سودانايل:
2025-05-17@14:52:26 GMT

لماذا التوجس من الأجندة الواضحة؟

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن الحرب الدائرة في السودان قد أفرزت ثلاثة تيارات مختلفة في أجندتها، و ربما تتلاقى في بعضها لكنها لا تشكل عصب المشكلة التي يمكن أن يبنى عليها للوصول لتوافقات، و هناك تياران يقدمان تنازلات في الحدود التي لا تؤثر على الهدف الرئيس الذي يعبر عن أجندتيهما.. و إذا تمعنا في حديث الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في ولاية نهر النيل بقوله ( لن نذهب لمنبر جدة التفاوضي إلا بعد انسحاب الميليشيا و خروجها من الأعيان المدنية و مساكن المواطنين في كل مدن السودان التي استباحوها) و أضاف قائلا ( سننتصر قريبا على الميليشيا و سنسحق التمرد و أن ثقتنا، بأن هذه المعركة ستنتهي بهزيمة الميليشيا و حلفائها و أعوانها) و أيضا ذهب ياسر العطا عضو مجلس السيادة في كلمة بمناسبة ترقية الضباط و الجنود على ذات الطريق حيث قال( لن نفاوض و لن يكون هناك هدنة لو استمر القتال 100 عام) أن حديث قيادات مجلس السيادة و الجيش تتناسب مع حالة الاستنفار داخل القوات المسلحة و النظامية و المستنفرين و المقاومة، و هي كلمات تتوافق مع حالة التعبئة العامة التي تدعم الروح المعنوية عند المقاتلين.


و حديث قيادات الجيش تعبر عن الأجندة الواضحة، و هي أجندة يدعمها أغلبية الشعب الذي استنفر في كل أقاليم السودان المختلفة، و قيادات الجيش تريد أن تحافظ على هذا التلاحم حتى نهاية الحرب، هو حديث تمليه ظروف الحرب، و في نفس الوقت الحفاظ على الروح المعنوية العالية عند المقاتلين، و أيضا عند قطاع واسع في الشعب السوداني.. التياران الآخران تحكم خطابهما أجندة السلطة و كيفية الوصول إليها، تيار " تقدم" ساعي لوقف الحرب عبر تفاوض بين " الجيش و الميليشيا" بهدف الوصول لتسوية سياسية تكون " تقدم" جزء من هذه التسوية و التي تعتبر الفرصة الوحيدة أمامها، و كل ما طالت الحرب جعلت المسافة بينها و الشعب بعيدة، و إذا انتصر الجيش أو رضخت الميليشيا لشروط الجيش سوف تنفذ كل الإجراءات المتعلقة بقيادات " تقدم" التي قام بها النائب العام.. أما التيار الأخر " القوى الديمقراطية" هي قوى سياسية تتمحور أجندتها حول السلطة، و كيفية تقاسمها مع أي قوى أخرى، و أيضا رغم تأييدها للجيش لكن في حدود إنكسار الميليشيا دون أن تخرج العملية السياسية من تسوية، بهدف تقاسم السلطة..
قبل أن تظهر "تقدم" على الساحة السياسية كانت أمريكا و بريطانيا و الدول ألأوروبية تراهن على " قحت المركزي" باعتبارها قوى جديدة ،و قد تم إخضاع العديد منهم إلي تدريب عبر ورش و ندوات في كل من كمبالا و نيروبي و فرنسا و ألمانيا و غيرها، لكن وصلت هذه الدول إلي قناعة أن هذه القيادات لا تستطيع أن تدير الأزمة لصالح نفسها، رغم أنها كانت في عملية تدريب مستمر لرفع قدرات قياداتها، و لكنها لم تستفيد بالصورة المطلوبة من عمليات التدريب التي تمت، هذه الدول و الأمارات قرروا تغيير قيادات "قحت المركزي" ليس بالإقالة، و لكن ببروز جسم جديد يصبح هو أداة التغيير، فكان تنظيم المستقلين و كان عدد منهم قد تم تدريبهم من قبل.. و وقع عليهم عبء قيادة العملية السياسية، و بدلا من قيادات أصبحت غير مقبولة من الشارع.. أن قيادة المستقلين الجديدة وقعت في أكبر خطأ عندما وقعت مع الميليشيا على إعلان سياسي في أديس أبابا.. الخطأ الثاني أن يذهب حمدوك دون مشورة الأخرين، و يوقع مع الحركة الشعبية شمال و حركة تحرير السودان في نيروبي على تقرير المصير و العلمانية، الأمر الذي خلق صراعا داخل أجسام الأحزاب المساندة لتقدم، هاذان التوقعان كان لهما انعكاسات سالبة على " تقدم" و كان لابد من معالجتهما لذلك بتقديم تنازل بالقبول الجلوس مع " قحت الديمقراطي" في القاهرة و هو تنازل سوف يجر تنازلات مستمرة، بعد التغييرات السياسية التي ظهرت في كل من فرنسا و بريطانيا و الآن الأدارة الأمريكية مشغولة بالانتخابات..
أن بريطانيا التي وقفت مع الأمارات في مجلس الأمن، هي نفسها بريطانيا التي صرفت أكبر مبلغ من المال في تدريب مجموعات " قحت المركزي" و التابعين لهم من الصحافيين و الإعلاميين و المهنيين و القوى المدنية الأخرى.. الغريب في الأمر هناك العديد من الذين كانوا مشاركين في الورش و الندوات ورفع القدرات قد تم تجاوزهم عندما أصبحت السلطة مجالا للصراع.. أن التغييرات السياسية التي حدثت في عدد من العواصم و هي كانت تشكل سند لدولة الأمارات جعلتها تبحث عن دول أخرى من خلال مدخل أنساني و يقعوا على انقاذ السودان من المجاعة، و كلها حيل سوف تسقط .. المسألة الواضحة التي يحاول البعض تجاهلها: أن هزيمة الميليشيا أصبحت هي الهدف المتفق عليه داخل المؤسسة العسكرية، و أيضا أغلبية الشعب السوداني، و ليس المقصود منها رفع سقف بهدف نيل مكسب، و لكنها الحقيقة التي يحاول البعض أن يطعن فيها، ليس بسبب مقنع، و لكن يريدون أن يطمئنوا أنفسهم فقط.. أن بعد وقف الحرب سوف تبدأ مرحلة سياسية جديدة لا تحمل أي ملامح من المراحل السابق و هي التي سوف تفرز قياداتها.. و نسأل الله حسن البصيرة

