنها تهدد بتقويض الأجندة المناخية التي تتبناها الإدارة، وخاصة جهودها لرفع حصة الطاقة المتجددة إلى 100% من الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2035 وحصة المركبات الكهربائية إلى 50% من مبيعات السيارات الجديدة بحلول عام 2030.

قد تمتد التعريفات الأمريكية الجديدة إلى ما هو أبعد من حدود الصين الوطنية. ففي الاستجابة للتعريفات الغربية، انتقل بعض المصنعين الصينيين إلى جنوب شرق آسيا في السنوات الأخيرة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قررت لجنة التجارة الدولية في الولايات المتحدة التحقيق في مزاعم من قِـبَـل شركات تصنيع الخلايا الشمسية الأمريكية التي تسعى إلى فرض رسوم تعويضية ومكافحة إغراق على الشركات المصنّعة في جنوب شرق آسيا. يأتي هذا القرار على الرغم من الـمعارضة من جانب شركات تطوير الطاقة الشمسية الأمريكية التي تعتمد على المعدات المستوردة للإنتاج المحلي.

من ناحية أخرى، فرضت المفوضية الأوروبية تعريفات مؤقتة على المركبات الكهربائية الصينية بعد تحقيق دام ثمانية أشهر ووجد أن «الدعم غير العادل» من جانب الصين لصناعة المركبات الكهربائية لديها يقوض قدرة منافسيها في الاتحاد الأوروبي. تبلغ التعريفات الجديدة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، رغم أنها ليست باهظة، 31% في المتوسط، وهذا أعلى كثيرا من الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات من السيارات التقليدية من شركاء تجاريين آخرين.

من المؤكد أنه في حين ساعدت تكاليف العمالة المنخفضة تاريخيا واقتصادات الحجم الكبير في خفض أسعار الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية الصينية، فإن إعانات الدعم الحكومية السخية -التي تأتي غالبا في هيئة ائتمان رخيص- أدّت أيضا دورا كبيرا. ولكن يظل من غير الواضح كيف قد يفيد منع هذه الواردات منخفضة التكلفة، كما يقترح كثيرون من الساسة الغربيين، العمال والمستهلكين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هل يفضل صنّاع السياسات الأمريكيون والأوروبيون أن يتحمّل دافعو الضرائب لديهم، بدلا من المواطنين الصينيين، تكاليف دعم الطاقة النظيفة؟ لنتذكر هنا أن الدول الغربية أرادت أن تدفع الصين حصتها العادلة في تحول الطاقة.

من المسلّم به أن تعزيز سياسات المناخ من خلال التأكيد على إمكاناتها في خلق وظائف خضراء للعمال المحليين قد يكون استراتيجية سياسية فَـعّـالة. ولكن ينبغي لنا أن ندرك أن هذه الحجج سياسية وليست اقتصادية. برغم أن التعريفات الجمركية الأمريكية ربما تساعد في خلق فرص العمل في صناعة الألواح الشمسية، فإن هذه المكاسب ستذهب سُـدى بسبب خسائر الوظائف في قطاع تركيب مرافق الطاقة الشمسية، الذي يعتمد على المعدات منخفضة التكلفة.

على نحو مماثل، سوف تختفي بعض وظائف إنتاج المركبات الكهربائية إذا أدت التعريفات الجمركية إلى ارتفاع أسعار واردات البطاريات. في الوقت ذاته، سوف تُـخَـفَّـض وظائف عديدة في قطاع التصدير عندما ترد الصين ودول أخرى حتما على القيود الغربية.

مع تدني معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 4%، أصبح صنّاع السياسات والناخبون الآن أكثر انشغالا بالتضخم مقارنة بالوظائف. وتشكل إزالة التعريفات الجمركية السبيل الأكثر ضمانا أمام الحكومات الغربية لخفض أسعار الطاقة والنقل، وبالتالي خفض التضخم. وهذا مثال آخر على الكيفية التي قد تعمل بها التجارة الدولية على خفض تكاليف التحول إلى الطاقة النظيفة -إذا كان لنا أن نحتضنها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المرکبات الکهربائیة فی الولایات المتحدة التعریفات الجمرکیة الطاقة النظیفة

إقرأ أيضاً:

وزير الدفاع الهولندي يتهم الصين: هجمات سيبرانية تستهدف مستقبل التكنولوجيا

وجه وزير الدفاع الهولندي روبن بريكلمانز أصابع الاتهام إلى الحكومة الصينية والقراصنة التابعين لها عقب ارتفاع وتيرة الهجمات السيبرانية في العام الماضي ضد الشركات والحكومة الهولندية على حد سواء، وذلك بحسب وكالة رويترز.

