لجريدة عمان:
2025-05-14@00:18:28 GMT

عمر أميرَلاي: الإخلاص للفيلم الوثائقي

تاريخ النشر: 20th, July 2024 GMT

سأقول ببساطة مفرطة: إنني تأثرتُ بسينما عمر أميرلاي منذ أول مرة تعرفتُ فيها على أسلوبه قبل عدة سنوات. لا كاميرا معي، لكنني لا أستريح إلى اليوم من التفكير بكتابة شعرية مُجففة الألوان تشبه هذه السينما؛ شعر وثائقي ينحاز بلا رحمة لوصف المشاهد بالأبيض والأسود، بلا اعتماد يُذكر على البلاغة والجماليات اللغوية.

كانت زيارتي الأولى له عبر فيلمه الوثائقي القصير «طبق السردين أو المرّة الأولى التي سمعت فيها بإسرائيل» الذي أنجزه عام 1997. يصور هذا الفيلم زيارة طلليَّة لما تبقى من مدينة القنيطرة الواقعة في مرتفعات الجولان، المدينة التي احتلها الإسرائيليون في اليوم الأخير من الأيام الستة لحربِ 1967 وحرصوا على تدميرها بالكامل قُبيل انسحابهم عام 1974، تاركينها درسا للعبرة في الجبهة السورية. نرى مع بداية الفيلم المبنى المدني الوحيد الناجي من هذا الدمار؛ صالة عرض سينمائي قديمة عُرفت باسم «سينما الأندلس»، ونتتبع خلاله جولة المخرج السوري محمد ملص، ابن القنيطرة، وهو يتنزه بين الحارات المدمرة مستعيدا ذكريات فيلمه «القنيطرة 74». وفي المشهد الأخير تتملى الكاميرا هضاب الجولان الواقعة على الشريط الحدودي، مطلةً على مأساة النازحين الذين يتبادلون رسائلهم مع ذويهم خلف الحدود بمكبرات الصوت.

بالرغم من وضوح نبرتها التسجيلية الكاشفة، كما في هذا الفيلم القصير، إلا أن السينما التي صنعها عمر أميرلاي بين عامي 1970 و2003، أي بين فيلمه الأول حتى فيلمه الأخير، تبقى غير قابلة للاستهلاك بمجرد المشاهدة الأولى، بل تظل مسكونة بطبقات من الرؤية، مدعاة لتكرار الزيارة المتأملة في موهبة الكاميرا النافذة إلى شغاف التفاصيل، القادرة على تجاوز مهمتها التلقائية في صنع المشهد إلى مهمة تاريخية أصعب تتمثل في تأليف السردية، حيث ينأى المخرج عن دوره كمرسل مباشر للخطاب مُفسحا المعرض لضيوف الكاميرا المتحدثين نيابة عن أفكاره.

عاد عمر أميرَلاي إلى دمشق عام 1970 خارجا من أجواء الثورة الطلابية في فرنسا (مايو 1968) حيث كان يدرس السينما في معهد نانتير على يد أستاذه جان بيير ملفليل المعروف بالأب الروحي للموجة الفرنسية الجديدة. وفور عودته إلى الوطن سيُخرج الشاب المتحمس للمشاريع الإصلاحية التي يقودها البعث السوري فيلمه الأول فيلم «محاولة عن سد الفرات». تلك البداية التجريبية المتفائلة بمستقبل الثورة الاشتراكية في سوريا ستنقلب في أفلامه اللاحقة إلى حالة نقدية مناوئة للسياسة السلطوية القائمة على التلقين الأيديولوجي لمختلف شرائح المجتمع السوري، فهو يقول بعد سنوات عن فيلمه الأول: «كنتُ من أنصار تحديث بلادي بأي ثمن، واليوم ألوم نفسي على ذاك الاندفاع الطائش». لذا كان لافتا أن يختتم هذا المخرج الفريد مسيرته السينمائية من حيث بدأها بالعودة إلى قصة سد الفرات في قرية «الماشي» التابعة لمحافظة الرقة حيث سيصور فيلمه الأخير «طوفان في بلاد البعث».

كاميرا أميرَلاي «المتشيطنة» كما يصفها فجر يعقوب تستنطق ضيوفها بجرأة لا تُقاوم، مثل نظرة حادة لا تنكسر. لم يستطع سياسي محنك كرفيق الحريري مراوغتها وهو في بيته حيث زاره المخرج الراحل لتصوير فيلمه الأشهر ربما «الرجل ذو النعل الذهبي»، الذي تجرأ فيه المخرج على نقده داخل الفيلم نفسه بالاستعانة بآراء ثلاثة من أصدقائه المثقفين: فواز طرابلسي وإلياس خوري والشهيد سمير قصير.