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عُمان التي أسكتت طبول الحرب

في ركنٍ من هذا العالم العربي الملتهب، حيث تتشابك مصالح الإمبراطوريات وتتصادم استراتيجيات الدول الكبرى على حساب الجغرافيا والتاريخ، هناك دولة اختارت طريقًا مختلفًا.

سلطنة عُمان هذه الواحة الهادئة وسط صحراء النزاعات لم تسمح لنفسها أن تكون بيدقًا في رقعة الشطرنج الدولية، ولم تُبدّد مكانتها في لعبة المحاور والاصطفافات، بل وقفت كـ«السيدة الحكيمة»، كما يسميها المراقبون، تمسح عن الوجوه غبار الحروب، وتفتح للخصوم أبوابًا لم يكونوا يتوقعونها.

في منطقة تتوزعها الرياح بين الطموح النووي الإيراني، والوجود الأمريكي الصارم، والاشتباك العربي المزمن، رفعت سلطنة عمان راية أخرى: راية «الاحترام المشترك»، و«الحوار قبل الضربة»، و«اليد الممدودة بدل الإصبع على الزناد».

وهنا، يكمن الاستثناء العُماني: دولة لم تُقامر يومًا بدماء جيرانها، ولم تبنِ مجدها على ركام الدول الأخرى. بل آمنت أن دورها الحضاري ليس بالتحالف مع الأقوى، بل بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

في السادس من مايو، بينما كانت شاشات الأخبار تغرق في صور الانفجارات، وبينما كانت المؤشرات تنذر بتوسّع خطير في الصراع الدائر بين جماعة أنصار الله والتهديدات أمريكية المتصاعدة تجاه استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خرجت مسقط باتفاق ناعم لكنه جلل: وقف إطلاق نار مؤقت بين واشنطن وصنعاء، يضمن سلامة الملاحة، ويمنح للسلام فرصة ليلتقط أنفاسه.