وأكد بريكلمانز في حوار أجراه على هامش اجتماع شانغريلا الأمني في سنغافورة أن صناعة أشباه الموصلات من ضمن الأهداف الرئيسية المستمرة للهجمات السيبرانية الصينية، كونها من القطاعات المتطورة في الصناعات الهولندية مع تزايد الاهتمام الصيني بها، مضيفًا أن وكالة الاستخبارات العسكرية الهولندية ترى الصين أكبر مصادر التهديد السيبراني لها.

وأشار بريكلمانز إلى التقرير السنوي الذي تنشره وكالة الاستخبارات الهولندية والذي تضمن في العام الماضي ذكرًا للهجمات السيبرانية الصينية في محاولة للتجسس على صناعات أشباه الموصلات إلى جانب الصناعات الفضائية والصناعات البحرية، ثم وضح بريكلمانز في حديثه مع رويترز أن هذه الأنشطة ما زالت مستمرة حتى الآن، مؤكدًا وجودها في النسخة الأحدث من التقرير التي تصدر خلال الفترة القادمة.

لم تحصل رويترز على رد من وزارة الخارجية الصينية، ولكن بحسب التقرير فإن بكين في العادة تنفي مثل هذه الاتهامات المتعلقة بالهجمات السيبرانية مؤكدة رفضها لأي نوع من أنواع التجسس العسكرية والهجمات السيبرانية.

إعلان

بدأت الحكومة الهولندية في توجيه أصابع الاتهام إلى مثيلتها الصينية للمرة الأولى في العام الماضي، إذ اتهمتها في عملية الاختراق التي حدثت للشبكة العسكرية الهولندية عام 2023، وهي العملية التي تسببت في اختراق شبكة داخلية تستخدم من قبل 50 شخصا لإجراء أبحاث غير مصنفة.

وأضاف بريكلمانز أن مسألة الأمن السيبراني اكتسبت أهمية متزايدة لدى الحكومة الهولندية في المدة الأخيرة، وذلك عقب تسارع وتيرة الهجمات الصينية التي تستغل نفوذها الاقتصادي والسياسي للضغط على الحكومة الهولندية.

وفي هذا السياق، تباهى بريكلمانز باعتماد الحكومة الهولندية على أحدث المعدات السيبرانية ضمن مساعيها لحماية الصناعات المهمة والمحورية للدولة، مشيرا إلى أن الخطوة القادمة ستكون خفض الاعتماد الهولندي بشكل خاص والأوروبي بشكل عام على التقنيات الصينية.

مقالات مشابهة

  • الصين: العلاقات مع الولايات المتحدة تمر بمنعطف حرج
  • صرف بالإسكندرية: بحث مقترح لتحويل الحمأة إلى مصدر للطاقة النظيفة ضمن رؤية الدولة 2030
  • الأنبار تعلن عن تصنيع جهاز لتحلية وتنقية المياه يعمل على الطاقة الشمسية
  • هل تنجح مساعي الولايات المتحدة للتفوق على الصين في سباق التكنولوجيا؟
  • وزير الدفاع الهولندي يتهم الصين: هجمات سيبرانية تستهدف مستقبل التكنولوجيا
  • ترامب يحذر: إلغاء الرسوم الجمركية يهدد بانهيار اقتصاد الولايات المتحدة
  • ترامب يضيّق الخناق على الصين.. قيود جديدة تلاحق شركات التكنولوجيا
  • اتهام رجل بريطاني في الولايات المتحدة بالتخطيط لتهريب تكنولوجيا عسكرية إلى الصين
  • الاقتصاد الأصفر.. «معلومات الوزراء» يستعرض فرص التحول نحو الطاقة الشمسية في مصر
  • الصين تحذّر الولايات المتحدة من «اللعب بالنار» بسبب تصريحات وزير الدفاع الأمريكي