ومنذ رحيل المخرج السوري في فبراير 2011، أي على بُعد أسابيع قليلة فقط من اندلاع أحداث الثورة السورية، ظلَّت هذه السيرة السينمائية المشيدة من نحو عشرين فيلما تفتقد لكتابٍ سِيَري نقدي يغطيها، حتى صدر قبل عامين كتاب الروائي والسينمائي الفلسطيني فجر يعقوب «عمر أميرَلاي: العدسة الجارحة» عن منشورات المتوسط. وهو كتاب يقربنا من سيرة أميرَلاي المخلص بولع للسينما الوثائقية «حين لم تكن تُغري كُثراً من حولها، فضَّلوا العيش مع «لعبة» الممثل والإضاءة والديكورات والتقطيع والميك - أب». ويضيف فجر يعقوب نقلاً عن المخرج الراحل: «قال أمامنا وكرَّر ذلك على الملأ: إنه سيخلص للفيلم الوثائقي؛ لأن هذا الفيلم لا يغدر بصاحبه، كما تفعل الأفلام الروائية بصاحبها».

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عمر أمیر

إقرأ أيضاً:

من أعظم مخرج في التاريخ؟ ريتا خان تجيب

وتستهل خان حديثها بالإشارة إلى أن فكرة وجود لقب أو تصنيف مطلق لأعظم مخرج هي فكرة إشكالية، فحتى الفوز بجوائز مرموقة كالأوسكار أو السعفة الذهبية عدة مرات، لا يعني بالضرورة إجماعا على أن هذا المخرج هو الأعظم في التاريخ بنظر الجميع.

وتوضح خان أن دور المخرج في العمل السينمائي يشبه إلى حد كبير دور المايسترو في الفرقة الموسيقية، فهو الشخص الذي يوحد جهود فريق عمل متكامل، يضم كاتب السيناريو، ومدير التصوير، والممثلين، ومصمم الديكور، والموسيقي، لتنفيذ رؤيته الفنية المتفردة.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الأوسكار 2025: تنافس مثير على جائزة أفضل فيلم دولي وغياب الأفلام العربيةlist 2 of 4فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها الـ9 بمهرجان "كان"list 3 of 4للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2025list 4 of 4كيف تراهن هوليود على الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف الإنتاج؟end of list

وتضيف أنه في غياب هذه الرؤية القيادية الموحدة، وإذا عمل كل فرد من فريق العمل على هواه ووفقا لذوقه الخاص، فإن النتيجة النهائية قد تكون عملا مفككا، أو ما وصفته مجازا بـ"سلطة"، يفتقد إلى التناغم والانسجام الفني المطلوب لتحقيق الأثر المنشود.

وتلفت خان الانتباه إلى أنه عند مشاهدة فيلم لمخرج غير معروف الهوية مسبقا، قد يكون من الصعب على المشاهد العادي تحديد هوية المخرج إلا بعد قراءة اسمه في شارة النهاية، وهذا يؤكد على أهمية الأسلوب المميز الذي يميز بعض المخرجين.

استثناء من القاعدة

لكنها تستثني من هذه القاعدة العامة مخرجين استطاعوا أن يحفروا أسماءهم بأسلوب بصري وفني فريد، مثل المخرج ويس أندرسون، الذي يمكن التعرف على أفلامه بمجرد مشاهدة لقطة واحدة منها، وذلك بفضل بصمته الإخراجية المميزة واللافتة للنظر.

إعلان

وتشرح خان أن أندرسون، على الرغم من عدم دراسته للهندسة المعمارية، فإنه يبدي هوسا واضحا بها في أعماله، وتحديدا بمفهوم السيمترية أو التناظر، حيث يحرص على أن تكون الشخصيات أو العناصر الرئيسية في منتصف الكادر تماما، مع تناسق دقيق في كل شيء على يمينها ويسارها.

كما يتميز أندرسون باستخدامه الدائم للألوان الزاهية والمشرقة، وكأنه يضع المشاهد أمام لوحات تنتمي إلى الفن الحديث أو صفحات من كتب القصص المصورة (الكوميكس)، مما يمنح مشاهده إحساسا بالراحة والجمال، لكن هذه الألوان غالبا ما تكون مجرد غطاء يخفي صراعات ونزاعات تدور بين شخصيات الفيلم.

وتضيف خان أن أندرسون يلجأ في كثير من الأحيان إلى تقسيم أفلامه إلى فصول، يتفرع من كل فصل منها قصص وشخصيات جديدة، مما يجعل بنية الفيلم لديه تشبه إلى حد ما حكايات "ألف ليلة وليلة" في طريقة سردها المتشعبة والمتداخلة.