ولم تكن هذه المبادرة وليدة لحظة، بل هي نتيجة شهور من الحوار الصامت الذي أجرته سلطنة عُمان، بهدوء، بعيدًا عن الأضواء، في قنوات خلفية لا تعتمد على التصعيد، بل على بناء الثقة، حجرةً بعد حجرة.

لكن الأمر لم يتوقف عند اليمن.

إذ حملت الأيام التالية مفاجأة أكبر: إيران تُعلن موافقتها على مبادرة عُمانية لاستضافة جولة رابعة من المفاوضات مع الولايات المتحدة.

في وقتٍ كانت فيه التوترات تنذر بالانفجار، وبين تحركات بحرية ومواقف سياسية حادة، قررت طهران أن تستمع لصوت مسقط.

لماذا؟ لأن هذه الدولة التي لا تلوّح بالقوة، تملك ما هو أثمن من ذلك: تملك المصداقية.

لقد فهمت سلطنة عمان منذ بداية الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ لحظة دخول الأساطيل الأمريكية للخليج، أن دورها ليس الوقوف في الضد، بل الوقوف في المنتصف، لا كحياد باهت، بل كوسيط نشط، بكرامة وهدوء.

فما الذي يجعل هذا البلد العملاق برسالته، ينجح فيما فشلت فيه دول كبرى، ذات أبواق وسفارات وميزانيات مهولة؟ الجواب، ببساطة، إنه لا يُمارس السياسة من أجل العنوان، بل من أجل الغاية.

ففي السياسة كما في الطب، لا يحتاج الطبيب الجيد إلى صخب، بل إلى يد ثابتة ونية خيّرة.

وهذا ما فعلته سلطنة عُمان.

اقتربت من الجراح وهي تهمس لا تصرخ، ووضعت الضمادة لا الحطب.

لقد وُلدت هذه الفلسفة من تاريخ طويل في العلاقات الإنسانية والسياسية.

فسلطنة عُمان، التي تفتح أبوابها للحجاج والدبلوماسيين على حد سواء، تعرف أن الكلمة الطيبة تُغيّر العالم أكثر مما يفعل الرصاص.

عرفت ذلك عندما وقفت على مسافة متزنة من كل صراعات المنطقة، وعندما شاركت في مساعي الاتفاق النووي مع إيران، وعندما رفضت أن تدخل تحالفات استنزفت الدول وأغرقتها في الرمال.

عُمان لا تُراهن على النصر، بل على النُبل.

لا تُقايض بالتحالفات، بل تُبادر بالثقة.

لا ترفع شعارات، بل ترسم جسورًا.

وفي لحظةٍ يخشى فيها العالم اندلاع حربٍ جديدة بين قوى كبرى، تُطفئ مسقط الشرارة قبل أن تصبح نارًا.

تجمع طهران وواشنطن تحت سقف واحد، لا لتفرض رأيًا، بل لتفتح نافذة.

هذا المقال ليس تمجيدًا لدبلوماسية، بل احتفاء بأخلاق دولة.

بدولةٍ فهمت أن القيادة لا تحتاج صراخًا، بل رقيًّا.

وأن التاريخ لا يخلّد الأصوات العالية، بل الأفعال العظيمة التي تمشي على أطراف الأصابع.

تحية إلى عُمان، دولة الأفعال الهادئة التي كلما اقتربت الحرب، قررت أن تكتب فصلًا جديدًا للسلام.

مقالات مشابهة

  • فيديو ذكاء اصطناعي يثير تفاعلا خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية
  • ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
  • المفاجأة التي لم تخطر على المتمرد عبد العزيز الحلو، حليف ميليشيا آل دقلو الإرهابية، أن الجيش على بُعد 43 كيلومترًا من كاودا
  • لوثت الإنقاذ، وقبلها حكومة نميري، الوعي العام بمثاليات زائفة وخطابات منفصلة عن الواقع
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • الجيش الوطني والفيدرالية الديمقراطية
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • هذه الفوضى ستنتهي بعد هذه الحرب.. الجيش سينتشر على امتداد خريطة السودان
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون
  • الحرب التي أجهزت على السلام كله