لجريدة عمان:
2025-06-28@01:46:34 GMT

صورة «تشي» في إعلان تجاري

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

ليس من قبيل «الهجاء اليساري» فقط أن نشبِّه الرأسمالية العالمية بطبيعة الحشائش الانتهازية، فهي كذلك بالفعل؛ تنمو وتزدهر في أفضل الظروف وأسوئها. لا شيء يوقف آلتها المزودة بميكانيزمات الإصلاح الذاتي والتطوير التلقائي لأدائها. إننا نتحدث عن نظام اقتصادي لا يكتفي بإشباع احتياجاتنا الأساسية، بل تكمن ثورته وثروته معًا في مداعبته العميقة للرغبات الكامنة في تضاعيف النفس البشرية التي لا غور لها، حيث يمثل الاستثمار التجاري للرغبات جوهر سوق الاستهلاك حول العالم ( لا بدَّ أن نميز هنا بين الحاجة والرغبة).

لا يتطلب الأمر قراءة متخصصة لملاحظة ما يميز النظام الرأسمالي من هذه الناحية؛ فاقتصاد السوق على استعداد دائم لاستغلال أي ظرف كان؛ نلاحظ أنه يستفيد من أجواء الحرب كما يستفيد من زمن السلام والاستقرار، ويربح في فترات الكوارث والأوبئة والأمراض كما يربح في ظل العافية وإقبال الناس على الأطعمة والعادات الصحية مستفيدًا من تحوُّل الرياضة إلى موضة استعراضية. الأهم في ذلك أنه نظام مبهر بقدرته على تسليع كل شيء وتغليفه تمهيدًا لعرضه خلف زجاج المتاجر وفي لوحات الإعلان المضيئة وفي النوافذ الترويجية التي تنبثق تباعا بصورة مزعجة على صفحات الإنترنت. وفي ظل التحالف العميق بين شركات التسويق ووسائل الإعلام، لا يكاد هذا النظام يرفض شيئًا بالمطلق. شهيته مفتوحة دائمًا، ويتمتع بمرونة عالية تتيح له التفاوض مع أي من خصومه والمساومة على أي مبدأ أو فكرة من أجل مضاعفة الربح. فكل الأفكار والأيقونات المناهضة له -مهما بلغت رمزيتها- قابلة لإعادة إنتاجها على شكل موضة جديدة في الأسواق، بمنهجية تسويقية مريعة تستطيع تحويل صورة أعتى الماركسيين الثوريين إلى سلعة، حتى لو كان ذلك الرأس الماركسي العتيد هو أرنستو تشي جيفارا شخصيًّا، الرمز المرادف للثورة، والذي سخَّر حياته ومواهبه الثورية المتعددة كلها (كقائد عسكري منظر لحرب العصابات، ثم كسياسي ورجل دولة في فترة قصيرة، وككاتب وخطيب في الوقت نفسه، بل وحتى كطبيب) خدمةً لهدف واحد يتلخص في الثورة الأممية على الإمبريالية العالمية ونهجها الاقتصادي المتمثل في الرأسمالية الاحتكارية.

في خمسينيات القرن الماضي هتفَ تشي بالشعار الثوري البسيط الذي أطلقه رفيق دربه فيدل كاسترو: «العار على المال»، وانطلق في مشوار نضالي ملحمي قاد خلاله ثورة شعبية مسلَّحة حتى اليوم الذي وقع فيه بطريقة شبه انتحارية في الكمين الأخير بيد القوات البوليفية المدعومة -كما هو معروف- من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. حتى تلك اللحظة كانت تنقصه صورة نهائية تصادق على قوله «إن المرء في الثورة إما أن ينتصر أو أن يموت» العبارة التي وردتْ في رسالته الوداعية القصيرة لفيدل. وذلك ما تم بالفعل؛ حين اكتملت أبعاد الصورة الأسطورية فور إعدام الثائر الجريح بتلك الطريقة التي بتنا نعرفها. ولكن قبل ذلك بقليل، هل نستطيع أن نسأل إن كان تشي قد طمح لمشهد نهائي موثق خالص له وحده بدلًا من السقوط كسائر الثوار المغمورين في أرض المعركة؟ ينقل الرقيب البوليفي برناردينو أوانكا صيحة تشي في اللحظة الأخيرة قبل الأَسر، وقد تعطَّلت بندقيته، قائلًا: «لا تطلقوا النار! أنا تشي جيفارا، وأساوي حيًّا أكثر من ميت».

اليوم، بعد أكثر من نصف قرن على تلك الصورة النهائية، تحول الرمز إلى مادة إعلانية مَشاع مبتورةٍ عن سياقها التاريخي. تلك التراجيديا الملحمية التي شغفت ثوار العالم منتصف القرن العشرين تُعرض هذه الأيام في شكل نكتةٍ سوداء على مواقع التجارة الرقمية، جرّب أن تبحث مثلا على موقع «أمازون»: قميص يحمل صورة تشي مقابل 16 دولارًا بعد الخصم مع التوصيل إلى بلدك. صورةٌ أخرى على ولاعة، أو «بيريه» عسكري كوبي مع النجمة الخماسية، لدينا ألوان متعددة منها، اختر اللون الذي يناسبك، وعلينا التوصيل، فقط مقابل 14 دولارًا بعد التخفيض بنسبة 8%. بضاعة أخيرة لفتتني كانت عبارة عن قبعة عليها صورة تشي داخل دائرة حمراء مشطوبة (كإشارة: ممنوع التدخين) وكان الوصف المكتوب:

Anti-Communist/Anti-Che Guevara !