وتنتقل خان للحديث عن مخرج آخر صاحب بصمة فنية لا تخطئها عين، وهو تيم برتون، الذي تتميز أفلامه بشخصيات ذات ملامح خاصة: عيون جاحظة تحيطها هالات سوداء، وأجساد نحيلة، ملابس داكنة الطابع، وقصص ذات أجواء غريبة وفانتازية.

السينما التعبيرية

وتشير إلى تأثر برتون الواضح بالسينما التعبيرية الألمانية، وهي من أوائل المدارس السينمائية التي ظهرت في عشرينيات القرن الماضي، وتميزت بالقتامة الشديدة في الصورة، والتركيز على النفس البشرية المنهكة، واستخدام مكياج ثقيل وديكورات ذات زوايا حادة ومثيرة للرعب.

وتوضح خان أن أغلب شخصيات أفلام تيم برتون تكون عادة منبوذة من مجتمعها، ومكروهة بسبب اختلافها الظاهري أو سلوكها غير المألوف، لكنها في جوهرها غالبا ما تكون شخصيات طيبة القلب، ويكتشف المشاهد حقيقتها تدريجيا مع تطور الأحداث.

وتستشهد بفيلم "كوربس برايد" (العروس الجثة) كمثال على رؤية برتون، حيث يخلق عالمين متناقضين: عالم الأحياء الذي يبدو أزرق قاتما ورماديا وخاليا من الحياة الحقيقية بسبب التحكمات المجتمعية والطبقية، وعالم الأموات الذي هو على العكس تماما، مليء بالسعادة والاحتفالات والألوان الزاهية.

إعلان

وتلفت خان إلى علاقة العمل الوثيقة والممتدة بين برتون والممثل جوني ديب، الذي شارك معه في 8 أفلام، موضحة أن برتون يفضل العمل مع ممثلين قادرين على فهم عالمه السينمائي الفريد وتجسيد شخصياته المعقدة والغريبة الأطوار ببراعة.

وتفسر هذا التعاون بأن برتون يرى في ديب ممثلا يتمتع بقدرة فائقة على التحول وتقمص الشخصيات المختلفة، مشبها إياه بالممثل الأسطوري لون تشيني، الذي لُقب بـ"الرجل ذي الألف وجه"، بالإضافة إلى ما سماه برتون "النعومة" والعيون المعبرة التي يبحث عنها في ممثليه.

أعظم مخرج

وتعود ريتا خان لتقدم إجابتها عن السؤال المحوري، مؤكدة أنه من وجهة نظرها لا يوجد ما يسمى "أعظم مخرج في التاريخ" بشكل عام وموضوعي يمكن أن يتفق عليه الجميع، فالتفضيلات تختلف وتتنوع.

بل ترى أنه إذا شاهدت فيلما أعجبتك قصته وأداء الممثلين فيه، ووصلت إليك موسيقاه التصويرية الحالة الشعورية للأحداث، وصدقت عالم الفيلم واندمجت معه عن طريق الديكور، فاعلم أن وراء كل هذا فريقا كبيرا يعمل بجد.

وتضيف أنه خلف هذا الفريق، يوجد شخص واحد هو المسؤول عن كل هذه التفاصيل، هو المخرج. فإذا استطاع هذا المخرج أن يؤثر فيك، وأن يجعلك مستمتعا بعمله السينمائي، فهو بالتأكيد "أعظم مخرج في التاريخ" بالنسبة لك أنت شخصيا.

وهكذا، يصبح البحث عن "أعظم مخرج" في نهاية المطاف رحلة ذاتية وشخصية لكل مشاهد، يقودها الأثر العميق الذي يتركه صانع الفيلم في وجدانه، وقدرته الفريدة على خلق تجربة سينمائية متكاملة ومؤثرة لا يمكن نسيانها بسهولة.

13/5/2025

مقالات مشابهة

  • الفلاحي: صاروخ الحوثي الأخير يكشف المأزق الإستراتيجي لنتنياهو
  • من أعظم مخرج في التاريخ؟ ريتا خان تجيب
  • ‏“المهمة المستحيلة: والحساب الأخير” يُبهر النقاد قبل عرضه في مهرجان كان
  • أحلام توضح أسباب تأجيل العناق الأخير وتستعد لـ 4 ألبومات بلهجات مختلفة
  • طفلة تفاجئ نانسي عجرم في حفلها الأخير بـ هولندا
  • بعد تصريح الحكومة الأخير | شروط الاشتراك فى تأمين البطالة والفئات المستفيدة منه بالقانون
  • حاجة تحزن.. ناقد يعلق على هبوط الإسماعيلي إلى المركز الأخير
  • الديفري الأخير.. ماذا حدث بين سائق التوك توك وعامل بالمعصرة
  • إيرادات الأفلام.. عصام عمر ينتصر على الجميع وفار بسبع أرواح الأخير
  • سعدت بتكريمي.. حنان مطاوع تعبر عن سعادتها بتكريمها الأخير