لم يترك الابتذال التجاري في صورة «الثائر البطولي» الشهيرة التي التقطها المصور الكوبي ألبرتو كوردا، أي ملمح حقيقي يدل على سيرة صاحبها وعلى معاني حياته سوى النجمة الخماسية التي تتوسط كُمَّته الحربية (البيريه) بالإضافة إلى اللون الأحمر الدموي الذي صبغ به الفنان الأيرلندي جيم فيتزباتريك خلفية الصورة بعد أن اقتبسها من مصورها الأصلي عام 1968.

كان كوردا قد التقط الصورة الأشهر لتشي في هافانا عام 1960، حيث يظهر بقسماتِه الصارمة خلال مراسم تشييع ضحايا انفجار السفينة الفرنسية «لا كوربي» التي انفجرت أثناء تفريغ حمولتها من الذخيرة والقنابل اليدوية موديةً بحياة العشرات. ومنذ التقاطها ظلت الصورة مِلكية عامة تُقتبس في جميع أرجاء العالم، في أعمال فنية أو إعلامية أو ترويجية، فضلًا عن اقتباسها لأغراض سياسية كما يحدث في المظاهرات، وذلك طيلة عقود لم تكن فيها كوبا من بين الدول الموقعة على اتفاقية «برن» لحماية المصنفات الأدبية والفنية، تلك الاتفاقية التي وصفها كاسترو بأنها شيء «برجوازي». غير أن المصور اضطر غاضبًا في أواخر حياته لخوض معارك قانونية لحماية حقوق الصورة من الابتذال والاستغلال التجاري في الحملات الإعلانية التي تقودها بعض الشركات. وكان الحدث الأبرز حينما رفع دعوةً قضائية عام 2000 على إحدى شركات الخمور الكبرى التي وضعت الصورة في ملصق حملة إعلانية لشرابِ «الفودكا»، حيث سجلت الجارديان البريطانية تصريحه بعد رفع الدعوى القضائية قائلًا: «لو كان تشي جيفارا لا يزال على قيد الحياة، لكان قد فعل الشيء نفسه. إن استخدام صورة تشي لبيعِ الفودكا يعد إهانة لاسمه وذكراه. فهو لم يشرب الخمر قط، ولم يكن مدمنًا على الخمر، ولا ينبغي أن يرتبط الخمر بذكراه الخالدة».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الصين تعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع أمريكا

أعلن متحدث باسم وزارة التجارة الصينية في بيان صدر الجمعة التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، في تأكيد لتصريحات سابقة أدلى بها وزير التجارة الأمركيي هوارد لوتنيك بشأن اتفاق بين واشنطن وبكين.

وأفاد بيان الوزارة الصينية بأن الصين ستواصل الموافقة على تصاريح تصدير المواد الأرضية النادرة والخاضعة للرقابة، التي تُستخدم في كل شيء من توربينات الرياح إلى الطائرات النفاثة.

وفي بيانها أكدت وزارة التجارة الصينية أن بكين “ستراجع وتوافق على طلبات تصدير المواد الخاضعة للرقابة التي تستوفي الشروط وفقًا للقانون”، بينما ستقوم الولايات المتحدة بإلغاء بعض التدابير التقييدية، دون أن تحدد طبيعتها.

اقرأ أيضاًالعالمعقب ضربها من قبل الولايات المتحدة صباح اليوم.. “الطاقة الذرية الإيرانية”: لا يوجد أي تسرب إشعاعي من منشآتنا النووية

كما أشارت الوزارة إلى المكالمة الهاتفية التي جرت في 5 يونيو بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، قائلة إن على البلدين العمل معًا من أجل تعزيز التنمية المستقرة للعلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما.

وكان وزير النجارة الأمريكي هوارد لوتنيك قد صرّح الخميس بأن الولايات المتحدة والصين أنجزتا التفاهم التجاري الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي في جنيف، مشيرًا إلى أن البيت الأبيض يخطط قريبًا للتوصل إلى اتفاقات مماثلة مع عشر دول شريكة رئيسية في التجارة.

مقالات مشابهة

  • الصين تؤكد اتفاقًا تجاريًا مع واشنطن .. رفع قيود ومراجعة للسلع
  • ترامب يؤكد توقيع اتفاق تجاري مع الصين
  • الصين تعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع أمريكا
  • مثلث حماس يثير الجدل في صورة موظفي تسلا.. وتصرف غريب من الشركة
  • حقيقة صورة الزعيم عادل إمام برفقة لبلبة
  • حريق محل تجاري بولاية الجزائر
  • لبلبة تنفي صورة اللقاء المفبرك مع عادل إمام: مش أنا دي ولا ده الأستاذ
  • لبلبة تنفي صورة مفبركة تجمعها بعادل إمام: “أنا في الفيوم منذ أسابيع”
  • يعلن شرف الدين محمد الشريف عن فقدان سجل تجاري
  • يعلن محمد عبدالكريم محمد الصباري عن فقدان سجل تجاري